نصفنا ذهب في رحلة منطاد في طفولته: ماذا تعرف عن المعلومات الزائفة؟

أظهرت الأبحاث أنَّ إدخال معلومات جديدة تتضمَّن تفاصيل معينة مثل التواريخ أو الأرقام قد يكون له تأثير كبير في كيفية تذكُّر الأشخاص للتجارب التي شاهدوها أو مروا بها، ويوضح تأثير المعلومات الزائفة أو المضللة مدى سهولة التأثير في الذكريات، كما يثير الشكوك المتعلقة بمصداقية الذاكرة لا سيما عند استخدام ذكريات شهود العيان لإصدار الحكم القضائي، كما قد يؤدي تأثير المعلومات الزائفة إلى ذاكرة غير دقيقة، وفي بعض الحالات يؤدي إلى تشكيل ذاكرة خاطئة تختلف عن الأحداث الواقعية.



ما هو تأثير المعلومات الزائفة؟

تقول عالمة النفس "إليزابيث لوفتوس" المعروفة بدراستها للذكريات الزائفة: "يشير تأثير المعلومات الزائفة إلى ضعف الذاكرة في الماضي الذي ينشأ بعد التعرض لمعلومات خاطئة"، وقد أثبتت دراسات "لوفتوس" وزملائها أنَّ الأسئلة التي طُرحت بعد مشاهدة حدث ما يمكن أن تغير عموماً من ذاكرة الشخص المتعلقة بوقائع الحدث، وبعبارة أخرى إذا كان السؤال يحتوي على معلومات زائفة فيمكن أن يشوه الذكريات، وهي ظاهرة أطلق عليها الباحثون اسم "تأثير المعلومات الزائفة".

هل تُعَدُّ الذاكرة البشرية مثالية؟

الوعي البشري ليس مثالياً كما نعتقد، ومن ثمَّ فإنَّ الذاكرة البشرية لن تكون مثالية أيضاً، وفي بعض الحالات قد ندرك أشياء غير موجودة، وأحياناً قد لا ندرك الأمور الواضحة الموجودة أمامنا، وفي كثير من الحالات تتشكل الذكريات الزائفة لأنَّ المعلومات غير مخزنة بشكل صحيح.

على سبيل المثال، قد يشهد شخص ما حادثاً لكن ليست لديه رؤية واضحة لكل وقائع الحدث، وقد يكون سرد التفاصيل التي وقعت أمراً صعباً أو مستحيلاً لأنَّه لم يشهد بالفعل كل الوقائع، وقد يملأ دماغ شهود العيان "الفجوات" من خلال تشكيل ذكريات لم تحدث.

الذكريات القديمة والحديثة في حالة تنافس دائم:

في حالات أخرى تتنافس الذكريات والخبرات القديمة مع أحدث المعلومات؛ إذ تكون الذكريات القديمة هي التي تؤثر في ذكرياتنا الجديدة أو تغيرها، وفي حالات أخرى قد تؤدي المعلومات الجديدة إلى صعوبة تذكُّر الذكريات والخبرات المخزنة مسبقاً؛ والسبب هو أنَّنا نعيد تجميع الذكريات الحديثة والقديمة معاً؛ لذا تبقى احتمالية وجود ثغرات أو فجوات في الذاكرة قائمة، ويحاول الدماغ البشري ملء الفجوات المفقودة غالباً باستخدام المعارف الحالية، إضافة إلى الخبرات القديمة أو حتى التوقعات المستقبلية.

على سبيل المثال، قد تستطيع أن تتذكر بوضوح أين كنت وماذا كنت تفعل في أثناء الأعمال الإرهابية في 11 أيلول/ سبتمبر، وعلى الرغم من شعورك أنَّ ذكرياتك عن الحدث دقيقة جداً، لكن يوجد احتمال قوي لأن تكون ذاكرتك قد تأثرت بالتقارير الإخبارية والقصص والتحليلات المتعلقة بتلك الأعمال التخريبية، وقد تتنافس هذه المعلومات الجديدة مع ذكرياتك الحالية عن الحدث أو تملأ أماكن مفقودة من ذاكرتك.

شاهد بالفيديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

نصفنا ذهب في رحلة منطاد في طفولته:

في إحدى التجارب الشهيرة التي تم إجراؤها في عام 1995 استطاعت عالمة النفس "إليزابيث لوفتوس" إقناع 25% من المشاركين بمعلومة زائفة بأنَّهم فُقدوا في أحد مراكز التسوق عندما كانوا أطفالاً، وكشفت دراسة أخرى في عام 2002 أنَّ نصف المشاركين يمكن أن يُقادوا إلى الاعتقاد الخاطئ بأنَّهم قد قاموا يوماً برحلة على متن منطاد الهواء الساخن عندما كانوا أطفالاً من خلال إظهار "أدلة" وهي عبارة عن مجموعة من الصور تم تعديلها عن طريق الفوتوشوب.

في معظم الأوقات، تتركز هذه المعلومات الزائفة على أمور عادية أو غير منطقية أو أحداث يومية بسيطة، لكن في بعض الحالات قد يكون لهذه الذكريات الزائفة نتائج سيئة أو حتى مدمرة، فقد تؤدي الذاكرة الخاطئة التي يتم الإدلاء بها في المحاكم إلى إدانة إنسان بريء بارتكاب جريمة، ومن الواضح أنَّ الذاكرة الخاطئة يمكن أن تكون مشكلة خطيرة، لكن لماذا تتشكل هذه الذكريات الخاطئة بالضبط؟

تجربة توضح تأثير المعلومات الزائفة:

في التجربة الشهيرة التي أجرتها "لوفتوس" عُرض على المشاركين مقاطع فيديو لحادث سيارة، وبعد مشاهدة الفيديو طُرحت على المشاركين مجموعة من الأسئلة عما شاهدوه بنفس الطريقة التي قد يستجوب بها ضباط الأمن والمحققون والمحامون الشهود.

كان أحد الأسئلة المطروحة "ما هي السرعة التي كانت تسير بها السيارات عندما اصطدمت؟"، ثم سُئل المشاركون عن مدى السرعة التي تسير بها السيارات عندما "تحطمت"، واكتشف الباحثون أنَّ استخدام كلمة "تحطمت" بدلاً من "اصطدمت" يغير كيفية تذكر المشاركين للوقائع.

بعد أسبوع طُرحت مجموعة من الأسئلة على المشاركين مرة أخرى، مثل: "هل رأيت زجاجاً مكسوراً؟" أجاب معظم المشاركين بشكل صحيح بالنفي، لكن أولئك الذين سُئلوا باستخدام صيغة "تحطمت" في المقابلة الأولية كانوا أكثر عرضة للاعتقاد الزائف أنَّهم رؤوا بالفعل زجاجاً مكسوراً.

كيف يمكن لمثل هذا التغيير الطفيف أن يؤدي إلى ذكريات مضللة عن مقطع الفيديو؟ وما هي نظريات تأثير المعلومات الخاطئة؟ ولماذا يحدث تأثير المعلومات الزائفة؟ وما الذي قد يؤدي إلى تكوين ذكريات خاطئة؟

إليك بعض النظريات:

1. مزج الذكريات:

أحد التحليلات هو أنَّ المعلومات الأصلية والمعلومات الزائفة المقدَّمة بعد وقوع الحدث تمتزجان معاً في ذاكرة الإنسان.

2. استبدال الذكريات:

الاحتمال الآخر هو أنَّ المعلومات الزائفة تحل مكان الذاكرة الأصلية للحدث.

3. استرجاع الذكريات:

اقترح الباحثون أيضاً أنَّه نظراً لأنَّ المعلومات الزائفة هي الأحدث في الذاكرة؛ فمن الأسهل استرجاعها أولاً.

4. التخبط:

أي عندما يتم ملء ثغرات الذاكرة دون وعي.

ما هي العوامل المؤثرة في نجاح المعلومات الزائفة في التأثير في الذاكرة الحقيقية؟

أظهرت الدراسات أنَّ العديد من العوامل يمكن أن تسهم في زيادة تأثير المعلومات الزائفة، وهذا يزيد من فرصة تشوه الذاكرة الأصلية ويؤدي إلى تخزين ذكريات زائفة أو مضللة.

من هذه العوامل:

1. مناقشة الوقائع مع أشخاص آخرين:

التحدث إلى أشخاص آخرين بعد الحدث يمكن أن يغير من الذاكرة الأصلية للشاهد، فقد تتعارض رؤيتهم مع الذاكرة الأساسية لحدث ما، وقد تعيد البيانات الجديدة تكوين الذاكرة الحقيقية للأحداث عند وقوعها.

2. مشاهدة النشرات الإخبارية:

إنَّ قراءة التقارير والمقالات الإخبارية ومشاهدة التحليلات التلفزيونية عن حادث معين يمكن أن تساهم أيضاً في زيادة تأثير المعلومات الزائفة، فغالباً ما ينسى الناس المصدر الأساسي للمعلومات، وهذا يعني أنَّهم قد يعتقدون خطأً أنَّ بعض الوقائع لاحظوها شخصياً في أرض الحدث، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّهم سمعوها أو شاهدوها في تقرير إخباري بعد الحدث.

3. التعرض المتكرر للمعلومات الزائفة:

كلما زاد تعرُّض الأشخاص لمعلومات زائفة زاد احتمال اعتقادهم خطأً أنَّ تلك الأحداث كانت جزءاً من وقائع الحدث.

4. مرور الزمن:

إذا تم تقديم المعلومات الزائفة بعد مرور بعض الوقت على الذكريات الحقيقية أو الأساسية، يصبح الوصول إليها أكثر سهولة في الذاكرة، وفي هذه الحالة تكون استعادة المعلومات الزائفة أسهل بكثير، وهذا يمنع حقيقةً استرجاع الذكريات الحقيقية.

شاهد بالفيديو: 6 حيل بسيطة تساعدك على تذكّر أي شيء بسهولة

كيف نستطيع تقليل تأثير المعلومات الزائفة؟

ما الذي يمكن أن يمنع المعلومات والأحداث المتداخلة من التأثير في الذاكرة أو حتى إنشاء ذاكرة زائفة؟ إنَّ تدوين ذاكرتك لحدث هام فور حصوله من الطرائق التي قد تساعد على تقليل تغيير الذكريات، لكن حتى هذه الطريقة قد يرافقها بعض الأخطاء، فإنَّ إدراكك لفكرة أنَّ ذاكرتك قد تتعرض للخداع هو طريقة أخرى مفيدة وهامة، ويجب عليك إدراك أنَّ الجميع عرضة لتأثير المعلومات المضللة.

وجدت الدراسات التي درست نموذج تأثير المعلومات الزائفة أنَّ الأشخاص ذوي القدرات المعرفية المتطورة كانوا أفضل في اكتشاف الفروق بين ذاكرة الحدث الحقيقية والمعلومات الزائفة، ويميل الأشخاص ذوو القدرات المعرفية المتطورة إلى التفكير الدقيق في الأحداث وممارسة المهام الذهنية الصعبة مثل الألغاز.

إقرأ أيضاً: كيف يحدث استرجاع الذاكرة طويلة الأمد؟

كيف نميز الذكريات الكاذبة؟

يرى بعض الناس أنَّه لا توجد طريقة للتمييز بين الذكرى الزائفة والذاكرة الحقيقية، فهذا يخلق تحدياً كبيراً ليس فقط عند محاولة تذكر حدث معين، لكن أيضاً في دراسات الذاكرة، فإذا كانت هناك مقاطع مصورة للحدث، فإنَّ مراجعتها قد تساعد على معرفة ما إذا كانت ذاكرتك حقيقية أم زائفة، وقد يكون من المفيد أيضاً الاستعانة بذاكرة الآخرين عن الحدث، فإذا كانوا جميعاً يقولون الشيء نفسه وكانت ذكرياتهم مختلفة عما تتذكره، فقد يكون تأثير المعلومات الزائفة قد وصل إلى ذاكرتك فعلاً.

إقرأ أيضاً: 10 أشياء قد يخدعك بها عقلك

في الختام:

قد يكون للمعلومات الزائفة تأثير عميق في ذكرياتنا، وهذا يجعلنا أحياناً نؤمن أنَّ الذكريات الزائفة حقيقية، ويمكن أن يساعد التمهل في تدوين الأحداث بعد حدوثها على تقليل أخطاء الذاكرة طالما حدثت الأحداث كما كتبناها، ويمكن لأي فرد أن يمر بتجربة تأثير المعلومات الزائفة، ومع ذلك فإنَّ متابعتك لها يمكن أن تساعدك على أن تكون أكثر انتباهاً عند محاولة تذكُّر حدث ما، وهذا يقلل من احتمالية تعرضك للوقوع في فخ الذكريات الزائفة.




مقالات مرتبطة