هل يمكن الاكتفاء من التطوير الشخصي؟

كثيراً ما أسمع أشخاصاً يقولون إنَّهم اكتفوا من قراءة الكتب أو الاستماع إلى البودكاست (المدونات الصوتية)، ويدَّعون بأنَّهم أتمُّوا مسيرة تطويرهم الشخصي على أكمل وجه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويشرح لنا فيه عن أهمية التطوير الشخصي، مقدماً أمثلة من تجربته.

في كلِّ مرة أسمع فيها أمراً من هذا القبيل، تخطر ببالي كلمة واحدة وهي التكبُّر، فما الذي يقصده الناس فعلاً حين يقولون إنَّهم اكتفوا من التعلم؟ ما يقولونه هو إنَّ مستواهم أعلى من تلك المعرفة التي يتشاركها الآخرون، وإنَّهم ليسوا بحاجةٍ إليها، فهم أعلم بتلك الأمور، وهذا بالضبط نوع الأشخاص الذين لا أتفق معهم أبداً.

اتباع الاتجاهات السائدة مقارنةً بالتركيز على الأساسيات:

عملت في مكتب الاستقبال لنادٍ رياضي خلال دراستي الجامعية، وفي أثناء تلك الفترة، لاحظت أنَّ الأشخاص الذين يرتادونه يُصنَّفون إلى نوعين؛ فيوجد النوع الذي سجَّل في النادي للمشاركة في أحدث صيحات اللياقة البدنية، وكانوا كثيرين.

كان من هذه الصيحات رياضة التايبو (Tae Bo)، وحِمية أتكينز الغذائية (Atkins diet)، وصفوف التدريب على الدراجة الثابتة بأنواعها المختلفة، ثم جاء هوس الزومبا واليوغا، كما أتذكر نظام كروس فيت للياقة البدنية (Crossfit) الذي لقي شهرةً واسعةً في تلك الفترة.

يهتم الجميع بتسلق الصخور هذه الأيام، فقد شاهدوا فيلم "التسلق الحر المنفرد" (Free Solo)، ما جعلهم يعتقدون أنَّ بإمكانهم فعل الأمر نفسه.

يوجد دائماً من يتبعون هذه التوجهات السائدة لمجرد أنَّها تحظى بشعبية، وهذا ما فعله النوع الأول من الأشخاص الذين ذكرتهم سابقاً، لقد ارتادوا النادي الرياضي لبضعة أشهر، ولم أرهم بعد ذلك أبداً.

كان تركيز المجموعة الثانية منهم على الأساسيات؛ فهؤلاء لم يكترثوا بالتوجهات السائدة؛ بل كانت دوافعهم داخلية مثل فقدانِ الوزن وبناء القوة الجسدية، وكانت تهمهم النتائج، فسألوا عن الاستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها، والتقنيات التي نجحت طيلة عقود، وعن أساسيات التدريب.

كانت المجموعة الثانية بطبيعة الحال قليلة العدد؛ لكنَّ الأشخاص الذين ركزوا على الأساسيات هم الذين التزموا بممارسة الرياضة، لقد مضت في الواقع أكثر من 10 سنوات  منذ أن عملت هناك، لكن ما زلت أُصادفهم في النادي الرياضي الذي أتدرب فيه حالياً.

شاهد بالفديو: 20 مثالاً على الأهداف الشخصية الذكية لتحسين حياتك

حتى ممارسو التأمل الأكثر خبرةً لا يتوقفون عن التدريب:

عندما تقرر سلوك اتجاهٍ معينٍ في الحياة، فإنَّه يصبح أسلوب حياة، والأشخاص الذين يدَّعون أنَّهم اكتفوا من أمرٍ ما لم يبدؤوا به أصلاً، لقد لحقوا التوجه السائد فقط، وينطبق الأمر نفسه تماماً على التطوير الشخصي؛ لذلك عندما تقرأ هذا الكلام الفارغ بأنَّ عليك التوقف عن القراءة وعيش حياتك، تجاهله، وإذا كنت ستلتزم بأمرٍ طوال الحياة، فاستمر في تكرار الأساسيات.

انتهيت للتو من قراءة كتاب عن اليقظة الذهنية، وأحد الأمور التي تعلَّمتها من هذا الكتاب هو أنَّ حتى أكثر ممارسي التأمل خبرةً ما زالوا يكررون الأساسيات؛ إذ يمارسون التأمل مثل المبتدئين، ولا يكتفون منه أبداً.

إنَّه نمط حياة، فلماذا يتوقف معظم الناس عن فعل أمرٍ ما؟ لماذا ترك هؤلاء الأشخاص النادي الرياضي؟ لماذا يتوقف معظمنا عن قراءة كتب التنمية الشخصية؟ يعود السبب لنفاد الصبر، وقد أصابَ الكاتب حين قال: "الصبر هو المفتاح، إذا تعلمتَ أمراً واحداً من التأمل ستتعلم الصبر؛ فالصبر عاملٌ جوهري لإحداث تغييرات جذرية".

من الهام أن تفكّر بالسبب الذي يدفعك إلى تحسين نفسك، إذا كانت دوافعك خاطئة مثل محاولة إرضاء الآخرين، أو أن تصبح غنياً، ستستسلم بسهولة إذا لم تُحقق مكاسب سريعة.

لكن إذا كنت تملك دافعاً داخلياً، ستتحلَّى بمزيدٍ من الصبر تلقائياً؛ فعندما تمتنع عن فعل أمرٍ ما لأسباب داخلية، ستبدأ بالتفكير بوصفك شخصاً مبتدئاً، وهذا مفتاح النجاح الدائم؛ فعندما تتبنى هذه العقلية، لن تقول بكلِّ تكبُّر أموراً مثل: "لقد اكتفيت من التعلم"، وتدَّعي بأنَّك تعرف كلَّ شيء لمجرَّد أنَّك قرأت بعض الكتب.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

كرِّر المبادئ الأساسية:

لكلِّ أمرٍ في الحياة أساسيات، من اللياقة البدنية إلى النظام الغذائي والفلسفة والتأمل، ركِّز على تلك الأساسيات وكرِّرها باستمرار ولا تنسَها أبداً، فهذا سيُبقيك متواضعاً؛ لكنَّه سيساعدك على إتقان ما تفعله أيضاً.

إنَّ أفضل لاعبي كرة السلة في العالم يتدربون على الرمية الحرة آلاف المرات، وقد اشتُهر لاعب كرة السلة المحترف الأمريكي كوبي براينت (Kobe Bryant) بتسديد 100000 ضربة تدريبية خارج الموسم، ولم ينسَ الأساسيات، كما أُطلق على تيم دنكان (Tim Duncan)، وهو واحدٌ من أعظم لاعبي كرة السلة أيضاً، لقب "الأساسي الكبير" لأنَّه بنى مسيرته المهنية اعتماداً على حركات كرة السلة الأساسية، وقد وصفه بعض الناس بالمُمل؛ لكنَّني أفضِّل وصفه بالمؤثِّر.

في الختام:

لا يمكنك أبداً إتقان الأساسيات، ولا الاكتفاء من تطوير نفسك؛ فهذه عملية تنتهي بانتهاء الحياة؛ لذا عليك الاستمرار بتحسين نفسك حتى ذلك الحين.




مقالات مرتبطة