هل لديك الشجاعة لتكون صديقاً حقيقياً؟

يحتاج الناس إلى من يقف إلى جانبهم في آلامهم حين يعانون من كربٍ أو حزنٍ ما. وقد يكون من الضروري أن تتجنَّب تحويل تجربة صديقك المؤلمة إلى فكرة أو فرصة لتستفيد منها أو لتظهر حكمتك، فهل سبق لك أن أخبرتَ صديقاً عن تجربة مزعجة للغاية ثم جعلتَه يعدك بكل الأسباب التي لن تجعل هذه التجربة مزعجة مرةً أخرى في المستقبل؟ وهل سبق لك أن كنت ذلك الصديق الذي يقدِّم هذه النصيحة؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الاختصاصية النفسية "نانسي كولير" (Nancy Colier) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في أن تكون صديقاً حقيقياً لشخص حزين.

إذا لم نعد أطفالاً، فهذا يعني أنَّنا نعلم بالفعل أنَّ مشاعرنا ستتغير مع مرور الوقت؛ حيث كان لدينا ما يكفي من الخبرة الحياتية لنثق بهذه الحقيقة؛ لذلك عندما يتم تذكيرنا بأنَّ ما نشعر به الآن مؤلم سيتغير في النهاية ويصبح أقل فظاعة، وربما يصبح حتى شعوراً طبيعياً، فإنَّنا في الواقع لا نشعر بتحسن، ولا نشعر بالارتياح أو الدعم، ولكن ليس فقط لأنَّنا نعلم بالفعل أنَّ مشاعرنا ستتغير في نهاية المطاف؛ فإنَّ هذا النوع من الطمأنينة "لن تشعر دائماً بهذه الطريقة" هو أمر غير مفيد، ويسبب أحياناً المزيد من الألم، فعندما نعاني حزناً أو كرباً شديداً، فإنَّ جلَّ ما نحتاجه هو وقوف صديق إلى جانبنا ليبقى معنا في شدتنا.

لا نحتاج في الواقع في أثناء معاناتنا نصيحةً أو شخصاً يذكِّرنا بأنَّنا سنشعر بتحسنٍ في المستقبل؛ بل إنَّ ما نتوق إليه فعلاً هو إنسان آخر يرغب في أن يكون معنا في هذا الحزن، ويشعر به مثلنا؛ شخصٌ لديه الشجاعة للسماح لنا بالمعاناة ولا نحتاج معه إلى تغيير حزننا إلى شيء أفضل أو أكثر تحمُّلاً.

نشارك ألمنا حتى لا نعاني وحدنا في ذلك، حتى نتمكن من تكوين صداقة في لحظتنا الحالية مع الألم الذي نعانيه، ولكن عندما يخبرنا أحدهم أنَّنا سنعتاد على ما نعدُّه مرعباً في الوقت الحالي، فإنَّ النتيجة هي أنَّنا نشعر بالوحدة أكثر في ألمنا، بتوجيهنا نحو مستقبل خيالي، ونشعر بأنَّنا وحيدون فيما نشعر به من حزن في هذه اللحظة؛ إذ إنَّ الطمأنينة بغدٍ أفضل تتركنا اليوم دون راحة أو صحبة أو دعم.

لذلك عندما يحدث شيء محزن في حياتنا، تصبح النقطة الهامة هي أنَّنا لا نرغب أبداً في أن نعدَّ هذا الأمر طبيعياً أو أنَّنا سنكون بخير مرةً أخرى؛ هذا ما يعنيه الحزن.

بعد أن فقدَت صديقة لي ابنها في حادث سيارة، قالت: إنَّ أكثر ما يخيفها هو أنَّ حياتها دونه ستبدو على ما يرام أو طبيعية مرة أخرى، فإنَّ تطبيع هذا الواقع الجديد هو أكثر ما كانت تخاف منه، وكانت فكرة أنَّ هذه الحقيقة الجديدة التي لا تطاق ستصبح شيئاً محتملاً هي الجزء الأكثر رعباً في كل ذلك؛ هذا يعني أنَّ حقيقة حياة ابنها وموته قد انتهت بالفعل، وبدأَت حقيقة جديدة.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

كانت صديقتي بحاجة إلى معرفة أنَّ حزن هذه اللحظة كان لانهائياً في حجمه، وللمفارقة، كان شعورها بأنَّ حزنها كان أبدياً وأنَّها لن تعد كما كانت بحالة جيدة مريحاً بالنسبة إليها، وفي المقابل، عندما يتم طمأنتنا إلى أنَّه سيأتي وقتٌ لا نهتم فيه بهذه الحقيقة المروِّعة الجديدة كثيراً، يبدو الأمر كما لو طُلِب منا تقليل ألمنا الحالي ومن ثمَّ خيانة قلوبنا المتألمة.

وعندما نتلقى العبارة المطمئنة "كل شيء سيكون على ما يرام"، يمكن أن يبدو الأمر أنَّ الشخص الآخر قد قدَّم ضماناً يسمح له بالشعور بتحسن تجاه معاناتنا، ولكن على حسابنا.

يمكنهم الآن النوم ليلاً لأنَّهم يعتقدون أنَّنا لن نشعر بالحزن إلى الأبد، ولكن في جعل كل شيء على ما يرام بالنسبة إليهم، يزداد شعورنا نحن الذين نعاني أكثر بحزننا ووحدتنا، فالشخص الآخر الذي رفض دعوتنا ليكون معنا في هذه الحقيقة المضطربة والقاسية والمجهولة لواقع حياتنا، أخذ معاناتنا وغلَّفها بكلام منمَّق ثم أعادها إلينا، وبقيَت معاناتنا بعيدة عن قلبه، وفي مأمنٍ من فهمها أو إدراكها، دون أن يشارك فيها.

في المرة القادمة التي يثق بك فيها شخص قريب منك، أو حتى غير مقرب منك بما يكفي لمشاركة شيء مؤلم وحاضر، حاول أن تفهم كيف يبدو الأمر - ضع نفسك في مكانه - لكي تبتعد عن تقديم المشورة له أو تحاول أن تجعل من معاناته أمراً عادياً.

شاهد بالفيديو: 7 أنواع من الأصدقاء ابتعد عنهم تماماً

امتنع عن تحويل تجربته إلى فكرة أو حكمة أو فرصةً تستفيد منها، فبدلاً من ذلك، وكتمرينٍ، حاول أن تفهم تجربته وأن تسمح له أن يعيش حزنه كما هو، وحاول أن تحافظ على صحبته في وضعه الحالي وحقيقته، مهما كانت حزينة وصعبة، ولاحظ ما يحدث في داخله عندما تتركه يعيش تجربته الحقيقية دون أن تطلب منه تغيير ذلك.

في تلك اللحظات النادرة عندما يكون لدى شخص ما الشجاعة ليكون ضعيفاً حقاً معك، ليظهر لك آلامه المعيشية، ثق بأنَّ النصيحة والتوجيه ليست ما يتوق إليه أو يريده؛ حيث يريد هؤلاء في معظم الأوقات رفقةً، وأن يكون شخص ما معهم أينما كانوا ومع ما يشعرون به.

يمكنك أن تكون ذلك الشخص، ذلك الصديق، الصاحب الحقيقي لإنسان آخر، ويا لها من موهبة أن تكون قادراً على التعامل مع ألم صديقك بهذه الطريقة؛ لذا عندما تظهر تلك الفرص الرائعة لتكون صديقاً حقيقياً، وهي ليست كثيرة، اغتنمها وارتقِ إلى مستوى التحدي.

المصدر




مقالات مرتبطة