هل يجلب المال السعادة؟

لا بدَّ أنَّك تفكِّرُ بأنَّ أغنية "المالُ يجعل عالمَ الرجل الغنيِّ مُشمساً دوماً" (Money, money, money, always sunny, in the rich man’s world) لمجموعة البوب السويدية  المُلقَّبة بِـ "آبا" (Abba) تعبِّر عنكَ جيداً، فجميعُنا نملك تلك الأُمنيات بأن نجدَ في أحد الأيام شجرةَ نقودٍ من نوعٍ ما؛ مثل امتلاك مصدر دخلٍ لا محدود وأمن ماليٍّ مضمون ومَحميٍّ وكثير من الأموال لادِّخارها، ومن الشائع افتراضُ أنَّ المال سيحلُّ المشكلات جميعها التي تواجه الإنسان ويشتري له السعادة؛ ولكنَّ هذا الافتراض صحيحٌ جزئياً وينطبق إلى درجة محدودة فقط.



"إنَّنا نساوي المالَ مع الأمن والحرية، ممَّا يجعلُنا بصورة حتميَّة نشعرُ بالتقييد وانعدام الأمان"؛ وذلك وفقاً للكاتب "ديفيد غيلر" (David Geller) مؤلِّف كتاب "الثروة والسعادة" (Wealth & Happiness)؛ إذ يشاركُ "غيلر" في كتابه رسالةً جوهريةً وأساسية عن أنَّ المال لا يعني الأمن ولا الحرية، ولن يحوِّلَ الحياة التعيسة إلى حياةٍ مليئة بالسعادة والسرور؛ وإنَّما يُعدُّ المالُ أداةً يمكنك استخدامها لإيجاد السعادة وتحسين حياتك، ويُردِف "غيلر" قائلاً: "إنَّ الغرضَ من امتلاك الثروة هو استخدامها لبناء الحياة التي ترغبُ فيها وتحسين حياة الأشخاص الذين تهتمُّ لأمرهم وتحبُّهم وتركُ إرثٍ يمثِّل شغفَك وقيَمَك". 

يُوافقه "تشارلز ريتشاردز" (Charles Richards) مؤلِّفُ كتاب "علم نفس الثروة" (The Psychology of Wealth) الرأيَ في ذلك قائلاً: "ليس صدفةً أن يُطلَق على المال أيضاً اسم العملة (Currency) المأخوذ من كلمة تيار (Current)؛ وهو عبارة عن تدفُّق الشحنة الكهربائية بموصِّل ما؛ إذ يُشبه تعلُّم إدارةِ الأموال بمسؤولية وثقة وخدمة الآخرين القدرةَ على استخدام التيار الكهربائي بطريقة مُنتِجة، فبإمكاننا أن نصبحَ محوِّلين أقوياء لعملة المجتمع، لكن كيفية استخدامنا لهذه القوة تُمثِّل مسؤوليةً عظيمة بالنسبة إلينا".

شاهد بالفيديو: أهم 9 أمور في الحياة للإنجاز والسعادة

لا دليل على أنَّ سعادة الناس تزداد مع زيادة ثرواتهم:

بعد مستوىً متواضع من الدخل المادي، لا يوجد حقاً دليلٌ يشير إلى أنَّ سعادة الناس تزداد مع زيادة ثروتهم؛ فبدلاً من ذلك، يعتمد حبُّك للحياة وسعادتُك فيها أو كرهُك لها على كيفية استخدامك للمال والتي تُعدُّ غايةً في الأهمية؛ فتوجد خطواتٌ للشعور بالسعادة وأولُها هو تحقيق نمط حياة راسخ ومستقر وعدم الانغماس في جرعتك التالية من المتعة والانشغال بها.

بعد أن يتضاءل قلقُك على تأمين أساسيات الحياة، مثل الطعام ومنزلٍ لعائلتك وصندوق تمويلٍ لحالات الطوارئ، عندَها يمكنك التطلُّع إلى الاستمتاع بالفوائد السارَّة للنجاح المالي، مثل الحصول على حجوزاتٍ في أحد المطاعم الفرنسية الفخمة القريبة منك أو قضاء عطلة نهاية الأسبوع في أحد المُنتجعَات الصحية العلاجية.

لكن ليس هذا ما يجب أن يكون عليه هدفُك المُطلَق والأقصى؛ وذلك لأنَّ الأشياء المرتبطة بالرفاهية والترف لن تجعلَك سعيداً على الأمد الطويل حتَّى إن منحَتْك سعادةً لحظية.

يقول "غيلر": "تمنحُ التجاربُ الممتعة وشراءُ السلع الفاخرة دفعةً لحظيةً من المتعة قصيرة الأجل والتي تتلاشى سريعاً؛ إذ يُعَدُّ التخلي عن السعادة في سبيل شراء المتعة صفقةً سيئة، ولذلك يُعدُّ الاستغناء عن بعض المتعة لشراء سعادة إضافية مُقايضةً رابحةً على الدوام تقريباً، فبإمكاننا استخدام بعض مواردنا المتاحة لمساعدة الأشخاص الذين نهتمُّ لأمرهم كثيراً، وعندَها من المُحتمَل أن نحصلَ على دفعةٍ أكبر بكثير من السعادة في أثناء ذلك".

حسب "غيلر"؛ ينبغي للناس أن يستخدموا نجاحهم المالي ويستثمروه لتحسين علاقاتهم مع الآخرين في سبيل خوض تجارب أكثر تعاوناً وأهمية، أو لإحداث فرقٍ في حياة الأشخاص الأكثر أهمية بالنسبة إليهم؛ فالثروة تتعلق فعلياً بالموارد التي نملكها لبناء حياةٍ نرغبُ فيها فعلاً.

ويُردِف قائلاً: "حين نعرِّف الثروة بعباراتٍ ماليةٍ حصرياً، فإنَّنا نقلِّل من تقدير قوة عناصر الثروة الأخرى لدينا، وغالباً ما ينتهي بنا الأمرُ بإغفال حلولٍ مُقنِعة وقوية لأكثر فُرصنا وتحدياتنا قوةً؛ والحقيقة هي - في كثير من الحالات - أنَّ العناصر غير المالية للثروة التي نملكُها هي أقوى بكثيرٍ من المال الذي في حوزتنا".

ربَّما تختبئ السعادة في مكان قريب وما عليك الآنَ سوى إيجادُها، لكن لفعل ذلك يقترح "غيلر" التفكير أولاً بأكثر ما تستمتع به في حياتك، وأكثر ما يسبِّب لك التوترَ والضغطَ النفسي، وتحديد الأجزاء من حياتك التي قد تحتاج إلى بعض التغييرات الإيجابية.

ثانياً عليكَ مشاركة أهدافك التي تصبو إلى تحقيقها مع أصدقائك وعائلتك، والبقاء بجانب أولئك الذين يدعمون أحلامَك وخُططك لتغيير بعض الجوانب المُعيَّنة من حياتك؛ ومن ثمَّ يحين الوقتُ لبعض الإجراءات، مثل القيام بتغيير تدريجي واحد يمكنه أن يدفعَ حياتك نحو مُستقبَل أفضل وأكثر سعادة.

يقول "ريتشاردز": "لا يتطلبُ النجاح مقداراً كبيراً من المال؛ وإنَّما يتطلبُ الإيمانَ بقيمة الشخص الأصيلة والفطرية مع الرغبة أو الاستعداد للاستثمار الواعي في النفس؛ لذا يجبُ العمل بحالة ذهنية جديدة من أجل المُضي قدُماً في الحياة وتحقيق إنجازاتٍ أعظم".

إقرأ أيضاً: فك أحجية المال والسعادة من خلال الحقيقة

في الختام:

ينبع النجاح والسعادة من اتخاذ القرارات الصحيحة والتجاوب مع ما تشعر بالشغف تجاهه والتصرُّف وفقاً له، فكما يقول "غيلر": "تتطلب السعادة العملَ وبذل المجهود من أجلها وكذلك تستغرق وقتاً للحصول عليها"؛ لذا خُذْ نفساً عميقاً وساهِمْ بواسطة عملك لإيجاد سعادتك.




مقالات مرتبطة