أولاً: مشكلات التعليم في الدول النامية
تعاني الدول النامية من العديد من المشكلات في قطاع التعليم، وأهمها:
- نسب تسرب الطلاب من المدرسة عالية جداً.
- المقررات الدراسية قائمة على الحشو والبصم.
- كثرة الواجبات المنزلية وضخامتها، وهذا يحرم الطالب الراحة والمتعة في البيت ويجعله يرى المدرسة وسيلةً للتعذيب والعقاب النفسي.
- عدم الاهتمام بالنشاطات والرياضة ووسائل تنمية المواهب وخاصة للأطفال.
- أسلوب تعليم تقليدي قائم على التلقين والإلقاء.
- إهمال الجانب النفسي للطالب والتعامل معه بقسوة، وفرض الأوامر من المعلم والإدارة، وتوجيه الإهانات اللفظية والجسدية أحياناً.
- كثرة الامتحانات والاختبارات وجعل العلامة هي التي تحدد مصير الطالب، وهذا يجعله يلجأ إلى الغش والبصم دون الاهتمام بمحتوى المواد.
- التمييز بين الطلاب حسب مستواهم العلمي أو لاعتبارات أخرى، وهذا يسبب عقداً نفسية لديهم ويجعلهم يكرهون المدرسة والدراسة.
- عدم وجود معايير مهنية وشخصية لاختيار المعلمين وعدم الاهتمام بتوفير احتياجات المعلم المادية والنفسية، وهذا يجعله يُقصِّر في عمله.
- افتقار المدارس والجامعات إلى البنية التحتية ووسائل التعليم الحديثة.
ثانياً: مفهوم الجودة في التعليم
الجودة في اللغة: هي بلوغ شيء ما درجة عالية من الكفاءة والنوعية والقيمة الجيدة.
الجودة في التعليم: هي إنشاء بيئة تعليمية أفضل بحيث تتحقق الغاية الأساسية من التعليم، وهي إخراج طلاب بمستويات عالية من العلم والمعرفة يحملون مهارات التفكير العلمي والنقدي والبحث والشخصية السليمة والقدرة على التعبير عن الرأي.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم
ثالثاً: معايير جودة التعليم
- جودة المناهج العلمية والمقررات الدراسية.
- جودة العملية الإدارية والتعليمية داخل المؤسسة التعليمية.
- جودة البنية التحتية والمرافق العامة في المؤسسة التعليمية.
- جودة نتائج التحصيل العلمي.
- التحسين المستمر.
رابعاً: آليات تحقيق جودة التعليم
تتحقق الجودة في التعليم من خلال الآليات الآتية:
- تطوير المناهج الدراسية، فمن أهم خطوات الجودة في التعليم، هي تغيير المناهج الدراسية وتطويرها بحيث تكون متناسبة مع التطور الحاصل، كما يجب التركيز على البحث العلمي وإدخال تقنيات التكنولوجيا الحديثة وربط التعليم بالواقع وبسوق العمل والابتعاد عن أساليب الحشو والحفظ والتلقين البعيدة عن إعمال العقل والتركيز على نوعية المواد وليس الكمية.
- الاهتمام بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية وتوفير كل متطلباتها من أجهزة حديثة وحواسيب ومختبرات.
- الاهتمام بمدارس المدن والقرى على حد سواء وتوحيد النظام التعليمي بحيث لا يكون هناك فرق في جودة التعليم بين المدن والقرى.
- زيادة ميزانيات التعليم والإنفاق المخصص للمدارس والجامعات.
- الاهتمام بالموارد البشرية (المعلمين) لأنَّهم أساس التعليم، وهم من يرفعون جودته أو يخفضونها؛ وذلك من خلال اختيار الأكفاء منهم وتوفير احتياجاتهم المادية والمعنوية وتحفيزهم وتطوير مهاراتهم وأدواتهم وإخضاعهم لدورت تدريبية دائمة.
- إلزامية ومجانية التعليم في المرحلة الابتدائية على الأقل.
- التركيز على اكتشاف وتنمية مواهب ومهارات الطالب وبناء شخصيته وصحته النفسية وزرع حب الدراسة بداخله من خلال اكتشاف ميوله، وتخفيف الضغط بتخفيف الامتحانات والاختبارات والواجبات المنزلية.
- عدم التمييز والإنصاف، فمن أهم متطلبات الجودة في التعليم هي تحقيق المساواة بين الطلاب وعدم التمييز بينهم على أساس الجنس أو الدين أو اللون أو العرق أو الخلفية العائلية.
- الملاءمة؛ أن تتلاءم أنظمة التعليم مع احتياجات المجتمع الحقيقية.
- التعليم الصديق للطفل؛ أي أن يكون الطفل الغاية الأولى والأخيرة في العملية التعليمية، والحرص على اكتشاف كل إمكاناته ومواهبه الكامنة وإتاحة الفرصة له للمشاركة النشطة وللتعبير عن رأيه بكل ثقة وصراحة.
- الاستدامة؛ إذ تحتاج عملية التعليم إلى التطوير الدائم، وهذا ما يستلزم الاستمرار في التخطيط والتطوير.
- دراسة تجارب الدول الناجحة في التعليم واستخلاص العبر والدروس منها.
خامساً: أهمية الجودة في التعليم
تتمثل أهمية الجودة في التعليم بما يأتي:
- رفع كفاءة العملية التعليمية وتقليل الأخطاء والعيوب فيها إلى الصفر.
- إنتاج مخرجات (طلاب) بجودة عالية من كافة النواحي العلمية والنفسية والجسدية.
- زيادة انتماء الطلاب إلى المدرسة أو الجامعة والرغبة في إكمال تحصيلهم العلمي.
- انتشار جو من التعاون والاحترام والعلاقات الإنسانية السليمة بين الطلاب والمعلمين والإدارة، وهذا يخفف المشكلات والشكاوى التي عادةً ما تحدث في المدارس.
- زيادة نسبة الخريجين وحاملي الشهادات العليا من سكان البلد، وهذا ينعكس إيجاباً على تقدم البلد وتطوره.
- حصول النظام التعليمي على تصنيف عالٍ بين أنظمة التعليم العالمية، وهذا يجعل مدارس وجامعات البلد مقصداً للطلاب من كل أنحاء العالم.
- كانت فنلندا التي هي إحدى الدول الاسكندنافية والتي تقع شمال أوروبا وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 بلداً زراعياً، فاقتصادها قائم على ما ينتجه الفلاحون، ولكنَّها اليوم تحولت إلى اقتصاد المعرفة بفضل تجربتها الفريدة في التعليم التي نتج عنها تطور فنلندا وجعلها دولة رفاه، حتى إنَّ إحصاءات الدول تشير إلى أنَّ فنلندا من أكثر شعوب العالم سعادةً.
- تجربة فنلندا في التعليم تجربة باهرة ويُشار إليها بالبنان، ويحصل طلابها على مراكز مرموقة على مستوى العالم، واحتلت المركز الأول على مستوى العالم في تحقيق الجودة في العملية التعليمية بناءً على تقييمات من منظمات عالمية، ويُقال إنَّ اللجنة التي درست التجربة الفنلندية وقفت مذهولة أمام نتائج هذه التجربة، وتم اقتراحها بوصفها نموذجاً عالمياً في تبني الجودة في التعليم.
- تفوقت فنلندا على الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 17% في عدد المتخرجين من الجامعات أو المعاهد الفنية التي وصلت نسبتهم في فنلندا إلى 93%، بينما كانت في أمريكا 75%.
- أول خطوة قامت بها فنلندا هي القضاء على بعض المشكلات التي سماها "باسي سالبرغ" - وهو دكتور بجامعة هارفارد والأب الروحي للتجربة الفنلندية في التعليم - بـ "جراثيم التعليم" وهي:
- الجرثومة الأولى: كمية المواد الكبيرة التي تُركز على الكم وليس النوع، والحفظ وليس الفهم.
- الجرثومة الثانية: الامتحانات والاختبارات الكثيرة التي تُرهِق الطالب وتجعله في توتر دائم.
- الجرثومة الثالثة: الواجبات المنزلية التي تحرم الطالب من الراحة والاستمتاع بوقته واللعب وممارسة الهوايات.
- الجرثومة الرابعة: الدروس الخصوصية التي تُحوِّل المعلم إلى شخص جشع يسعى إلى الربح ويحرفه عن رسالته التعليمية والتربوية.
- الجرثومة الخامسة: المواد المعقدة التي لا تنفع الطالب ولا ترتبط بواقعه وميوله، وهي المعلومات التفصيلية التي لا تهم إلا أهل التخصص الدقيق بها.
سادساً: معجزة فنلندا في التعليم
أسرار التجربة الفنلندية التي أبهرت العالم:
- عملت فنلندا على مبدأ أنَّ "الطالب يذهب إلى التنزه في المدرسة وليس إلى التعليم"؛ إذ يبلغ متوسط الوقت المخصص للعلم نحو ساعة واحدة فقط، وبقية الوقت هو لممارسة الرياضة واللعب والنشاطات، ولا يُلزم الأطفال بارتداء زي موحد؛ بل يرتدون ما يريحهم، وهذا جعل المدرسة مكاناً محبباً للطفل يقضي فيه أجمل الأوقات.
- قامت فنلندا بإعادة بناء كل المدارس وتوحيد نظامها بحيث لا يكون هناك فرق بين مدارس المدن ونظيراتها في القرى، أو بين الأحياء الشعبية والأحياء الميسورة، وجعل كل المدارس حكومية ومدعومة من الدولة ومستقلة تماماً عن الدولة والنظام السياسي.
- المدارس في فنلندا دون أسوار، حتى لا يشعر الطالب أنَّه في سجن، فهم يهتمون بشعوره بالطمأنينة والراحة النفسية.
- تحديد عدد طلاب الصف في المرحلة الابتدائية 12 طالباً، تعتني بهم 3 مربيات واثنين من المعلمين ومساعديهم، ولا يتجاوز الصف في المرحلة الإعدادية والثانوية 25 طالباً، يتم تقسيمهم إلى مجموعات مؤلفة من 7 طلاب، ولكل مجموعة مُدرس خاص وله مساعد.
- إلزام جميع المدارس بتخصيص أماكن معينة للمكتبة وملاعب الرياضة ومسرح وقاعة نشاط وخزانات حفظ الملابس.
- الابتعاد عن الحشو والإلقاء واتباع نظام التعليم التفاعلي، وترك الاستقلالية للطالب باختيار الوحدات الدراسية التي لديه ميل لدراستها وإشباع فضوله التعليمي، ومساعدته على اختيار التخصص المناسب له عندما يكبر، ومساعدته على حل المشكلات ذاتياً.
- لا يتم الفصل أو التمييز بين الطلاب على أساس مستواهم التعليمي؛ وذلك بهدف تشجيع المتعثرين إلى الوصول إلى مستوى زملائهم، كما ويتم تخريجهم بفروقات بسيطة دون شهادات تفوق للمتفوق أو خطابات تحذير للفاشل.
- لا يقوم نظام التعليم في فنلندا على النجاح والرسوب في نهاية العام، فهو قائم على منح الطالب المتفوق نقاطاً عددية لتمييزه عن غيره.
- يُمنع إعطاء أي طفل درجة "صفر" حتى لو لم يبذل أي جهد، حتى لا يُصاب بالإحباط.
- التعليم مجاني في فنلندا ويتم تأمين كل مستلزمات الطلاب من كتب وأدوات، ويُمنح كل طالب في بداية كل عام دراسي أحدث الأجهزة الإلكترونية من هاتف ذكي وحاسوب محمول وجهاز تابلت، كما يتم تقديم وجبات الطعام المجانية.
- الاهتمام بنشر ثقافة الاحترام والتعاون بين كل الإداريين والمعلمين والطلاب.
- الامتحان لا وجود له إلا بعد سن المراهقة؛ إذ ينص القانون على ألا يتم اختبار الطفل حتى يبلغ الـ 11 سنة؛ إذ يرى خبراء التعليم في فنلندا أنَّ الامتحانات تؤدي إلى المنافسة بين الطلاب الصغار (ما قبل المراهقة)، بخلاف ما تؤمن به فنلندا وهو إنشاء التعاون والتشارك بينهم.
- الواجب المنزلي لا وجود له أيضاً في التعليم في فنلندا، وإن وُجد يمكن إنجازه بين 10 و20 دقيقة.
- قصر مدة الدوام المدرسي بين 3 أو 4 ساعات متضمنة فترات الراحة.
- يتم اختيار المعلمين بعناية دقيقة ووفق شروط صارمة؛ إذ يتم قبول 11% فقط من المتقدمين لوظيفة التدريس، وإخضاع المُدرِّس قبل دخوله مجال التدريس إلى تأهيل علمي وتدريب شاق، بعد أن يكون حاصلاً على درجة ماجستير عالي التنافسية، كما يُركزون على عدم إرهاق المعلم، فهو يعمل لمدة 4 ساعات يومياً فقط، وهذا يجعله أكثر راحة ويمنحه وقتاً للتخطيط للدروس، ويحرصون على منحه مكانة وتقديراً عالياً جداً.
- يبقى المعلم نفسه مع طلابه فترة طويلة تصل إلى 5 سنوات، وهذا يجعله يدرك مكامن قوَّتهم وضعفهم، بالإضافة إلى إنشاء علاقة وطيدة ومميزة بينه وبينهم، حتى إنَّهم غالباً ما ينادونه باسمه الأول.
في الختام: الجودة في التعليم هي المنقذ
يُعَدُّ تحقيق الجودة في التعليم أمراً في غاية الأهمية خاصة بالنسبة إلى الدول النامية التي ما تزال تعاني من نظام تعليمي تقليدي ومتخلف؛ لذا إن أرادت هذه الدول اللحاق بركب الحضارة والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، لا بد لها أن تضع الجودة في التعليم هدفاً في قائمة أولوياتها، وتُجنِّد كل خبرائها وإمكاناتها لتحقيق هذا الهدف، وإنشاء البيئة المساعدة له.
أضف تعليقاً