موعد الحج وأركانه بالترتيب

الحج هو التعبّد لله بالذهاب إلى مكة لإقامة المناسك والشعائر في وقت مخصوص، والحج فريضة من الله سبحانه وتعالى وركن أساسي في الإسلام.

ففي كل سنة وفي وقت محدد يقصد المسلمون من جميع أنحاء العالم مكة المكرمة لأداء هذه الفريضة العظيمة، وللحج أوقات معلومة وأركان معينة لا يصح الحج بدون أدائها وسنتحدث عنها بالتتالي:



أولاً: موعد الحج

قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ (البقرة: 197)، وقد بيّن العلماء هذه الأشهر فقالوا بأنها شهران وعشرة أيام، وهذه الأشهر هي التي يشرع للحاج الإحرام والحج فيها، وأشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.

إلا أن مناسكَ الحج لا تستغرق جميع أشهر الحج إلا لمن لبس إحرامه من أولها، أو تأخر في أداء بعض مناسك الحج إلى آخرها.

فالأيام التي تُؤدى فيها مناسك الحج ستة، وهي:

أولاًاليوم الثامن من ذي الحجة، ويسمى يوم التروية، ففي صبيحة هذا اليوم يحرم الحاج بالحج إن لم يكن قد أحرم من قبل، ثم يتوجه إلى منى بعد طلوع الشمس، ويمكث بها إلى ما بعد شروق شمس اليوم التالي وهو يوم عرفة.

ثانياًاليوم التاسع من ذي الحجة: وهو يوم الوقوف بعرفة، ثم الـمبيت بمزدلفة، فبعد طلوع الشمس، وهو في منى يتوجه إلى عرفة لأداء أكبر أركان الحج، ويستمر واقفًا إلى غروب الشمس يصلي فيها الظهر، والعصر جمع تقديم، فإذا غربت سار إلى المزدلفة مُكثرًا من التلبية، ويصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير، ويأخذ الحصيات لرمي الجمرات، ويبقى فيها إلى ما بعد طلوع فجر يوم النحر.

ثالثاً: اليوم العاشر من ذي الحجة: وهو يوم عيد الأضحى أو يوم النحر، وقبيل طلوع الشمس في يوم عيد الأضحى يبدأ بالسير إلى منى.

رابعاً: اليوم الحادي، والثاني عشر من ذي الحجة، وهذان اليومان هما أول وثاني أيام التشريق، وهما أيضًا ثاني وثالث أيام العيد: فعقب طواف الزيارة يوم العيد يبادر بالرجوع إلى منى، ليدرك بها الظهر إن تيسر له.

وعليه فإن الحج يبدأ في الثامن من ذي الحجة من كل عام هجري ويستمر حتّى آخر أيام التشريق، أي حتّى آخر يوم من أيام عيد الأضحى، حيث قال الله سبحانه وتعالى في آياتهِ الكريمة ((الحجُ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرضَ فيهنَّ الحجَّ فلا رفثَ ولا فُسوقَ ولا جدال في الحجِّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمهُ الله وتزودوا فإنّ خيرَ الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)).

إقرأ أيضاً: أحاديث نبوية شريفة عن فريضة الحج

ثانياً: أركان الحج

ركن الحج هو الذي لا يقوم الحج إلا به، ولو لم يأت به الحاج فقد بطل حجه. للحج أربعة أركان أساسيّة، لا يصح الحج إلّا بكمالها، ولا يتمّ إلّا بتمامها، وقد بيَّنها الشرع، وفصَّلَها، وهذه الأركان الأربعة هي:

الإحرام:

وهو الركن الأول من أركان الحج، والإحرام بالحج في القلب كونه ينوي الحج، لقول الرسول- صلى الله عليه وسلَّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى))، والواجب أن يكون من الميقات الذي يمر عليه، وهو الركن الأول من أركان الحج، ويكون بمثابة النية للدخول في النسك، ويقوم الحاج بالإحرام من المواقيت التي حددها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للقادمين إلى مكة، وهو عبارة عن لباس خاص بالرجال وهو منشفة غير مخيطة، وللنساء لباس ساتر لكل الجسم ما عدا الكفين والوجه.

إقرأ أيضاً: واجبات الحج، سننهِ، ومحظورات الإحرام

الوقوف بعرفة:

وهو ركن مهم والركن الثاني من أركان الحج الذي لا يكتمل بدونهِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة، من جاء ليلة جَمْع قبل طلوع الفجر فقد أدرك))، رواه أبوداود وغيره، والمقصود بجَمْع: المزدلفة، ويبدأ وقت عرفة من طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة وحتّى زوال شمس يوم عرفة، حيثُ يقوم الحجاج بالوقوف هناك في اليوم التاسع من ذي الحجة من طلوع الشمس حتّى غروبها.

فمن حصل له في هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف، لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه))، رواه أبو داود وغيره.

ويُستحب عند الوقوف بعرفة الإكثار من الدعاء، وبشكلٍ خاص دعاء الرسول الكريم وهو "لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، ولهُ الحمدُ، يُحي ويُميت، وهو على كل شيء قدير".

إقرأ أيضاً: أهم الأخطاء التي يقع فيها الحجاج في يوم عرفة

طواف الإفاضة:

وهو الركن الثالث من أركان الحج، وذلك لقوله سبحانهُ وتعالى: ((ثُمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق))، (الحج: 29).

فبعد أن ينزل الحاج من جبل عرفة ويبيت بمزدلفة، يتوجهُ مباشرةً إلى بيت الله الحرام لتأدية ركن الطواف، والذي هو عبارة عن سبعة أشواط قال النووي: "شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره" ولو شك الحاج في عدد الطواف أو السعي لزمه الاخذ بالأقل ولو غلب على ظنه الأكثر لزمه الاخذ بالأقل.

ويُشترط بالطواف النية عند البداية، والطهارة من الحدث، وستر العورة كما المصلي، وتكون الكعبة على يسار الحاج ويُردد العبارة التالية (بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابكَ، ووفاءً بعهدكَ واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم)، ويكون هذا عند بدء الشوط الأول.

وأما واجبات الطواف فقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب صلاة ركعتين بعد الطواف، والصواب أنها سنة مستحبة، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

السعي بين الصفا والمروة:

وهو الركن الرابع من اركان الحج، وذلك لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي))، رواه أحمد، ولقول عائشة رضي الله عنها: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون- تعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة))، رواه مسلم.

فبعد أن ينتهي الحاج من الطواف يتوجه إلى السعي بين الصفا والمروة حتّى يُتمم أركان الحج جميعاً، وتبدأ صفة السعي بالصفا، إذ وقف عليهِ السلام حتّى رأى البين، فوحّد الله وكبرهُ وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلْك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أَنْجَز وعدَه، ونصر عبدَه، وهَزَم الأحزاب وحدَه) ثُمّ دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثُمّ نزل إلى المروة، حتّى انصبت قدماه في بطن الوادي، وبهذا يكون الحاج قد أتمّ أركان الحج الأربعة.

وهذا السعي هو سعي الحج، ووقته بالنسبة للمتمتع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة وطواف الإفاضة، وأما القارن والمفرد فلهما السعي بعد طواف القدوم

والمقصود بالمتمتع والقارن والمفرد:

بسبب تعدد واختلاف ظروف ملايين الحجاج القادمين من شتى أنحاء العالم، تعددت آراء الأئمة حول الأفضلية بين أنواع الحج، ومنهم من جمع على أنّه يجوز الإحرام بأيّ شكل من أشكال هذه النُّسُك الثّلاثة.

1- التمتع:

حيث أن من وصل إلى الميقات في أشهر الحج وهي شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل إلى مكة، طاف وسعى سعي العمرة ثم حلق أو قصر فإذا كان اليوم الثامن (التروية) من ذي الحجة أحرم بالحج وحده، وأتى بجميع أفعاله. وسمي بالتمتع لأنّه الحاجّ يتحلّل من العمرة ويفعل ما يفعله غير المُحرم بين العمرة والحجّ.

وفي حالة تأخر إحرام الحاج إلى اليوم التاسع فلا حرج عليه لكنه خلاف السنة، وصفة التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول: "لبيك عمرة" مع النية لهذا النسك، ثم يقول في اليوم الثامن ذي الحجة "لبيك حجاً".

2- الإفراد:

يعني الحج وحده دون عمرة، وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى سعي الحج وإن شاء أخَّر سعي الحج فيسعى بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، واما التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول" لبيك حجاً"، فوجب أن تحضر النية.

3- القارن:

وهو استطاعة المسلم أن يقضي فريضتي العمرة والحج في نفس الوقت؛ ويجوز الجمع بين العمرة والحج، وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا فيقرن بينهما، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يُدخل الحج عليها قبل أن يشرع في طواف العمرة، والتلفظ في هذا النسك "لبيك عمرة وحجاً" في حضور نية النسك.

وعمل القارن مثل عمل المفرد سواء بسواء، إلا أن القارن عليه هدي، (كالمتمتع) والمفرد لا هدي عليه، اختلف العلماء في الأفضل من الأنساك الثلاثة، وسبب اختلافهم في ذلك يرجع إلى اختلافهم في نسك الحج الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد روي أنه كان مفرداً، وروي أنه كان متمتعًا، وروي أنه كان قارناً.

وأخيراً فإن هذه الأركان الأربعة التي ذكرناها بالترتيب: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة لا يصح الحج بدونها، ولا يجبر ترك شيء منها بدم ولا بغيره، وإن الترتيب في فعل هذه الأركان الأربعة شرط لا بد منه لصحتها، فيُشترط تقديم الإحرام عليها جميعاً، وتقديم وقوف عرفة على طواف الإفاضة، إضافة إلى الإتيان بالسعي بعد طواف صحيح عند جمهور أهل العلم.

نتمنى أن تكونوا قد استفدتم من كل المعلومات المهمة التي وردت في هذه المقالة حول موعد الحج وأركانه الأساسيّة. تقبل الله منكم حجكم وشكر سعيكم وغفر ذنوبكم وكل عام وأنتم بألف خير.




مقالات مرتبطة