إلا أن هنالك اهتماماً متزايداً من قبل المحللين الماليين بالتدفقات النقدية التشغيلية Operating Cash Flow، لأنها أقل عرضة للتلاعب من قبل مدراء الشركات، فقد بات مصطلح إدارة الربحية Earning Management شائعاً جداً في معظم الشركات العالمية، حيث تقوم بإدارة ربحيتها السنوية لتظهرها أكثر استقراراً ودواماً عبر الفصول والسنوات، حتى تتمكن على المدى البعيد من رفع سعر سهمها وجعله أكثر استقراراً وبعيداً عن التذبذبات السعرية والانخفاضات المفاجئة.
كما تمكن قائمة الدخل التي ينتج عنها صافي الربح مدراء الشركات من إظهار أرباح جيدة في سنوات عادية جداً أو أرباح ضعيفة في سنوات معتدلة، وذلك إما بهدف الفوز بالمكافىآت المالية العالية التي غالباً ما تكون مرتبطة بمعدلات الأرباح، أو بهدف التخفيف من نفقات العام المقبل وبالتالي تحميل العام الحالي بنفقات أكبر مما يستحق، لإظهار أرباح عالية جداً مقارنة بالمنافسين في العام المقبل وهو ما يسمى ب Big Bath.
وتعد أبرز المجالات التي يتلاعب بها مدراء الشركات في إظهار الربح ما يلي:
1- عدم الاعتراف بالمخصصات الكافية للديون المشكوك فيها وإعدام نسبة قليلة جداً مقارنة بما يجب إعدامه فعلاً.
يكثر اتباع الحالة السابقة في الشركات التي تتساهل في شروط الدفع لزيادة مبيعاتها وخصوصاً في شركات البيع بالتقسيط, حيث يتم الاعتراف بمبيعات كبيرة جداً إلا أنه قد لا يمكن تحصيلها كلها نقداً.
وكم أفلست شركات كبيرة كانت تظهر أرباحاً عالية جداً تتجاوز في بعض الاحيان 20 % بالنسبة لحقوق الملكية, لأنها لم تستطع أن تحصل جزءاً كبيراً من مبيعاتها.
بينما نجد في الجانب المقابل لذلك أن قائمة التدفقات النقدية لا تعترف إلا بالمبيعات النقدية المحصلة, مما يعطي فرصة أقل بكثير للتلاعب.
2- تأجيل بيع آلة تزيد قيمتها السوقية Market Value عن الدفترية Book Value ،لفترة ما يعتقد أنها ستعاني من انخفاض في الأرباح, وبالتالي إظهار أرباح عالية في تلك الفترة كان جزءاً منها سببه الربح الناتج عن بيع هذه الآلة.
وعلى الجانب المقابل لذلك نجد أن التدفقات النقدية التشغيلة لا تتاثر إطلاقا بالربح أو الخسارة الناتجة عن بيع آلة معينة, لأنها تبرز حصيلة النشاط التشغيلي فقط.
3- زيادة الإنتاج بما لا يتناسب مع حجم المبيعات المتوقع مما يؤدي لزيادة مخزون آخر المدة وبالتالي تعظيم الربح, رغم عدم وجود مبيعات فعلية، وقد يؤدي زيادة الانتاج بنسبة بسيطة في الشركات التي تمتلك رافعة تشغيلة عالية لزيادة الأرباح بنسب عالية جداً، وذلك لأن قائمة الدخل وفقاً لطريقة Absorption Costing المتوافقة مع المعايير الدولية IFRS لا تنفق من النفقات الثابتة الصناعية إلا بنسبة ما تم بيعه فقط, وتبقى باقي النفقات الثابتة محملة على مخزون آخر المدة.
بينما نجد أن التفقات النقدية التشغيلية لا تتأثر كثيراً بمخزون آخر المدة وما تم انتاجه, فجيمع النفقات الثابتة النقدية تم انفقاقها في نفس العام التي حدثت فيه، وبالتالي لا تعطي فرصة كبيرة لمدراء الشركات بالتلاعب من خلال زيادة الانتاجية.
4- قد يحصل تلف في المخزون ويتم تأجيل الاعتراف بهذا التلف للفترة الملائمة، لزيادة ربحية الشركة، بينما لا تتأثر التفقات النقدية التشغيلبة بذلك.
5- تتأثر ربحية الشركة أيضاً بالسياسة التي تتبعها في تقييم المخزون FIFO – LIFO – Weighted Average
حيث يؤدي اعتماد طريقة FIFO في حالات التضخم وارتفاع الأسعار لزيادة ربحية الشركة والعكس في طريقة LIFO، بينما لا تتأثر التفقات النقدية التشغيلية للشركة بأية سياسية محاسبية يتم اتباعها.
6- لسياسة الاستهلاك التي تنتهجها الشركة دور كبير في تحديد رقم الربحية, فمثلاً سياسة القسط المتناقص تظهر أرباحاً في الأعوام الأولى لشراء الأصل أقل مما تظهره سياسة القسط الثابت، وقد تقوم الشركة بتغيير سياسة استهلاكها بما يتناسب مع معدل الربحية التي ترصده للعام القادم، بينما نجد أن التدفقات النقدية التشغيلية لا تتأثر إطلاقاً بسياسة الاستهلاك المتبعة من قبل الشركة سواء كانت قسط ثابت أم متناقص أم متزايد، لأنها ببساطة لا تعترف إلا بالنفقات النقدية، والاستهلاك نفقة غير نقدية يتم جمعها للربح في أول قائمة التدفقات النقدية.
7- هنالك أمور كثيرة جداً تمكن من زيادة التلاعب بالأرباح الناتجة ولا تؤثر على التدفقات النقدية التشغيلية كتقدير عمر الأصل، وسياسية قفل الانحرافات الناتجة من استخدام نظام التكاليف المعيارية، هل نقفلها في تكلفة البضاعة المباعة أم توزع على كلا من مخزون آخر المدة والبضاعة تحت التصنيع... الخ.
لكن هذا لا يعني عدم إمكانية التلاعب بالتدفقات النقدية التشغيلية للشركة على الإطلاق، بل قد يحدث ذلك من خلال انقاص الانفاق النقدي على التسويق والتخطيط والبحث والتطوير والتدريب في عام معين بغية إظهار تددقفات نقدية عالية وأرباح متفوقة أيضاً، أو من خلال تسريع حركة التحصيل من الزبائن أو إبطاء حركة التحصيل من الموردين... الخ.
كما أن الربح لا يزال أكثر قدرة من التدفقات النقدية التشغيلية على إعطاء صورة عن إمكانية الشركة من الناحية النظرية، لأنه مبني على أساس الاستحقاق، فهو لا يحمل السنة إلا بنصيبها من الإيرادات والنفقات، وإن كانت هنالك نفقات يجب تحميلها على السنة الحالية لكنها لم تدفع نقداً، يحملها على السنة الحالية، على عكس التدفقات النقدية التشغيلية التي تعترف فقط بالنفقات والإيرادات النقدية سواءاً كانت عائدة لنفس العام أم لعام سابق أو لاحق.
مما سبق نستنتج أنه على الرغم من قدرة الربح على إظهار حصيلة ماحققته الشركة في كل عام، إلا أنه أكثر عرضة للتلاعب من قبل مدراء الشركات من التدفقات النقدية التشغيلية، لذلك يعتمد على التدفقات النقدية التشغيلية لمعرفة جودة ربح الشركة، فإن كان الربح ينمو على مدى الفصول والسنوات بنسبة قريبة من نسبة نمو التدفقات النقدية التشغيلية فهذا يعطي مؤشراً قوياً على جودة الربح الناتج، وإن كان الربح ينمو بمعدل أعلى من معدل نمو التدفقات النقدية التشغيلية، يعتبر ذلك مؤشراً على رداءة ربح الشركة مما يستوجب على المحلل المالي زيادة تركيزه على النقاط السبعة السابقة التي ذكرناها أنفاً لمعرفة نقاط الضعف بالتحديد.
أضف تعليقاً