هل يسيطر الذكاء الاصطناعي على حياتنا؟

لطالما كان تاريخ استعمال البشر للتكنولوجيا تاريخاً من التطور المشترك، لقد جادل الفلاسفة من "روسو" (Rousseau) إلى "هايدجر" (Heidegger) إلى "كارل شميت" (Carl Schmitt) بأنَّ التكنولوجيا ليست أداة محايدة أبداً لتحقيق الغايات البشرية.



الابتكارات التكنولوجية، من الأكثر بدائية إلى الأكثر تعقيداً، تعيد تشكيل الناس في أثناء استعمالهم لها للتحكم ببيئتهم، فالذكاء الاصطناعي هو أداة جديدة وقوية، وهو أيضاً يغيِّر البشرية.

أتاحت الكتابة والمطبعة لاحقاً تسجيل التاريخ بعناية ونشر المعرفة بسهولة، لكنَّها قضت على تقاليد رواية القصص الشفوية التي تعود إلى قرون؛ لقد غيَّرت الكاميرات الرقمية والهاتفية المنتشرة في كل مكان شعور الناس بالأحداث وتصورها.

تعني أنظمة التموضع العالمي (GPS) المتاحة على نطاق واسع أنَّ السائقين نادراً ما يضيعون، لكنَّ الاعتماد عليها أضعف أيضاً قدرتهم الأصلية على توجيه أنفسهم.

الذكاء الاصطناعي لا يختلف، في حين أنَّ مصطلح الذكاء الاصطناعي يستحضر القلق بشأن الروبوتات القاتلة، أو البطالة، أو حالة المراقبة الهائلة، إلا أنَّ هناك تداعيات أخرى أعمق، بينما يشكِّل الذكاء الاصطناعي المتزايد التجربة البشرية، وكيف يغير هذا ما يعنيه أن تكون إنساناً؟ فمحور المشكلة هو قدرة الشخص على اتخاذ الخيارات، وخاصة الأحكام التي لها آثار أخلاقية.

يُستعمَل الذكاء الاصطناعي لأغراض واسعة وسريعة التوسع، وللتنبؤ بالبرامج التلفزيونية أو الأفلام التي يرغب الأفراد في مشاهدتها بناءً على التفضيلات السابقة، ولاتخاذ قرارات بشأن مَن يمكنه اقتراض الأموال بناءً على الأداء السابق والوكلاء الآخرين لتقييم القدرة على السداد.

يُستعمَل لاكتشاف المعاملات التجارية الاحتيالية وتحديد الأورام الخبيثة، وفي قرارات التوظيف وإنهائه في المتاجر الكبيرة والمدارس العامة، وفي تطبيق القانون؛ من تقييم فرص العودة إلى الإجرام، إلى تخصيص قوات الشرطة، إلى تعُّرف وجه المشتبه بهم جنائياً.

تمثل العديد من هذه التطبيقات مخاطر واضحة نسبياً، إذا صِيغَت الخوارزميات المستعملة للموافقة على القرض، وتعرُّف الوجه، والتوظيف بناءً على بيانات متحيزة، ومن ثَمَّ بناء نماذج متحيزة، فإنَّها تميل إلى إدامة التحيزات وعدم المساواة القائمة.

لكن يعتقد الباحثون أنَّ البيانات المنظَّمة والنمذجة الأكثر صرامة من شأنها أن تقلل ويحتمل أن تقضي على التحيز الخوارزمي؛ بل إنَّه من الممكن أن يقوم الذكاء الاصطناعي بعمل تنبؤات أكثر عدلاً وأقل تحيزاً من تلك التي يقوم بها البشر.

عندما يكون التحيز الخوارزمي مشكلة تقنية يمكن حلها، على الأقل من الناحية النظرية، فإنَّ السؤال عن كيفية تغيير الذكاء الاصطناعي للقدرات التي تحدد هوية البشر يكون أكثر جوهرية.

فقدان القدرة على الاختيار:

جادل "أرسطو" (Aristotle) بأنَّ القدرة على إصدار أحكام عملية تعتمد على إصدارها بانتظام، على العادة والممارسة. ونرى ظهور الآلات بوصفها قضاة بديلين في مجموعة متنوعة من سياقات العمل اليومية على أنَّها تهديد محتمل للأشخاص الذين يتعلمون كيفية ممارسة الحكم بأنفسهم ممارسة فعالة.

يتخذ المديرون روتينياً في مكان العمل، قرارات بشأن من سيعيِّنون أو يفصلون من العمل، وأي قرض يجب الموافقة عليه، ومكان إرسال ضباط الشرطة، على سبيل المثال لا الحصر، وهذه هي المجالات التي تحل فيها الوصفات الخوارزمية محل الحكم البشري، ومن ثَمَّ فإنَّ الأشخاص الذين ربما أُتيحت لهم الفرصة لتطوير حكم عملي في هذه المجالات لن تُتاح لهم الفرصة بعد الآن.

قد تؤدي محركات التوصية، التي أصبحت وسيطاً منتشراً انتشاراً متزايداً دوراً في استهلاك الناس للثقافة، والحد من الاختيار وتقليل الصدفة، ومن خلال تزويد المستهلكين بخيارات منظمة خوارزمياً لما يجب مشاهدته وقراءته وبثه ومشاهدته لاحقاً.

وتستبدل الشركات القرار البشري بقرار الآلة، من ناحية، هذا مفيد، وبعد كل شيء، يمكن للآلات مسح مجموعة واسعة من الخيارات أكثر من أي فرد يحتمل أن يكون لديه الوقت أو الطاقة للقيام به وحده.

ومع ذلك، في الوقت نفسه، يعمل هذا التنظيم على تحسين ما يفضله الأشخاص على الأرجح بناءً على ما يفضلونه في الماضي، ونعتقد أنَّ هناك بعض المخاطر المتمثلة في تقييد خيارات الأشخاص بماضيهم تقييداً جديداً وغير متوقع؛ مثل تعميم لـ "غرفة الصدى" الذي يراه الناس بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي.

يبدو أنَّ ظهور التقنيات التنبؤية القوية قد يؤثر أيضاً في المؤسسات السياسية الأساسية، وفكرة حقوق الإنسان على سبيل المثال، ترتكز على النظرية القائلة إنَّ البشر هم وكلاء مهيبون، لا يمكن التنبؤ بهم، يتمتعون بالحكم الذاتي ويجب أن تضمن الدولة حرياتهم، إذا أصبحت الإنسانية - أو على الأقل عملية صنع القرار فيها - أكثر قابلية للتنبؤ، فهل ستستمر المؤسسات السياسية في حماية حقوق الإنسان بالطريقة نفسها؟

إقرأ أيضاً: 6 مهارات لن يحلّ الذكاء الاصطناعي فيها مستقبلاً محل البشر

قابلية التوقع:

نظراً لأنَّ خوارزميات التعلم الآلي، وهي شكل شائع من الذكاء الاصطناعي "الضيق" أو "الضعيف"، تتحسن وتُدرَّب على مجموعات بيانات أكثر شمولاً؛ فمن المرجح أن تصبح أجزاء أكبر من الحياة اليومية قابلة للتنبؤ تماماً، وستتحسَّن التوقعات للأفضل، وستكون التجارب المشتركة في النهاية أكثر كفاءة وأكثر متعة.

يمكن للخوارزميات قريباً - إذا لم تكن كذلك بالفعل - أن تكون لديها فكرة أفضل عن العرض الذي ترغب في مشاهدته بعد ذلك، والمرشَّح الوظيفي الذي يجب عليك تعيينه أكثر منك، وفي يوم من الأيام، قد يجد البشر طريقة يمكن للآلات أن تتخذ بها هذه القرارات دون بعض التحيزات التي يظهرها البشر عادةً.

ولكن إلى الحد الذي يجعل عدم القدرة على التنبؤ جزءاً من كيفية فهم الناس لأنفسهم وجزءاً مما يحبه الناس في أنفسهم، فإنَّ الإنسانية في طور فقدان شيء هام، فعندما تصبح أكثر وأكثر قابلية للتنبؤ بها، فإنَّ المخلوقات التي تعيش في العالم الذي يتوسط فيه الذكاء الاصطناعي توسطاً متزايداً ستصبح أقل شبهاً بنا.

المصدر




مقالات مرتبطة