هل تتبنى شركتك مرونة خاطئة أم مرونة حقيقية؟

"أُلغِيَت جميع أشكال تقدير الموظفين، وما عاد أحد يحصل على أيِّ زيادة في الأجور أو أيِّ مكافآت، فقد انخفض العمل في أقسام الشركة إلى الحدود الدنيا، وتضاءلت الأرباح. لقد بات الموظفون اليوم يعانون من الاحتراق الوظيفي". "إنَّ تقديم قصارى جهدي خلال ساعات العمل، والاهتمام بالواجبات المدرسية الخاصة بأطفالي في الوقت نفسه، هو أمر مستحيل! وقد أثر هذا سلباً في عملي وتعليم أطفالي".



"أريد أجر الساعات التي عملتها كاملة، فقد اقتطعوا عدداً منها، وما زلت بحاجة إلى مزيد من الوقت لتلبية مطالب رب العمل. أتعرَّض للاستغلال تحت ستار (جمينا بحاجة إلى التآزر كي ننجو من هذا الوضع)".

"يوجد نقص بالتعاطف في بيئة العمل، والاستجابة الصارمة التي نحصل عليها هي أن نجد حلاً وننجز مهامنا".

هذه بعض التعليقات الواردة من أمهات شاركن في دراسة مجهولة الهوية باسم "التسلسل الهرمي لاحتياجات الأمهات" (Mom’s Hierarchy of Needs)، والتي ضمت أكثر من 1500 والدة منذ شهر آذار/ مارس المنصرم. من الواضح أنَّهن يشعرن بالبؤس للتوفيق بين عملهن ورعاية أطفالهن معاً، وأنَّ الغالبية العظمى يرغبن في مرونة حقيقية في العمل.

تبدلت أولويات الناس مع انتشار جائحة "كوفيد" (COVID)، والغالبية لا تريد الأمور الطبيعية التي اعتادت عليها في السابق؛ لذا فإنَّ المنظمات التي تتعلم نماذج المرونة التي تُكرِّم حياة الناس كاملة، ستحافظ على موظفيها عند انتهاء هذه الأزمة. ولفعل ذلك، يتعيَّن على الشركات توفير المرونة الفعليَّة في العمل، وليس الزائفة منها.

إليك بعض النقاط الهامة حول دور المرونة في العمل:

1. إيقاف المرونة الزائفة:

تعيد الشركات والمنظمات كتابة قواعد العمل؛ نتيجة لتغيُّر الظروف أو تبديل خطط العمل أو عند انخفاض الأرباح أو الإيرادات، ويتطلب ذلك من الموظفين في معظم الأحيان أن يصبحوا أكثر مرونة؛ لكنَّهم في المقابل، نادراً ما يمنحون الموظفين خيارات معقولة للتحكم في ساعات العمل، ناهيك بحرمانهم من المكافآت أو تعويضات الانتقال؛ هذه هي المرونة الزائفة.

يطلب العديد من أرباب العمل أموراً مستحيلة، كأن يعمل الموظفون بالطريقة المعهودة على الرغم من عدم توفُّر المصادر القديمة نفسها؛ ففي الوقت الذي يؤكدون فيه على أهمية الصحة النفسية للعاملين، يستمرون في تحديد الاجتماعات الواحد تلو الآخر.

أو قد يخبرون الأفراد أنَّ الشركة "تدعم العمل من المنزل"، وعلى الرغم من ذلك، يحددون اجتماعاً لطاقم العمل عند الساعة الثامنة صباحاً، أو يبعثون برسائل عبر البريد الإلكتروني في وقت متأخر من الليل. مثل هذه الأفعال تسمِّم فكرة المرونة بحد ذاتها.

علاوةً على ذلك، لا يُمنَح الموظفون ممَّن يحملون مسؤوليات أطفالهم أو آبائهم المسنين، أو في حالات المرض أو الفقدان، أيَّ مراعاة لضعفهم البشري عادة؛ إذ إنَّ هناك تحيُّزاً في المرونة لمصلحة المنظمات، فهي مُعدَّة بطريقة تحصل فيها الشركة على الأرباح، مع ضمان موافقة الموظفين الهادئة.

بعبارة أخرى، لا تطلب الشركات من الموظفين أن يتحلوا بالمرونة؛ وإنَّما تتلاعب بمصطلح المرونة بما يخدم مصالحها.

إقرأ أيضاً: 4 قواعد لتوفير المرونة في العمل دون فقدان المساءلة

2. توفير فرصة للبدء من جديد:

غيَّرت الجائحة مدى جاهزية القوى العاملة ذهنياً وجسدياً وعاطفياً؛ وهذا خلق فرصة كبيرة لاستعادة الثقة، لكنَّ الأمر يتطلَّب إعادة فحص آلية إنجاز العمل. إذاً، ما هو المعنى الحقيقي لذلك؟

  • التوقعات

لا تتناسب غالباً معايير مراجعة الأداء المعتادة (مؤشرات أو أهداف الأداء الرئيسة) مع البيئة التي فرضتها جائحة "كوفيد" (COVID)؛ لذا تُعَدُّ إعادة تعيين الأولويات فكرة صائبة.

هل تُعَدُّ تقارير الحالة الداخلية الأسبوعية فكرة منطقية بعد الآن؟ وهل يشكل مقطع فيديو قصير أو رسالة إلكترونية شهرية أمراً مُرضياً؟ ألا تزال الأهداف المالية هي الطريقة الأفضل لتقييم أداء الموظفين؟ وهل يمكن إلغاء نشاطات العمل؟

يجب علينا في الوقت الحاضر النظر إلى أهداف الأفراد والفِرق والجماعات من منظور جديد. وكما قالت إحدى الأمهات المشاركات: "تزايد قلقي منذ بدأت العمل من المنزل، وارتفعت ساعات عملي من 5 – 8 ساعات لتصبح 24 /7. إنَّه عنصر دائم الوجود في حياتي المنزلية الآن".

  • التوفر المتزامن

لنتحدث عن الاجتماعات الآن، عن تواترها والمدة التي يحتاج الأشخاص إلى الوجود فيها فعلياً. تقول خبيرة الإنتاجية "ألكسيس هيسلبيرغر" (Alexis Hasselberger): "عندما أجمع فريقاً وأسألهم عن السرعة التي يمكنهم فيها الرد على البريد الإلكتروني، أو عبر تطبيق "سلاك" (Slack)، سأحصل على 10 إجابات مختلفة من الأشخاص الموجودين في الغرفة".

الشركات معظمها لا تمتلك دليل عمل لمثل هذه الأمور، وتُترَك غالباً لتقديرات المدير الشخصية، غير أنَّ حجم هذه الاجتماعات ومدتها وعددها يملك تأثيراً كبيراً في الموظفين، وخاصة الموظفين من مقدمي الرعاية؛ لذلك يُعَدُّ من الجيد إقرار فترات راحة من الاجتماعات على مستوى الشركة، لمنح الجميع وقت العمل العميق الذي يحتاجون إليه.

إقرأ أيضاً: تطوير استراتيجيات المرونة في التعامل مع الأزمات
  • الموقع

إن لم يكن الوجود في موقع العمل أساسياً، فما هو دور مكاتب العمل؟ أشار عدد لا يُحصى من الآباء الذين شملهم الاستطلاع إلى أنَّهم أُجبروا على البقاء في موقع العمل على الرغم من أنَّ طبيعة عملهم لا تتطلب ذلك، وأنَّ العمل عن بعد يتيح لهم العناية بأطفالهم ومنازلهم وعائلاتهم وشركاء حياتهم. وعلى الرغم من أنَّ مصاعب العمل من المنزل بوجود أفراد العائلة أمرٌ حقيقي، إلا أنَّ البديل لدى الكثيرين هو مغادرة العمل نهائياً.

شاهد بالفيديو: 6 مهارات أساسية للقائد الاستراتيجي

  • الإجازات مدفوعة الأجر

يدَّخرها الموظفون تحسُّباً لمرض أطفالهم؛ ففي المجتمعات معظمها اليوم، عندما يصاب أحد الأطفال بنزلة برد أو بالسعال، فإنَّهم يُمنَعون في كل مرة لمدة 14 يوماً من الذهاب إلى المدرسة أو دور الرعاية النهارية أو الحصول على جليسة أطفال؛ لذا طلب أحد الأهالي المشاركين في الاستطلاع توفير رعاية آمنة، أو ضمان الحصول على إجازة من دون خسارة عمله.

من هنا كان لوضع سياسات مرنة للإجازات مدفوعة الأجر دور في مساعدة الموظفين على العناية بأنفسهم وأحبائهم. وبسبب التهديد المستمر لجائحة "كوفيد" (COVID)، تُوفِّر الإجازات المدفوعة للعاملين خيارات أكثر أماناً؛ إذ يعمل عدد كبير من الأفراد على الموازنة بين خسارة مدخولهم المادي أو ضمانهم الصحي مقابل ذهابهم إلى العمل.

وفي الواقع، إنَّ 80% من أولياء الأمور يَعُدُّون أداءهم "سيئاً للغاية" أو أنَّ رعايتهم لأنفسهم لم تعُد كما كانت، فقد استنزف العمل المتواصل طاقاتهم وأدى إلى احتراقهم الوظيفي.

إنَّها فترة مؤلمة بحق، فالعديد من مقدمي الرعاية (كالعاملين والآباء ومقدمي الرعاية الذاتية) يشعرون أنَّ أداءهم بأكمله "غاية في السوء"، وقد شاركت إحدى الوالدات بقولها: "أنا أعمل بدوام كامل في مستشفى، ويعمل زوجي بدوام كامل من المنزل، في محاولتنا العناية بطفلينا اللذين يبلغان من العمر 5 سنوات و3 سنوات؛ لذا فنحن لا نملك الوقت لتوفير الرعاية التي يحتاج إليها كلانا من الآخر في الوقت الراهن". وقد قادت أوضاعٌ مشابهة الملايين من مقدمي الرعاية، وخصوصاً النساء، إلى مغادرة القوى العاملة منذ بدء انتشار الجائحة.

يجب على المنظمات تقديم أداء أفضل، في الوقت الذي يمتلك فيه مديرو الموارد البشرية فرصة جدِّية لاستبدال المرونة الزائفة بالحقيقية.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة