نصيحتان لتحقيق السعادة

لا يمكن بلوغ الأماكن التي تستحق عناء الوصول إليها بطرائق مختصرة، ولا بدَّ أنَّك مُدرِك لصحة ذلك في أعماقك؛ فحتَّى تكون شخصاً سعيداً عليك الإقدامُ على فعل أمورٍ صعبة للغاية يتجنَّبها معظم الناس، وهي ذاتُ الأمور التي تُخيفك وتُشعرك بعدم الراحة، ولا يمكن لأحدٍ أن يفعلها نيابةً عنك، والتي تجعلك تتساءل إلى متى يمكنك الصمود والصبر ومواصلة التقدُّم على الرَّغم من كل شيء؛ وذلك لأنَّ هذه الأمور هي التي تميِّزك وتحدد شخصيتك في النهاية، كما أنَّها العوامل المفصلية التي تصنع الفرق بين عيشِ الحياة فعلياً ومُجرَّد الوجود في هذا الكون، وبين معرفة الطريق والسير فيه في الحقيقة، وبين الحياة العادية والحياة المليئة بالتطوُّر والإنجازات والرضى.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن نصيحتَين قيِّمتَين للغاية للتقدم في طريقنا نحو السعادة. 

بالطبع غالباً ما تكون الإنجازاتُ الصعبة أسهلَ الأشياء التي يمكن تجنُّبُها، أو تأجيلها إلى وقت لاحق والمُماطلة في تنفيذها، أو إلهاء أنفسنا عنها، أو اختلاق الأعذار لنسيانها، أو التظاهر بأنَّها لا تناسبنا، أو تنطبق على وضعنا الحياتي بطريقة ما؛ لكنَّ الحقيقة تظهرُ دائماً وتطل برأسها في النهاية.

تتمثَّل الحقيقة الكامنة وراء تحقيق الناس العاديين للسعادة العارمة والإنجازات الناجحة التي لا تُصدَّق بخروجهم خارج منطقة راحتهم، وفعلهم للأشياء والإنجازات الصعبة التي لا يمتلك أقرانُهم الأكثر تميزاً وموهبةً وأهلية الشجاعة أو الدافع أو الإصرار لفعلها.

لذا من أجل مصلحتك ابدأ بفعل الأمور والإنجازات الصعبة منذ اليوم، وأؤكد لك بأنَّك ستندهش بمدى روعتك وتميُّزك حقاً وبمقدار الجمال الذي يمكن أن تكون حياتُك عليه على الصعيدَين الشخصي والمهني.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح بسيطة لحياة أكثر سعادة

الإنجازات الصعبة التي ستقودك نحو السعادة:

تختلف كيفية تطبيق مفهوم تنفيذ المهام الصعبة لتحقيق السعادة في حياتنا اليومية بدرجة كبيرة، وإن كنتَ تبحثُ عن نقطةٍ لبدء تطبيق ذلك المفهوم انطلاقاً منها، فسأقدم لك نصيحتَين بسيطتَين للغاية؛ لكنَّهما ليستا سهلتَين:

1. درِّبْ نفسك على الانضباط الذاتي بخطوات بسيطة يومياً:

فكِّرْ في المشكلات الشائعة التي نواجهها ونعاملها في حياتنا، مثل الافتقار إلى التركيز على الحاضر، أو قلة ممارسة التمرينات الرياضية، أو الحميات الغذائية غير الصحية، أو التسويف والمُماطَلة وغيرها كثير.

إذ لا تنجم المشكلات المُشابهة في مُعظَم الحالات عن مرضٍ جسدي نعانيه؛ وإنَّما تنجم عن ضعفٍ ذهني لدينا، وكذلك عن ضعفٍ في انضباطنا الذاتي؛ إذ يحتاج العقلُ البشريُّ إلى التدريب كي يكتسبَ القوة تماماً، مثل عضلات الجسم التي تحتاجُ إلى التمرينات الرياضية كي تصبح أقوى؛ إذ يجب أن يعمل باستمرار لينمو ويتطور مع مرور الوقت، ومن المؤكَّد أنَّك ستنهارُ وتضعُف للغاية حين تصبح الحياةُ صعبةً بعضَ الشيءِ يوماً ما إن لم تحفز نفسك بمئات الطرائق البسيطة تدريجياً.

لكنَّك تملك الخيارَ والقدرة على اتخاذ قرارٍ في حياتك بألَّا تكون ضعيفاً من الناحية الذهنية؛ فيمكنك مثلاً اختيار التركيز على المهمة التي بين يديك حين يكون من الأسهل إضاعة وقتك على الهاتف، ويمكنك كذلك اختيار الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى النادي الرياضي بدلاً من الاستيقاظ في وقت متأخر، أو يمكنك أن تقرر ابتكارَ شيءٍ مُميَّز في حين يكون من الأسرع الرضى بإنجازٍ عادي أو متوسط، وبإمكانك أيضاً أن تقرر رفعَ يدك وطرح السؤال الذي يجول في خاطرك في حين أنَّ الصمتَ يتطلب جرأةً وشجاعة أقل؛ إذ يمكنك أن تُثبت لنفسك بمئات الطرائق البسيطة أنَّك تمتلك الجرأة والشجاعة للدخول في مُعترَك الحياة ومواجهة كلِّ ما تقدِّمه من تحديات.

تُبنى القوة الذهنية بتحقيق معظم الانتصارات والنجاحات اليومية البسيطة وتقويها الخيارات الفردية التي نعتمدُها يومياً؛ فجميعُنا نرغب في هذا النوع من القوة الذهنية أو النفسية؛ لكنَّنا لا نستطيع امتلاكَها بالرجاء والتمنِّي فقط؛ بل يجب علينا تكوين العادات الإيجابية اليومية في حياتنا التي من شأنها أن تعزز ما ترغب في تحقيقه وتدعمه؛ وهذا يعني أنَّك يجب أن تتعلَّم ممارسة الانضباط الذاتي باستمرار وفقاً لذلك.

الانضباط الذاتي مهارةٌ أساسية ينبغي لكلٍّ منَّا تعزيزها وتطويرها في شخصيته؛ وهو يتجلى بالقدرة على التغلُّب على مصادر تشتيت الانتباه وفعل الأشياء الصحيحة في حياتك، ويتضمن كذلك التصرُّفَ واتخاذَ الإجراءات بناءً على ما تراه صحيحاً وليس بناءً على مشاعرك في تلك اللحظة، كما يتطلب الانضباط الذاتي عادةً التضحيةَ بالمتعة والحماسة الآنية في سبيل تحقيق الأمور الأكثر أهميةً في الحياة.

يُعدُّ ضعفُ الانضباط الذاتي لدى مُعظَمنا نتيجةً لضعف التركيز والانتباه لدينا بكل بساطة؛ وبعبارة أخرى غالباً ما نخبر أنفسَنا بأنَّنا سنُقدِم على فعل أمرٍ ما؛ لكنَّنا لا ننفذه لاحقاً، وحين يحدث ذلك لي فإنَّني أسامح نفسي أولاً - وقبل كل شيء - على إخفاقي وإفسادي للأمر؛ ومن ثمَّ أسعى جاهداً إلى تركيز انتباهي جيداً على ما يجري فعلاً وإدراك الأسباب الكامنة وراء إخفاقي؛ التي قد تكون اللجوء للتسويف والمُماطلة لسبب ما أو شرودي وتشتُّت انتباهي بأمرٍ آخر؛ إذ أحاول اكتشاف أصل المشكلة؛ ومن ثمَّ إيجاد طرائق لمعالجتها بدلاً من وصف نفسي بالشخص السيئ أو قليل الانضباط.

أمَّا إن كانت حياتُك في حالةٍ من الفوضى الكاملة، أو ليس لديك أيُّ انضباط ذاتي أو طقوس يومية ثابتة، أو إن كنتَ شخصاً لا يمكنه الالتزام بأيِّ أمر، ويلجأ إلى التسويف باستمرار، ويشعر بأنَّ كلَّ شيء خارج السيطرة؛ فعليك أن تبدأ تدريجياً وبخطوات بسيطة للغاية، وكذلك يجب عليك البدءُ التدريجيُّ إن كنتَ ترغب في الشروع باتباع طقسٍ أو روتينٍ صحي لتعزيز الانضباط الذاتي في حياتك ولديك تغييرات كثيرة لإجرائها.

إن لم تعلمْ من أين تبدأ مسيرتك لتعزيز الانضباط الذاتي فأقترح أن تبدأ بغسل أطباقك المُتَّسخة بكل بساطةٍ، وبالفعل أقصدُ غسل أطباقك المتسخة - بالمعنى الحرفي للكلمة - الذي يُعَدُّ بمنزلة خطوة واحدةٍ صغيرة للتقدم نحو الأمام؛ فحين تنتهي من تناول الفطور اغسلْ صحنك وملعقتك، وكذلك عليك غسلُ كوبك وركوة القهوة بعد احتساء قهوتك الصباحية، ولا تترُكْ أيَّ أطباق متسخة في حوض المطبخ أو على طاولة الطعام لوقتٍ لاحق؛ بل اغسلْها مباشرةً بعد الانتهاء من تناول الفطور.

ابدأْ ببناء هذا الروتين في حياتك تدريجياً من خلال غسل الأطباق في الصباح واحداً تلو الآخر، وبمُجرَّد أن تستمر على فعل ذلك لبضعة أسابيع يمكنك أن تنتقل إلى مرحلة التأكد من مسح حوض المطبخ وتنظيفه جيداً؛ ومن ثمَّ الانتقال إلى مرحلة تنظيف طاولة الطعام، ثم ترتيب ملابسك ووضعها في مكانها المُخصَّص بعد خلعها، ويمكنك بعدَها الانتقال للبدء بممارسة بعض التمرينات لتقوية عضلات البطن كلَّ صباح أو تناول بعض الخضراوات على العشاء وهكذا دواليك.

إذاً عليك البدء بتنفيذ واحدٍ فقط من الأمثلة السابقة في كل مرة؛ لتجدَ أنَّك قد شرعتَ ببناء روتين انضباطٍ ذاتيٍّ صحيٍّ لنفسك، وتتأكد أخيراً من قدرتك على تنفيذ واجباتك ومهامك التي يتحتم عليك إنجازُها وإنهاء كلِّ النشاطات التي بدأتَها؛ لكنَّني سأكررُ التأكيد على غسل الأطباق المتسخة فقط دون الشروع بإدخال أيِّ روتين آخر إلى حياتك في الوقت الراهن، مع ضرورة فعل ذلك بوعي وانتباه وابتسامة كبيرة مرسومة على وجهك.

إقرأ أيضاً: ما هو الانضباط الذاتي؟ وما هي طرق تنميته والاستفادة منه؟

2. انسَ الأفكار المُقلِقة التي تنتابُك واكتفِ بمراقبتها:

خلال العقد الماضي وفيما عملتُ وزوجتي "إنجل" تدريجياً مع المئات من المتدربين لدينا وجمهور مؤتمراتنا فقد توصَّلنا إلى فهم أنَّ أصل أو منشأ مُعظَم الضغط النفسي والتوتر الذي يصيب البشر هو بكلِّ بساطةٍ إصرارهم على التمسُّك بالأفكار المُرهِقة؛ وباختصار فإنَّنا نتمسَّك بشدة بالأمل الذي في داخلنا بأنَّ الأمور في حياتنا ستجري كما نتخيلُها تماماً، ونعقِّد حياتَنا بعدَها لأبعد الحدود في حين أنَّ خيالنا لا يمثِّل الواقع في الحقيقة.

لذا علينا أن ندرك في المقام الأول أنَّ ما من شيءٍ يستحقُّ التمسك به؛ وذلك كي نتمكن من تخطي توقعاتنا وتصوُّراتنا المُسبَقة عن الأحداث ونعيشَ حياة أفضل؛ فمُعظَم الأشياء التي نحاول التشبُّث بها باستماتةٍ من مواقفَ أو مشكلات أو هموم أو أهداف أو توقُّعات كما لو أنَّها أمورٌ أبدية وحقيقية وثابتة في حياتنا غير موجودة حقاً في الواقع، وحتَّى إن كانت موجودةً فعلاً بطريقة ما فستكون متغيرةً ومرِنةً وغير دائمة أو أفكاراً مُبتدَعة بمُعظَمها داخل أذهاننا، وبمجرد فهم هذه الحقيقة يسهل علينا معاملة ضغوطات الحياة.

على سبيل المثال تخيَّلْ أنَّك معصوب العينَين في وسط بركة ماء كبيرة، وتسبح بحثاً عن حافة البركة التي تظنُّها قريبةً منك إلَّا أنَّها في الحقيقة بعيدةٌ جداً؛ فإنَّ محاولاتك المتعددة للإمساك بتلك الحافة الخيالية تجهدك وتُشعرك بالتعب والإرهاق، في حين تعوم في ذلك المسبح هائماً بلا هدف أو وجهة محاولاً التمسُّك بشيءٍ غير موجود في الواقع، وتخيَّلْ بعدَ ذلك أن تتوقف قليلاً وتأخذ نفساً عميقاً وتُدرِكَ حقيقة عدم وجود شيءٍ قريب منك كي تتمسك به، وأنَّك مُحاطٌ بالماء فقط، وعندَها يمكنك مواصلة محاولاتك الفاشلة للتشبُّث بشيءٍ غير موجود في الواقع، أو بإمكانك أن تتقبلَ فكرة وجود الماء فقط حولك دون أي شيءٍ آخر وتسترخي؛ كي تعوم براحةٍ على سطح الماء؛ وهو ما يُدعَى بفن التغافل، الذي يبدأ بتغيير تفكيرك أولاً.

ما عليك تذكُّره هو أنَّ طبيعة العالم الخارجي حولك المُتَّسمة بالفوضى والإرباك وعدم الوضوح لا تعني بالضرورة أنَّ عالمك الداخلي يجب أن يكون كذلك أيضاً؛ إذ يمكنك التخلص من كلِّ التشوش الذهني والفوضى الداخلية التي أصابَتك بسبب تصرُّفات الآخرين والماضي والأحداث غير القابلة للسيطرة أو حالتك العقلية العامة من خلال مراقبة أفكارك فقط دون التأثر أو إعطاء رأيك بها على الإطلاق.

يتمثل الأمر بالصمت ومشاهدة الأفكار فقط في أثناء عبورِها أو مرورها خلال ذهنك دون التدخُّل فيها أو تقييمها أو إبداء الرأي بشأنها؛ لأنَّ إبداء الرأي وإطلاق الأحكام بسرعة كبيرة يعني أنَّك لست طرفاً محايداً؛ ففي اللحظة التي تهرعُ فيها لإطلاق الأحكام على تلك الأفكار ووصفِها بالجيدة أو السيئة، ستكون قد وضعتَ يدكَ بالفعل على الفوضى ممسكاً بها لإدخالها إلى حياتك.

يتطلب الأمرُ بعضَ الوقت للتمييز بين مراقبة أفكارك ورد فعلك تجاهها أو تفاعلك معها، لكن بمُجرَّد تمييزهما ستكون لديك مُفاجأة عظيمة بانتظارك، وهي أنَّك في الحقيقة لستَ الأفكارَ بذاتها ولا الفوضى التي تؤثِّر في تلك الأفكار؛ بل إنَّك مُجرَّد شاهدٍ أو متفرج قادرٍ فعلياً على التخلي والابتعاد عن تلك الأفكار وتغيير رأيك والتسامي أو الترفُّع عن جميع الاضطرابات الناجمة عنها.

تُعَدُّ عملية مراقبة الأفكار تلك المعادلة الحقيقيةَ لليقظة الكاملة؛ لأنَّك كلَّما أصبحتَ أكثر براعةً في مراقبة أفكارك تبدأ تلك الأفكار الفوضوية والمُربِكة والمُبهَمة بالاختفاء شيئاً فشيئاً من حياتك؛ إذ تتمكن من التفكير بصفاء فيما يكون عقلُك خالياً من الثرثرة التافهة التي لا معنى لها؛ بمعنى أنَّك تصبح قادراً على العوم على سطح الماء ببذل مجهود أقلَّ بكثير ودون أي وزنٍ إضافي، في مثالنا السابق عن بركة السباحة كأنَّها لحظةُ تنويرٍ في حياتك تُصبح فيها - ربَّما للمرة الأولى - إنساناً غير محكوم بأفكار مسبقة وحكيماً وحراً فعلاً.

لذا يمكنك أن تَعدَّ كلامي هذا اليومَ بمنزلة تذكير لك للتخلص من جميع مصادر الإزعاج والقلق البسيطة في حياتك وعيشِ يومك بإدراكٍ ووعي كبيرَين، وهنا أنصحك ببذل مجهود قليل لملاحظة واحدٍ على الأقل من أشكال الإحباط أو العراقيل البسيطة والتافهة، التي عادةً ما تشعر بالاستياء والفشل بسببها؛ ومن ثمَّ أسدِ معروفاً لنفسِك بالتخلص منها ونسيانها بكل بساطة.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الأفكار المقلقة؟

في الختام:

يمكنك بهذه الطريقة البسيطة تجربةُ حرية التحكُّم بالطريقة التي تشعر بها والسيطرة على أحاسيسك، واعلمْ أنَّه بإمكانك توسيع هذا المستوى من التحكم والسيطرة ليشملَ جميع المواقف والحالات التي تتعرض لها في حياتك، وتذكَّرْ أنَّك أنتَ مَنْ يختار الطريقة التي تشعر بها، وتستجيب بها للظروف وتتفاعل معها في أيِّ وقتٍ من الأوقات؛ إذ إنَّ تفكيرك بطريقة أفضل سيحسِّن من نوعية الحياة التي تعيشُها ويجعلها أكثر سعادةً.




مقالات مرتبطة