أسئلة كثيرة يطرحها الأبوين عند بداية تشخيص الإصابة الربوية عند طفلهم : هل هو حقاً مصاب بالربو يا دكتور؟.. هل سيبقى مصاباً به مدى الحياة؟.. أم أنه سوف يشفى مع تقدمه بالعمر؟..
سنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على هذا المرض : الربو والإجابة على بعض الأسئلة التي يطرحها الأهل على الطبيب.
نعم .. لقد شهد العقدين الأخيرين ازدياداً ملحوظاً في حالات الربو بشكل عام، والربو عن الرضع بشكل خاص، والتقديرات في الأدب الطبي تقول أن حوالي 10% إلى 30% من الأطفال تحت سن الثلاث سنوات يصابون بفترات من الالتهابات القصبية الصفيرية.. وهناك ملاحظة أخرى توضحها معظم الدراسات وهي أن هناك ازدياداً ملحوظاً في عدد الاستشفاءات( القبول في المستشفى) بسبب الإصابة بالربو عند الأطفال تحت سن الرابعة.
متى تتأكد إصابة الرضيع بالربو؟
هناك تعريف وضعه Tabachnik و زميله Levison عام 1981 ولازال معمولاً به حتى الآن وهو التالي :
" نقول أن طفلاً رضيعاً مصاباً بالربو إذا أصيب بثلاثة نوب من ضيق التنفس Dyspnea مصحوبة بصفير Wheezing وذلك قبل عمر السنتين بغض النظر عن العمر الذي حدثت به النوبة الأولى، وبغض النظر أيضاً عما إذا كان هناك تربة تحسسية أم لا، وكذلك بغض النظر عن العامل المسبب للنوبة ".
هذا التعريف هو تعريف سريري Clinical على خلاف تعريف الربو عند الطفل الكبير أو البالغين حيث يعتمد تعريف الربو على الفسيولوجيا المرضية والذي يقول : إن الربو مرض التهابي يجمع التغيرات الفسيولوجية التالية : التهاب جدار القصيبات الهوائية المتوسطة + ازدياد المفرزات القصبية + تضيق لمعة القصبات وحدوث الصفير القصبي.
لقد ساعد هذا التعريف السريري والواسع للربو عند الرضع على التقليل من حالات الربو الغير مشخصة وكذلك الغير معالجة وبالتالي حسن من إنذار Prognosis المرض مع الزمن.
ما هي الصور السريرية للربو عند الرضع؟
أربع صور سريرية يمكن أن يظهر بها الربو عند الرضيع :
الحالة الأولى : التهاب القصبات الشعرية Bronchiolitis
وهذه الصورة هي الصورة الاعتيادية للربو القصبي عند الرضع، وخاصة في حالة تكرر الإصابة في فترات متقاربة وغياب الحرارة التي تدل على إصابة بالحمة الراشحة عندها يجب ترجيح نوبة الربو على التهاب القصبات الشعرية الاعتيادية ( والمسبب في حوالي 50% من الحالات بالحمة الراشحة VRS ) حيث تأخذ النوبة سيراً نمطياً متكرراً :
- التهاب طرق تنفسية علوية مصحوباً بالتهاب وسيلان أنف.
- ثم بعد يومين إلى ثلاثة أيام تبدأ الصورة السريرية بالوضوح : سعال جاف متكرر على شكل نوب لا يلبث أن يصاحبه صفير زفيري Expiratory Wheezing مسموع عن بعد والذي يكون شاهداً مباشراً على الانسداد القصبي. العلامات السريرية الأخرى المرافقة هي : تسرع التنفس، وظهور علامات المقاومة التنفسية(تحرك خنا بتي ألأنف، سحب بين الأضلاع وتحت القص). وبإصغاء الصدر تظهر الخراخر Fine Inspiratory Crackles .في هذه الفترة تكون الحرارة غير ثابتة ( أي قد ترتفع وقد تبقى طبيعية ) والحالة العامة تبدأ بالاضطراب حيث تظهر صعوبة التغذية بالظهور.
- بعد فترة من العلاج لعدة أيام، تبدأ الأعراض بالزوال والحالة بالتحسن ويحصل الشفاء.
الحالة الثانية : الصفير الصدري المستمر Permanant Wheezing
وهنا نحن أمام رضيع وبعد شفائه من التهاب قصبات شعرية عادي، لا زال تنفسه مصحوباً بصفير صدري مسموع قد يستمر لعدة أسابيع، تزداد الأعراض( الصفير ) عند البكاء وتناول الطعام وتخف عند النوم،ومع كل هذا فإن الرضيع يحافظ على شهية جيدة وحركة عادية نشيطة وازدياد وزنه بشكل طبيعي ولذلك تسمي الكتب الإنكليزية هؤلاء الرضع Happy Wheezers.
الحالة الثالثة : النوب متوسطة الشدة Crisis Mild
وهي نوبة من السعال التشنجي مصحوباً بضيق النفس، وهي نوب تشبه نوبة الربو عند الأطفال الكبار،وتتميز بحدوثها بعيداً عن أية إصابات تنفسية التهابية، وأنها تثار بتقلب الطقس والتغيرات العاطفية كالضحك الشديد.
الحالة الثالثة : النوب الشديدة Severe Crisis
وهي نوب شديدة قد تتحول سريعاً إلى قصور تنفسي حاد مصحوب بزرقة وغياب أصوات التنفس وتعرق وغياب الوعي وتتطلب معالجة سريعة ومناسبة وفعالة.
هل من فحوصات متممة لتأكيد التشخيص؟
كما بينا سابقاً فإن التشخيص يكون سريرياً ولذلك فإن الفحوصات المتممة ليست لتأكيد التشخيص إنما لاستبعاد الأمراض الأخرى التي يمكن أن تتشابه أعراضها مع الربو.
- فصورة الصدر البسيطة Chest X- ray : في حالتي الشهيق والزفير يمكن أن تستبعد وجود : جسم أجنبي مستنشق ومستقر في إحدى القصبات الصدرية والذي يمكن أن يتظاهر بصفير صدري وضيق في التنفس. كما أن صورة الصدر تنفي وجود التهاب جرثومي مرافق أو ناتج عن ركودة المفرزات القصبية. وكذلك فإن هذه الصورة البسيطة للصدر تنفي وجود كثافة ضاغطة على القصبات والناجمة عن تشوه خلقي أو تنشؤ ورمي قد يتظاهر بأعراض مشابهة.
- إجراء فحص اللقمة الباريتية Barium Meal : لنفي وجود قوس وعائي شاذ( وهو تشوه خلقي) ضاغط على المريء، وكذلك نفي وجود قلس معدي مريئي Reflux.
- اختبار التعرق : لنفي وجود مرض تليف المعثكلة الليفي Cystic Fibrosis.
- اختبارات التحسس Skin Sensitivity Tests : لنفي أو تأكيد وجود تربة تحسسية.
- معايرة الغلوبينات المناعية : لنفي وجود نقص مناعي خلقي أو مكتسب.
- فحص أنف وأذن وحنجرة كامل : لنفي وجود تلين الغضروف الحنجري ( الذي يتظاهر بالصرير الحنجري الخلقي Sridor ) وكذلك لنفي وجود ناميات Vegitations تؤهب لحدوث التهابات الطرق التنفسية العليا المتكررة.
وأحياناً نضطر لطلب فحوصات أخرى أكثر تخصصاً ولكن ذلك نادراً.
ما العلاقة بين التهاب القصبات الشعرية وحدوث الربو؟
دراسات كثيرة حاولت الإجابة على هذا التساؤل خلال العقدين السابقين، دون أن تصل الى نتائج واضحة وقاطعة، ولكن مما هو متفق عليه حالياً أن التهاب القصبات الشعرية يمكن أن يؤهب التربة الخاصة لحدوث الربو وبآلية غير أليرجيائية، فالاصابة بالحمة الراشحة المسببة لالتهاب القصبات الشعرية تشكل عاملاً مسرعاً لظهور الربو عند الأطفال الذين يحملون استعداداً للإصابة.
هل يمكن تحديد الأطفال الذين سوف يصابون بالربو قبل حدوث الإصابة؟
هذا السؤال هو الأهم والذي يشكل اليوم تحدياً كبيراً للبحاثة والعلماء، ولكن وبكل أسف لا يوجد حتى يومنا هذا فحص أو اختبار خاص أو نوعي يمكن من تحديد هؤلاء الأطفال الذين سوف يكونون ضحية للإصابة بهذا المرض.
هناك بعض الواسمات التي هي قيد البحث والتي يمكن أن تكون واعدة ولم تعطى فيها النتائج النهائية حتى الساعة وأشير إليها من باب العلم فقط :
- ارتفاع نسبة igE في دم الحبل السري للوليد.
- انخفاض إنتاج الانترفيرون غاما Interferon Gamma،بعد التحريض بالأنترلوكين Interleukine-2(IL-2) أثناء الإصابة بالتهاب القصبات الشعرية.
- معايرة البروتين الأيوني لخلايا الدم الحامضة.
ولكن حالياً يعتمد توقعنا الإصابة على وجود بعض الدلائل والمعايير والتي منها :
- وجود ربو أو التهاب أنف تحسسي ، أو التهاب جلد اليرجيائي(اكزما)عند واحد من الأبوين أو كليهما،أو أحد الأخوة أو أكثر(على الأقل واحد في الأسرة لديه تربة تحسسية عند 50% من الأطفال المصابين بالربو ).
- وجود التهاب جلد اليرجيائي(اكزما)عند الرضيع نفسه.
- ايجابية الاختبارات الجلدية Skin Tests
- ايجابية معايرة Specific igE
إن هناك فائدة أخرى لهذه المعايير وهي أنها تساعد إلى حد كبير في التمييز بين الربو العابر والذي سوف يختفي عند عمر الثلاث سنوات تقريبا( إذا كانت سلبية ) وبين الربو الذي سيبقى طويلاً بعد ذلك ( إذا كانت إيجابية ).
معالجة الربو عند الرضع
أولا : طرق تطبيق المعالجة
الطريقة الأولى : غرف الاستنشاق البلاستيكية Inhaler Device Technique وهي مزودة بقناع يطبق على أنف وفم الرضيع.
الطريقة الثانية : الارذاذ Nebulizer وغالباً ما يحتفظ بها للمعالجة بالمستشفى.
ثانياً : معالجة النوبة الحادة
- محرضات بيتا 2 (B2-agonist) : كا السالبوتامول Salbutamol : لكن فعاليتها أقل عما هي عليه عند الطفل الكبير.
- الستيروئيدات Steroid Treatment فعاليتها غير مؤكدة بطريق الاستنشاق بينما خاضعة للنقاش عن طريق الفم.
ثالثاً : المعالجة المناسبة للربو الشديد :
هناك إجراءات لابد منها :
- إبعاد الرضيع عن استنشاق دخان السجاير.
- تخفيض مصادر محرضات التحسس وخاصة في غرفة الرضيع .
وفي المعالجة يمكننا سريرياً وللتبسيط تمييز ثلاثة حالات :
- الربو النوبي قليل الحدوث : وتتميز بحدوث 3 ـ 4 نوب سنوياً، وخاصة بين سبتمبر وابريل، وبين النوب الطفل يكون طبيعياً. والمعالجة هنا تكون معالجة النوبة فقط كما سبق في النوبة الحادة ، وان إعطاء مضادات الهيستامين H1 بينت فائدتها.
- الربو النوبي متوسط الشدة : وتتميز بحدوث نوبة واحدة شهرياً خلال الخريف والشتاء، وبين النوب يصاب الرضيع بفترات من السعال الليلي، وكذلك عند الجهد أو تغير الطقس المفاجئ. والمعالجة هنا تكون بالستيروئيدات عن طريق الاستنشاق بالغرف البلاستيكية ولمدة طويلة.
- الربو المستمر أوالشديد : ويتميز : إما بنوبة شهرياً على الأقل ولا تتحسن إلا بالستر وئيد عن طريق الفم، وإما بصفير صدري مستمر، وإما بسعال جاف دائم ليلاً ونهاراً. والمعالجة هنا أيضاً تكون بالستيروئيدات عن طريق الاستنشاق بالغرف البلاستيكية ولمدة طويلة تدوم حوالي ثلاثة أشهر، وتبدأ بجرعة يومية 400 ميكروغرام ولا تزيد عن 1000 ميكروغرام، والدراسات جميعها بينت أن التأثيرات الجانبية لهذه المعالجة المديدة ضعيفة جداً.
والخلاصة : فإن الربو القصبي عند الرضع يبقى موضوعاً من مواضيع الساعة في طب الأطفال، تغص شهرياً كل قاعات مؤتمرات طب الاطفال على امتداد العالم النقاش حوله وكيفية معالجته وتدبيره، ورغم كل ذلك لازالت الأبحاث فيه ثرة وغزيرة، ومعالجته وتدبيره موضع نقاش وآراء وتجارب، ولاشك أن السنوات القادمة ستشهد انشاء الله ظهور أدوية ناجعة تخفف من وطأة المرض وتخفض من نسبة الوفيات التي لازالت مرتفعة بل مخيفة ( في فرنسا فقط سنوياً يموت مائة طفل من نوب الربو قبل وصولهم للمستشفى).
المصدر: طبيب ويب
أضف تعليقاً