في هذا المقال، سوف نستكشف شعر عنترة بن شداد في الشجاعة، وكيف تتجلى قيمها في أبياته الشعرية الخالدة، وكيف عكست قصائده تحديات الحياة ومواجهة المصاعب؛ لذا دعونا نستعرض معاً تلك الروائع الشعرية التي تصوِّر لنا صورة حقيقية عن فارس العرب وشجاعته الأسطورية.
أشهر قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة:
عنترة بن شداد هو أحد أشهر شعراء العرب في الجاهلية والإسلام، وهو معروف بشجاعته وفروسيته وحبه لعبلة، ومن أشهر قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة هي:
1. قصيدة أنا في الحرب العوان:
تعد قصيدة أنا في الحرب العوان من أشهر قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة، يصف فيها موقفه من الحرب والموت والشرف، عدد أبياتها ١٧، عمودية من البحر مجزوء الكامل، وقافيتها النون.
يقول فيها:
أَنا في الحَربِ العَوانِ
غَيرُ مَجهولِ المَكانِ
أَينَما نادى المُنادي
في دُجى النَقعِ يَراني
وَحُسامي مَع قَناتي
لِفِعالي شاهِدانِ
أَنَّني أَطعَنُ خَصمي
وَهوَ يَقظانُ الجَنانِ
أَسقِهِ كَأسَ المَنايا
وَقِراها مِنهُ داني
أُشعِلُ النارَ بِبَأسي
وَأَطاها بِجِناني
إِنَّني لَيثٌ عَبوسٌ
لَيسَ لي في الخَلقِ ثاني
خُلِقَ الرُمحُ لِكَفِّي
وَالحُسامُ الهِندُواني
وَمَعي في المَهدِ كان
فَوقَ صَدري يُؤنِساني
فَإِذا ما الأَرضُ صارَت
وَردَةً مِثلَ الدهانِ
وَالدِما تَجري عَلَيها
لَونُها أَحمَرُ قاني
وَرَأَيتُ الخَيلَ تَهوي
في نَواحي الصَحصَحانِ
فَاِسقِياني لا بِكَأسٍ
مِن دَمٍ كَالأُرجُوانِ
أَسمِعاني نَغمَةَ الأَس
يافِ حَتَّى تُطرِباني
أَطيَبُ الأَصواتِ عِندي
حُسنُ صَوتِ الهِندُواني
وَصَريرُ الرُمحِ جَهراً
في الوَغى يَومَ الطِعانِ
وَصِياحُ القَومِ فيهِ
وَهوَ لِلأَبطالِ داني.
2. قصيدة دعوني أوفي السيف في الحرب حقه:
تمثل قصيدة دعوني أوفي السيف في الحرب حقه شعر عنترة بن شداد عن الشجاعة، التي يعبر فيها عن حبه للسيف والرمح والمواجهة، عدد أبياتها ٢، وهي عمودية من البحر الطويل وقافيتها الياء.
يقول فيها:
دَعوني أُوَفِّي السَيفَ في الحَربِ حَقَّهُ
وَأَشرَبُ مِن كاسِ المَنِيَّةِ صافِيا
وَمَن قالَ إِنِّي سَيِّدٌ وَابنُ سَيِّدٍ
فَسَيفي وَهَذا الرُمحُ عَمِّي وَخالِيا
3. قصيدة أحن إلى ضرب السيوف:
قصيدة أحن إلى ضرب السيوف هي من أهم قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة التي يصور فيها مشاهد الحرب والقتال والفخر، عدد أبياتها ١٥، وهي عمودية من البحر الطويل وقافيتها الباء.
يقول فيها:
أَحِنُّ إِلى ضَربِ السُيوفِ القَواضِبِ
وَأَصبو إِلى طَعنِ الرِماحِ اللَواعِبِ
وَأَشتاقُ كاساتِ المَنونِ إِذا صَفَت
وَدارَت عَلى رَأسي سِهامُ المَصائِبِ
وَيُطرِبُني وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا
حُداةُ المَنايا وَاِرتِعاجُ المَواكِبِ
وَضَربٌ وَطَعنٌ تَحتَ ظِلِّ عَجاجَةٍ
كَجُنحِ الدُجى مِن وَقعِ أَيدي السَلاهِبِ
تَطيرُ رُؤوسُ القَومِ تَحتَ ظَلامِها
وَتَنقَضُّ فيها كَالنُجومُ الثَواقِب
وَتَلمَعُ فيها البيضُ مِن كُلِّ جانِبٍ
كَلَمعِ بُروقٍ في ظَلامِ الغَياهِبِ
لَعَمرُكَ إِنَّ المَجدَ وَالفَخرَ وَالعُلا
وَنَيلَ الأَماني وَارتِفاعَ المَراتِبِ
لِمَن يَلتَقي أَبطالَها وَسَراتَها
بِقَلبٍ صَبورٍ عِندَ وَقعِ المَضارِبِ
وَيَبني بِحَدِّ السَيفِ مَجداً مُشَيَّداً
عَلى فَلَكِ العَلياءِ فَوقَ الكَواكِبِ
وَمَن لَم يُرَوِّ رُمحَهُ مِن دَمِ العِدا
إِذا اشتَبَكَت سُمرُ القَنا بِالقَواضِبِ
وَيُعطي القَنا الخَطِّيَّ في الحَربِ حَقَّهُ
وَيَبري بِحَدِّ السَيفِ عُرضَ المَناكِبِ
يَعيشُ كَما عاشَ الذَليلُ بِغُصَّةٍ
وَإِن ماتَ لا يُجري دُموعَ النَوادِبِ
فَضائِلُ عَزمٍ لا تُباعُ لِضارِعٍ
وَأَسرارُ حَزمٍ لا تُذاعُ لِعائِبِ
بَرَزتُ بِها دَهراً عَلى كُلِّ حادِثٍ
وَلا كُحلَ إِلَّا مِن غُبارِ الكَتائِبِ
إِذا كَذَبَ البَرقُ اللَموعُ لِشائِمٍ
فَبَرقُ حُسامي صادِقٌ غَيرُ كاذِبِ
4. قصيدة إذا لم أروي صارمي من دم العدا:
قصيدة إذا لم أروي صارمي من دم العدا، هي أيضاً من قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة، يتحدى فيها الموت والخوف ويفتخر بسيفه ورمحه وفروسيته، عدد أبياتها ١٢ بيتاً، من البحر الطويل، قافيتها الراء ونوعها عمودي.
يقول فيها:
إِذا لَم أُرَوّي صارِمي مِن دَمِ العِدا
وَيُصبِحُ مِن إِفرِندِهِ الدَمُ يَقطُرُ
فَلا كُحِلَت أَجفانُ عَينَيَّ بِالكَرى
وَلا جاءَني مِن طَيفِ عَبلَةَ مُخبِرُ
إِذا ما رَآني الغَربُ ذَلَّ لِهَيبَتي
وَما زالَ باعُ الشَرقِ عَنِّيَ يُقصَرُ
أَنا المَوتُ إِلَّا أَنَّني غَيرُ صابِرٍ
عَلى أَنفُسِ الأَبطالِ وَالمَوتُ يَصبُرُ
أَنا الأَسَدُ الحامي حِمى مَن يَلوذُ بي
وَفِعلي لَهُ وَصفٌ إِلى الدَهرِ يُذكَرُ
إِذا ما لَقيتُ المَوتَ عَمَّمتُ رَأسَهُ
بِسَيفٍ عَلى شُربِ الدِما يَتَجَوهَرُ
سَوادي بَياضٌ حينَ تَبدو شَمائِلي
وَفِعلي عَلى الأَنسابِ يَزهو وَيَفخَرُ
أَلا فَليَعِش جاري عَزيزاً وَيَنثَني
عَدُوِّي ذَليلاً نادِماً يَتَحَسَّرُ
هَزَمتُ تَميماً ثُمَّ جَندَلتُ كَبشَهُم
وَعُدتُ وَسَيفي مِن دَمِ القَومِ أَحمَرُ
بَني عَبسَ سودوا في القَبائِلَ وَافخَروا
بِعَبدٍ لَهُ فَوقَ السَماكَينِ مِنبَرُ
إِذا ما مُنادي الحَيِّ نادى أَجَبتُهُ
وَخَيلُ المَنايا بِالجَماجِمِ تَعثُرُ
سَلِ المَشرَفيَّ الهِندَوانيَّ في يَدي
يُخَبِّركَ عَنِّي أَنَّني أَنا عَنتَرُ
شاهد بالفديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
5. قصيدة لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب:
تعد قصيدة لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب إحدى أشهر قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة، التي ينصح فيها بالحكمة والعفو والتسامح وينتقد الحسد والغضب والجبن ويشجع على الشجاعة، تتألف من ١٩ بيتاً، نوعها عمودي، وهي من البحر البسيط وقافيتها الباء.
يقول فيها:
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ
وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
وَمَن يِكُن عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُم
إِذا جَفوهُ وَيَستَرضي إِذا عَتَبوا
قَد كُنتُ فيما مَضى أَرعى جِمالَهُمُ
وَاليَومَ أَحمي حِماهُم كُلَّما نُكِبوا
لِلَّهِ دَرُّ بَني عَبسٍ لَقَد نَسَلوا
مِنَ الأَكارِمِ ما قَد تَنسُلُ العَرَبُ
لَئِن يَعيبوا سَوادي فَهوَ لي نَسَبٌ
يَومَ النِزالِ إِذا ما فاتَني النَسَبُ
إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي
قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ
اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً
يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها
عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
فَتىً يَخوضُ غِمارَ الحَربِ مُبتَسِماً
وَيَنثَني وَسِنانُ الرُمحِ مُختَضِبُ
إِن سَلَّ صارِمَهُ سالَت مَضارِبُهُ
وَأَشرَقَ الجَوُّ وَانشَقَّت لَهُ الحُجُبُ
وَالخَيلُ تَشهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا
وَالطَعنُ مِثلُ شَرارِ النارِ يَلتَهِبُ
إِذا اِلتَقَيتَ الأَعادي يَومَ مَعرَكَةٍ
تَرَكتُ جَمعَهُمُ المَغرورَ يُنتَهَبُ
لِيَ النُفوسُ وَلِلطَيرِ اللُحومُ
وَلِلوَحشِ العِظامُ وَلِلخَيَّالَةِ السَلَبُ
لا أَبعَدَ اللَهُ عَن عَيني غَطارِفَةً
إِنساً إِذا نَزَلوا جِنَّاً إِذا رَكِبوا
أُسودُ غابٍ وَلَكِن لا نُيوبَ لَهُم
إِلَّا الأَسِنَّةُ وَالهِندِيَّةُ القُضُبُ
تَحدو بِهِم أَعوَجِيَّاتٌ مُضَمَّرَةٌ
مِثلُ السَراحينِ في أَعناقِها القَبَبُ
ما زِلتُ أَلقى صُدورَ الخَيلِ مُندَفِق
بِالطَعنِ حَتَّى يَضِجَّ السَرجُ وَاللَبَبُ
فَالعُميُ لَو كانَ في أَجفانِهِم نَظَروا
وَالخُرسُ لَو كانَ في أَفواهِهِم خَطَبوا
وَالنَقعُ يَومَ طِرادَ الخَيلِ يَشهَدُ لي
وَالضَربُ وَالطَعنُ وَالأَقلامُ وَالكُتُبُ
6. قصيدة أنا العبد الذي خبرت عنه:
قصيدة أنا العبد الذي خبرت عنه هي من قصائد عنترة بن شداد الهامة في الشجاعة، التي يرد فيها على النعمان بن المنذر ملك الحيرة الذي استهزأ به وبنسبه، عدد أبياتها ١٤ بيتاً، وهي من البحر الوافر، نوعها عمودي، وقافيتها العين، يقول فيها:
إِذا كَشَفَ الزَمانُ لَكَ القِناعا
وَمَدَّ إِلَيكَ صَرفُ الدَهرِ باعا
فَلا تَخشَ المَنيَّةَ وَالقَيَنها
وَدافِع ما اِستَطَعتَ لَها دِفاعا
وَلا تَختَر فِراشاً مِن حَريرٍ
وَلا تَبكِ المَنازِلَ وَالبِقاعا
وَحَولَكَ نِسوَةٌ يَندُبنَ حُزناً
وَيَهتِكنَ البَراقِعَ وَاللِفاعا
يَقولُ لَكَ الطَبيبُ دَواكَ عِندي
إِذا ما جَسَّ كَفَّكَ وَالذِراعا
وَلَو عَرَفَ الطَبيبُ دَواءَ داءٍ
يَرُدُّ المَوتَ ما قاسى النِزاعا
وَفي يَومِ المَصانِعِ قَد تَرَكنا
لَنا بِفِعالِنا خَبَراً مُشاعا
أَقَمنا بِالذَوابِلِ سوقَ حَربٍ
وَصَيَّرنا النُفوسَ لَهَ مَتاعا
حِصاني كانَ دَلَّالَ المَنايا
فَخاضَ غُبارَها وَشَرى وَباعَ
وَسَيفي كانَ في الهَيجا طَبيباً
يُداوي رَأسَ مَن يَشكو الصُداعا
أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتَ عَنهُ
وَقَد عايَنتَني فَدَعِ السَماعا
وَلَو أَرسَلتُ رُمحي مَع جَبانٍ
لَكانَ بِهَيبَتي يَلقى السِباعا
مَلَأتُ الأَرضَ خَوفاً مِن حُسامي
وَخَصمي لَم يَجِد فيها اتِّساعا
إِذا الأَبطالُ فَرَّت خَوفَ بَأسي
تَرى الأَقطارَ باعاً أَو ذِراعا
7. قصيدة سكتُّ فغرَّ أعدائي السكوت:
تمثل قصيدة سكت فغر أعدائي السكوت شعر عنترة بن شداد عن الشجاعة، عدد أبياتها ٩، عمودية من البحر الوافر، وقافيتها التاء.
يقول فيها:
سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي السُّكوتُ
وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ
وكيفَ أنامُ عنْ ساداتِ قومٍ
أنا في فَضْلِ نِعْمتِهمْ رُبيت
وإنْ دارتْ بِهِمْ خَيْلُ الأَعادي
ونَادوني أجَبْتُ متى دُعِيتُ
بسيفٍ حدهُ يزجي المنايا
وَرُمحٍ صَدْرُهُ الحَتْفُ المُميتُ
خلقتُ من الحديدِ أشدَّ قلباً
وقد بليَ الحديدُ وما بليتُ
وفي الحَرْبِ العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلاً
ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ سُقِيتُ
وَإنِّي قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي
بأقحافِ الرُّؤوس وَما رَويتُ
فما للرمحِ في جسمي نصيبٌ
ولا للسيفِ في أعضائي قوتُ
ولي بيتٌ علا فلكَ الثريَّا
تَخِرُّ لِعُظْمِ هَيْبَتِهِ البُيوتُ
في الختام:
لقد قدمت قصائد عنترة بن شداد في الشجاعة للعالم رموزاً مذهلة عن البطولة، فتجلى فيها عزم الفارس وقوة الإرادة والاستعداد لمواجهة التحديات بكل جرأة وثبات، ومن خلال كلماته الشاعرية، نغوص في عالم الشجاعة ونتعرف إلى قيمها العظيمة التي تتجلى في الصمود أمام الصعاب والمخاطر.
ففي قصائده، نجد عنترة يروي قصص البطولة بأسلوب يثير الإعجاب والإلهام، وهذا يجعله قدوة للشجاعة والنضال في وجه الظروف الصعبة؛ إنَّه يُظهر لنا أنَّ الشجاعة ليست مجرد مجموعة من الأفعال البطولية، بل هي أسلوب حياة يتمثل في الإيمان بالقيم النبيلة والثقة في الذات.
من خلال استكشاف قصائده، ندرك أنَّ الشجاعة ليست مقتصرة على القتال والمواجهات العسكرية، بل تتجلى أيضاً في الإرادة الصلبة لتحقيق العدالة والإنصاف والدفاع عن الضعفاء والمظلومين.
بهذا، يكتمل دور عنترة بن شداد بصفته شاعراً وفارساً عربياً عظيماً، ورمزاً للشجاعة والبطولة التي تستحق التأمل والإعجاب، وإنَّ تراثه الشعري يظلُّ مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة، فتظل قصائده تسطِّر لنا دروساً قيِّمة في فنون الشجاعة والتصميم على التحدي والنضال من أجل الحق والعدالة.
فلنستلهم من قصائد عنترة بن شداد الشجاعة والإرادة والصمود، ولنعِش بروح البطولة والنبل في كل ما نقوم به، مع الثقة بأنَّ الشجاعة هي مفتاح النجاح والتفوُّق في حياتنا.
أضف تعليقاً