الاحتلال الفرنسي الإسباني للمغرب:
بدأت الأطماع الأوروبية للسيطرة على المغرب بالظهور منذ عام 1840م، وترجمت الدول الأوروبية أطماعها الاستعمارية إلى واقعٍ ملموسٍ في عام 1904م، بعد أن وقَّعت فرنسا وإسبانيا اتفاقاً سريَّاً عام 1904م يهدف إلى تقسيم المغرب إلى مناطق ذات نفوذٍ إسبانيٍّ وأخرى فرنسي.
فُرِضَت الحماية الفرنسية على المغرب بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب من طرف السلطان عبد الحفيظ، عمِّ الملك محمد الخامس، وذلك في 30 مارس/ آذار عام 1912م؛ وقد سُمِّيت مُعاهدة فاس، واستمرَّت حتَّى حصول المغرب على استقلاله سنة 1956م.
وقد شملت الاتفاقية فرض الحماية الفرنسية على المنطقة الوسطى بالمغرب، والذي سيطرت عليها فرنسا بموجب المعاهدة التي قُسِّم المغرب بموجبها إلى ثلاث محميات:
- المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب تحت الحماية الأسبانية.
- المنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية.
- مدينة طنجة التي خضعت لحمايةٍ دوليةٍ بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.
وقد استطاع المستعمر أن يُحكِم سيطرته على المملكة من خلال تقييده شخص السلطان بهذه المعاهدة، الأمر الذي مكَّنه فيما بعد من عزل "مولاي عبد الحفيظ" (السلطان عبد الحفيظ) بعد شهور قليلة من توقيعه المعاهدة، وتنصيب أخيه "مولاي يوسف" بدلاً منه، بهدف جعل السلطان أداةً مطيعةً في يد المحتلين.
استمرَّ الفرنسيون على هذا المنوال، مع اختيار أصغر أبناء مولاي يوسف لخلافته إثر وفاته عام 1927م، إلَّا أنَّ الأمور اتخذت اتجاهاً لم يكن مُتوقَّعاً، وذلك بعد أن تحوَّل "محمد بن يوسف" تدريجيَّاً إلى الحليف الأول للوطنيين الرافضين لاستمرار الحماية الأجنبية على البلاد، الأمر الذي دفعهم إلى نفيه عام 1953م، ليُصبح مطلب عودته من المنفى مُرادفاً للاستقلال.
الملك محمد الخامس:
وُلِدَ محمد الخامس بن السلطان مولاي يوسف في مدينة فاس المغربية، في 10 أغسطس/ آب 1909م، وهو أصغر إخوته الثلاثة؛ وعند مرض والده السلطان، كان ابنه إدريس يستعدُّ لخلافة والده كونه الابن الأكبر، إلَّا أنَّ الإقامة العامَّة للحماية الفرنسيَّة كان لها رأي آخر تَقاسمه معها أيضاً "الصدر الأعظم" القوي آنذاك محمد القري؛ ورغم مُعارضة بعض الأعيان والفقهاء لهذا القرار، إلَّا أنَّ إرادة القوي هي التي تحكُم، وأُعلِنَ الأمير "محمد بن يوسف" بعمر الـ 18 سنة سلطاناً على المغرب يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1927م.
شهدت بداية عهد محمد بن يوسف اشتعال المقاومة الوطنية من جديد، حيث كانت "الظهير البربري" إحدى كُبرى المعارك التي جرت في عهده، والتي كان لها الأثر الحاسم في تحوُّله للانخراط في مسار المقاومة الوطنية.
عَرَضَت عليه فرنسا مع بداية الخمسينيات مجموعةً من المراسيم الجديدة كي يُوقِّع عليها لتتحوَّل إلى قوانين، والتي نصَّت على تغييراتٍ كبيرةٍ تقوم على بسط سلطة الحكم المُباشر للمملكة، وذلك بدل نظام السلطة المزدوجة التي كانت قائمةً بمقتضى معاهدة الحماية، أي حكومة السلطان المغربي إلى جانب "إقامةٍ عامَّة" فرنسية؛ الأمر الذي دفعه إلى إعلان العصيان والتمرُّد، وامتنع عن التوقيع، ليشتد الصراع بينه كحليفٍ للوطنيين، وبين الاستعمار وحلفائه من كبار الأعيان المحليين.
نُقِلَ محمد بن عرفة في أغسطس/آب 1953م من مدينة فاس إلى مدينة مراكش، والتي شهدت اجتماعات الباشا الكلاوي ومن معه من العملاء والخونة بإشراف رجال الإقامة العامة، حيث عيَّنه الفرنسيون سلطاناً جديداً؛ وذلك في الوقت الذي نفوا فيه الملك محمد الخامس في يوم 20 أغسطس/ آب 1953م باتّجاه كورسيكا، قبل أن يُنقَل من جديد في يوم 2 يناير/ كانون الثاني 1954م إلى مدغشقر.
ثورة "الملك والشعب":
لم يتمكَّن الاستعمار على الرغم من كُلّ ما سبق من وقف المدّ النضالي للشعب المغربي، حتَّى رغم نفيه لملكهم محمد الخامس، والذي تسبَّب بانتفاضةٍ عارمةٍ شهدها المغرب في أعقاب ذلك، بما فيها من مدنٍ وقرى مغربية، وقد استمرَّت الثورة لمدَّة عامين كاملين غلب عليهما طابع الدموية والغليان والمواجهات العنيفة والتضحيات من قبل الشعب.
لم تجد فرنسا نفسها إلَّا مُجبرةً على الخضوع للمطالب المغربية، ودخلت في مفاوضاتٍ مع الوطنيين، لتكون أوَّل مطالبهم عزل السلطان البديل وعودة السلطان الشرعي محمد الخامس إلى عرشه، ومن ثمَّ التفاوض على تفاصيل الاستقلال.
استقلال المغرب:
أرسلت فرنسا وفوداً للتفاوض مع محمد بن يوسف في منفاه، وما بين رفض السلطان محمد الخامس لأيِّ تنازلٍ أو مُساهمةٍ في دعوة المغاربة إلى التهدئة، وبين رفض الوطنيين المغاربة لأيِّ تفاوضٍ قبل عودة السلطان الشرعي؛ وجدت فرنسا نفسها مضطرةً للاستجابة لمطلب إعادة الملك محمد الخامس إلى بلده، لتطأ قدمه مُجدَّداً أرض وطنه يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1955م، ويُعلِن انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية.
أُعلِن استقلال المغرب في 2 مارس/ آذار 1956م، واعترفت فرنسا باستقلالها، ثمَّ أعلنت إسبانيا إنهاء احتلالها لمناطق الريف والساحل المغربي، واعترفت بسيادة المغرب على هذه المناطق في السابع من نيسان/ أبريل من عام 1956م، وأُلغِي بعد ذلك النظام الدولي في طنجة، وأصبح يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1955م عيداً للاستقلال، وعيداً وطنياً للمملكة المغربية.
عيد استقلال المغرب:
يحتفل المغرب سنوياً في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني بعيد الاستقلال (أو يوم الاستقلال)، تخليداً لذكرى عودة ملكهم محمد الخامس إلى المغرب بعد أن كان منفياً، واحتفالاً باستقلال المغرب عن الحكم الفرنسي والإسباني.
يُعدُّ عيد استقلال المغرب يوم عطلةٍ رسميٍّ تُقام خلاله الاحتفالات والمسيرات الملونة، وتُزيَّن الشوارع والساحات وواجهات المحلات بالأعلام، وتخصِّص وسائل الإعلام هذا اليوم لعرض ذكريات الاستقلال، كما تُقام المعارض التي تُخلِّد هذه المناسبة.
أضف تعليقاً