نفاد الصبر: فخ كلُّ شخص طَموح

يعمل المنتور الخاص بي في تجارة التحف الفنية العائدة إلى العصور الوسطى، وعندما قابلته المرة الماضية عرض عليَّ جزءاً من مجموعته الشخصية، وقد أعجبتُ بحجم المجموعة وسألته عن الوقت الذي استغرقه في جمعها، فأخبرني أنَّه استغرق 45 سنة، ثم ضحك حين لاحظ الصدمة على وجهي وقال: "إنَّه ليس شيئاً يمكنك أن تشتريه دفعة واحدة، ولا يحاكي الذهاب للتسوق في المتجر؛ وإنَّما تجميع أشياء قيِّمة في الحياة يتطلب وقتاً؛ لأنَّك لا تملك المال الكافي لشراء كلِّ شيء دفعة واحدة، ولا يتوفر كلُّ شيء دائماً؛ ومن ثَمَّ عليك انتظار الفرصة الملائمة".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن والكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن مفهوم الصبر والتأني في الحياة.

إنَّ الانتظار من أصعب الأشياء في الحياة، إلا أنَّ العالم حولنا مليء بنماذج أناس انتظروا الفرصة المناسبة، وعلى سبيل المثال يمكننا ذكر مَن استثمر في سوق الأسهم والعقارات خلال الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2008؛ فقد دام ذاك الركود الاقتصادي سنوات عديدة.

لقد تحدثت منذ فترة إلى شخص استثمر جزءاً كبيراً من أملاكه في سوق الأسهم بين عامي 2009 و2011. كان قد احتفظ بمعظم أمواله خلال السنوات التي سبقت الأزمة ليس لأنَّه تنبَّأ بأزمة اقتصادية عالمية سبَّبتها أزمة الرهون التجارية؛ وإنَّما لأنَّه ببساطة لم يعرف ماذا يفعل، فأمضى الوقت في تعلُّم الاستثمار.

كما أنَّه لم يتبع السوق، ولم يستثمر لمجرد أنَّ الوضع الاقتصادي ممتاز؛ وإنَّما اكتفى بجمع الأموال، ليس هذا ما يفعله معظم الناس في أوقات الازدهار؛ بل إنَّهم يستثمرون وينفقون عندما يسمعون أنَّ الاقتصاد ينمو؛ لأنَّهم يثقون بالسوق ويشعرون بالتفاؤل، وبالنتيجة يبحثون عن استثمارات "جيدة" ويتحولون إلى مستثمرين بدوام جزئي.

إضافة إلى ذلك، فإنَّهم يتخذون قرارات سيئة من دون الاطلاع على كتب الاستثمار أو طلب مشورة الخبراء، هذا ما أصبح عليه معيار السلوك الإنساني في القرن الواحد والعشرين.

كتب الأستاذ والمؤلف والمستثمر بنجامين غراهام Benjamin) Graham) في عام 1949: "المستثمر الذكي هو شخص مُلِمٌّ بالواقع واحتمالاته، فتراه يبيع للمتفائلين، ويشتري من المتشائمين"؛ أي إنَّ المستثمر على الأمد الطويل يربح دائماً؛ وذلك لسبب واحد هو التأني.

إنَّ التسرع من ألد أعدائك عندما تود تعلُّم مهارات جديدة وإنجاز عملك على أكمل وجه، وقد فهم ليوناردو دافنشي (Leonardo da Vinci) الذي يُعدُّ من أعظم الفنانين في التاريخ خطورة التسرع؛ فقد ورد في كتاب "الإتقان" (Mastery) للمؤلف روبرت غرين (Robert Greene) أنَّ شعار ليوناردو كان "ostinato rigore"، والذي يعني الإصرار.

كان كلَّما بدأ العمل على مشروع جديد يستحضر الإصرار والإرادة والحماسة كسابق عهده، ولا يهمل أيَّ تفاصيل أبداً، وهذا يتطلب كثيراً من التأني والصبر.

شاهد: 10 قواعد للعقلية الناجحة!

إيجاد المتعة في الألم:

إذاً كيف تُطبِّق الصبر في حياتك؟

من الجيد اعتماد عقلية ليوناردو ونهجه؛ لأنَّك إذا لم تبذل جهداً في عملك فأنت لا تؤديه كما ينبغي، وهذه طريقة رائعة لتقييم عملك، وتعدُّ كتابة اليوميات أداة أساسية لتزويدك بتغذية راجعة يومياً.

من المفيد أيضاً أن يكون لديك منتور؛ لكنَّ المشكلة في هذه الحالة أنَّك لا تستطيع أن تتواصل مع منتورك طوال الوقت، في حين يمكنك تدوين يومياتك متى أردت؛ لذا عندما تحاول تحقيق أهدافك وتطوير نفسك وبناء حياة طيبة، فلا بدَّ أن تمر بلحظات تود فيها تسريع وتيرة الأحداث؛ ولكنَّ أمور مثل العمل على كتاب وتحضير عرض تقديمي، لا يمكن أن تتم بسرعة.

ليس من الخطأ أن ترغب في تسريع العملية؛ بل إنَّه في الواقع أحد الأسباب التي تدفع الناس والشركات للابتكار؛ ولكنَّنا يجب أن ندرك الفرق بين الرغبة في تحقيق الأشياء، والتي تُعدُّ عنصراً مساعداً، وبين التسرع الذي ينعكس سلباً على الأداء، وخاصة فيما يتعلق بقدرتك على الابتكار والإبداع.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات كي تصبح أكثرَ صبراً وحِلماً

"إنَّ العائق الأكبر في طريق الإبداع هو التسرع ونفاد الصبر، أمَّا رغبتك الحتمية في تسريع العملية فإنَّها تعبِّر عن شيء ما وتحقق نجاحاً باهراً".

لا يوجد نجاح بين ليلة وضحاها، وعلينا أن نذكِّر أنفسنا بهذا كلَّما شعرنا بنفاد الصبر، فهذا يحدث لكلِّ شخص طموح، أمَّا من لا يفعل شيئاً في حياته لن يواجه هذا التحدي، وحدهم من يعملون بجد ويحاولون ترك أثر يشعرون بنفاد الصبر.

إقرأ أيضاً: كيف تكون صبوراً في عالم نفذ صبره؟

في الختام:

لا بدَّ أنَّك استغرقت وقتاً طويلاً لتصل إلى ما وصلت إليه؛ ولذلك إياك أن تفسد الأمر بسبب رغبتك في استعجال الأمور، وعليك بدلاً من ذلك أن تمضي وقتاً كافياً في عملك، وأن تفتخر فيه لأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة للقيام بإنجاز عظيم.




مقالات مرتبطة