كما أظهرَت دراسات حديثة فعالية العلاج النفسي بالواقع المعزز في التعامل مع اضطرابات القلق، والرهاب، واضطرابات النمو العصبي، مثل التوحد وفرط الحركة.
إلى جانب دوره في التثقيف النفسي وتعزيز الرفاه العاطفي، خصيصاً لدى الأطفال والمراهقين، وبفضل إمكانية استخدامه من خلال أجهزة ذكية متاحة، مثل الهواتف والأجهزة اللوحية، يوفر الواقع المعزز حلولاً علاجية مرنة وسهلة التطبيق.
انطلاقاً من هذه الخلفية، يقدِّم هذا المقال عرضاً تحليلياً لتطبيقات العلاج النفسي بالواقع المعزز، مع التركيز على آليات استخدامه لتشكيل ممارسات الصحة النفسية لتكون أكثر شمولاً، وتفاعليةً، وفعاليةً.
ما هو العلاج النفسي بالواقع المعزز؟
يُعد العلاج النفسي بالواقع المعزز (Augmented Reality Psychotherapy) أسلوباً علاجياً حديثاً يستخدم تقنية الواقع المعزز(AR) لدمج عناصر رقمية افتراضية (صور، وأصوات، وفيديو) في بيئة المريض الواقعية بتفاعلية، وذلك بهدف تعزيز فعالية التدخلات النفسية وتحسين تجربة المريض العلاجية.
يختلف استخدام الواقع المعزز في العلاج النفسي عن استخدام الواقع الافتراضي (VR)، ففي حين أنَّ الواقع الافتراضي يغمر الشخص بالكامل في بيئة رقمية، يضيف الواقع المعزز عناصر رقمية إلى العالم الحقيقي باستخدام نظارات ذكية، أو كاميرا الهاتف المحمول، أو أجهزة لوحية.
مزايا استخدام الواقع المعزز في العلاج النفسي
- التكامل بين الواقع والافتراض: يُدمج الواقع المعزز والعلاج النفسي عناصر رقمية في البيئة الحقيقية، مما يوفر تجربة علاجية وواقعية وتفاعلية دون عزل المريض عن محيطه الفعلي.
- التفاعل الفوري: يتيح الواقع المعزز استجابة فورية لحركات وسلوك المستخدم، مما يعزز التفاعل ويزيد فعالية الجلسات العلاجية.
- إمكانية التلعيب: يُدمَج بسهولة في ألعاب تفاعلية تعليمية، مما يعزز دافعية الأطفال والمراهقين للمشاركة في العلاج النفسي بالواقع المعزز.
- سهولة الاستخدام: باستخدام أجهزة ذكية متوفرة، مثل الهواتف والأجهزة اللوحية، مما يجعله أكثر سهولة وأقل تكلفة من الواقع الافتراضي.
- توفير بيئة آمنة ومتحكم بها لتجربة مواقف مثيرة للقلق دون التعرض لخطر فعلي.
- سهولة التكرار والتدرج في جلسات التعرض.
- إمكانية التخصيص وفق احتياجات كل مريض.
استخدامات العلاج النفسي بالواقع المعزز
- اضطرابات القلق والرهاب (مثل الخوف من العناكب أو المرتفعات).
- اضطرابات النمو العصبي، مثل التوحد (ASD) وفرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
- التثقيف النفسي وتحسين الرفاه العاطفي والمعرفي.
- دعم الإجراءات الطبية وتقليل الألم والقلق المصاحبين لها (خصيصاً لدى الأطفال).
- علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- تحسين المهارات الاجتماعية والتواصل.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT).
- تعزيز الاسترخاء والتأمل.

فوائد العلاج النفسي بالواقع المعزز
أصبح من الممكن دمج التقنيات الرقمية في الممارسات العلاجية النفسية بطرائق مبتكرة وفعالة، ومن أبرز هذه التقنيات الحديثة يأتي العلاج النفسي بالواقع المعزز، الذي يُعد نقلة نوعية في طريقة تقديم الدعم النفسي والعلاجي، فهو يحقق مجموعة من الفوائد:
1. تحسين التفاعل والتواصل الاجتماعي
يوفر العلاج النفسي بالواقع المعزز بيئات تفاعلية وغامرة تساعد الأفراد على ممارسة سيناريوهات اجتماعية واقعية ضمن بيئة آمنة وخاضعة للسيطرة. يعدُّ ذلك مفيداً خاصةً للأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو اضطراب طيف التوحد أو صعوبات في التواصل.
فمن خلال محاكاة مواقف، مثل بدء المحادثات، أو الحفاظ على التواصل البصري، أو الاستجابة للإشارات غير اللفظية، يكتسب المريض الثقة تدريجياً ويُحسِّن مهاراته الاجتماعية دون القلق من العواقب الواقعية.
2. تقليل القلق والتوتر باستخدام بيئات افتراضية
يُعد تمكين المعالجين النفسيين تصميم بيئات افتراضية مريحة ومخصصة تساعد الأفراد على إدارة مشاعر القلق والتوتر من فوائد الواقع المعزز في العلاج النفسي. يمكن أن تشمل هذه البيئات مشاهد طبيعية هادئة، أو تمرينات استرخاء موجهة، أو تعريضاً تدريجياً ومحسوباً لمواقف مثيرة للقلق.
كما يُسهم التفاعل الفوري مع هذه البيئات في تدريب المرضى على استخدام استراتيجيات التكيّف، وتعزيز ممارسة اليقظة الذهنية، وتقليل الاستجابات الجسدية والانفعالية للمحفزات المسببة للتوتر.
3. دعم معالجة الصدمات والتغلب على الفوبيا
يُعد العلاج النفسي بالواقع المعزز أداة فعالة في العلاج، خصيصاً في علاج الصدمات النفسية والفوبيا (الرهاب)، فمن خلاله يمكن للمعالجين تعريض المرضى تدريجياً للمحفزات التي تثير الخوف، مثل المرتفعات، أو الطيران، أو التحدث أمام الجمهور ضمن بيئة مسيطَر عليها.
يُزيل هذا النهج الحساسية تجاه هذه المحفزات، مع شعور المريض بالأمان والدعم، كما يمكن استخدام الواقع المعزز في العلاج النفسي لمحاكاة عناصر من التجارب الصادمة ضمن جلسات علاجية، مما يعالج الذكريات المؤلمة ويدعم عملية الشفاء النفسي تحت إشراف متخصص.
مستقبل العلاج النفسي بالواقع المعزز
ناقَشَ عدد من الخبراء – خلال جلسة نقاشية ضمن منطقة الابتكار في الصحة النفسية (Mental Health Innovation Zone) التي أقيمت في إطار الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) لعام 2023 – مستقبل استخدام تقنيات الواقع المعزز في العلاج النفسي وقدَّموا رؤى متقدمة حول آفاق هذه التكنولوجيا في تحسين الرعاية النفسية.
عبَّرت الدكتورة "كيم بولوك" – طبيبة نفسية عصبية وأستاذة في جامعة ستانفورد، ومؤسسة "عيادة السلوك العصبي ومختبر تقنيات الواقع الافتراضي والتجارب الغامرة" – في هذه الجلسة عن رؤيتها المستقبلية لتقنيات العلاج النفسي بالواقع المعزز متخيلة مستقبلاً تتكامل فيه هذه التقنيات لتصل إلى ما يشبه "الهولوغرامات" في المسلسل الشهير "ستار تريك"، وأكدت على الإمكانات الهائلة التي تحملها هذه التقنيات لتحسين جودة حياة المرضى النفسيين.
وصَفَ الدكتور "عمر ليران" – طبيب نفسي في مركز "سيدرز-سايناي" الطبي في لوس أنجلوس، ومشارك في إدارة برنامج الطب الافتراضي بالمركز – مستقبل هذه التكنولوجيا بأنَّه يمثل "ثورة في الطب عن بُعد"، وأوضح أنَّ التطويرات القادمة، ستدمج المؤشرات الحيوية، مثل معدل ضربات القلب والتنفس والنشاطات الدماغية مع تقنيات نظارات الواقع الافتراضي، مما سيتيح تفاعلاً ديناميكياً بين الحالة الجسدية والنفسية للمريض خلال الجلسة العلاجية، ويُعزز من فاعلية التشخيص والعلاج.
تعكس هذه التصريحات قناعة متزايدة لدى المتخصصين بأنَّ العلاج النفسي بالواقع المعزز، لا يمثل فقط أداة تكميلية للعلاج؛ بل يشكِّل بُنية الرعاية النفسية بالكامل، ويخلق نماذج علاجية أكثر تفاعلاً وشخصنة، لا سيما مع تطور أدوات القياس الفسيولوجي وتوسع مجالات الذكاء الاصطناعي.

دور الواقع المعزز بالتحسين العاطفي والاجتماعي في المستقبل
من المتوقع أن يشهد العلاج النفسي بالواقع المعزز تطوراً كبيراً في السنوات القادمة، ليصبح أداة أساسية تعزز الصحة النفسية على المستوى العاطفي والاجتماعي.
فمع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحسين أجهزة الواقع المعزز، ستصبح الجلسات العلاجية أكثر واقعية وتفاعلية، ويحاكي مواقف حياتية دقيقة يمكن للمريض التدرب عليها بأمان وفاعلية؛ أي ستكون تطبيقات الواقع المعزز في الحياة اليومية أكثر انتشاراً.
يساعد استخدام الواقع المعزز بالعلاج النفسي على المستوى العاطفي الأفراد على التعامل مع مشاعرهم بطرائق جديدة، من خلال تعريضهم لمواقف عاطفية معيَّنة وتدريبهم على إدارتها جيداً. فيمكن للمريض أن يتعلم كيفية التعامل مع نوبات الغضب أو الحزن، من خلال مشاهد افتراضية تتيح له تجربة المشاعر والتفاعل معها بتوجيه من المعالج.
أمَّا على المستوى الاجتماعي، فسيُستخدم الواقع المعزز لتدريب الأفراد على المهارات الاجتماعية الدقيقة، مثل التواصل الفعال، وقراءة تعابير الوجه، وفهم الإشارات الاجتماعية، وإدارة الصراعات.
سيكون لهذا أثر عميق في دعم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات، مثل التوحد أو القلق الاجتماعي؛ إذ يوفر لهم بيئة تدريبية آمنة وقابلة للتكرار دون خطر الإحراج أو الفشل الحقيقي.
يصبح العلاج النفسي بالواقع المعزز في المستقبل أكثر تخصصاً وشخصنة، فتُتصمَّم تجارب علاجية فريدة وفقاً لاحتياجات كل مريض، مما يعزز فوائد الواقع المعزز في العلاج النفسي ويزيد شعور المريض بالتمكين والاستقلالية.
ختاماً
يمثّل العلاج النفسي بالواقع المعزز نقلةً نوعيةً في مجال العلاج النفسي، فأصبح أداةً متقدمةً تتيح للمعالجين والمرضى استكشاف حلول مبتكرة للتعامل مع الاضطرابات النفسية بتفاعلية وأمان.
إنَّ دمج هذه التقنية في الممارسات العلاجية، لا يحسن نتائج العلاج فحسب، بل يُحدث أيضاً تحولاً في جودة الحياة النفسية للأفراد. بالتالي، مع استمرار تطور هذا المجال، يبدو أنَّ المستقبل يحمل إمكانات واعدة لعلاج أكثر تخصيصاً وفعالية.
أضف تعليقاً