هل يمكن لأشعة الهواتف المحمولة أن تضر الحمض النووي؟

هل الهواتف المحمولة تسبب أورام المخ؟ عندما تتدخل شركات تبلغ قيمتها تريليون دولار، مثل شركة "بيغ فود" (Big Food)، أو "بيغ توباكو" (Big Tobacco)، أو "بيغ فارما" (Big Pharma)، أو "بيغ تيليكوم" (Big Telecom)؛ فهناك الكثير من الأموال التي يمكنها التلاعب بالعلم.



وعندما يتعلق الأمر بالتأثيرات المحتملة في صحة الإنسان لاستعمال الهاتف المحمول، فمن المؤكد قد ينتهي بك الأمر مع تشنج في رقبتك إذا كنت تستعمل الهاتف استعمالاً مفرطاً، أو حتى كسر رقبتك أو رقبة شخص ما قد تصدمه إذا كنت ترسل رسالة نصية في أثناء القيادة.

ومن ناحية أخرى، فكِّر في عدد الأرواح التي تُنقَذ على الطريق؛ ذلك لأنَّ الناس الآن قادرون على الاتصال الهاتفي بسرعة في حالات الطوارئ، ولكن ماذا عن السرطان؟ منذ مطلع القرن، كانت هناك دراسات تشير إلى مضاعفة خطر الإصابة بأورام الدماغ نتيجة استعمال الهاتف المحمول للتحدث.

وهذا أمر هام؛ لأنَّ الإشعاع يخترق ما يصل إلى بضع بوصات في دماغك، وتُظهِر صور الرأس وأعلى الرأس سبب إصابتك بالسرطان في أحد جانبي الرأس دون الجانب الآخر، ونظراً لأنَّه تأثير موضعي، يمكنك معرفة سبب وجود توصيات لاستعمال خاصية مكبر الصوت أو سماعة رأس، التي يمكن أن تقلل من تعرُّض الدماغ للخطر بنسبة 100%، وهذا يشمل خيار استعمال سماعات رأس بلوتوث (Bluetooth headsets)، وقد يكون هذا هاماً خاصة بالنسبة إلى الأطفال؛ ذلك لأنَّ لديهم جمجمة رقيقة.

ومع ذلك، فإنَّ إشعاع الهواتف المحمولة لا يشبه الإشعاع النووي، فإنَّه لا يتلف الحمض النووي إتلافاً مباشراً، مثل أشعة جاما من القنبلة الذرية، ومع ذلك، يبدو أنَّه قادر على إتلاف الحمض النووي إتلافاً غير مباشر عن طريق توليد الجذور الحرة.

وفي دراسة شاملة نُشِرَت في عام 2015، في "علم الأحياء الكهرومغناطيسي والطب" (Electromagnetic Biology and Medicine)، من بين 100 دراسة بحثت في هذا الأمر، أكدت 93 دراسة وجود تأثيرات مؤكسدة من الإشعاعات منخفضة الكثافة التي تخرج من الهواتف المحمولة.

ونظرت دراسة شاملة أخرى نُشِرَت في مجلة "باثوفيزيولوجي" (Pathophysiology) في عام 2009، شملت 101 دراسة، 49 منها وجدت أنَّ هذا التأثير المؤكسد يُسبب تلف الحمض النووي، ويؤدي إلى ظهور علامات السمية الجينية؛ وهي تلف جيناتنا أو الحمض النووي أو الكروموسومات.

بينما لم تجد مجموعة أصغر من الدراسات بلغ عددها 42 دراسة تأثيراً ساماً للجينات، ولكنَّ كثيراً من هذه الدراسات أُجرِيَت في أطباق بتري (petri dishes)، أو على حيوانات المختبر؛ إذ وجدت بعض الدراسات السكانية زيادة في خطر الإصابة بالسرطان؛ لكنَّ دراسات أخرى لم تفعل ذلك.

تأثير التمويل في نتائج الدراسات:

هل يمكن أن يكون لمصدر تمويل تلك الدراسات أي علاقة بالنتائج المختلفة؟ فقد موَّلت شركات الهاتف المحمول بعض الدراسات، وافترض الباحثون في "قسم الطب الاجتماعي والوقائي" (Department of Social and Preventive Medicine) في "جامعة برن" (University of Bern) في "سويسرا" (Switzerland) في حديثٍ نُشِر في مجلة "إنفايرومنتال هيلث برسبكتيف" (Environmental Health Perspectives) في عام 2009: "أنَّه سيكون من غير المرجح أن تُظهر هذه الدراسات التأثيرات السلبية إذا موَّلَتها الشركات العاملة في مجال الاتصالات، التي لها مصلحة خاصة في تبيان أنَّ استعمال الهواتف آمن.

ووجدوا أنَّ الدراسات المموَّلة حصرياً من قبل الشركات كانت بالفعل أقل احتمالاً للإبلاغ عن تأثيرات هامة إحصائيَّاً". وفي الواقع، أظهرت معظم الدراسات الممولة تمويلاً مستقلاً تأثيراً لها، في حين أنَّ معظم الدراسات الممولة من شركات الاتصالات لم تفعل ذلك.

وكان لدى الدراسات التي موَّلتها الشركات المصنِّعة للهواتف احتمال أقل بنحو 10 أضعاف لإيجاد تأثيرات سلبية لاستعمال الهاتف المحمول، وهذا أسوأ من ظاهرة مماثلة لوحظت في صناعة الأدوية.

إقرأ أيضاً: سلبيَّات كثرة استخدام الهاتف المحمول

فالدراسات التي رعتها شركة "بيغ فارما" (Big Pharma) عن منتجاتها كانت لديها فقط نحو أربعة أضعاف احتمالات تحسين مواصفات الدواء مقارنة بالباحثين المستقلين وفقاً لمراجعة نُشِرَت في "المجلة الطبية البريطانية" (British Medical Journal) في عام 2003. وما تزال شركة "بيغ توباكو" (Big Tobacco) هي الأسوأ عندما يتعلق الأمر بالتحيز في نتائج البيانات الضخمة.

لماذا توصَّلت المقالات البحثية عن الآثار الصحية للتدخين غير المباشر إلى استنتاجات مختلفة؟ لقد اتضح أنَّ احتمال استنتاج الدراسات التي تموِّلها صناعة التبع أنَّ التبغ غير ضار كانت تبلغ 88%، وفقاً لتحليل نُشِرَ في مجلة "جي إي إم إي" (JAMA) "مجلة الجمعية الطبية الأمريكية" (Journal of the American Medical Association).

فإنَّ نتائج دراسات الاتصالات السلكية واللاسلكية تزيد سوءاً بنحو 10 مرات عن نتائج صناعة الأدوية من ناحية التحيز، فهناك تضارب في المصالح على طرفي النقاش، فإذا لم يكن السبب نزاعاً مالياً فقد يكون فكرياً؛ إذ قد يكون من الطبيعة البشرية إظهار التحيز تجاه الأدلة التي تدعم موقفك الشخصي.

وعلى هذا النحو، سترى دراسات علمية فاسدة منشورة، مثل دراسة نُشِرَت في مجلة "نيورو أونكولوجي" (Neuro-Oncology)، في عام 2011، التي يبدو أنَّها وجدت علاقة طفيفة بين حالات أورام الدماغ واشتراكات الهاتف المحمول.

ولكن يمكن للمرء أن يفكر في الكثير من الأسباب التي تجعل ولايات مثل "نيويورك" (New York)، و"تكساس" (Texas) لديها المزيد من أورام المخ لاستعمالهم الهواتف المحمولة أكثر من ولاية "داكوتا" (Dakota)، وأنَّ هذه الأسباب لا علاقة لها بإشعاع الهاتف المحمول.

وفي بعض الأحيان، قد ترى احتيالاً صريحاً بمزاعم من الباحثين الأكاديميين الذين ألفوا اثنتين من أبحاث السمية الجينية هذه، والمراجعة ذاتها التي ذكرتها آنفاً متورطين في سلوك علمي فاسد؛ وهي ادعاءات ينفونها، مشيرين إلى أنَّ المتهم الرئيس كان محامياً يعمل في صناعة الاتصالات.

فعندما تكون هناك صناعة تبلغ قيمتها تريليون دولار، سواء كانت صناعة الأغذية أم صناعة التبغ أم صناعة الأدوية أم صناعة الاتصالات، فهناك الكثير من الأموال التي يمكنها التلاعب بالعلم.

إقرأ أيضاً: تحليل الحمض النووي (DNA): كيف يتم إجراءه، وما هي استخداماته؟

خذ صناعة الطاقة النووية على سبيل المثال؛ إذ يشير مقال في "المجلة الدولية للخدمات الصحية" (International Journal of Health Services) إلى أنَّه كانت هناك طوال عقود مضت تعمية مؤسَّسية رفيعة المستوى فيما يخص العواقب الصحية لكارثة "تشرنوبيل" (Chernobyl).

كانت التقديرات الرسمية للمشكلات الصحية الناتجة أقل 100 مرة أو حتى 1000 مرة من تقديرات الباحثين المستقلين؛ فهل مات في نهاية المطاف 4000 شخص فقط أو ما يقرب من مليون؟ يعتمد ذلك على مَن تسأل، ومَن يصادف أنَّه يموِّل الدراسات البحثية.

المصدر




مقالات مرتبطة