هواجس المعاملة الحسنة وتداعياتها

توجد شروط ومعايير لبناء مجتمع سليم، وأحد أهم تلك المعايير هي المعاملة الحسنة بين الناس على اختلاف أعراقهم وقومياتهم، ودياناتهم، ومن الهام أيضاً أن نطرح على أنفسنا سؤالاً وهو: هل توجد سلبيات يمكن أن تنشأ من جراء تطبيق قواعد التعامل الحسنة مع الآخرين؟



يقول الكاتب زياد ريس مؤلف كتاب "تجربتي لحياة أفضل": مما لا شَك فيه أنَّ جميع الرسالات السَّماويَّة بلا استثناء تدعو البشريَّة إلى التَّعامُل الحَسَن، وما يلزمه من قِيَم ومعاني سامية، ولكن توجد هواجس مع النَّفس واستفسارات من الضروري إلقاء الضوء عليها لتكون جليَّة لتلافي التَّداعيات السَّلبيَّة من الامتناع عن المعاملة الحَسَنة.

طبعاً نتحدَّث هنا عما يخصُّ السلوكات الشخصيَّة، وليس المواقف ذات الكيانات العقائديَّة أو الحزبيَّة المُؤدَلَجَة، ومن الهام أن تكون هذه المفاهيم واضحةً لمن يعمل في حقل العمل العام والعمل الخيري خاصة.

إقرأ أيضاً: أثر استخدام الكلمات المناسبة في تقبل الطبيعة المعقدة للناس

المعاملة الحسنة مع الجميع:

هنا تُثَار عدَّة أسئلة هامَّة: هل يُقبَل معاملة كافة الأشخاص بالحُسْنَى حتى أولئك الذين يغلب عليهم الطابع السيئ بسلوكهم؟ وهل مِن ضَيْم في ذلك؟ حتى لو أصابتك منهم الإساءة ولمن يعنيك ويخصُّك؟ وهل يستدعي خصام المسيء مع مَن تُحب أن تصطفَّ لمن تُحِب وتُعْرِض عن الحسنى لمن أساء؟ وهل معاملة المسيء بالحسنى هي شهادة له بحُسْن الخُلُق والسُّمْعَة؟ وهل من الحكمة مُجاهَرة العداء لذوي السلوك المسيء وبكل المواقع والمواقف؟ وهل من ضَيْر للإشادة بالفَضْل لمن ظهرت منه الإساءة في مواقفه الجيدة إن كانت قد حصلت؟ وهل التَّعامُل مع المنافقين بالحسنى هو شهادة لهم بالتَّقوى والصَّلاح؟ 

من خلال التَّأمُّل في الأسئلة أعلاه يمكن أن نَخْلُص إلى التَّأكيد على أنَّ المُعامَلة الحسنة مع جميع شرائح المجتمع هي الأصل وهي المطلوب، وهذه المعاملة ليست شهادةً للآخرين بحُسْن الخُلُق والسلوك، وأنَّ الحزم في التَّعامُل معهم لا يكون مقابل سوء أخلاقهم وسلوكهم، وإنَّما هو دافع ومحفِّز لكي يُغيّروا من طبعهم، وأن تكون هذه المعاملة هي الشَّرارة التي تُوقظ الوازع الإيجابي الدَّاخلي لديهم.

القاعدة العامَّة أنَّ النَّاس ليسوا سيئين بالمطلق، وليسوا جيدين بالمطلق، وبالتَّأكيد فإنَّ عدم الوقوف والاصطفاف معهم في كل أفعالهم لا يعني بالضرورة إقراراً بالخطأ أو استحسانه، ومن جهة أخرى يَجدُر التَّأكيد والتَّركيز والتنويه على الجانب الإيجابي للمخطئ، فهو حافز هام لتنمية الجانب الجيد في نفوس أفراد المجتمع بمختلف أطيافهم، وهذه الطريقة في التعامل هي صُلْب الإحسان المطلوب من الجميع، والأحرى أن يتحلَّى به مَن يعمل في حقل العمل العام والخيري.

شاهد بالفديو: كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟

من أسرار وعوامل السَّعادة التي يُحقِّق بها الفرد مراتب عليا: صفاء القلب وسلامة الصدر تجاه الآخرين، وهذا يستلزم التعود على الصَّبر وتدريب النفس على التَّغاضي وحُسْن الظن، كما يحتاج إلى الإيمان المطلق بعدل الله - سبحانه وتعالى - في جزائه في الدنيا والآخرة.

أعتقد أنَّنا في هذه المرحلة التي نعيش فيها في الضُّغوطات والمِحَن هي الأحوج لمزيدٍ من السماحة والصَّفاء والعفو والصَّفح، وستكون من العوامل الهامَّة في إعادة لُحْمَة المجتمع والنهوض به، ولا يمنع هذا من أخذ الحَذَر بالأمور كلها.




مقالات مرتبطة