هل يضر الدخان بالنباتات أم يساعدها على النمو؟

لدينا جميعاً على الأقل بعض التجارب من التهيج الناجم عن استنشاق الدخان، فقد ينتج الدخان عن الاحتراق غير الكامل، وهذا يعني ببساطة أنَّ المادة لم يتم حرقها بالكامل بسبب نقص الأوكسجين؛ إذ يحتوي كل نوع من الدخان على أول أوكسيد الكربون وثنائي أوكسيد الكربون وجسيمات محترقة.



عندما نستنشق الدخان يتهيج الجهاز التنفسي؛ وهذا يسبب السعال وصعوبة التنفس، وأيضاً تصبح العيون والجلد بلون أحمر، وعندما يتم استنشاق أول أوكسيد الكربون الموجود في الدخان، يتسبب التسمم به في حدوث الصداع والغثيان والقيء، والسؤال المطروح الآن هو "هل يؤثر الدخان في نمو النبات كما يسبب مشكلات للإنسان والكائنات الحية الأخرى؟" دعونا نشارك بعض الحقائق المثيرة للاهتمام عن هذا الموضوع.

هل يؤثر الدخان في نمو النبات؟

الجزء المثير هو أنَّ الدخان يمكن أن يؤثر في النباتات تأثيراً إيجابياً وسلبياً، فعندما ينتج الدخان عن احتراق بعض المواد، فإنَّه يزيد من ثنائي أوكسيد الكربون على مساحة محدودة، كما تحتاج النباتات إلى ثنائي أوكسيد الكربون لإنتاج الغذاء وتوليد الأوكسجين الذي يساعد النباتات على النمو بوجود ضوء كافٍ.

من ناحية أخرى يمكن أن يضر الدخان بالنباتات من البخور أو السجائر أو حتى حرائق الغابات؛ إذ يمكن أن تُلحق الأبخرة المنبعثة ضرراً كبيراً بالنباتات إذا تعرضت للدخان بتركيزات عالية أو لفترة طويلة، فالتأثير السلبي هو أنَّ جزيئات الدخان عبارة عن تلوث جسيمي يمكنه تغطية سطح الورقة وتقليل التمثيل الضوئي.

التلوث الجزيئي في الدخان ضار بالبشر أيضاً، ولكنَّ النباتات يمكنها تنقية الهواء، ونعلم جميعاً أنَّنا عندما نتنفس فإنَّنا نُخرج ثنائي أوكسيد الكربون، كما ينتج ثنائي أوكسيد الكربون أيضاً من مختلف العمليات الصناعية والنشاطات البشرية الأخرى، وقد تساعد النباتات أيضاً على إزالة الجسيمات والملوثات الكيميائية من الهواء، وهذا ما يحمي صحتنا، ولقد وُجد أنَّ النباتات ذات الأوراق المجعدة والزغبة هي الأكثر فاعليةً في تطهير الهواء من الجسيمات.

هل تمتص الأشجار الدخان؟

تمتص الغابات في جميع أنحاء العالم ثلث الانبعاثات العالمية كل عام؛ وذلك لأنَّ الجسيمات والروائح والغازات الملوثة مثل أكاسيد النيتروجين والأمونيا وثنائي أوكسيد الكبريت في الدخان تستقر على أوراق الشجرة؛ إذ تمتص الأشجار هذه المواد الكيميائية السامة من خلال مسامها الموجودة على الأوراق أو الثغور، وهذا يؤدي إلى ترشيح هذه المواد الكيميائية من الهواء بشكل فعال.

وجدت دراسة حديثة أنَّ النباتات تمتص النيكوتين والسموم الأخرى من دخان السجائر، وفي الدراسة عرَّض الباحثون نباتات النعناع لدخان السجائر، وبعد ساعتين فقط، كان لدى النباتات مستويات عالية من النيكوتين.

تمتص النباتات النيكوتين من الدخان من خلال أوراقها وجذورها، وقد استغرق الأمر ثمانية أيام أخرى حتى ينخفض ​​مستوى النيكوتين في النباتات إلى نصف المستوى الأولي، ومن ثمَّ يمكن للنباتات أن تحبس النيكوتين والمواد الأخرى الموجودة في الهواء والتربة والماء؛ بل وتحتفظ بهم.

تُعَدُّ الأشجار أيضاً فعالةً وخاصةً في إزالة الجسيمات من الدخان الناتج عن أنواع معينة من الاحتراق، ومن ثمَّ تقليل تلوث الهواء، ولا يعني ذلك أنَّ المزيد من الأشجار في المحيط الحضري يعني دائماً هواءً أفضل، وبخلاف ذلك فإنَّ بعض الأشجار أكثر فاعليةً بشكل ملحوظ في تصفية الهواء من الملوثات من غيرها، لذلك يجب أن تكون الشجرة المناسبة في المكان المناسب لإحداث أكبر قدر من الاختلاف في جودة الهواء.

قد يطرح السؤال في ذهنك إذا كنت تدخن وتأكل المنتجات من حديقتك، كيف سيؤثر ذلك في صحتك في هذه الحالة؟ وكيف ستساعدك النباتات؟ استمر في القراءة لمعرفة المزيد عن هذا.

هل يساعد الدخان النباتات على النمو؟

من المؤكد أنَّ الدخان يساعد النباتات على النمو؛ إذ يوفر الدخان ثنائي أوكسيد الكربون الذي يسمح للنباتات بالنمو، كما يحسن الدخان إنبات البذور ونمو الشتلات للعديد من الأنواع النباتية، وفي ظل الظروف البيئية المعاكسة يصبح مفيداً أيضاً.

توجد تقنية تسمى (Smoke Technology)؛ فيها يُستخدم الدخان بوصفه أداة أساسية في الزراعة والبستنة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، فتقنية الدخان هي تقنية مجدية للزراعة العضوية التي قد تقتصد في مدخلات الأسمدة ومبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب وتساعد المزارعين فقراء الموارد في الدول النامية، وتوجد أيضاً إمكانات للسيطرة على بعض أمراض النبات وإدارة الأعشاب الضارة باستخدام الدخان.

هل دخان البخور خطير على النباتات؟

البخور مادة عطرية ينبعث منها دخان، ويتم حرقها بناءً على العديد من المعتقدات الدينية، واستخدامه العلاجي بوصفه روائح تهدئ الحواس، كما يُستخدم أحياناً بوصفه مزيل روائح خفيفاً أو لصد الحشرات، ومع ذلك فإنَّ حرق البخور يشكل خطورةً على النباتات بسبب سمية الدخان المركز.

في أثناء حرق أعواد البخور قد ينتهي الأمر بالمركبات على الأوراق وفي التركيب الخلوي للنباتات، وبسبب دخان البخور تميل الأوراق إلى التساقط، ويتعرض النبات نفسه لتقزم النمو والموت في نهاية المطاف إذا تُرك دون رادع.

هل دخان الخشب جيد للنباتات؟

الجواب السريع هو نعم، فطالما أنَّك لا ترى بطانية سميكةً وخانقةً من الرماد، فقد يساعد رماد الخشب نباتاتك أيضاً؛ إذ يخلط العديد من البستانيين تربتهم برماد الخشب الذي يوفر البوتاسيوم والفوسفور والكالسيوم والمعادن النادرة، وإنَّه يعمل بشكل جيد للغاية مع التربة الحمضية؛ وذلك لأنَّه يقلل الحموضة في نفس الوقت.

مع ذلك فإنَّ الدخان الناتج عن حرق الأخشاب يتكون من خليط معقد من الغازات والجسيمات الدقيقة ويدعى بتلوث الجسيمات، إضافة إلى تلوث الجسيمات يحتوي دخان الخشب على العديد من ملوثات الهواء السامة، بما في ذلك البنزين والفورمالديهايد والأكرولين والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، ويمكن لهذه الجسيمات الموجودة في دخان الخشب أن تغطي سطح أوراق النباتات، وهذا يقلل من التمثيل الضوئي ويسد ثغور الأوراق، ومن ثمَّ يقلل من تبادل الغازات في الورقة.

كيف يؤثر الدخان في النباتات؟

يُنتِج الدخان تأثيراتٍ إيجابيةً عن طريق زيادة ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي؛ وذلك لأنَّ النباتات تستخرج ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء وتستخدمه في عملية التمثيل الضوئي لإنتاج الغذاء، وعلى النقيض من ذلك يمكن لجزيئات الدخان والرماد أن تغلف النباتات، وهذا يمنع التمثيل الضوئي.

يمكن أن تسد جزيئات الدخان والقطران الثقوب الثغرية، وهذا يمنع تبادل الغازات المطلوبة في عملية التمثيل الضوئي، وهذا بدوره يقلل من تبادل الغازات في الورقة، ويقلل من كمية الغذاء المتاح للنبات، وفي الوقت نفسه يحتوي الدخان على مواد كيميائية سامة تدمِّر الكلوروفيل على النبات، وهذا يؤثر في عملية التمثيل الضوئي.

إذا حصل النبات على كمية كافية من الماء وأشعة الشمس ويستخدم ثنائي أوكسيد الكربون الإضافي، فيمكنه صنع المزيد من الغذاء لنفسه، وأيضاً يمكن أن تنشر المستويات المعتدلة من الدخان الضوء في المنطقة الصحراوية المرتفعة التي تتعرض عموماً لضوء شديد جداً كل يوم مريحاً النباتات قليلاً من حدته هناك.

قد يكون الدخان الذي يلتصق بالنباتات ضاراً؛ إذ تزيل النباتات - وخاصةً النباتات الزغبة والمجعدة - جزيئات الدخان هذه من الهواء عن طريق امتصاصها في أوراقها وسيقانها وعن طريق المعادن المنقولة عبر الجذور، وتساعد في النهاية على تنظيف البيئة ومن ثمَّ فإنَّ النتيجة تفيد النباتات والبشر والحيوانات التي تعتمد على الأوكسجين.

هل يؤثر دخان السجائر في النباتات؟

نعم، تناقش بعض الدراسات كيف يؤثر دخان السجائر في نمو وصحة النباتات الداخلية، ففي دراسة صغيرة؛ النباتات التي تتعرض لدخان السجائر لمدة 30 دقيقةً يومياً أنمت عدداً أقل من الأوراق، وكثير منها تحول إلى اللون البني وجفَّ أو سقط في وقت أقرب من الأوراق على النباتات في بيئة خالية من دخان السجائر؛ إذ تمتص النباتات السموم من دخان السجائر والهواء عموماً، وقد يكون للإفراط في دخان السجائر في منطقة صغيرة آثار ضارة في نباتاتك أكثر من خلاف ذلك.

تم العثور أيضاً على العديد من الفيروسات التي يمكن أن تصيب التبغ، ومن بينها يمكن أن ينتشر فيروس يسمى (Tobacco Mosaic Virus) (TMV) عن طريق لمس بقايا التبغ أو انتقالها، ويصيب (TMV) مجموعةً واسعةً من النباتات، لذلك لا ينصح بالتدخين أو التعامل مع منتجات التبغ في دفيئة أو بالقرب من النباتات، وبدلاً من ذلك يُنصح بغسل اليدين بعد التعامل مع منتجات التبغ، فقد يكون خطر انتشار فيروس موزاييك التبغ من خلال السجائر أو الحاويات منخفضاً ولكنَّه ما يزال ممكناً.

تقوم النباتات بتصفية دخان السجائر إلى حد معين، فالمزيد من دخان السجائر يعني المزيد من السموم التي تمتصها النباتات، ومن الأفضل دائماً التدخين في الهواء الطلق لتجنب أيَّة مشكلات متعلقة بالصحة لك أو للآخرين أو لنباتاتك.

هل يمكن أن يشكل الدخان الناتج عن حرائق الغابات خطراً على النباتات؟

نعم، دخان حرائق الغابات يشكل خطراً على النباتات، ولكنَّها معادلة معقدة يتم تحديدها من خلال مدى قرب المحصول من النار ومدى سماكة الدخان ومقدار الضوء الذي يتأثر، فيمكن أن يؤثر متغيران؛ أصناف المحاصيل والتدريج في نمو النبات، فعندما يستمر الدخان لفترة طويلة يكون نمو النبات ضئيلاً مقارنةً بيوم مشمس؛ إذ يستمر في النمو.

مع ذلك تشير الأبحاث الحديثة التي أجراها كل من (Kyle S. Hemes) و(Joseph Verfaillie) و(Dennis D. Baldocchi) في عدد شهر كانون الثاني/ يناير عام 2020 في مجلة (Geophysical Research: Biogeosciences) إلى أنَّ دخان حرائق الغابات يمكن أن يزيد من إنتاجية النبات، فقد درسوا التأثير البيئي لدخان حرائق الغابات في (The Central Valley) خلال صيف عام 2018.

وجدوا أنَّ السماء المليئة بالدخان حجبت نحو 4% فقط من ضوء الشمس وبددته، وهذا سمح للضوء بالوصول إلى ما وراء أوراق النبات العلوية إلى القبب الكثيفة؛ ونتيجةً لذلك زادت الأجواء المليئة بالدخان من كفاءة التمثيل الضوئي لقبب النباتات، وهذا أدى بدوره إلى زيادة الإنتاجية.

في بعض الحالات أدى الدخان إلى زيادة القدرة الإنتاجية، لكن فقط إلى نقطة معينة، فمن العوامل التي تؤثر في النمو هي كمية الملوثات في الهواء وتأثيرها في الثغور، وإذا زادت الملوثات فستغلق بعض النباتات ثغورها.

أظهرت بعض الدراسات أيضاً أنَّه عندما يكون الهواء شديد الدخان، يكون ضوء التمثيل الضوئي المتاح للنبات أقل ويقلل من فاعليته، إضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي زيادة ثنائي أوكسيد الكربون والجسيمات في الهواء إلى انكسار الضوء، كما يجب إجراء المزيد من الدراسات الميدانية لتحديد هذا السؤال؛ إذ تبحث معظم الأبحاث الحالية في تأثيرات الحرائق في النباتات والتربة.

إقرأ أيضاً: هل تموت النباتات من الشيخوخة؟

في الختام:

يشير المقال إلى أنَّ النباتات يمكن أن تكون وسيلةً لتصفية الهواء الداخلي من دخان السجائر لجعله أكثر صحةً للبشر؛ إذ يمكنك استخدام النباتات لامتصاص السموم من السجائر وغيرها من الدخان والهواء المحيط.

إقرأ أيضاً: الآردوينو: ميزاته، واستعمالاته، ومشروع آردوينو لسماع صوت النباتات

لن يؤدي إعطاء حمام لنباتاتك على الأرجح إلى الإضرار بها من خلال الدخان، فمن غير المحتمل أن يتغلغل الدخان والرماد في الفاكهة أو الخضار، ومع ذلك سترغب في غسل أي منتج في الحديقة جيداً قبل تناوله ربما مرتين إلى ثلاث مرات.

أيضاً، نظف جانبي أوراقها بالماء إذا كانت نباتات حديقتك مغطاةً بالدخان والرماد، وحاول استخدام مزيج ضعيف من الخل والماء لغسلها، إضافة إلى ذلك فإنَّ الغسل بالماء قبل تناولها يزيل البقايا التي قد تبتلعها، فالدخان خطير على البشر، ولحسن الحظ لدينا نباتات تساعدنا على تنظيف الهواء لنا؛ لذا كل ما علينا هو المحافظة عليها.




مقالات مرتبطة