وشركات مثل، "أدوبي" (Adobe)، و"ديلويت" (Deloitte)، و"مايكروسوفت" (Microsoft)، و"إكسنتشر" (Accenture)، و"جي إي" (GE) جميعها أمثلة عن شركات استغنت عن أسلوب تقييم الأداء الذي يعتمد على الأرقام فقط، وهذا الأمر يبدو مفهوماً فهماً كاملاً من الناحية النظرية، لكن على أرض الواقع فإنَّ تطبيق هذا الأسلوب عملياً لا ينجح مع العديد من الشركات.
على الأقل ليس الاستغناء عن التقييمات أمراً بهذه البساطة، فنحن نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على التفاصيل الدقيقة لعمليات عدم التقييم، والتركيز على حقيقة أنَّه بالنسبة إلى الكثير من الشركات ذات الأداء العالي والتي تخلصت من أسلوب التقييمات، فإنَّ التبديل حصل بالتزامن مع سلسلة من البرامج والإجراءات الجديدة؛ وذلك بهدف إدماج العاملين في هذه الشركات وتطوير الأداء بالإضافة إلى تحديد التعويضات.
الشركات التي تسعى إلى التخلص من معدلات الأداء التي تعتمد على الأرقام واستبدالها بتقييمات نصية، لا يجب أن تتفاجأ بأنَّ هذا الاستبدال لا يُحسِّن الأمور كثيراً.
بالعودة إلى هذه الفكرة، يجب أن نتساءل: هل نتخلص من نظام التقييم بكل إيجابياته وسلبياته؟ وهل يوجد هذا النظام المثالي للتقييم، الذي يسمح لنا بقياس الأداء قياساً عادلاً ودقيقاً؟
ألا يؤثر هذا النظام سلباً في اندماج الموظفين، ولكنَّه في نفس الوقت يوفر المقاييس التي تحتاج إليها الشركات لتوجيه الأداء والتخطيط للمستقبل؟ الإجابة هي: نعم، لكن مع بعض التحفظات.
فمن ناحية، نعم من الممكن تحسين الطريقة التي تُحدَّد فيها التقييمات واستخدامها بطريقة تقلل قدر الإمكان من أي تأثير سلبي في الاندماج والأداء، وفي نفس الوقت تُستخدَم هذه التقييمات من قِبل الشركة لتوجيه عملياتها.
لكن، إذا أردنا أن يكون لهذه التقييمات تأثير إيجابي في الموظفين والشركات، فإنَّها وطريقة إيصالها يجب أن تحدث بالتزامن مع عملية إدارة أداء بأدوات جديدة، ولنبدأ بتحليل الجانبين الإيجابي والسلبي للتقييمات وتأثيراتها في الأداء:
الجانب السلبي للتقييمات:
ما من شك أنَّ بعضنا مغرم بالتقييمات مثلما بعضنا الآخر يكرهها بشدة، والسبب أنَّ التقييمات يمكن أن تكون ذاتية، وعندما تكون مقاييس التقييم دون المستوى المثالي، فمن الممكن أن تسبب إرباكاً، والتجربة تثبت لنا أنَّ الأشخاص متحيزون عندما يقومون بالتقييم وهم يحاولون أن يبدوا لطفاء ولو على حساب الدقة، وبلغة الأرقام، ولكي نقوم بتحديد التأثير الفعلي للتقييمات في مجالات الأعمال التي تُستخدَم فيها التقييمات، سنقوم بالاطلاع على هذه الحالة.
في ندوة عبر الإنترنت، قدَّم مستشار إدارة المواهب "إيدي غولدبرغ" (Edie Goldberg) بعض الأبحاث التي جمعتها شركة "إيلاي ليلي" (Ely Lilly) والذي كان جزءاً من مهمتها يهدف إلى التخلص من التقييمات، والانتقال إلى عملية مستمرة لإدارة الأداء.
استناداً إلى استطلاعات جس النبض الشهرية، لاحظت الشركة مباشرةً بعد عملية تقييم الأداء السنوية، وجود انخفاض كبير في اندماج 80% من الموظفين، واستمر هذا الانخفاض لعدة أشهر، كما أظهرت هذه البيانات أنَّ الموظفين الذين حصلوا على تقييم 4 أو أقل من أصل 5 نقاط كان لديهم أكبر انخفاض في الاندماج.
الأكثر إثارة للدهشة، أنَّه حتى الموظفين الذين حصلوا على أعلى تقييم "5 نقاط من أصل 5" أظهروا أيضاً انخفاضاً في الاندماج، مع أنَّ انخفاض اندماجهم لم يدم طويلاً؛ بل عادوا إلى المستوى الطبيعي سريعاً، لكن بالمجمل أدت عملية التقييم إلى انخفاض في الاندماج والأداء لدى الموظفين، واستمر هذا الانخفاض لأكثر من نصف عام.
ولأنَّ المراجعة السنوية كانت هي التغذية الراجعة الرسمية الوحيدة التي تلقاها الموظفون، فقد خلصت "إيلاي" إلى أنَّ الانخفاض في اندماج الموظف بعد عملية التقييم، له علاقة كبيرة بالمفاجأة التي يشعر بها الموظف بعد تلقِّيه التغذية الراجعة تماماً كما يحدث عندما يُقيَّم.
الجانب الإيجابي للتقييمات:
توجد عدة فوائد للتقييمات على الرغم من عيوبها، إلا أنَّ لها بعض الحسنات؛ إذ توفر التقييمات رؤية قابلة للقياس الكمي للأداء؛ وهذا يعني أنَّ الشركة تستطيع إعداد تقارير عن المواهب التي لديها، واستخدام التوجهات في عملية التخطيط لإجراء التحسينات، وتحديد المديرين الأكثر فاعلية، وتفيد التقييمات أيضاً في عملية ترقية الموظفين إلى مناصب قيادية، وتستطيع الشركة معرفة ما إذا كان يوجد نقصٌ حادٌّ في المهارات يحتاج إلى المعالجة.
قد يجادل بعض الأشخاص في أنَّ التقييمات بحدِّ ذاتها ليست دقيقة، ومن ثمَّ فإنَّ البيانات التي تقدمها هذه التقييمات لا يمكن الوثوق بها، لكن مع ذلك، ترفض الكثير من الشركات الاستغناء عن التقييمات استغناءً نهائياً، وترفض التخلي عن الوضوح الذي توفره لها التقييمات فيما يخص استثماراتها الكبيرة وتحديد النجاح، ونعني هنا تقييم المواهب.
بدلاً من ذلك، تحاول الشركات تحسين دقة ومصداقية التقييمات، بالإضافة إلى توفير البيانات والمقاييس، وتُعَدُّ التقييمات مؤشراً للأداء النسبي، والذي يسهِّل على المديرين التركيز على مناقشات التطوير وربط القرارات المتعلقة بأجور الموظفين بالنتائج.
شاهد بالفيديو: مهام الموارد البشرية
التقييمات: الحقيقة
تقييمات الأداء وبمختلف أشكالها ما هي إلا أدوات، وفي كثيرٍ من الشركات يتذمر الموظفون من التقييمات ليس لأنَّها سيئة، لكن لعدم منح مستخدمي هذه الأداة الوسائل والمعلومات التي يحتاجون إليها كي يصلوا إلى تقييمات صحيحة، ولأنَّ التقييمات لا تُجرى دورياً داخل الشركة، فإنَّ النتائج كما هي العادة: لا يحبذ المديرون إعطاء التقييمات، ولا يحبذ الموظفون تلقِّي التقييمات.
كيف تحقق أقصى فائدة من التقييمات؟
1. إعادة تعريف التقييمات:
غالباً ما تُطبَّق نفس معايير التقييم على جميع مجالات تقييم الموظفين، بدءاً من الأهداف إلى الكفاءات، وغالباً ما يكون مقياس التصنيف مكوناً من 5 نقاط؛ 5 ممتاز، 4 جيد جداً، 3 جيد، 2 يحتاج إلى تحسين، 1 غير مقبول.
المشكلة هي وجود مجالات معينة لا يمكن تقييمها باستخدام هذا المقياس، وليس من المنطق أن نتوقع قيام المديرين بذلك؛ على سبيل المثال، الأهداف لا يمكن أن تُعطى تصنيف غير مقبول، أو تحتاج إلى تحسين؛ بل تُصنَّف على النحو الآتي: تم الإنجاز، قيد الإنجاز، مؤجَّل، مُلغى، ونفس الشيء بالنسبة إلى عناصر التحسين والإنجاز؛ إذ يفضَّل أن يُعاد تحديد معايير التقييم في هذه المجالات بحيث تصبح أكثر ملاءمةً لها.
بوصفها خطوة إلى الأمام، لنستبدل مصطلح "التقييم" بمصطلح "الحالة"؛ أي إنَّنا سنستبدل المقياس ذا النقاط الخمس، وسنقيِّم الموظف بناءً على الأفعال بدلاً من التقييم الذي يعتمد على وجهة النظر الشخصية، وهذا يساعدنا على البدء تدريجياً بالاستغناء عن التقييم في الوقت الذي نقوم به بالتخلص من بعض السلبيات المرتبطة بالتقييمات.
بوصفها خطوة إضافية، يجب على المستخدم أن يرى التقييم المستند إلى النص، لكنَّ وجود مقياس رقمي مخصص في النهاية سيسهِّل على المدير إعداد التقرير.
2. مقياس حالة الأهداف:
- أُنجز الهدف (3): حُقِّقت جميع معايير النجاح.
- هدف نشط (1): ما يزال الهدف قيد الإنجاز، وربما حُقِّقت بعض المعايير.
- هدف لم يتحقق (0): حُقِّق الإطار الزمني للهدف، لكن بعض أو ربما جميع معايير ومقاييس النجاح لم تتحقق.
- هدف موجَّل (-): بسبب التوقيت، أو لأسباب لها علاقة بالعمل فقد أُجِّل الهدف.
- 100%: طُوِّر تطويراً كاملاً.
- أُنجز بنسبة تتراوح بين 75%_99%.
- أُنجز بنسبة تتراوح بين 50%_74%.
- أقل من 50%.
- لم تبدأ العملية بعد.
مقياس حالة عناصر التطوير:
1. مقياس تواتر ملاحظة الكفاءة
في مجالات التقييمات التي لها علاقة بالمهارات الناعمة والتي تتطلب بعض النظرة الشخصية، يُقترَح استخدام مقياس مستند إلى السلوك؛ إذ يُقيَّم الموظفون بناءً على تواتر السلوكات التي تُلاحَظ:
- تُلاحَظ باستمرار: تُلاحَظ هذه الكفاءة/ المهارة دائماً، وكل شخص على اتصال مع الشخص موضع التقييم سيلاحظ تميزه في هذا المجال.
- تُلاحَظ: تُلاحَظ كفاءة/ مهارة معينة، لكن يجب التركيز عليها بحيث تُصبح كفاءة أو مهارة ثابتة.
- تُلاحَظ أحياناً: تُلاحَظ الكفاءة/ المهارة في فترات متباعدة وغير منتظمة، لكن يوجد فرصة واضحة لتطويرها.
- نادراً ما تُلاحظ: تحتاج هذه الكفاءة إلى تحسين فوري.
2. تخلَّص من سلبيات التقييمات التي تصنِّف الموظفين في فئة "لا يفي بالتوقعات":
يريد الجميع أن يكون متميزاً ومتفوقاً، وهذا هو السبب في امتعاض الموظفين عندما يُصنَّفون في فئة "يفي بالتوقعات"، ويشبه الأمر تقييم طالب مرحلة ابتدائية على أنَّه "مقبول"؛ لذلك نقترح استخدام مقياس تقييم يعتمد على ملاحظة الكفاءة أو نسبة الإنجاز؛ وذلك حتى يشعر الموظف بالسعادة أو الفخر بسبب أدائه في المجالات التي لُوحِظَ مهارة معينة للموظف فيها، أو في المجالات التي أُنجز فيها الهدف.
3. تخلَّص من سلبية التقييمات التي تقدِّم النتائج باستخدام الأرقام:
نقترح عرض التقييمات النصية فقط بدلاً من وجود أرقام أو نصوص وأرقام معاً، وبهذه الطريقة لا يربط الموظف قيمته برقم، لكن بفئة نسبية تخص الأداء، ويسمح هذا الأسلوب لكل موظف أن يركِّز على السلوكات والملاحظات بدلاً من التعلق برقم.
إذا كنت بصدد البحث عن نظام جديد لإدارة الأداء، فتأكد مما إذا كان هذا النظام يستطيع استيعاب التصنيفات المستندة إلى النصوص بمقياس محدد يسمح بإعداد التقارير.
التقييمات الخفية:
يوجد شيء نرى أنَّ الطلب يتزايد عليه، ألا وهو التقييمات الخفية؛ إذ يُطلب من المدير تقديم تقييم كلي لموظف دون أن يعرف الموظف بالأمر، ويتيح هذا الأسلوب للشركات أن تَعُدَّ تقارير عن حالة الأداء والكفاءات، بينما تُبقي المراجعة مفتوحة وقائمة على المحادثة التي تتناول الموظف.
1. تخلَّص من عامل الصدمة:
القليل من التغذية الراجعة له تأثير إيجابي مفيد جداً؛ إذ استند بحث "إيلاي ليلي" إلى الاندماج في إدارة الأداء مرة واحدة في العام، وما من شك أنَّ الموظفين اختبروا درجة معينة من الصدمة عندما أُبلِغوا بالتقييمات والتغذية الراجعة فجأة بعد إعداد استمر 12 شهراً.
من الضروري أن تتخلص الشركات من عامل الصدمة هذا؛ وذلك عن طريق إعادة استخدام المراجعات التقليدية التي تحدث مرة في العام من خلال التغذية الراجعة المستمرة وتحديث الحالات.
الاجتماعات الفصلية، وسجلات الأداء والكوتشينغ المستمر والتغذية الراجعة، هي طرائق ليست فقط لإدماج المديرين والموظفين في حوار لتعزيز الأداء طوال العام، ولكنَّها أيضاً تزيل حالة الغموض التي تسود فترة التقييمات، ويدخل كلا الطرفين في المراجعة النهائية مع علم أكثر أو أقل بما يمكن توقعه، ويمكن للمحادثة أن تتطلع إلى الأمام بدلاً من السعي إلى تحقيق اتفاق معين متعلق بالمرحلة الماضية.
قد يبدو هذا سهلاً، فكل ما تحتاج إليه هو أن تطلب من المديرين تقديم مزيدٍ من التغذية الراجعة، لكن تكمن الصعوبة حقيقةً في تقديم تغذية راجعة مستمرة، مع العلم أنَّ هذه العملية هي الجزء الأكثر أهمية في استراتيجية إدارة الأداء الفعالة، وهي في نفس الوقت العملية الأكثر صعوبة من حيث التطبيق والتوجيه؛ لذا يجب تدريب المديرين على تقديم تغذية راجعة فعالة، كما يجب بناء ثقافة تشجع على تقديم تغذية راجعة؛ وذلك كله بقيادة مَن هم في أعلى الهرم الوظيفي للشركة.
2. ركِّز على المستقبل:
وجدت الدراسات أنَّ المراجعات التي تركِّز على المستقبل بدلاً من تلخيص الماضي تبدو أكثر فاعلية، وهذا منطقي، فعندما يُعطى الموظف مزيداً من التحديثات المستمرة للحالة خلال السنة، ويُتعاطى مع مراجعة نهاية العام على أنَّها إعادة تجميع رسمية ومناقشات بهدف التطوير، فسيحصل الموظفون والمديرون على مزيدٍ من القيمة من هذه المراجعات، ولن يُنظر إليه على أنَّه اجتماع ذو نتائج تقريرية جامدة.
من الممكن للشركة أن تقلل من الآثار السلبية للتقييمات مع استمرار الاستفادة من المزايا التي تقدِّمها، لكن في نهاية المطاف، يجب على ثقافة شركتك واحتياجاتها وضع معايير تقييم الأداء وقياسه.
أضف تعليقاً