أشهر قصائد الأعشى:
يعدُّ الشاعر الأعشى من بين أهم شعراء العصر الجاهلي، فقد اشتهر بمدحه للملوك بهدف كسب المال، وهذا منحه لقب (صناجة العرب)، وعُدَّ أستاذاً للشعر في تلك الفترة.
ولد الأعشى في عام 570 ميلادي، ونشأ في بيئة خصبة مليئة بالماء والمرعى وأشجار النخيل، وترعرع تحت رعاية خاله، الشاعر المسيب بن سلع، وبعد وفاة والده عاش الأعشى طوال فترة ظهور الدين الإسلامي.
تميز الأعشى بقصائدهِ المتنوعة التي تتناول فنون الشعر مثل: المدح، والهجاء، والغزل، ووصف الخمر، وهو أول شاعر عُرِف بكسب المال من شعرهِ، فكان كثير التردد على الملوك والسلاطين ويمدحهم ويبالغ في مدحهم، ومن أشهر قصائد الشاعر الأعشى:
1. ذريني لك الويلات آتي الغوانيا:
ذَريني لكِ الويلاتُ آتي الغَوانِيا
متى كنتُ ذرَّاعاً أسوقُ السَّوانِيا
ترجِّي ثراءً من سياسٍ ومثلها
ومِن قبلها ما كنتُ للمالِ راجِيا
سأُوصِي بصيراً إنْ دنوتُ من البلى
وكلُّ امرئٍ يوماً سيصبحُ فانِيا
بأَنْ لا تأنَّ الودَّ من مُتباعدٍ
ولا تنأ إنْ أمسى بقربِكِ راضيا
فذا الشَّنءِ فاشنأه وذا الودِّ فاجزه
على ودِّه أو زد عليهِ العَلانيا
وآسِ سراة الحيِّ حيثُ لقيتَهم
ولا تكُ عن حملِ الرباعةِ وانيا
وإنْ بشرٌ يوماً أَحالَ بوجهِهِ
عليكَ فحلْ عنهُ وإنْ كانَ دانِيا
وإنَّ تقى الرحمنُ لا شيءَ مِثله
فصبراً إذا تلقى السحاق الغراثيا
وربَّك لا تشرِك به إنَّ شركَه
يحطُّ من الخيرات تلكَ البواقِيا
بل الله فاعبد لا شريكَ لوجهِه
يكن لكَ فيما تكدحُ اليومَ راعيا
وإِيَّاكَ والميتاتِ لا تقربنَّها
كفى بكلامِ اللهِ عن ذاكَ ناهِيا
ولا تعدنَّ الناسَ ما لستَ مُنجزاً
ولا تشتمن جاراً لطيفاً مُصافِيا
ولا تزهَدَن في وصلِ أَهل قرابةٍ
ولا تكُ سبعاً في العشيرةِ عادِيا
وإنْ امرؤٌ أسدى إليكَ أمانةً
فأوفِ بها إنْ متَّ سمِّيتَ وافِيا
وجارةُ جنب البيتِ لا تنعِ سرَّها
فإنَّكَ لا تخفى على اللهِ خافِيا
ولا تحسدن مولاكَ إنْ كانَ ذا غنىً
ولا تجفهِ إنْ كنتَ في المالِ غانِيا
ولا تخذلنَّ القومَ إنْ نابَ مغرمٌ
فإِنَّكَ لا تعدم إلى المجدِ داعِيا
وكنْ مِن وراءِ الجارِ حصناً ممنَّعاً
وأوقدْ شهاباً يسفعُ الوجهَ حامِيا
2. لعمرك ما طول هذا الزمن:
لعمرُكَ ما طولُ هذا الزمن
على المرءِ إلَّا عناءٌ معن
يظلُّ رجيماً لريبِ المنون
وللسقمِ في أَهله والحزن
وهالك أهلٍ يجنُّونه
كآخرِ في قفرةٍ لم يجن
وما إنْ أرى الدهرَ في صرفِهِ
يغادرُ من شارخ أو يفن
فهل يمنعنِّي ارتيادي البلادَ
من حذرِ الموتِ أن يأتين
أليس أخو الموتِ مستوثقاً
عليَّ وإنْ قلتُ قد أنسأن
عليَّ رقيبٌ له حافظٌ
فقل في امرئٍ غلقٍ مرتهن
أزالَ أذينةً عن ملكه
وأخرجَ مِن حصنِهِ ذا يزن
وخانَ النعيمَ أبا مالكٍ
وأيُّ امرئٍ لم يخنْه الزمن
أزالَ الملوك فأفناهم
وأخرَجَ من بيتِهِ ذا حزن
وعهد الشباب ولذَّاته
فإنْ يكُ ذلكَ قد نتَّدن
وطاوعتُ ذا الحلم فاقتادَني
وقد كنتُ أمنعُ منه الرسن
وعاصيتُ قلبي بعد الصبى
وأمسى وما إنْ لهُ من شجن
فقد أشربُ الراحَ قد تعلمين
يومَ المقامِ ويومَ الظعن
وأشربُ بالريفِ حتَّى يُقال
قد طالَ بالريفِ ما قد دَجَن
وأقررتُ عَيني من الغنيات
إمَّا نكاحاً وإمَّا أزن
من كلِّ بيضاءَ ممكورةٍ
لها بشرٌ ناصعٌ كاللبن
عريضةُ بوصٍ إذا أدبرَت
هضيم الحشاشختة المحتضن
3. ألا قل لتيا قبل مرتها اسلمي:
هي من أشهر قصائد الأعشى في الغزل وأجملها وتقول أبيات مطلعها الآتي:
ألا قل لتيا قبل مرَّتها اسلَمي
تحيَّة مشتاقٍ إليها متيَّم
على قيلها يوم التقينا ومن يكن
على منطقِ الواشين يصرمُ ويصرم
أجدَّك لم تأخذ ليالي نلتقي
شفاءَك من حولٍ جديدٍ مجرَّم
تسرُّ وتعطى كلَّ شيءٍ سألته
ومن يكثِرُ التسآل لا بدَّ يحرم
فما لكَ عندي نائلٌ غير ما مضى
رضيتُ به فاصبر لذلك أو ذم
فلا بأس إنِّي قد أجوِّز حاجتي
بمستحصدٍ باقٍ من الرأي مبرم
وكورٍ علافيٍّ وقطعٍ ونمرقٍ
ووجناء مرقال الهواجر عيهم
كأنَّ على أنسائها عذق حصلةٍ
تدلَّى من الكافور غير مكمَّم
عرندسةٍ لا ينفض السير غرضها
كأحقب بالوفراء جأب مكدَّم
رعى الروض والوسميَّ حتى كأنَّما
يرى بيبيسِ الدوِّ إمرار علقم
تلا سقبةً قوداء مشكوكة القرا
متى ما تخالفه عن القصد يعذم
إذا ما دنا منها التقته بحافرٍ
كأنَّ له في الصدر تأثير محجم
إذا جاهرته بالفضاء انبرى لها
بإلهاب شدِّ كالحريق المضرَّم
وإن كان تقريبٌ من الشدِّ غالها
بميعة فنَّان الأجاريِّ مجذم
فلمَّا علته الشمس واستوقد الحصى
تذكَّر أدنى الشرب للمتيمِّم
فأوردَها عيناً من السيف ريَّةً
بها برأ مثل الفسيلِ المكمَّم
بناهنَّ من ذلَّان رامٍ أعدَّها
لقتلِ الهوادي داجنٌ بالتوقُّم
فلمَّا عفاها ظنَّ أنْ ليس شارباً
من الماءِ إلَّا بعدَ طول تحرُّم
4. مُعلَّقة الأعشى:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت
كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها
وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها
إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ
إِذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت
وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ
إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ
صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا
جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ
رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ
نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها
لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها
كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً
وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ
ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ
خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ
يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ
مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ
وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها
وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ
5. قصيدة الأعشى في مدح الرسول:
ألم تغتمِضْ عيناك ليلةَ أرمدا
وعادَكَ ما عادَ السليمَ المسهَّدا
وما ذاكَ من عشقِ النساءِ وإنَّما
تناسيت قبل اليوم خلَّة مهددا
ولكن أرى الدهر الَّذي هو خاترٌ
إذا أصلحتُ كفَّاي عادَ فأفسدا
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ
فللَّه هذا الدهرُ كيف تردَّدا
وما زلتُ أبغي المالَ مذ أنا يافعٌ
وليداً وكهلاً حينَ شِبتُ وأمردا
وأبتذلُ العيسَ المراقيل تغتلي
مسافة ما بين النجير فصرخدا
فإن تسألي عنِّي فيا رُبَّ سائلٍ
حفيٍّ عن الأَعشى به حيثُ أصعدا
ألا أيُّهذا السائلي أين يمَّمت
فإنَّ لها في أهلِ يثربِ موعدا
فأمَّا إذا ما أدلجَت فترى لها
رقيبَين جدياً لا يغيبُ وفرقدا
وفيها إذا ما هجَّرت عجرفيَّةٌ
إذا خلَت حرباءُ الظهيرة أصيدا
أجدَّت برجليها نجاءً وراجعَت
يداها خنافاً ليِّناً غير أحردا
فآليتُ لا أرثي لها من كلالةٍ
ولا من حفىً حتَّى تزور محمَّدا
متى ما تناخي عند بابِ ابن هاشمٍ
تريحي وتلقي من فواضِلِهِ يدا
نبيٌّ يرى ما لا ترونَ وذكره
أغارَ لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقاتٌ ما تغبُّ ونائلٌ
وليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدَّك لم تسمَعْ وصاةَ محمَّدٍ
نبيِّ الإِله حينَ أوصى وأَشهدا
إذا أنتَ لم ترحلْ بزادٍ من التُّقى
ولاقيتَ بعد الموتِ من قد تزوَّدا
ندمتَ على أن لا تكونَ كمثلِهِ
وأنَّك لم ترصدْ لما كانَ أرصدا
فإيَّاكَ والميتات لا تأكلنَّها
ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وذا النصبِ المنصوب لا تنسكنَّه
ولا تعبدِ الأوثان والله فاعبدا
إقرأ أيضاً: قصيدة الأعشى في مدح الرسول
في الختام:
لقد ذَكرنا بعض أشهر قصائد الأعشى، الشاعر العربي الذي بَرَع في تَرك بصمة عميقة في عالم الأدب، فتشكِّل قصائده جزءاً هاماً من التراث الأدبي العربي، فهي تجسِّد عمق الشعور وتعبير الفكر بأسلوب شاعري متقن، ومن خلال قصائده استطاع الأعشى أن ينقل لنا الجمال والحكمة، ويحملنا في رحلة إلى عوالم الشجن والغزل والفلسفة.
أضف تعليقاً