هدئ من روع فكرك بتغيير البيئة المحيطة

أحد أكثر الأمور التي تساهم في سعادتنا هو شيء قلَّما نعيره انتباهاً ألا وهو صوتنا القابع داخلنا. يصف عالِم النفس "إيثان كروس" (Ethan Kross) في كتابه الجديد "الثرثار" (chatter) بأنَّ ذاك الصوت يحلل المواقف باستمرار، جاعلاً إيانا نفكر فيما مضى وفيما سيأتي.



محدداً هوياتنا، ومع أنَّه يظهر ودوداً ومتفائلاً في بعض الأحيان، إلا أنَّه من الممكن أن يكون خطيراً ومحبطاً أيضاً؛ إذ من الممكن للصوت الداخلي أن يجلدنا لارتكابنا زلة أو يحكم على حياتنا بالفناء، كما يمكنه أن يجتر الأفكار والمشاعر والتجارب السلبية وينبشها دون إيجاد حلول بنَّاءة لها.

يقدِّم كروس ثلاث طرائق رئيسة لقمع "الثرثار" الذي في رؤوسنا بتغيير وجهة نظرنا للأمور كي نتجنَّب بذلك الغرق في بحر مشكلاتنا، والتحدُّث مع الآخرين لكسب الدعم، وتغيير الجو المحيط بنا.

تفيد أول طريقتين في لحظات شعورنا بالضيق؛ حيث يقدِّم كروس نصائح بخصوص كيفية التراجع ورؤية الأمور من منظور آخر، ومن ثم مشاركة مشكلاتنا مع الآخرين، إلا أنَّ تغيير البيئة المحيطة بنا يعدُّ شيئاً يمكننا القيام به بشكل فاعل ليجعلنا أقل قابليةً لاجترار الأفكار بالأساس.

يقول كروس: "كلٌّ منا هو نتاج محيطنا الواقعي، ولهذا فإنَّ سمات هذا المحيط تثير بعض القوى النفسية فينا، مما يؤثر في طريقة تفكيرنا وشعورنا، فإذا اخترنا بذكاءٍ طبيعةَ علاقتنا ببيئاتنا المحيطة، فإنَّ الأخيرة ستساعدنا على التحكُّم بالصوت الداخلي".

وإليك ثلاث نصائح يقدِّمها كروس لتحسين محيطك من أجل أن تنعم براحة البال:

1. أحِط نفسك بالطبيعة:

تشير أبحاث عدة إلى أنَّ الطبيعة تحسّن من مزاجنا وصحتنا على حد سواء، سواءً إذا مشيت في الطبيعة، أم أحطت نفسك بالنباتات، أم بمجرد النظر إلى الأشجار.

تساعد الطبيعة أيضاً على كبح التوتر النابع من حياتنا اليومية، فعلى سبيل المثال: اكتشفت دراسة حديثة في المملكة المتحدة بأنَّ الخروج إلى المساحات الخضراء ساعد على حماية الناس من التأثير الضار بالصحة الناتج عن الفقر، وفي دراسة أخرى شعر قاطنو المدن الفقراء بأنَّ المعوقات في حياتهم أقل حدة وأكثر قابلية للحل عندما تكون شققهم تطل على منظر طبيعي.

ما السر وراء امتلاك الطبيعة تأثيراً مهدِّئاً؟ تجيبنا دراسة من عام 2015، عندما قضى مشاركون 90 دقيقة في المشي في أراضٍ عشبية، أفادوا بأنَّهم قد قضوا وقتاً أقل في اجترار الأفكار مما قضوه مشياً في شوارع المدن المزدحمة، وزِدْ على ذلك بأنَّ مسح أدمغتهم أظهر نشاطاً أقل في الخلايا الداعمة لاجترار الأفكار؛ حيث يمكن لقضاء وقت في الطبيعة أن يؤثر في نمط تفكيرنا الاعتيادي.

يمكن لهذا البحث أن يكون مفيداً حتى لو كان شارعك خالياً من الأشجار، ففي الحقيقة تقول دراسات عدة إنَّه يمكنك أن تحسِّن من انتباهك وتقلِّل توترك بمجرد النظر إلى صور الطبيعة أو الاستماع إلى زقزقة الطيور وصوت هطول المطر أو وضع نباتات في منزلك.

شاهد بالفيديو: 10 طرائق مثبتة علمياً تمنحك سعادة دائمة

2. أَوجِد جواً من الرهبة:

إذا كنت في قلب الطبيعة أمام الأشجار الباسقة أو أمام منظر يخطف الأنفاس سينتابك غالباً شعورٌ بالرهبة؛ أي إحساس بأنَّك بمواجهة فضاء رحب يتحدى فهمك للعالم.

لا يأتي هذا الشعور من الطبيعة وحسب، كما يشرح كروس؛ بل يمكن أن نختبر هذا الشعور عند قراءة الشعر أو الاستماع للموسيقى أو مشاهدة المنافسات الرياضية أو عند سماع أول كلمة ينطق بها طفلنا أو عند رؤية أولى خطواته.

يقول كروس: "الشعور بالرهبة عاطفة تسمو بذواتنا بمعنى أنَّها تحثنا على التفكير والشعور بما وراء احتياجاتنا ومتطلباتنا، وتكمن قوة الشعور بالرهبة في قدرته على جعلنا نشعر بصغر حجمنا، ويدفعنا إلى تجاهل صوتنا الداخلي والإصغاء لشيء أسمى".

ينعكس هذا في أدمغتنا؛ فالشعور بالرهبة يثبط النشاط في المناطق المسؤولة عن التركيز على الذات وعن الشعور بالضياع، ويخفف هذا الشعور من حجم مشكلاتنا تخفيفاً تلقائياً ويمنحنا نظرة أوسع، دون أن يجعلنا جزءاً مباشراً من تلك المشكلات؛ حيث وجدت إحدى الدراسات التي ضمت أناساً مشاركين في رحلة قوارب في النهر أنَّهم كلما اختبروا شعور الرهبة، تحسنوا من التوتر أو من اكتئاب ما بعد الصدمة، وازداد شعورهم بالسعادة والانتماء.

ما هي البيئة التي تولِّد الشعور بالرهبة؟ من المرجح أنَّها تختلف باختلاف الشخص، لكن ربما تكون بوضع قطعة فنية على جدارك أو بالاستماع لموسيقى تؤثر بك أو بالابتعاد عن التكنولوجيا لتلاحظ الجمال في الناس من حولك.

إقرأ أيضاً: كيف تجذب الأفكار السعيدة وتدرب دماغك على السعادة؟

3. نظِّف فوضاك:

عندما تخرج أفكارك ومشاعرك عن السيطرة، فإحدى طرائق التعامل معها هي ممارسة السيطرة على محيطك، وذلك عبر التخلص من الفوضى.

يقول كروس: "يعطينا الإحساس بالنظام في العالم حولنا شعوراً بالراحة ويجعل الحياة أسهل وأكثر توقعاً"؛ حيث يمكن حتى للقراءة حول النظام الدقيق للكون أن تجعلنا أقل قلقاً كما تقترح إحدى الدراسات.

يوجد دليل على أنَّنا ننجذب للنماذج البصرية والصور المنظمة عندما نشعر بفقدان السيطرة ونشعر بالعجز، أو عندما نتعرَّض لضجيج مزعج لا يمكننا إيقافه؛ لأنَّنا نحاول بذلك أن نضفي نظاماً على عالمنا الخارجي.

يمكن لمجرد التقليل من الفوضى أن يمنحنا شعوراً بالرضا؛ حيث تقول دراسة حديثة إنَّ أولئك الذين يرتاحون لفكرة الفوضى في منازلهم؛ أي الذين لا يشعرون بالخجل أو الانزعاج من فوضاهم، يتمتعون بمشاعر أكثر إيجابية وعلاقات أفضل ومعنى أعمق في الحياة.

كسابقتيها، فإنَّ استراتيجية التقليل من الفوضى يجب أن تُمارَس بفاعلية، ويمكنها أن تهدئ من روعك في لحظات التوتر، وهذا ما يعلمه من يؤجل تنظيف غرفته.

إقرأ أيضاً: 14 طريقة لتخلّص دماغك من الفوضى التي تعشش فيه

بطبيعة الحال حتى لو كان منزلك يشع اخضراراً دون أن تشوبه شائبة فلن يحميك ذلك من اجترار الأفكار حمايةً كليةً، وهنا يأتي دور الطرائق الأخرى التي قدَّمها كروس؛ حيث ينتهي كتابه بقائمة من 26 طريقة للخلاص حين تغمرك الأفكار السلبية المتكررة، وتذكِّرنا تجاربه الشخصية وأفكاره التي شاركها معنا بأنَّه حتى الباحث الضليع في هذا ليس منيعاً من الهلع بين الفينة والأخرى.

صحيح أنَّ صوتنا الداخلي يبدو عدواً لنا في بعض الأحيان، لكنَّنا نستطيع ببعض الحيل أن نحول ذلك إلى حوار بنَّاء.

المصدر




مقالات مرتبطة