هل يأكل الآباء أبناءهم؟

يُعدُّ خلاف الآباء مع الأبناء من المشكلات الشائعة التي تواجه الأسرة في حياتها اليومية؛ فمع أنَّ الأسرة هي مكان الراحة والأمان والتعاون والحب، لكن قد يحدث خلاف بين الآباء والأبناء بسبب الاختلافات في الآراء والمواقف والأفكار، والذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة إذا لم يُتعامل معها تعاملاً صحيحاً.



يُعدُّ خلاف الآباء مع الأبناء من المشكلات التي يجب على الأسرة معالجتها مباشرة وجدياً؛ فإذا تُركت دون حلول تناسب جميع الأطراف، فقد تؤدي إلى حدوث اضطرابات في الأسرة، وتقليل الثقة والمودة بين الأفراد.

تعتمد طرائق حل خلاف الآباء مع الأبناء على العلاقة بين الطرفين، وطبيعة المشكلة والتاريخ العائلي والثقافة والعادات والتقاليد، ومن الأمور الهامة التي يجب مراعاتها هي الصبر والتفهم، والتواصل الجيد والاحترام المتبادل والبحث عن الحلول الناجعة والعملية.

لماذا يميل الآباء إلى معاملة بناتهم تعاملاً مختلفاً عن معاملة أبنائهم؟

يستخدم الآباء عند تربية البنات لغة وسلوكات مختلفة عن الأبناء، ويستخدم آباء الأبناء لغة أكثر توجهاً نحو الإنجاز وينخرطون في لعب أكثر خشونة وتعثر، مثل الدغدغة أو التقليب حول أبنائهم، يستخدمون أيضاً كلمات متعلقة بالمنافسة، مثل "فوز" و"أعلى".

من ناحية أخرى يستخدم آباء البنات لغة تحليلية أكثر، والتي ارتبطت بالنجاح الأكاديمي في المستقبل، كما أنَّهم يتحدثون عن الحزن مع بناتهم أكثر ممَّا يتحدثون مع أبنائهم، وينخرطون في لعب بدني أقل قسوة مع بناتهم.

وجدت دراسة أجرتها جامعة "إيموري" أنَّ أدمغة الآباء تستجيب للبنات استجابة مختلفة عن الأبناء.

كان لدى آباء البنات استجابة أقوى في مناطق المكافأة في الدماغ والمعالجة البصرية وتنظيم العواطف ومعالجة الوجه مقارنة بآباء الأبناء، وكان لدى آباء الأبناء استجابة أقوى لتعبيرات وجوه أبنائهم المحايدة، ربما لأنَّ الآباء يستجيبون للتعبيرات الأكثر غموضاً لأبنائهم، كما وجدت الدراسة أنَّ آباء البنات كانوا أكثر انتباهاً لصرخات بناتهم وطلباتهم من آباء الأبناء.

ليس من الواضح ما إذا كانت السلوكات المختلفة للآباء تجاه البنات والأبناء هي نتيجة الاختلافات البيولوجية في ردود أفعالهم تجاه الأجناس المختلفة أو ما إذا كانت نتاج أعراف اجتماعية وثقافية داخلية بشأن كيفية تصرف الفتيات والفتيان.

مع ذلك، تؤكد النتائج أنَّه يمكن توعية الآباء بحقيقة أنَّهم يعاملون بناتهم وأبناءهم معاملة مختلفة، ومع هذه المعرفة ربما سيولون مزيداً من الاهتمام للطرائق التي قد تتأثر فيها سلوكاتهم بالمفاهيم اللاواعية للجنس.

ما هي الأسباب الشائعة لمنافسة الأب والابن؟

يمكن للآباء والأبناء التنافس مع بعضهم بعضاً بسبب التعطش للسلطة، ويمكن أن يحدث هذا عندما يريد الآباء الحصول على مزيد من القوة والسيطرة، وفي بعض الأحيان، يرتكب الآباء شيئاً خاطئاً، وهذا يؤدي إلى رد فعل قوي من أبنائهم، ويمكن أن يكون هذا بسبب مشكلات الأسرة الداخلية والمواقف الشخصية تجاه الأبناء في أثناء الطفولة.

إنَّ المنافسة هي مصدر آخر للتوتر في العلاقات بين الأب والابن، وغالباً ما يرغب الأبناء في التنافس وهزيمة آبائهم في الألعاب والرياضة والإنجازات في الحياة، ويمكن أن يكون هذا بسبب نظرية أوديب، ويمكن للآباء والأبناء أيضاً أن يشعروا بالتنافس ضد بعضهم بعضاً عندما تكون لديهم اهتمامات مختلفة إلى حد كبير ويجدون صعوبة في التواصل مع بعضهم بعضاً.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

ما هي الآثار طويلة الأمد للتنافس بين الأب والابن؟

يمكن أن تكون الآثار طويلة الأمد لمنافسة الأب والابن سلبية جداً، وتؤدي إلى توتر العلاقة بينهما، فعندما يصبح الجانب التنافسي هو النمط المهيمن للتواصل، فقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالخجل وعدم الشعور بالرضى الكافي عند الطفل، والشعور بالعار وعدم الشعور بالرضى الكافي لدى الأب.

من المحتمل أن يكون الأب قد نشأ في ظل ظروف ارتباط مماثلة مع والده، فانتقلت عبر الأجيال، وتستمر الدورة حتى يجد شخص ما طريقة أفضل لكسر الحلقة، أو بعد أن تصبح العواقب العاطفية أكثر من اللازم للحفاظ على استمرار الدورة؛ لأنَّ شخصاً ما ينهار؛ فالخيارات المتاحة هي طلب المساعدة، وتعلم طرائق جديدة للربط، وكسر حلقة المنافسة.

المنافسة مصدر توتر في العلاقة بين الأب والابن:

المنافسة هي مصدر آخر للتوتر في العلاقات بين الأب والابن، ومن خلال نظرية أوديب ربما كان فرويد يسعى إلى إثبات شيء ما هو أنَّ الأبناء غالباً ما يريدون التنافس وهزيمة آبائهم في الألعاب والرياضة والإنجازات في الحياة، وقد يشعر الأبناء بالحاجة إلى إثبات أنفسهم لآبائهم، وقد يصبحون مستائين إذا شعروا بأنَّهم لا يرقون إلى مستوى توقعات آبائهم، ويجب على الآباء السماح لأبنائهم بالسير في الطريق الذي يختارونه في الحياة، وقد يشجع الآباء الذين يتنافسون أكثر مع أبنائهم على مزيد من هذا السلوك لدى أطفالهم، وهذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية في نموهم الاجتماعي أو العاطفي أو الفكري.

إقرأ أيضاً: إلى كُلّ أب وأم: هل أنتم "آباءُ هليكوبتر"؟

هل يفسر داروين سبب العداء بين الأب والابن؟

تقول نظرية داروين في الانتقاء الجنسي أنَّه "يمكن للرجل أن يُنجب أطفالاً من قبل نساء عديدين، وعادة ما تحتاج المرأة إلى رجل واحد فقط".

وفقاً لداروين، يجب أن يثبت الذكور أنَّهم متفوقون جسدياً وفكرياً على الذكور الآخرين في المنافسة على الإناث لتمرير جيناتهم، في حين أنَّ الإناث تحتاج فقط إلى التزاوج مع ذكر واحد لتصبح حاملاً؛ لأنَّ الذكور يتعرضون إلى ضغوطات انتقائية أكبر من الإناث، وخاصة في الحرب والمنافسة على الرفقاء والغذاء والملابس.

في المقابل، تُحمى النساء من الانتقاء التطوري من خلال القواعد التي تُملي على الرجال إعالة النساء والأطفال وحمايتهم، وتدعم الأدلة التاريخية نظرية داروين في الانتقاء الجنسي، وغالباً ما يتنافس الآباء مع أبنائهم على الرفقاء، والفائزون يجمعون النساء.

الآباء عبر الثقافات أكثر تعدد للزوجات من الأمهات، والرجال أكثر احتمالية من النساء لكي يكونوا مُعيلين لأكثر من أسرة واحدة، وغالباً ما تنقسم ولاءات الآباء، خاصة تجاه الأبناء.

صراع الأب والابن في الأدب، مثال شائع في الأدب:

توجد أمثلة عديدة على صراع الأب والابن في الأدب، ومن الأمثلة على ذلك القصة القصيرة "بارن بيرنينج" التي كتبها "ويليام فولكنر"، والتي تحكي قصة صبي صغير من عائلة فقيرة وعلاقته المثيرة للجدل مع والده.

مثال آخر هو رواية "عداء الطائرة الورقية" لـِ "خالد حسيني"، والتي تستكشف العلاقة المعقدة بين الأب والابن في أفغانستان؛ في هذه الرواية، يكافح بطل الرواية "أمير" للحصول على موافقة والده، بينما يشعر والده بخيبة أمل بسبب افتقار أمير إلى الشجاعة والذكورة.

تتميز العلاقة بين الأب والابن بصدامات وصراعات؛ إذ يحاول الابن إثبات هويته ويحاول الأب الحفاظ على سيطرته وسلطته، وهذا الموضوع موجود أيضاً في مسرحية "موت بائع متجول" لـِ "آرثر ميلر"، والتي تحكي قصة أب وابنه لهما رؤى مختلفة للنجاح والسعادة.

يؤدي هوس الأب في هذه المسرحية بالحلم الأمريكي وإخفاقاته إلى علاقة متوترة مع ابنه، الذي يريد متابعة أحلامه وتطلعاته.

يُعدُّ الصراع بين الأب والابن موضوعاً شائعاً في الأدب؛ لأنَّه يوضح تعقيدات العلاقات الأسرية وتحدياتها، ويمكن أن تنشأ هذه الصراعات من الاختلافات في القيم والتوقعات والشخصيات، ويمكن أن يكون لها تأثير عميق في الشخصيات وتطورها طوال القصة.

إقرأ أيضاً: التربية الانفعالية وتربية الهيجان

ما هو أصل أسطورة الآباء الذين يأكلون أبناءهم؟

يمكن إرجاع أصل أسطورة الآباء الذين يأكلون أبناءهم إلى الأساطير اليونانية.

كتاب"Theogony" لهسيود، الذي كُتِب في القرن الثامن قبل الميلاد، يحكي قصة "أورانوس"، إله السماء، الذي أخفى أبناءه في مكان سري داخل أمهم على الأرض، فقام ابنه الأصغر "كرونوس" بخصي والده وابتلع أبناءه بمجرد ولادتهم، وقامت والدتهم "ريا" بوضعهم واحداً تلو الآخر على حجرها، لكن والدهم أمسك بهم وابتلعهم لمنع أي من أبنائه من الاحتفاظ بمكانة ألفا بين الآلهة باستثناء نفسه، وتتوافق هذه القصة مع أساطير أخرى في Hesiod وHomer ومؤلفين آخرين.

صوَّرت أسطورة الآباء الذين يأكلون أبناءهم في الفن أيضاً، مثل لوحة "فرانسيسكو غويا" زحل يلتهم ابنه.

تُفسَّر اللوحة تقليدياً على أنَّها تصوير للأسطورة اليونانية "لتيتان كرونوس" (المعروف باسم زحل في الأساطير الرومانية) وهو يأكل أحد أبنائه، ولمنع نبوءة تنبأ بها "Gaea" والتي تنبأت بأنَّ أحد أبنائه سيطيح به، فقد أكل زحل أطفاله بعد لحظات من ولادة كل منهم، وأكل الآلهة (Vesta Hestia)، (وCeres Demeter)، و(Juno Hera)، و(Pluto Hades)، ونبتون (بوسيدون).

شاهد بالفديو: 7 أخطاء تدمر الطفولة

ما هو التفسير النفسي لهذه الأسطورة؟

التفسير النفسي لأسطورة أكل الآباء لأبنائهم هو أنَّها تبيِّن التنافس بين الآباء والأبناء والصراع على السلطة بين الآلهة، ويمكن النظر إلى الأسطورة على أنَّها استعارة للصراع النفسي القائم بين الآباء والأبناء، وكذلك الخوف الذي يشعر به الآباء من أن يتفوق أبناؤهم عليهم.

تبيِّن الأسطورة أيضاً فكرة أنَّه يمكن عدُّ الأبناء تهديداً لآبائهم؛ لأنَّهم يمثلون تحدياً لسلطتهم، وهذا التفسير مدعوم بمقال في موقع "علم النفس اليوم"، ممَّا يشير إلى أنَّ الأسطورة تبيِّن الديناميكيات النفسية للاستثمار الأبوي والتنافس بين الأب والابن.

في الختام:

يجب أن يتذكر الآباء دائماً أنَّهم يُعدُّون مثالاً حياً لأطفالهم، وعندما يتنافس الآباء مع الأبناء، يرسلون رسالة خاطئة إلى أطفالهم بأنَّ الفوز في المنافسة هو الأهم، وهذا ليس صحيحاً.

يجب على الآباء تعليم أطفالهم أنَّ النجاح يأتي من الجهد الشاق والتحديات المثيرة للتفكير وليس فقط من الفوز في المنافسة، ويجب أيضاً أن يعرفوا أنَّهم يستطيعون أن يكونوا نموذجاً إيجابياً لأطفالهم من خلال التعاون معهم ودعمهم، بدلاً من التنافس معهم، وإذا تبنَّى الآباء هذه النصيحة، فإنَّهم سيساعدون أطفالهم على بناء شخصيات صحية وتعلم قيم العمل الجماعي والتعاون؛ ومن ثَمَّ تجنب مشكلة تنافس الآباء مع الأبناء.




مقالات مرتبطة