هذا الموقف العفوي يسمَّى "العصف الذهني" (Brainstorming)، وهو استراتيجية تُمارس بطريقة ممنهجة، وبصورة فردية أو جماعية من أجل تحريض الذهن على توليد الأفكار الخلاقة لحل المشكلات، فهي خطة سحرية تعود بنتائج إبداعية هامَّة؛ لذا اعتُمدت في أعمال الشركات وطرائق التعليم، ولمزيد من المعلومات عن استراتيجية العصف الذهني تفضلوا بقراءة هذا المقال.
ما هي استراتيجية العصف الذهني؟
يمكن تعريف استراتيجية "العصف الذهني" أو "القدح الذهني" (Brainstorming) على أنَّها الاستراتيجية المستخدمة من أجل دراسة المشكلات، وتمحيصها، وإيجاد الحلول المناسبة لها بأسلوب إبداعي مبتكر ومنظَّم في نفس الوقت، وتهدف استراتيجية العصف الذهني إلى تخطي الأفكار والأساليب التقليدية في ابتداع الحلول، وكسر الحواجز النمطية التي تحد من انطلاق الأفكار، وتكبح جماح العقل في أثناء عملية التفكير.
لقد أثبتت استراتيجية العصف الذهني فاعليتها وجدارتها في صناعة النجاح والتميز عبر العقود الأخيرة الماضية، وكان لها الفضل في تفوُّق بعض الأفراد أو الشركات على المستويات المحلية والعالمية، فمعظم الأفكار الخلَّاقة التي أحدثت تأثيراً إيجابياً هائلاً حصد لأصحابها النجاح والمجد كانت وليدة عصف ذهني مدروس تسبَّب في نقل الأفراد إلى مستويات أعلى من التفكير نتجت عنها هذه الثمار، ومن ثمَّ كانت النتيجة تصدُّر الحصص السوقية، واكتساب الصيت العالمي.
تستند استراتيجية العصف الذهني على توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار المتمايزة، ومن ثمَّ تفنيد هذه الأفكار، ودراسة كل منها على حِدة، وإدراك جدواها في معالجة المشكلة المطروحة، ووضع حلول لها، إضافة إلى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع، وتتشعَّب استراتيجية العصف الذهني لتشمل الانفتاح على عوالم مختلفة، أو ما يسمَّى في المصطلح الدارج "التفكير خارج الصندوق"؛ أي فيما هو بعيد عن المألوف، والذي قلَّما يخطر على بال أحد.
يمكن إجراء العصف الذهني فردياً أو جماعياً بحسب الغاية التي نريد الوصول إليها، وغالباً ما يستخدم الكتَّاب والرسامون والمصممون استراتيجية العصف الذهني من أجل توليد أفكار إبداعية جديدة وفريدة لأعمالهم؛ إذ سيقوم كل منهم بعصف ذهني فردي لئلا تُسرق أفكارهم قبل نضجها وينسبها أحد غيرهم إلى نفسه.
تقوم فرق التسويق والمبيعات أيضاً بعصف ذهني جماعي من أجل توليد أفكار خلاقة؛ لتعزيز المبيعات، وتوسيع قاعدة الزبائن، ويجب أن تبقى نتائج هذه الجلسات سريَّة بعيدة عن أعين المنافسين؛ لئلَّا يطبِّقوها ويحصدوا ثمارها، ولعلَّ خير إثبات على فاعلية استراتيجية العصف الذهني هو اعتمادها واحدة من استراتيجيات التعليم والتعلم.
لا بدَّ من التنويه إلى أنَّ الفضل في انتشار استراتيجية العصف الذهني يعود لـ "أليكس أوسبورن" (Alex Osborn)، الذي أصدر كتاب "التخيل التطبيقي" (Applied imagination)، عام 1967، تناول فيه تقنية العصف الذهني بصفتها استراتيجية منفصلة، وتطرَّق إلى كيفية تطبيقها من أجل توليد الأفكار الإبداعية والحلول الخلَّاقة.
شاهد بالفيديو: 7 تقنيات للعصف الذهني لاستلهام أفكار أكثر إبداعا
أهمية العصف الذهني Brainstorming:
كيف تبرز أهمية العصف الذهني؟ وما هي فوائد العصف الذهني؟ وما هي الميزات التي يمكن الحصول عليها من خلال تطبيق استراتيجية العصف الذهني؟ إنَّها ما يأتي:
1. الحصول على أفكار إبداعية:
وذلك من خلال تمازج الأفكار والحلول المطروحة في جلسات العصف الذهني الجماعية وتطويرها، وكذلك من خلال بناء أفكار على أساس أفكار أخرى سابقة؛ وذلك يكون بمنزلة ترقية إبداعية لها.
2. تحقيق التشاركية مع الآخرين:
وهي نقطة تبرز أهمية العصف الذهني الجماعي في تحسين أواصر التواصل والحوار بين الموظفين في فرق العمل، وكذلك في سماع آراء مختلفة ونقد بنَّاء عن الأفكار المقترحة تكون سبباً في ابتكار أفكار جديدة.
3. تعزيز مبادئ المساواة:
وهي من النقاط التي توضِّح أهمية العصف الذهني الجماعي، فمن خلال تطبيق هذه الاستراتيجية في الاجتماعات، سيكون بوسع الجميع المشاركة في صنع القرار، والتعبير عن وجهات نظرهم، والطرائق التي تُوصل إلى الحل، وهذا من شأنه أن يحسِّن من ثقة الفرد بنفسه وأهميته ودوره الفعَّال، وهذا سيحسِّن نوعية الأفكار المقترحة في جلسات العصف الذهني ويجعلها أكثر إبداعاً وغنى.
قواعد العصف الذهني:
تخضع استراتيجية العصف الذهني إلى مجموعة من الضوابط التي تنظِّم سيرها، والتي تسمَّى قواعد العصف الذهني، ومن أشهرها:
- تشجيع الأفكار الجديدة والغريبة وغير المطروقة؛ لأنَّها هي أساس التميز عن الآخرين التقليديين، وهذه القاعدة تعدُّ من أهم قواعد العصف الذهني.
- عدم الاستهانة بأي فكرة من الأفكار المطروحة، وتجنُّب رفض أي منها، فجميعها تستحق الوقوف عندها للتفنيد والمناقشة.
- التركيز على الهدف هو من قواعد العصف الذهني، وهو القاعدة التي تحفظ سير عملية العصف الذهني من التشتت والتشظي الذي يقود إليه توالد الأفكار.
- تطبيق مهارات الاستماع هو أيضاً قاعدة جوهرية من قواعد العصف الذهني، فهي القاعدة التي تتيح للمتكلم الاسترسال في طرح فكرته، وتتيح للآخرين الإصغاء إليه بتركيز دونما مقاطعة أو اعتراض.
- الاستعانة بالبيانات المرئية والصور والفيديوهات التي تكون على مرأى جميع المشاركين في العصف الذهني، وتسمح هذه القاعدة من قواعد العصف الذهني بتدقيق التفاصيل المتوفرة والإحصاءات الموجودة والخروج منها بأفكار إبداعية.
- السعي إلى توليد أكبر عدد ممكن من الأفراد، ويمكن وضع خطة أو هدف للاجتماع يكون بتوليد عدد كبير محدد من الأفكار في الجلسة، فاستراتيجية العصف الذهني تدعم قاعدة "العدد والكمية" الذهبية.
أساليب العصف الذهني:
تتنوع أساليب العصف الذهني التي تتبنَّاها الشركات والأفراد، وتشترك جميعها في تحقيق أهداف العصف الذهني، ومن أشهر هذه الأساليب نذكر:
1. العصف الذهني المعاكس Reverse Brainstorming:
يعدُّ العصف الذهني المعاكس من أساليب العصف الذهني المعقدة والمفيدة في آن واحد، وتعتمد على طرح الأفكار التي تزيد المشكلة تعقيداً، وتبعدها عن مسار الحل، وليس الأفكار التي من شأنها حلحلة المشكلة، على سبيل المثال عندما تنوي شركة طرح منتج جديد، وترغب بالترويج له، تسأل الشركة الأفراد في جلسات العصف الذهني "لماذا ينفر الزبون من منتجنا؟" وهنا تأتي الإجابات التي يُتصرَّف بنقيضها.
2. العصف الذهني السريع Speed storming:
يحدث فيها اختيار 6 أفراد من الموجودين للمناقشة، ومنح كل منهم 5 دقائق لتوليد 4 أفكار إبداعية تُكتب على ورقة، ومن ثمَّ تُمرَّر الورقة للشخص التالي ليبني أفكاره على أساس أفكار زميله، ويستند هذا الأسلوب على تحفيز إحساس الوقت المثير للأفكار الإبداعية؛ لأنَّ الدماغ في هذه الحالات يبذل جهداً مضاعفاً في اقتراح الحلول.
3. العصف الذهني الاستفهامي Question Brainstorming:
يعتمد على طرح الأسئلة عن المشكلة بدلاً من استحضار الأفكار والحلول، وهذا ما يكون مُلهماً للأفراد الحاضرين في طرح أسئلة أكثر أهمية تؤدي إلى حل المشكلة.
4. العصف الذهني التخطيطي Mind Mapping:
هو من أساليب العصف الذهني المعتمدة على التخطيط، فيها يتولَّى المسؤول عن جلسة العصف الذهني مهمة التخطيط للعصف الذهني؛ وذلك من خلال مخطط بسيط أو معقد، يهدف إلى رسم خريطة للأفكار والمشكلات التي تعترض طريق الشركة والمراد مناقشتها، ويُعتمد غالباً على كتابة جملة قصيرة أو كلمة في مركز المخطط وتكون محور الحديث.
يُجزِّئ الأفراد في أثناء جلسة العصف الذهني التخطيطي المشكلة إلى فروع تنطلق من المركز، وقد تتشعب هذه الفروع بدورها، ممَّا يساهم في تقسيم المشكلة الرئيسة إلى مشكلات صغيرة عديدة، تتحول كل منها تالياً إلى محور للحديث يُقدَّم حلول له، وهذا يساهم في حل المشكلات الأكبر، ومن ثمَّ المشكلة الرئيسة بعد الانتهاء من جميع الفروع الرئيسة والثانوية.
5. العصف الذهني في مجموعات Team Idea Mapping:
يعتمد على تقسيم الأفراد إلى فرق، قد يتألف الفريق من فرد واحد أو أكثر، ومهمة الفريق هي مناقشة المشكلة، واقتراح حلول لها بمعزل عن المشاورة مع أعضاء الفرق الأخرى، وبعد انتهاء كل فريق من عمله تُجمع الأفكار الناتجة عن العصف الذهني لكل فريق وترتَّب على شكل خارطة أو مخطط، بطريقة تجمع الاقتراحات المتشابهة إلى جانب بعضها بعضاً، وبعد الوصول إلى الشكل النهائي للمخطط تُناقَش جماعياً محتوياته من أجل انتقاء أفضل الحلول المقترحة.
شاهد بالفيديو: أسهل 6 طرق لتوليد أفكار رائعة
6. العصف الذهني عن بعد Remote brainstorming:
يضمن وجود أفراد في جلسة العصف الذهني غير موجودين في نفس المكان جغرافياً؛ وذلك باستخدام الوسائط التكنولوجية وتطبيقات الاجتماع، مثل: (Zoom)، و(Google Meet)، و(Microsoft Team)، ويتيح هذا الأسلوب مشاركة جميع أفراد الشركة في جلسة العصف الذهني، وخاصة الذين يعملون عن بعد من بلد آخر، أو في الظروف الصعبة التي تمرُّ بها البلدان كما كان الحال في جائحة كورونا، ويمكن الاستعانة بعديد من الأدوات المتاحة في إدارة المشاريع والبرامج المساعدة من أجل إنجاح جلسة العصف الذهني وتمكينها من تحقيق الأهداف المرجوة.
في الختام:
استراتيجية العصف الذهني هي استراتيجية هامَّة وفعَّالة في ابتكار حلول إبداعية للمشكلات التي تواجه الشركات، أو في إيصال المواد التعليمية إلى الطلبة، أو في ابتكار المواد الإبداعية من لوحات فنية وقصص وتصاميم ومعزوفات موسيقية وغيرها، ويمكن تطبيق هذه الاستراتيجيات فردياً أو جماعياً وفق القواعد المحددة لها، والتي تضمن الخروج بأفكار نيِّرة ومبتكرة.
أضف تعليقاً