نظرة في تاريخ أقدم الجامعات العربية

شهد الوطن العربي قائمة كبيرة من الجامعات العريقة التي تأسست منذ القدم، فكانت منارة للعلم على مرّ العصور وقدمت للعديد من طلاب العلم قيمة علمية ثمينة يحملونها معهم أينما ذهبوا. وقد تم تصنيف بعض هذه الجامعات العربية كأقدم الجامعات في العالم والتي نالت شهرة كبيرة على المستوى العربي والعالمي. سنلقي فيما يلي نظرة على تاريخ أقدم الجامعات العربية ورحلة تأسيسها منذ القدم.



أولاً: جامعة الزيتونة في تونس

جامعة الزيتونة في تونس

يعود تاريخ أقدم الجامعات العربية إلى القرن الثامن الميلادي وهي جامعة الزيتونة التي تأسست في تونس عام 737 م تحت حكم الأمير الأموي عبيد الله بن الحبحاب. وبحسب المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب، فإن جامعة الزيتونة هي من أقدم الجامعات في العالم الإسلامي والعالم أجمع.

ويذكر أن جامعة الزيتونة أصبحت مركزاً للدراسات الدينية، ولاحقاً بعد عدة سنوات تم تأسيس جامع الزيتونة في نفس المكان. وقد كانت الجامعة تقدم دروس دينية (فقه مالكي، حديث وقرآن) إضافة لدراسات أدبية وعلمية.

ارتبط اسم جامعة الزيتونة بالعديد من الرموز نذكر منهم: الشيخ الطاهر بن عاشور، والطاهر الحداد، وابن خلدون، والفقيه والمفسر والمحدث محمد بن عرفة التي اشتهرت به جامعة الزيتونة في العهد الحفصي.

كما ارتبطت بالعديد من أعلام الحركة الإصلاحية مثل: سالم بو حاج، ومحمد النخلي، ومحمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر، إضافة إلى الشاعر أبو القاسم الشابي صاحب (ديوان أغاني الحياة).

ثانياً: جامعة القرويين في المغرب

جامعة القرويين في المغرب

تأسست جامعة القرويين في عام 859م كمؤسسة تعليمية تابعة لجامع القرويين في "فاس" في المغرب على يد فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية، وهي عربية مسلمة تعود أصولها إلى ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان. وتعتبر فاطمة بنت محمد شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة تونس والمغرب، وقد قامت بتأسيس جامعة القرويين مع شقيقتها مريم.

وتُعد جامعة القرويين أول جامعة عربية في العالم، كما أنها تعتبر أقدم جامعة في العالم لا زالت عاملة إلى الآن وبدون انقطاع حسب تقييم اليونسكو وموسوعة غينيس للأرقام القياسية وعدد من المؤرخين، ولكن لم يحصل الاتفاق بشأن ذلك.

وقد تخرّج من هذه الجامعة عدد كبير من الرموز الإسلامية ورموز الأدب العربي والفلسفة، إضافة للعديد من العُلماء الغربيين الذين نهلوا من علومها، مثل الطالب "غربرت أورياك" والذي أصبح فيما بعد (سلفستر الثاني) الذي شغل منصب البابوية عام 999م، و(موسى ابن ميمون) الطبيب والفيلسوف اليهودي الشهير في عصره، والعالم العربي العظيم (ابن خلدون) مؤسس علم الاجتماع، والعديد من الشخصيات الشهيرة التي خلدها التاريخ.

ولا زالت إلى الآن تعمل كمؤسسة أكاديمية في المغرب وذلك على مدى 12 قرن، فضلاً عن كونها جامعة تُدرّس مختلف العلوم. فقد تميزت جامعة القرويين بنظام الكراسي العلمية المتخصصة التي جعلت منها جامعة متعددة الدراسات.

إقرأ أيضاً: أقدم 6 جامعات في العالم

ثالثاً: جامعة الأزهر في مصر

جامعة الأزهر في مصر

تعد جامعة الازهر أكبر مؤسسة دينية وتعليمية في العالم، كما أنها صنفت كثالث أقدم جامعة في العالم وتتنافس في ذلك مع جامعتي القرويين والزيتونة.

تأسست جامعة الازهر في "القاهرة" في مصر منذ عام 970م خلال العصر الفاطمي في مصر، أي قبل كثير من جامعات العالم الأخرى. وقد رثت جامعة الأزهر الجامع الأزهر الذي يعود تاريخه إلى عهد الدولة الفاطمية، حيث وضع جوهر الصقلي حجر الأساس، بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، في 14 من رمضان سنة 359هـ (971م)، ثم ابتدأت فيه الدراسة بشكل فعلي في أواخر عهد المعز لدين الله الفاطمي، عندما جلس قاضي القضاة أبو الحسن بن النعمان المغربي سنة 365هـ (أكتوبر 975م)، في أول حلقة علمية تعليمية، وتوالت بعدها حلقات العلم.

وفي الحقيقة فإن جامعة الأزهر بدأت في أول الأمر كمدرسة لتعليم الطلاب من المراحل الابتدائية وحتى الحصول على شهادة التخرج الأزهرية، وهي شهادة تخصص في علوم المعرفة الإسلامية بشتى تخصصاتها. ولكن الجامعة في سنواتها الحديثة تفرعت إلى مجالات العلوم المتنوعة ومختلف التخصصات الأخرى.

وهناك العديد من العلماء البارزين والذين ارتبطت أسماؤهم بجامع وجامعة الازهر ومن أشهرهم: ابن خلدون، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وموسى بن ميمون، والحسن بن الهيثم ومحمد بن يونس المصري، والقلقشندي، والعديد من العلماء الآخرين الذين قدّموا للبشرية ثروة علمية لا تقدر بثمن.

رابعاً: جامعة دمشق في سوريا

جامعة دمشق في سوريا

تأسست جامعة دمشق في مطلع القرن العشرين وذلك في عام 1923م، وتعتبر جامعة دمشق من أعرق الجامعات وأكبر وأقدم جامعة في سوريا، كما أنها تعد أول جامعة حكومية في الوطن العربي.

حيث أنشأ في عام 1901م مكتب مدرسة للطب في دمشق، وقد افتتحت هذه المدرسة التي تعد النواة الأولى للجامعة في عام 1903 م وضمت فرع الطب البشري وفرع الصيدلة، ثم تم افتتاح مدرسة الحقوق في بيروت في عام 1913 ولاحقاً تم إعادتها إلى دمشق في عام 1914.

وفي عام 1923 سميت مدرسة الحقوق معهد الحقوق، وتم ربط معهد الحقوق ومعهد الطب مع بعضهما تحت اسم الجامعة السورية، وبقي اسمها " الجامعة السورية" حتى عام 1952 حيث أصبحت تدعى جامعة دمشق.

ولم تبقى جامعة دمشق مقتصرة على معهدي الطب والحقوق، بل تنوعت إلى مختلف الاختصاصات والمجالات، حيث أحدث فيها كليات ومعاهد عليا منذ عام 1946م تدرّس كلها باللغة العربية ومنها: (كلية الآداب، كلية الحقوق، كلية التجارة، كلية العلوم، كلية الطب، كلية طب الأسنان، كلية الهندسة، كلية التربية، كلية الشريعة)، وأصبح أيضاً بإمكانها منح شهادات في الدراسات العليا.

خامساً: الجامعة الأمريكية في بيروت لبنان

الجامعة الأمريكية في بيروت لبنان

هي جامعة خاصة لبنانية تأسست في عام 1866م، وتقع في منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية.

تم إنشاؤها كشركة خاصة مستقلة هدفها إنشاء نواة لجامعة في لبنان، على أن تكون مؤسسة غير طائفية، على يد دانيال بليس مبشر أمريكي ولد عام 1823، وعين فيها كأول رئيس لها. وقد أطلق على الجامعة الأمريكية في ذلك الوقت اسم الكلية السورية البروتستانتية حتى أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1920م.

اعتُمِدَت اللغة العربية كلغة التعليم الرسمية للكلية لمدة 17 عام، ثم فيما بعد تم اعتماد اللغة الإنكليزية للتعليم حتى يومنا هذا. كما اعتمدت في التعليم على المنهج الأمريكي.

وقد تخرج من الجامعة العديد من الشخصيات المشهورة على مستوى البلدان العربية في مختلف المجالات: كالرئيس سليم الحص، ووليد جنبلاط، وعبد الرؤوف الروابدة رئيس وزراء الأردن، وسعدون حمادي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي، والشاعر إبراهيم طوقان، والمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، والمعمارية العراقية زها حديد وغيرهم من الشخصيات البارزة.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لاختيار التخصص الجامعي

سادساً: جامعة القاهرة في مصر

جامعة القاهرة في مصر

تعتبر جامعة القاهرة ثاني أقدم الجامعات المصرية ومن ضمن أقدم الجامعات العربية بعد جامعة الزيتونة وجامعة الأزهر وجامعة القرويين.

تقع الجامعة في مدينة الجيزة غربي القاهر، وقد كانت تعرف باسم الجامعة المصرية وافتتحت كجامعة أهلية في 1908م في حفل أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين بحضرة الخديوي عباس الثاني.

قررت الحكومة في عام 1917م إنشاء جامعة تضم المدارس العليا القائمة إلى الجامعة، فتم ضم مدرستا الحقوق والطب إلى الجامعة 1923م، وتم الاتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية على الاندماج في الجامعة الجديدة على أن تكون كلية الآداب نواة لهذه الجامعة.

وفي عام 1925م صدر مرسوم بإنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية وكانت مكونة من كليات أربع هي الآداب، والعلوم، والطب، والحقوق، وفى العام نفسه ضُمّت مدرسة الصيدلة لكلية الطب.

وفي عام 1940م تم تغيير اسم الجامعة المصرية إلى جامعة فؤاد الأول حتى عام 1953م حيث تم تعديل أسم الجامعة من جامعة فؤاد الأول إلى جامعة القاهرة.

ارتبط اسم الجامعة بالعديد من الشخصيات البارزة السياسية والعلمية والأدبية منهم: حكام ورساء دول كصدام حسين، ياسر عرفات، عدلي منصور، إضافة لحائزي نوبل للسلام كمحمد البرادعي، نجيب محفوظ، وعلماء كعلي مصطفى مشرفة، مجدي يعقوب، عماد عبد السلام رؤوف.

سابعاً: جامعة الخرطوم في السودان

جامعة الخرطوم في السودان

تعتبر جامعة الخرطوم من أقدم الجامعات السودانية ومن أعرق الجامعات في أفريقيا والشرق الأوسط، وتقع الجامعة في مدينة الخرطوم العاصمة السودانية.

بداية نشأة جامعة الخرطوم تعود إلى عام 1898م عندما اقترح "اللورد كيتشنر" الحاكم على المستعمرات البريطانية في البحر الأحمر إقامتها تخليداً لذكرى «اللورد غوردون» الذي سقط أثناء الغزو البريطاني للسودان. تحول بعدها اسمها إلى جامعة الخرطوم بعد استقلال السودان في 1 يناير 1956م.

وتم افتتاح الكلية الجديدة المسماة بكلية غردون التذكارية في عام 1902م، ولم يتم قبول الدفعة الأولى من طلاب المرحلة الابتدائية إلا بحلول عام 1903. وفيما بعد تم إنشاء دفعة ثانوية في عام 1905 لغرض تدريب المهندسين المساعدين ومساحي الأراضي، وفي عام 1924م، تطورت الكلية إلى مدرسة ثانوية مهنية، وفي نفس العام تأسست مدرسة كيتشنر للطب، وشهد عام 1936 بداية التعليم العالي في السودان بإقامة كلية الحقوق.

وفي يناير 1945 تم وضع جميع المدارس التي تم تأسيسها تحت إدارة واحدة في ترتيب خاص مع جامعة لندن، ثم تمت ترقية الكلية في عام 1951 لتصبح كلية الخرطوم الجامعية. وفي الحقيقة فإن جامعة الخرطوم الحالية هي نتيجة للتحول الطبيعي لكلية الخرطوم الجامعية عند استقلال البلاد في عام 1956.

إقرأ أيضاً: أهمية التعليم والدراسة الجامعية وأفضل الجامعات لعام 2018

ثامناً: جامعة الجزائر

جامعة الجزائر

تعتبر جامعة الجزائر أول مدرسة أنشئت في العهد الاستعماري على أرض الجزائر. بدأت نشاطها سنة 1833 وكان يشرف على التدريس فيها أساتذة عسكريون، وذلك في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة.

كانت الدروس في البداية توجه إلى الطلبة الأوروبيين فقط، وفيما بعد سمحت بقبول الطلبة الأتراك والجزائريين المسلمين واليهود فيها. تم إيقاف الدارسة في الجامعة في 1835م، ثم تم افتتاحها مرة أخرى بناء على قرار المجلس البلدي للجزائر العاصمة في عام1857م، ولم تبدأ نشاطها الفعلي حتى 1859م.

وضعت هذه المدرسة في البداية تحت إشراف كلية الطب الفرنسية بمونبولييه، ثم تحولت المدرسة إلى مدرسة عليا للطب والصيدلة، وفي عام 1909م تحولت إلى كلية للطب والصيدلة تابعة لجامعة الجزائر.

وتجدر الإشارة إلى أن الدروس الأولى في اللغة العربية والأدب العربي والشريعة تم الترخيص بتقديمها ابتداء من عام 1832م والتي شكلت النواة الأولى لمدرسة الآداب بالجزائر، والتي تم تحويلها إلى كلية للآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الجزائر، ثم تمّ الاهتمام بدروس القانون ابتداء من عام 1857م وإنشاء هذه المدرسة للحقوق والتي تحولت لكلية الحقوق في عام 1909، ثم حولت إلى كلية الحقوق والعلوم. بالإضافة للعديد من المدارس والمعاهد التي تم تحويلها فيما بعد إلى كليات.

من بين طلبة هذه الكلية الذين برزوا في تاريخ الجزائر "بن يوسف بن خدة"، وتجلت مكانته في تاريخ الجزائر في مسؤوليته كثاني رئيس للحكومة الجزائرية الموقتة.

تاسعاً: جامعة بغداد في العراق

جامعة بغداد في العراق

تقع جامعة بغداد في وسط العاصمة العراقية بغداد، وتعد أكبر الجامعات العراقية. تم تأسيسها من قبل الحكومة العراقية في أواخر الخمسينيات. إلا أن جذورها الأولى تعود إلى سنة 1908م حيث تأسست كلية الحقوق (مدرسة الحقوق سابقاً)، وما تبعها بسنوات قليلة من كليات أخرى.

فتشكلت في عام 1943م أول لجنة لدراسة إمكانية تأسيس جامعة عراقية، وفي عام 1956م صدر أول قانون لتأسيس جامعة في العراق باسم "جامعة بغداد". وفي عام 1957 عين أول رئيس لجامعة بغداد ومجلس تأسيسي للجامعة مهمته دراسة واقع الكليات والمعاهد القائمة حينذاك وإجراء التغييرات اللازمة في كيانها، لربطها بالجامعة بعد التأكد من بلوغها المستوى العلمي المناسب.

وفي عام 1958 تمّ الاعتراف بقيام جامعة بغداد كجامعة لها مجلس يدير شؤونها العلمية والإدارية وتضم كليات الحقوق، والهندسة، والتربية، والطب، والصيدلة، والآداب، والتجارة، والزراعة، والطب البيطري، كما ألحقت بجامعة بغداد عدد من المعاهد العالية.

من أبرز المتخرجين من جامعة بغداد: جلال الطالباني، صالح جبر، بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، أحمد عبيدات، وطارق عزيز وغيرها من الأسماء البارزة.

المصادر:




مقالات مرتبطة