هذا ما يحدث عندما تتعرَّض لنوبة هلع

"شعرتُ بتسارعٍ كبيرٍ في نبضات قلبي"، "فقدتُ قدرتي على التنفس"، "ارتجاف جرى في كل أنحاء جسمي"، "لم أعد قادراً على التوازن"، "كدتُ أن أفقد وعيي" بهذه العبارات وصف أحد الأشخاص الحالة التي يؤول إليها عندما يتعرض لنوبة هلع، مؤكِّداً أنَّه في كل مرَّة يشعر وكأنَّه يلفظ أنفاسه الأخيرة.



ما هي نوبات الهلع هذه، وما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوثها؟ هل تحدث باستمرار؟ وهل هي حقاً تهدِّد الحياة؟ والأهم من هذا كله كيف علينا أن نتصرف عندما نتعرض نحن أو أحد المحيطين بنا لنوبة هلع؟ كل هذه الأسئلة ستجدون إجاباتها في المقال الآتي.

أولاً: ما هي نوبة الهلع؟

نوبة الهلع هي نوبة من الذعر الشديد تُداهم الإنسان بصورة مفاجئة وغير مُتوقعة، وتجعله خاضعاً لسطوة القلق والخوف الذي ينتابه، وتترافق نوبة الهلع مع ردود فعل جسمية وعاطفية مختلفة تجعل الإنسان يظن أنَّه يعاني من نوبة قلبية أو على وشك الموت، وحقيقة الأمر أنَّه فقط يمرُّ بفترة وجيزة من الضيق، وستتوقف هذه الأعراض خلال ربع ساعة، ولكنَّ الخوف الناتج عن هذه النوبة لن يتوقف و لن يزول بسهولة؛ إذ يتفاقم القلق بعد حدوث النوبة، ويزداد الخوف من التعرض في المستقبل لنوبة جديدة.

تؤكِّد الدراسات العلمية أنَّ الإنسان العادي قد لا يتعرض طوال حياته لنوبة الهلع أكثر من مرتين، وبمجرَّد تخطيه للأوقات العصيبة التي يمرُّ بها يخف خطر حدوثها مرَّة أخرى، لكن مع ذلك يبقى الكثيرون سجناء الخوف والقلق من تكرار التجربة، وفي حال:

  1. عجزت عن وضع حدٍّ لخوفك، وازداد قلقك من التعرض لنوبة هلع جديدة عن المفروض.
  2. لم تجد معيناً وملجأً آمنا لك يُخفِّف عنك ويشعرك بالأمان.
  3. زادت ظروفك الصعبة وقست الحياة أكثر عليك.

فمن المرجَّح أن تُصاب باضطراب الهلع، وفي هذه الحالة يصبح القلق اضطراباً نفسياً يجعل الإنسان يعيش في كابوس لا ينتهي من الخوف والذعر دون أي سبب واضح.

إنَّ حدوث نوبات الهلع يزداد عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب، أو الذين يعانون من اضطرابات نفسية أخرى، ويمرون بظروف قاسية، وقد يكون نتيجة طبيعية للأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق، وبطبيعة الحال ستزداد وتيرة الهجمات عند هؤلاء الأشخاص أكثر من غيرهم، حتى إنَّ بعض المرضى قد يتعرضون لهجمات شبه يومية من نوبات الهلع، وقد يستمرون على هذه الحالة لفترة أشهر، إذاً لا يوجد نمط محدَّد لحدوث نوبات الهلع، ويرجع عدد مرات حدوثها لطبيعة الحالة وظروف الشخص المصاب وحالته النفسية.

تعاني نسبة لا تقل عن 11% من البالغين كل عام من نوبات الهلع، وهذا يعني أنَّها نوبات شائعة، حتى إنَّ الكثيرين قد يمرُّون بمثل هذه الحالة، ولا يستطيعون تشخيص حالتهم وتفسير ما حدث معهم بالضبط، وخاصةً إذا لم تُتَح لهم فرصة مراجعة الطبيب المختص.

لكنَّ نوبات الهلع لا تشكِّل خطراً مباشراً على الحياة، ولا تُعدُّ سبباً للوفاة؛ بل الخطورة فيها تكمن بتأثيرها في أسلوب حياة الشخص بعد تعرضه لها، فقد تتأثر حياته بالكامل بسببها، وربما يلجأ لتغيير كثير من سلوكاته والتوقف عن ممارسة نشاطاته المعتادة في سبيل تفاديها.

على سبيل المثال قد تحدث نوبة الهلع لأحد الأشخاص بسبب رؤية ثعبان، وهذا ما يدفعه لتجنُّب المرور من الطريق نفسه الذي رأى به الثعبان لبقية حياته حتى لو كلَّفه الأمر كثيراً من العناء وإضاعة الوقت، ويمكن إسقاط المثال السابق على مختلف جوانب الحياة الأخرى.

ثانياً: ماذا يحدث عند التعرض لنوبة هلع؟

نوبة الهلع ليست خطيرة أو قاتلة، لكن للأسف يُعدُّ التعرض لنوبة الهلع من أقسى التجارب التي قد نمرُّ بها؛ إذ لا يتوقف الأمر على المشاعر والأحاسيس، فالنوبة تطال بشدتها أيضاً الكثير من الأعضاء الحيوية الهامَّة في جسم الإنسان، وهذا ما يزيد من شعور المصاب بالقلق لاعتقاده بوجود مشكلة ما لديه في القلب أو الرئتين.

 أعراض نوبة الهلع:

أبرز الأعراض التي تترافق مع حدوث نوبة الهلع:

  1. خوف شديد مع ارتجاف وقشعريرة.
  2. دوران وغثيان مع إحساس مستمر برغبة بالإقياء، كما يحدث أيضاً إسهال نتيجة تأثُّر المعدة والأمعاء مباشرةً بمشاعر الذعر الشديدة.
  3. ضيق في النفس يجعل المصاب يشعر وكأنَّه على وشك الاختناق.
  4. آلام حادة في الصدر مع تسارع في نبضات القلب.
  5. آلام نفسية شديدة تجعل الشخص يقاسي جداً في أثناء تعرضه لنوبة الهلع، فيشعر بالوحدة والغرابة وكأنَّه أصبح في عالم آخر.
  6. إحساس عام بالخدر والوخز يسيطر على جسده كله.

شاهد: 12 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

ثالثاً: ما هي أسباب الإصابة بنوبة الهلع؟

لا يمكن الجزم في أكثر الحالات بأسباب واضحة ومحددة لحدوث نوبة الهلع، فعلى سبيل المثال يخاف كثير من الناس من الكلاب، لكن لا يتطور هذا الخوف إلى نوبة هلع عندهم جميعاً، وهذا ما حيَّر العلماء، ومنعهم من إعطاء سبب محدد لحدوث نوبة الهلع، لكن غالباً ما تظهر هذه النوبات على:

  1. الأشخاص الذين يتمتَّعون بدرجة أقل من الصلابة النفسية من غيرهم.
  2. الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، أو يمرون بظروف عصيبة، أو يقومون بأعمال مجهدة، ويعانون تجارب قاسية وآلام نفسية شديدة؛ كآلام الفراق، أو التعنيف، أو الهجر، أو الوحدة، وهذا ما يضعف مقاومتهم ويوقعهم بسهولة بين فكِّي الخوف.
  3. الأشخاص شديدو الحساسية.
  4. الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من نوبات الهلع؛ إذ تؤدي الوراثة دوراً في حدوث النوبة.

رابعاً: تشخيص وعلاج نوبات الهلع

تشخيص نوبة الهلع:

يمكن للمريض تجاوز نوبات الهلع وحده في أكثر الأحيان ودون مراجعة الطبيب، شرط عدم تكرارها وعدم إحداث أي تبعيات على حياته، لكن في حال حدوث نوبات هلع غير محرضة ومفاجئة ومتكرِّرة لا بدَّ من زيارة الطبيب، بدايةً ونتيجة الاضطرابات الجسدية الكثيرة التي يشعر بها المريض في أثناء تعرضه لنوبة هلع، فغالباً ما تكون الخطوة الأولى من قبل الطبيب هي التأكُّد أنَّ المريض لا يعاني من أي مرض عضوي من خلال مجموعة تحاليل وفحوصات، بعدها يتم التقييم وفقاً لمعايير محددة وبناءً على الأعراض التي لُوحظت.

إنَّ تعرُّضك لنوبة هلع لا يعني أبداً أنَّك مصاب باضطراب الهلع، وحتى يشخِّص الطبيب الإصابة باضطراب الهلع يجب ظهور واحدة على الأقل من الأعراض الآتية عليك:

  1. تؤثر نوبة الهلع في حياتك لدرجة تدفعك لتغيير سلوكاتك تجنباً للتعرض لذات الظروف التي مررت بها عند حدوث نوبة الهلع.
  2. حدوث نوبات متكررة ومفاجئة.
  3. نوبة الهلع التي حصلت معك ليست ناتجة عن تناولك لأحد الأدوية، أو أعراض لمرض آخر تعاني منه.
  4. قلق مستمر ودائم من تكرار حدوث النوبة مرة أخرى، أو الخوف من الإصابة بالجنون، وقد يستمر هذا القلق شهراً كاملاً بعد حدوث النوبة.

علاج نوبات الهلع:

 يقسم علاج نوبات الهلع إلى قسمين، وسنتطرق فيما يأتي لكل قسم:

1. العلاج الدوائي:

يشتمل العلاج الدوائي على أدوية مضادة للاكتئاب، وأدوية مضادة للقلق، فالعلاج الدوائي هام جداً، ويقلِّل من عدد المرات التي تحدث بها نوبات الهلع، لكن للحصول على نتائج علاجية أفضل يجب أن يترافق العلاج الدوائي مع علاج نفسي، لاستئصال الخوف من جذوره حتى لا يعود وينمو مرة أخرى في نفس المريض، وحتى يتمكَّن وحده من مواجهة ظروفه الصعبة دون الخوف من تعرضه لنوبات هلع جديدة، فالهدف العلاجي لا يتعلَّق أبداً بتقليل عدد الهجمات؛ بل بمنع حدوثها من الأساس.

2. العلاج النفسي:

يجب أن يكون العلاج النفسي مرافقاً للعلاج الدوائي لتحقيق الهدف العلاجي المنشود، وثمَّة أشكال متعددة للعلاج النفسي، وهي:

1. العلاج بالتعرض:

هذا النوع من العلاج قائم على تعريض المريض لنفس الظروف التي مرَّ بها عند تعرضه لنوبة هلع، أو القيام بإثارة مشاعره، سواء باستخدام الخيال، أم الواقع بصورة تدريجية أو متكرِّرة حتى يتكيَّف في نهاية الأمر مع مثيرات ومحرضات نوبات الهلع.

طبعاً لا بدَّ لضمان نجاح وعدم التعرض لنتائج عكسية من تدريب المريض على كيفية مواجهة هذه المؤثرات وتعليمه طرائق الاسترخاء للتقليل قدر الإمكان من مشاعر الخوف والقلق التي تسيطر عليه، فمثلاً إذا كان شخص يخاف من الإغماء فيُساعد على ممارسة شعور الإغماء المرافق لضيق التنفس حتى يدرك أنَّه في الواقع لن يُغمى عليه، فهو يحسُّ بهذا فقط.

2. العلاج السلوكي المعرفي:

يهدف هذا العلاج لتقوية الشخص ومساعدته على مواجهة المواقف التي تسبِّب الهلع له، كما يتم العمل على نبش مخاوف الشخص وتعريتها أمام صاحبها ليتأكَّد من ضعفها وأنَّه هو من يعطيها القوة التي تحتاج إليها لتسيطر عليه، وأيضاً يُدرَّب المريض من خلال هذا العلاج على تقنيات الاسترخاء والتنفس وغيرها من الأمور المساعدة على التحكُّم بنوبة الهلع.

3. العلاج النفسي الداعم:

يشمل هذا العلاج تعريف المريض أكثر على نوبات الهلع وشرحها شرحاً كافياً، فمن المعلوم أنَّ الإنسان بفطرته يخاف من المجهول، وكلَّما تمكَّن من فهمه خفَّ إحساسه بالخوف تجاهه، كما ينطوي هذا العلاج على بناء علاقة ثقة قوية بين الطبيب والمريض.

 إليك الآن هذه النصائح الهامَّة لضمان نجاح علاج نوبات الهلع:

  1. التزم بخطة العلاج ولو تأخرت النتائج.
  2. تعرَّف إلى تجارب غيرك من خلال الانضمام لمجموعات الدعم النفسي.
  3. احرص على اتباع نمط حياة صحي خالٍ من التدخين والمخدرات والكحول والسهر.

في نهاية الحديث عن العلاج لا بدَّ أن ننوِّه إلى الدور الكبير والهام الذي على العائلة والأصدقاء القيام به، فالمصاب بنوبة الهلع يحتاج إلى يدٍ تربِّت على كتفه، وإلى حضن آمن يشعره بالحب والحنان، ويخفِّف عنه ألمه.

شاهد أيضاً: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

خامساً: كيف نتعامل مع نوبات الهلع؟

ماذا تفعل إذا تعرض شخص أمامك لنوبة هلع؟

ليس سهلاً أن تشهد مرور أحدهم بهذه التجربة الصعبة، وخاصةً إذا كان أحد المقربين منك؛ لذلك وقبل الحديث عمَّا يمكن أن تفعله، علينا أن نذكِّرك بأهم نقطة، احتفظ برباطة جأشك، وخذ نفساً عميقاً، ثمَّ افعل ما يأتي:

  1. أبعد أي أدوات حادة أو خطيرة من الممكن أن تكون موجودة صدفة بالمكان، وحاول قدر الإمكان تأمين الحماية للمصاب، وتذكَّر أنَّه في هذه الفترة ستكون تصرفاته خارجة عن السيطرة، فمن الممكن مثلاً أن يفكِّر بالقفز من النافذة.
  2. حاول بث الطمأنينة في قلبه بكلِّ الطرائق، عبِّر عن حبك له، وأخبره أنَّك موجود بجانبه دائماً، وأنَّ كل شيء سيكون على ما يرام، وأنَّه وقت عصيب وسينتهي، أكِّد ذلك له.
  3. إذا وجدت قبولاً من الشخص المصاب بنوبة هلع جرِّب أن تحضنه.
  4. ساعده على التنفس بهدوء.
  5. إيَّاك ثمَّ إيَّاك أن: تناقشه، تحاول تثبيته بالعنف، تستهزئ بمشاعره، تصوِّره بهدف عرض المقطع على الطبيب.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة للتخلص من نوبات الهلع

ماذا تفعل إذا تعرَّضت لنوبة هلع؟

قد تخاف بعد قراءة هذا المقال من احتمال تعرضك لنوبة هلع مستقبلاً، وقد تكون تعرضت مسبقاً لها ولم تعرف كيف تهدِّئ من روعك، فيما يأتي سنقدِّم لك بعض النصائح المفيدة لمساعدة نفسك على تجاوز هذا الوقت العصيب بأفضل طريقة:

  1. التحكُّم بالتنفس أفضل الأمور التي يجب أن تفعلها وتتدرَّب عليها حتى تتمكَّن من التحكُّم بنوبة الهلع، خُذ نفساً عميقاً لأربع ثوان، احبسه ثانيتين، ثمَّ انفثه وخُذ نفساً آخر.
  2. ركِّز عقلك على شيء محدد لمدة دقيقة على الأقل ليرجع وعيك وقدرتك على التفكير، مثلاً حدِّق بالطاولة، فكِّر بلونها، وحجمها، وشكلها.
  3. إذا بدأت الأفكار تسحبك بعيداً، وكأنَّك تنفصل تدريجياً عن المكان الموجود فيه، وتفقد إدراكك لما حولك، حاول القيام بأي فعل لتبقى متيقظاً، مثلاً يمكنك حك يدك بقطعة قماش، أو إمساك أحد الأغراض الموجودة أمامك.
  4. تذكَّر دائماً لا خطورة على حياتك، إنَّه مجرَّد وقت عصيب وسيمر.
  5. أغمض عينيك إذا حدثت نوبة الهلع بسبب مثير تراه أمامك.
  6. افعل بعض النشاطات الهادئة، كالمشي مثلاً، وإيَّاك القيام بنشاط يتطلَّب مجهوداً كبيراً.
إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على نوبات الذعر؟

في الختام:

نوبات الهلع من الممكن أن تفسد حياتك، ومن الممكن أن تداهمك وأنت تقود السيارة، وأنت في الشارع، وأنت في الامتحان؛ لذلك نوصيك بزيارة الطبيب في حال تعرضك لنوبة هلع، ليقوم بالإجراءات اللازمة لحمايتك، وتذكَّر دائماً أنَّ الحل يجب أن يبدأ دائماً من داخلك، والخوف الذي يسيطر عليك الآن يمكنك بكل تأكيد قتله، فقط آمن بذلك.




مقالات مرتبطة