المعالجة النفسانية ومرتكزاتها :
يؤكد علماء النفس بعد التجارب العديدة الطويلة التي أجروها خلال حياتهم العلمية أن فهم المرتكزات العلاجية النفسية يتطلب معرفة الأسس العلمية التي يقوم عليها العلاج بالطرق النفسية المختلفة ، سواء أكان علاجا لأمراض نفسية أم كان علاجا لأمراض جسمانية .
وتنطلق هذه الأسس من العلاقة بين الجسم والعقل ، لأن الرابطة بينهما وثيقة ، أي بين الحالات الجسمانية المادية والحالات النفسية . وقد أدرك هذه العلاقة أرسطو وأقرها أبقراط ، وشرحها جالينوس ، وأفاض في بيانها وشرحها فلاسفة العرب .
ولما كانت الأحداث العقلية تؤثر في الأحوال الجسمية ، وبالعكس ، أي الأحداث الجسمية تؤثر في أحوال العقل ، فالمرض الجسماني يؤدي إلى مرض عقلي من نوع ما . والأمراض العقلية تنشأ عنها أمراض جسمانية . كما أن صحة الجسم تؤدي إلى سلامة العقل ، فإن صحة العقل تؤدي إلى سلامة الجسم وخلوه من الأمراض .
وسنذكر مجموعة من الأدلة تؤكد تأثير الأحوال المادية الجسمية في سير العقل ، والأعمال العقلية ، ثم نقدم أدلة أخرى تثبت العكس ، أي تدل على تأثير الأحوال العقلية في الجسم والوظائف الجسمانية .
من النوع الأول : أن أي خلل مادي مباشر ، أو ضعف ، أو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي يتبعه خلل في العقل أو التصرفات العقلية .
من الثابت لدى العلماء أن الأغذية والعقاقير الطبية ، والإفرازات الضدية ، والمواد المخدرة ، تأثر في العقل ، لأن التجارب التي أجراها هؤلاء العلماء على تبديل الأغذية تبديلا خاصا قد أحدث تبدلا كبيرا في الأمزجة . وقد لاحظ بعض العلماء أن طعام القتلة المجرمين نوعا خاصا من الطعام يخفف من ميلهم إلى الإجرام ، وأن تناول بعض العقاقير والأدوية باستمرار يؤدي إلى تبديل محسوس في الأمزجة ، وتقدم في الأخلاق والسلوك ، وبعد عن الإجرام .
من النتائج التي توصل إليها العلماء في هذا العصر أنه من الممكن تنظيم الإفرازات الغدية ، وتكميل ما فيها من نقص ، ونقص ما فيها من زيادة ، وذلك بحقن الدم بمواد تقوي الضعيف ، أو تضعف القوي من تلك الإفرازات ، واستدلوا من ذلك على إنه يمكن تعديل الأمزجة ، وتغييرها إلى حد كبير جدا .
ويلاحظ أحد علماء النفس أن لكل نوع من أنواع الجنون سببين أو أكثر من أسباب ثمانية هي :
- تناول المواد السامة .
- ضعف الأعضاء التي تقاوم تأثير هذه المواد السامة .
- عدم تناول مواد زلالية ذات قيمة غذائية عالية أو عدم هضمها .
- اختلال وظائف الهضم .
- عدم وجود كميات كافية من الفيتامين في أنسجة الجسم
- قلة الأملاح المعدنية في الأنسجة .
- اختلال وظائف الغدد الصماء .
- أسباب أخرى متنوعة ، كارتجاج المخ ، وضربة الشمس ، وتناول المخدرات .
وتقول العالمة النفسية اليزابت سيفرن : (( إن التجارب الخاصة التي قمت بها في تشخيص الأمراض العقلية قد أقنعتني بصحة قاعدة عامة هي : أن لجميع الاضطرابات التي تحدث في الوظائف العقلية سواء منها ما كان شعوريا وما كان غير شعوري علاقة وثيقة باضطرابات جسمانية خاصة ))
وهي ترى أن كل عضو من أعضاء الجسم يصحب مرضه مرض نفسي ، إذ أن هناك علاقة بين مرض القلب والاضطرابات الوجدانية ، وبين مرض الطحال والكسل ، وبين اضطرابات المعدة والكآبة وضيق الصدر ، وبين مرض الكلية أو عجز الأمعاء عن القيام بوظيفتها والتراخي في السلوك وعقم التفكير وضيق الأفق ، وبين مرض الكبد وسوء الظن والخشونة في معاملة الناس ، وبين وجع الركب والتردد ، وبين وجع القدم أو الساق وعدم القدرة على الإبداع ، وبين الروماتزم والعناء والتراخي في تحديد الغرض من العمل والسعي نحوه .
أضف تعليقاً