هل غاية الحياة السعادة أم الفائدة؟

يعتقد معظم الناس أنَّ في هذه الحياة هدفاً واحداً فقط، وهو أن تكون سعيداً، فما هو السبب الذي يجعلنا نختبر كلَّ هذا الألم والمعاناة، إلا لتحقيق السعادة بطريقة ما، وإذا كنت تعتقد ذلك أيضاً، اعلم أنَّك لست الشخص الوحيد، فإذا نظرت حولك في الواقع، ستجد أنَّ معظم الناس يسعون إلى تحقيق السعادة في حياتهم، وهذا ما يجعلنا جميعاً نشتري أشياء لا نحتاج إليها، ونتزوج أشخاصاً لا نحبهم، ونسعى جاهدين إلى نيلِ رضى أشخاصٍ لا نستلطفهم. 



لماذا نفعلُ هذه الأمور؟ السبب الحقيقي لا يهم بصراحة؛ فالأمر له علاقة بالتاريخ والثقافة والإعلام والاقتصاد وعلم النفس والسياسة وعصر المعلومات، وكلُّ ما يخطر ببالك، فالقائمةُ لا حصر لها.

لا تحاول تغيير طبيعة شخصيتك:

الحقيقة أنَّ معظم الناس يحبون تحليل سبب تعاستهم، أو فشلهم في عيشِ حياةٍ مُرضية، والسبب لا يهم بالضرورة، فالأمر الأهم هو كيفية تغيير ذلك.

نحن نفعل أموراً مختلفة سعياً إلى تحقيق السعادة مثل شراء أشياء جديدة، والتواصل مع الناس، والحصول على عملٍ براتبٍ عالٍ، والذهاب في عطلة، ونقوم بكلِّ هذه الأمور معتقدين بأنَّها ستجعلنا سعداء؛ لكنَّك تستلقي على سريرك في نهاية اليوم، وتُفكِّر في الخطوة التالية في هذا السعي اللامتناهي خلف السعادة.

الخطوة التالية هي أن تعلم أنَّك تُطارد بلا طائل أمراً تعتقد أنَّه سيجعلك سعيداً؛ لكنَّ كلَّ هذا مجرد كذبة، إنَّها خدعة أو قصة اختُلقت، فهل كذبَ علينا الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle) حين قال: "السعادة هي معنى الحياة وغايتها، وهدف الوجود البشري كلِّه وغايته".

يتعيَّن علينا النظر إلى هذا الاقتباس من زاوية مختلفة؛ لأنَّك عندما تقرؤه، تعتقد أنَّ السعادة هي الهدف الرئيسي، وهذا ما يقوله الاقتباس نوعاً ما؛ لكنَّ المعضلة تكمن بكيفية تحقيق ذلك.

إقرأ أيضاً: ماهو التغيير؟ وهل عليك تغيير نفسك أم تغيير أفعالك؟

كيف تحقق السعادة؟

السعادة لا يمكن أن تكون هدفاً بحد ذاتها؛ لذا فهي ليست أمراً يمكن تحقيقه؛ بل إنَّها مجرد نتيجة ثانوية للفائدة، وقد يجد بعضهم صعوبةً في استيعاب هذه الفكرة؛ لكنَّ الأمر بسيط للغاية؛ فمعظم الأمور التي نقوم بها في الحياة عبارة عن أنشطة وتجارب، مثل قضاء إجازة أو الذهاب للعمل أو الخروج للتسوُّق، أو تناول المشروبات أو العشاء، أو شراء سيارة، وهذه الأمور من المفترض أن تجعلك سعيداً؛ لكنَّها معدومة الفائدة؛ فأنت لا تبتكر شيئاً؛ بل فقط تستهلك أو تفعل أمراً ما، وهذا رائع.

المقصود هنا ليس أنَّ الذهاب في عطلة أو الخروج إلى التسوق في بعض الأحيان أمر سيئ، لكن ليس هذا ما يعطي لحياتكَ معنى؛ فالأمر الذي يمنحك السعادة هو أن تكون شخصاً مفيداً، أو أن تبتكر شيئاً يمكن للآخرين الاستفادة منه، أو حتى شيئاً مفيداً لنفسك.

قد يساعدك اقتباس للكاتب الأمريكي رالف والدو إيمرسون (Ralph Waldo Emerson) على فهم الفكرة فهماً واضحاً، يقول فيه: "الغاية من الحياة ليست أن تكون سعيداً؛ بل أن تكون مفيداً ومحترماً وعطوفاً، ولكي تحظى بذلك اترك أثراً يُثبت أنَّك خُضت الحياة، وعشتَ بهناء"، وقد يبدو هذا صعباً؛ لكنَّه في الواقع بسيط للغاية؛ لذا عليك فقط أن تفكر في الأمور التي تقوم بها والتي تُحدث فرقاً.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح بسيطة لحياة أكثر سعادة

ما الأمر الذي تفعله ويُحدِث فرقاً؟

فكِّر في الأمور المفيدة التي قمتَ بها في حياتك، ليس عليك تغيير العالم أو أيِّ شيء من هذا القبيل، اجعل حياتك فقط أفضل مما كانت عليه يوم ولدت، وإذا كنت تجهل كيفية تحقيق ذلك، قد تُلهمك بعض هذه الأفكار:

  • ساعد مديرك في إنجاز عمل ليس من ضمن مسؤولياتك.
  • اصطحب والدتك إلى منتجع صحي.
  • نسِّق مجموعة صور لشريكك.
  • اكتب مقالاً عن الأمور التي تعلمتها في الحياة.
  • ساعد سيدة حامل تدفع طفلها ذا العامين في عربة أطفال.
  • اتصل بصديقك واسأل إن كان يحتاج إلى المساعدة.
  • استبدل مكتبك بمكتب تعمل عليه واقفاً.
  • ابدأ مشروعاً تجارياً، وعيِّن موظفاً لمساعدتك، وعامله معاملةً حسنة.

هذه بعض الأمور المفيدة التي تستطيع القيام بها، ويمكنك التفكير بأنشطة أخرى خاصة بك، كما ترى، الأمر ليس بهذه الصعوبة، فعندما تقوم بأمور مفيدة صغيرة كلَّ يوم، ستعيش حياة هانئة وذات معنى، وآخر ما قد تتمنى حصوله، هو أن تكون على فراش الموت وتُدرك أنَّك لم تترك أثراً على الإطلاق في هذه الحياة.

يتحدَّث كتاب "لا تفنَ" (Not Fade Away) للكاتبين لورانس شيمس (Laurence Shames) وبيتر بارتون (Peter Barton)، عن بيتر بارتون مؤسس شركة ليبرتي ميديا الإعلامية (Liberty Media)، ويشارك أفكاره عن الموت بسبب السرطان.

إنَّه كتاب مؤثِّر للغاية يذكرُ فيه كيف عاش حياته، وكيف عثر على غايته، كما يتحدث عن التحاقه بكلية إدارة الأعمال، وهذا كان رأيه بزملائه المرشحين لماجستير إدارة الأعمال: "خلاصة القول إنَّهم كانوا أشخاصاً أذكياء للغاية لن يُقدِّموا أيَّة إنجازات أبداً، ولن يُضيفوا الكثير للمجتمع، ولن يتركوا وراءهم أيَّ إرث، لقد وجدت الأمر مُؤسفاً للغاية، فالإمكاناتُ الضائعة أمر يبعث على الحزن دائماً"، وينطبق هذا علينا جميعاً، وبعدَ أن أدرك بارتون أنَّه بلغ الثلاثينيات من عمره، أسس شركةً حولته إلى مليونير.

يُعدُّ كايسي نايستات (Casey Neistat)، شخصية اليوتيوب الأمريكية وصانع الأفلام المشهور مثالاً آخر لأشخاصٍ جعلوا من أنفسهم مصدر فائدةٍ دائمة للناس؛ إذ نشر مقاطع فيديو عن حياته وعمله على موقع يوتيوب على مدى 3 سنوات، وفي كلِّ مقطع فيديو، كان يفعل أمراً مختلفاً، يتحدث أيضاً عن أنَّ لديه رغبة دائمة في إنجاز أو ابتكار شيء ما.

قد يتساءل معظم الناس عن السبب الذي يدفعهم إلى بذلِ المزيد من الجهد، ثم يقومون بتشغيل شبكة نتفليكس (Netflix)، ومشاهدة حلقات متتالية من أحدث البرامج التلفزيونية التي تُعرَض.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة في حياتك؟

في الختام: عليك التمتع بعقلية مختلفة

لكي تكون شخصاً مفيداً تحتاج إلى تبنِّي عقليةٍ مختلفة؛ إذ يبدأ الأمر بقرار، فإذا استيقظت ذات يوم وقلت لنفسك: ما الذي أقدِّمه لهذا العالم؟ وكان الجواب لا شيء، غيِّر حياتك، وابدأ نشاطاً جديداً، فقد يكون شغفك الرسم، أو ابتكار منتج ما، أو مساعدة كبار السن، أو أيَّ شيء ترغب في القيام به، لا تأخذ الأمر بجديةٍ مبالغ بها، ولا تُفرط بالتفكير، افعل فقط أمراً مفيداً أيَّاً كان.




مقالات مرتبطة