موسيقى الجاز: تاريخها ومسيرتها

لطالما رافقت الموسيقى الإنسان منذ قديم الزمان، وبدأت من سماع أصوات العصافير، إلى أن صنع الإنسان الآلات الإيقاعية من الصخور والعصي، وقد استُخدِمَت في الطقوس الدينية والاحتفالية، ويقال إنَّ بدايات الموسيقى كانت عند الهنود الجنوبيين الأمريكيين، والأفارقة الأصليين. وقبل 4000 عاماً قبل الميلاد، اخترع المصريون القيثارات والناي والكلارينت، وبدأت معها سلسلة تطوُّر الموسيقى حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.



من بين الأنواع الكثيرة والمختلفة للموسيقى، نوع أثار جدلاً وتساؤلاتٍ كثيرةٍ، وهذه الموسيقى هي الجاز، ومن بين هذه التساؤلات، سؤال شغل الموسيقيين والمستمعين لعقودٍ من الزمن، على المستويين العملي والفلسفي، والسؤال هو: "ما هو الجاز؟".

إن كنت تبحث عن إجابةٍ مختصرةٍ، يمكننا القول إنَّ الجاز هو نمطٌ موسيقيٌ بدأ في أوائل القرن العشرين، وظهر في المقام الأول بين المجتمع الأفريقي الأمريكي، الذي يتميز بالارتجال والاختراع الإيقاعي العفوي في صميمه، ولكنَّ الأمور ليست بهذه البساطة؛ لذا تعالوا معنا لنتعرف إلى تاريخ ومسيرة موسيقى الجاز في المقال الآتي.

ما هي موسيقى الجاز؟

موسيقى الجاز هي الموسيقى التي وُصفت بأنَّها أعظم هديةٍ من أمريكا للعالم، وبالنسبة إلى الكثيرين كان الجاز أهم تطورٍ فنيٍ في القرن العشرين. فهي موسيقى متطورةٌ للغاية، ابتكرها ورعاها فنانون قاموا بصنع الجمال الساحر من المعاناة والقمع، كما أنَّها تطورت بسرعةٍ مع ظهور ابتكاراتٍ وفروعٍ جديدةٍ وكثيرةٍ بسرعةٍ لها؛ ونتيجةً لذلك، لدينا مجموعةٌ كاملةٌ من الأساليب والأنواع المتفرعة عنها، مع التطورات الجديدة التي أثبتت أنَّها مثيرةٌ للجدل.

مع اشتمال كلمة "جاز" لمجموعةٍ متنوعةٍ من الأصوات، قد يكون من الصعب أحياناً فهم ما يعنيه هذا المصطلح بالضبط، مقارنةً مع الأنواع الأخرى، يبدو أنَّها تولِّد قدراً كبيراً من التساؤلات فيما يتعلق بتعريفها ومعاييرها، ولا يتجادل العلماء والفنانون فيما يشكل الموسيقى الكلاسيكية أو موسيقى الروك وفلسفتها قدر ما يتجادلون في موسيقى الجاز وفلسفتها وعالمها.

قد يأخذ بعض الناس نظرةً عن موسيقى الجاز بأنَّها موسيقى تبعث على الاسترخاء، وعلى غرار عبارة "كلما زاد منه، ازددنا مرحاً"، واقترح غيرهم أنَّها تمثل حالةً ذهنيةً أكثر من كونها عالماً من الأصوات المعينة والقواعد اللحنية.

أنواع موسيقى الجاز:

يُعدّ الجاز نوعاً موسيقياً غنياً ومتنوعاً، تميزه الارتجال والإيقاعات المتزامنة واستخدام الأشكال الموسيقية المتنوعة. وتشمل بعض أنواع موسيقى الجاز الرئيسية:

  • جاز نيو اورليانز: نشأ في أوائل القرن العشرين، ويتميز بإيقاعاته الحيوية واستخدام آلات النفخ مثل البوق والكلارينيت.
  • جاز شيكاغو: نشأ في عشرينيات القرن الماضي، ويتميز بإيقاعاته السريعة واستخدام آلات النفخ مثل الساكسفون.
  • جاز سوينغ: نشأ في ثلاثينيات القرن الماضي، ويتميز بإيقاعاته الراقصة واستخدام فرق موسيقية كبيرة.
  • جاز بيبوب: نشأ في أربعينيات القرن الماضي، ويتميز بإيقاعاته السريعة والارتجالات المعقدة.
  • جاز كول: نشأ في أواخر الأربعينيات، ويتميز بإيقاعاته الهادئة واستخدام الألحان الطويلة.
  • جاز هارد بوب: نشأ في الخمسينيات، ويتميز بإيقاعاته القوية واستخدام آلات النفخ مثل الساكسفون والبوق.
  • جاز مودال: نشأ في أواخر الخمسينيات، ويتميز باستخدام الأنماط الموسيقية بدلاً من التناغمات التقليدية.
  • جاز حر: نشأ في الستينيات، ويتميز بالارتجال الحر وعدم الالتزام بالقواعد الموسيقية التقليدية.
  • جاز فيوجن: نشأ في السبعينيات، ويتميز بمزج موسيقى الجاز مع أنواع موسيقية أخرى مثل الروك والفانك.
  • جاز لاتيني: نشأ في أمريكا اللاتينية، ويتميز بمزج موسيقى الجاز مع الإيقاعات اللاتينية.
  • جاز ناعم: نشأ في الثمانينيات، ويتميز بإيقاعاته الهادئة واستخدامه في الموسيقى التصويرية للأفلام والبرامج التلفزيونية.

وهناك العديد من الأنواع الفرعية الأخرى لموسيقى الجاز، مثل جاز الفانك، جاز الراب، جاز الروك، جاز الأفروكوبي، وغيرها.

ويمكنك الاستماع إلى بعض أشهر موسيقيي الجاز مثل لويس آرمسترونج، ديوك إيلينجتون، تشارلي باركر، مايلز ديفيس، جون كول، بيل إيفانز، وغيرهم.

فوائد موسيقى الجاز:

تُعرف موسيقى الجاز بارتجالها العفوي وتعبيرها العاطفي، وتُعدّ رحلة موسيقية غنية بالفوائد على مختلف جوانب حياتنا. إليك بعضاً من هذه الفوائد:

1. تنشيط الدماغ:

  • تُحفز موسيقى الجاز مناطق متعددة في الدماغ، بما في ذلك تلك المسؤولة عن الإبداع والذاكرة والانتباه، مما يُحسّن من التركيز والقدرات المعرفية.
  • تُساعد في علاج بعض أمراض الدماغ مثل الزهايمر، حيث تُنشّط موجات الدماغ وتُعزّز التواصل بين الخلايا العصبية.
  • تُحسّن من مهارات حلّ المشكلات واتخاذ القرارات، وذلك من خلال تحفيز التفكير الإبداعي والمنطقي.

2. تحسين المزاج:

  • تُعدّ موسيقى الجاز أداة فعّالة للتخلص من التوتر والقلق والاكتئاب، وذلك من خلال تحفيز إفراز هرمونات السعادة مثل الدوبامين والسيروتونين.
  • تُحسّن من الشعور بالراحة والاسترخاء، مما يُساعد على النوم بشكل أفضل.
  • تُخفف من أعراض الأرق واضطرابات النوم، حيث تُساعد على تهدئة العقل والجسم.

3. تخفيف الألم:

  • تُقلّل موسيقى الجاز من الشعور بالألم المزمن، وذلك من خلال تحفيز إفراز هرمونات الأندورفين التي تُساعد على تسكين الألم.
  • تُساعد على الاسترخاء وتخفيف التوتر العضلي، مما يُخفف من أعراض الصداع النصفي وأمراض أخرى.
  • تُساعد في علاج بعض الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب، حيث تُخفف من أعراضها وتُحسّن من جودة حياة المرضى.

4. تعزيز الإبداع:

  • تُحفّز موسيقى الجاز على التفكير الإبداعي والابتكار، وذلك من خلال خلق بيئة مُلهمة تُساعد على تدفق الأفكار.
  • تُساعد على حلّ المشكلات بشكل إبداعي، حيث تُحفز على التفكير خارج الصندوق.
  • تُساعد على التعبير عن النفس بشكل إبداعي، سواء من خلال الكتابة أو الرسم أو الموسيقى.

5. تقوية العلاقات الاجتماعية:

  • تُساعد موسيقى الجاز على التواصل مع الآخرين بشكل أفضل، حيث تُخلق شعوراً بالانتماء والمشاركة.
  • تُساعد على بناء علاقات اجتماعية قوية، حيث تُشجع على التعاون والتفاعل بين الناس.
  • تُستخدم في العديد من المناسبات الاجتماعية، مثل حفلات الزفاف والمهرجانات، مما يُساهم في تعزيز العلاقات بين الناس.

6. فوائد أخرى:

  • تُحسّن من وظائف الجهاز المناعي.
  • تُقلّل من ضغط الدم.
  • تُحسّن من صحة القلب.
  • تُساعد على تقليل التوتر والقلق أثناء العمل أو الدراسة.
  • تُحسّن من التركيز والإنتاجية.
  • تُساعد على الاسترخاء والتخلص من الأرق.

آلات موسيقى الجاز:

تتميز موسيقى الجاز بتنوع هائل في الآلات الموسيقية المستخدمة، مما يعكس جماليتها وثرائها. تتراوح هذه الآلات من آلات النفخ النحاسية مثل البوق والترومبون إلى آلات النفخ الخشبية مثل الكلارينت والناي، ناهيك عن البيانو الذي يقدم عمقاً متناغماً، والكمان الأجهر والباس الكهربائي اللذان يركزان على الإيقاع، ومن أهم آلات موسيقى الجاز:

  • البوق: من أشهر آلات الجاز وأكثرها تميزاً، وله تاريخ غني في هذا النوع الموسيقي.
  • الساكسفون: أداة أساسية في موسيقى الجاز، ظهرت في أوائل القرن العشرين وأصبحت رمزًا لها.
  • البيانو: آلة متعددة الاستخدامات تلعب دورًا محورياً في موسيقى الجاز، سواء كأداة أساسية أو كأداة مرافقة.
  • الترومبون: آلة نفخ نحاسية أخرى تتمتع بصوت عميق وقوي، وتستخدم في العديد من أنواع موسيقى الجاز.
  • الكلارينيت: آلة نفخ خشبية ذات صوت رخيم، تُستخدم في الارتجال واللحن.
  • الكمان الأجهر: آلة وترية ذات صوت حاد، تُستخدم في موسيقى الجاز بشكل أساسي للعزف على اللحن الرئيسي.
  • القيثارة: آلة وترية أخرى تُستخدم في موسيقى الجاز بشكل أساسي للعزف على الإيقاع.
  • الطبول: آلة إيقاعية أساسية في موسيقى الجاز، تُستخدم للحفاظ على الإيقاع وقيادة الفرقة.
  • الأطباق: آلة إيقاعية أخرى تُستخدم في موسيقى الجاز لإضافة نغمات إيقاعية معقدة.
  • الآكورديون: آلة هوائية تُستخدم في بعض أنواع موسيقى الجاز، مثل الجاز اللاتيني.
  • الجيتار: آلة وترية تُستخدم في بعض أنواع موسيقى الجاز، مثل الجاز الفيوجن.
  • الفلوت: آلة نفخ خشبية تُستخدم في بعض أنواع موسيقى الجاز، مثل الجاز الكلاسيكي.

أشهر عازف موسيقى الجاز:

تحديد أشهر عازف موسيقى الجاز أمر صعب للغاية، لأن موسيقى الجاز غنية بالعديد من الأسماء اللامعة التي أثرت على مسار هذا النوع الموسيقي على مر العصور.

ولكن يمكننا حصر بعض أشهر عازفي الجاز على النحو التالي:

1. مايلز ديفيس: يُعد مايلز ديفيس من أشهر عازفي البوق في موسيقى الجاز، وله تأثير كبير على تطور هذا النوع الموسيقي. تميز بأسلوبه الفريد في الارتجال وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز إلى الأبد.

2. لويس أرمسترونغ: يُعرف أرمسترونغ بِاسم "ملك الجاز" لِمَكانته المميزة في تاريخ موسيقى الجاز. تميز بأسلوبه الفريد في العزف على الترمبون وصوته المميز.

3. ديوك إلينغتون: عازف بيانو وملحن موسيقي، يُعد من أهم رواد موسيقى الجاز. تميز بِتَأْلِيفِهِ لِمُقْطَعَات موسيقية جازية خالدة مثل "In a Sentimental Mood" و "Take the 'A' Train".

4. تشارلي باركر: عازف ساكسفون  alto، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في الارتجال وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

5. جون كولتران: عازف ساكسفون tenor، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في الارتجال وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

6. بيلي هوليداي: مغنية جاز مشهورة، تميزت بصوتها العاطفي وأسلوبها الفريد في الغناء.

7. تشارلي مينغوس: عازف كونتراباص وملحن موسيقي، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في العزف وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

8. ثيلونيوس مونك: عازف بيانو وملحن موسيقي، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في العزف وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

9. أرت تاتوم: عازف بيانو مشهور، تميز بِمَهَارَتِهِ الفريدة في العزف على البيانو وابتكاره لِتَقْنِيَاتٍ جديدة.

10. بن ويبستر: عازف ساكسفون tenor، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في العزف وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

11. سيدني بيكيت: عازف كلارينيت وعازف ساكسفون soprano، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في العزف وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

12. فاتس والر: عازف بيانو مشهور، تميز بِمَهَارَتِهِ الفريدة في العزف على البيانو وابتكاره لِتَقْنِيَاتٍ جديدة.

13. جيلي جيليسب: عازف بوق وtrumpet، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين. تميز بأسلوبه الفريد في العزف وابتكاره لِمُقْطَعَات موسيقية جازية غيّرت مسار الجاز.

14. ستان كينتون: عازف بيانو وقائد فرقة موسيقية، يُعد من أهم عازفي الجاز في القرن العشرين.

تاريخ موسيقى الجاز:

أصول موسيقى الجاز في أمريكا:

تطورت موسيقى الجاز في "نيو أورلينز" في أوائل القرن العشرين، في حقبة جلبت فيها أهوال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي أعداداً كبيرةً جداً من الأفارقة إلى أمريكا الشمالية، وفي أوائل القرن العشرين كان سكان "نيو أورلينز" متنوعين خاصة بين الأفريقيين الأمريكيين المنحدرين من عبيد منطقة البحر الكاريبي، إلى الكريول.

هم أناسٌ من أصولٍ أوروبيةٍ وأفريقيةٍ مختلطةٍ، ومهاجرين أوروبيين مختلفين، عاشوا جميعاً على مقربةٍ من بعضهم بعيداً عن الأحياء اليهودية العنصرية التي كانت موجودةً في المدن الأمريكية الأخرى؛ ونتيجةً لذلك، غالباً ما يشار إلى "نيو أورلينز" على أنَّها منطقةٌ تفيض بتعدد الثقافات.

اجتمعت تأثيرات الأغاني الشعبية لغرب أفريقيا، والأغاني الروحانية، وموسيقى البلوز، والراغتايم ــ وهي موسيقى وألحانٌ مجمعةٌ وغالباً ما تعزف على البيانو ــ مع تقليد الفرقة الموسيقية، وأنشأت موسيقى أصبحت تُعرف باسم موسيقى الجاز.

يُعَدُّ عازف البوق "بادي بولدين" أول موسيقي جاز؛ إذ قام بجمع فرقةٍ موسيقيةٍ في عام 1895م، وعزفوا في الحفلات الراقصة والمسيرات والشوارع، لكن للأسف، لم تُسجَّل أعمالهم الموسيقية وحفلاتهم، وبعد معاناة "بولدين" من اعتلالٍ في صحته، وُضِع في مصحةٍ حكوميةٍ عام 1906م، وبقي فيها حتى نهاية حياته.

نمو وتطور موسيقى الجاز بين عامي 1910 و1920م:

تميزت موسيقى الجاز في الفترة ما بين عام 1910 و1920م بالارتجال الجماعي متعدد الألحان، الذي كان يؤديه عازفوا الصف الأول، والذي غالباً ما كان يتميز ببوقٍ أو بوقٍ مصحوبٍ بالكلارينيت والترومبون، وتُدعم ألحانهم بإيقاعٍ من البانجو أو البيانو أو الباص المزدوج أو البوق والطبول.

فصوت البوق الأوبرالي الجريء الذي يعزفه العازف "لويس أرمسترونغ"، جعله أول عازفٍ منفردٍ مرتجلٍ رئيس لموسيقى الجاز، وكانت تسجيلاته مع (Hot Five) و(Hot Seven) تُعَدُّ ذروة موسيقى الجاز في العشرينيات.

كان "جيلي رول مورتون" من أوائل مؤلفي موسيقى الجاز وأول من كتب الموسيقى ورتبها وضبطها بشكلٍ رسميٍ لفرقته، وقد أثبتت تسجيلات الجاز الأولى، التي أعدتها فرقة (Dixieland Jazz) الأصلية عام 1917م، أنَّها حظيت بشعبيةٍ كبيرةٍ، وساعدت على جلب موسيقى الجاز إلى الجمهور المتحمس على الصعيد الوطني.

موسيقى الجاز بين عامي 1930 و1940م:

استمرت حقبة "التأرجح والفرقة الكبيرة" من أوائل الثلاثينيات حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، كانت عندها موسيقى الجاز هي الموسيقى الأكثر شعبيةً في أمريكا، وأصبح قادة الفرق الموسيقية أمثال "ديوك إلينجتون"، و"كونت باسي"، و"بيني جودمان"، و"آرتي شو" من النجوم الكبار؛ إذ كانوا في ذلك الوقت يعزفون لجماهير ضخمةٍ من الراقصين.

واستُبدلت آلة الكلارينيت الموسيقية الخشبية الرئيسة لموسيقى الجاز بالساكسوفون مع ظهور عازفين منفردين لامعين أمثال "كولمان هوكينز" الذي يُعَدُّ الأب الروحي لنمط "التينور ساكس" في موسيقى الجاز، و"ليستر يونغ".

وقد ظهر مغنون مثل "إيلا فيتزجيرالد" و"بيلي هوليداي"، وترأسوا واجهة الفرق الموسيقية الكبيرة في البداية، لكن سرعان ما تركوا وتابعوا مسيرتهم الموسيقية منفردين.

في تلك الفترة الزمنية واستجابةً للنزعة التجارية المتصورة لبعض موسيقى حقبة التأرجح، شهد منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ظهور "البي بوب"؛ وهو نمطٌ موسيقيٌ فكريٌ إبداعيٌ أفريقيٌ أمريكيٌ شرسٌ، كان مخصصاً للاستماع أكثر منه للرقص.

أصبحت بعد ذلك مدينة "نيويورك" مركز موسيقى الجاز بدلاً من "نيو أورلينز"، وعزف فيها عازف الساكسوفون "تشارلي باركر" وعازف البوق "ديزي جيلسبي" موسيقى معقدةً وسريعة الإيقاع، تُنسج فيها ألحانٌ جديدةٌ ومعقدةٌ على شاكلة الأغاني الشعبية الحالية، في حين كانت مؤلفات "ثيلونيوس مونك" الموسيقية المبهجة والخاصة صعبة التصنيف والتنميط.

أنماط موسيقى الجاز بين عامي 1950 و1960م:

تم تسويق موسيقى الجاز الهادئة المسماة "ولادة الروعة" للعازف "مايلز ديفيس"، وفرقة الجاز الحديثة، ومدرسة "ليني تريستانو" بوصفها بديلاً أكثر نعومةً وهدوءاً لأصوات "البي بوب" الحماسية والجهيرة.

عندها بدأت موسيقى الجاز من الساحل الغربي بالظهور، متمثلةً بفنانين أمثال "ديكستر جوردون" و"شيت بيكر" و"آرت بيبر"؛ إذ كان يُنظر إليهم أيضاً على أنَّهم يتمتعون بحسٍّ موسيقيٍ جماليٍ وهادئٍ ومفرحٍ.

كما أضافت موسيقى البوب القوية التي ظهرت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، متمثلةً بـ "هوراس سيلفر" و"آرت بلاكي جاز ميسنجز"، تأثيرات الترانيم والبلوز إلى "البي بوب" لإصدار صوتٍ بلوزيٍ خلفيٍ، وقد تطور هذا التأثير ليشمل موسيقى الجاز الروحانية التي تستخدم "الأرغن" لإصدار صوتٍ روحانيٍ متأثرٍ بالكنيسة.

في عام 1959م، كانت "أورنيت كولمان" رائدةً في موسيقى الجاز الحرة، لكن تم الاستغناء عن هذا الأسلوب الموسيقي المثير للجدل المعتمد على تسلسلاتٍ محددةٍ من الكوردات وتركيبات الأغاني لمصلحة نوعٍ معينٍ من الجاز المتأرجح بين الفوضى والكآبة.

في هذه الأثناء، كان "مايلز ديفيس" وآخرون يجربون موسيقى الجاز النموذجية؛ إذ يرتجل فيها الموسيقيون بالعزف ضمن المقاييس ولفتراتٍ طويلةٍ غالباً، في محاولةٍ منهم لتحرير أنفسهم من التناغم الروتيني التقليدي.

يُعَدُّ ألبوم (So What) لـ "ديفيس" من (Kind of Blue) ألبوم الجاز الأكثر مبيعاً والأكثر شهرةً على الإطلاق، كما ويتلاءم صوت "التينور" الرائع لـ "ستان جيتز" مع جنون "بوسا نوفا" البرازيلي الذي اشتُهر في أمريكا في الستينيات.

لقد كان الدمج بين موسيقى الجاز والموسيقى المختلفة من الثقافات الأخرى تقليداً سارياً؛ وذلك منذ أن دمجت "ديزي جيليسبي" موسيقى "البي بوب" مع الموسيقى الكوبية في الأربعينيات من القرن العشرين.

موسيقى الجاز بعد عام 1970م:

بدأت فرقة "مايلز ديفيس" باستخدام الآلات الموسيقية الكهربائية بعد عام 1970م، وكانت عندها ولادة موسيقى الجاز روك، ونمت هذه الموسيقى إلى اندماجٍ بين الجاز والديسكو والفانك؛ وذلك على يد فنانين مثل "هيربي هانكوك" و"ويذر ريبورت"، بغية إصدار أصواتٍ معقدةٍ ومعدةٍ للرقص.

تضمنت الاتجاهات الحديثة في موسيقى الجاز نمو موسيقى الجاز الأوروبية التي تميزت بوقعٍ وصوتٍ خاصٍ بها، ونمو الموسيقى الإيقاعية المعقدة لحركة (M-Base) في الثمانينيات، والتقليدية الجديدة لمدرسة "يونغ لايونز".

تُدرس موسيقى الجاز حالياً في المعاهد الموسيقية الكبيرة في جميع أنحاء العالم، والتي تخرج عازفين شباباً متميزين، وفي حين أنَّها لم تَعُد موسيقى شعبيةً كما كانت عليه سابقاً، إلا أنَّها تحتفظ بجمهورٍ مخلصٍ ما يزال يتردد لحضور الحفلات الموسيقية والاستماع والرقص على أنغامها.

إقرأ أيضاً: أهم مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية الغربية في العالم

أفضل المقولات عن موسيقى الجاز:

فيما يأتي بعض من أفضل المقولات التي قيلت عن موسيقى الجاز:

  1. أنزعج عندما يحاول الناس تحليل موسيقى الجاز بوصفها نظريةً فكرية، إنَّها ليست كذلك؛ إنَّها شعورٌ.
  2. "بيل إيفانز".
  3. إذا كان يحتوي على أكثر من ثلاثةٍ أوتارٍ، فهو موسيقى جاز.
  4. "لو ريد".
  5. إذا كان لأمريكا مستقبلٌ، فلموسيقى الجاز مستقبلٌ، فالاثنان لا ينفصلان.
  6. "جورج راسل".
  7. موسيقى الجاز مثل الفراغ العظيم، فهي تنتظر بصبرٍ حتى يسيطر موسيقيٌ شجاعٌ على المكان والزمان.
  8. "كريس جريفين".
  9. موسيقى الجاز تعني الحرية.
  10. "ديف بروبيك".
إقرأ أيضاً: 10 أشياء عجيبة تحدث لجسمك عند الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية

اليوم العالمي لموسيقى الجاز:

يُحتفل باليوم العالمي لموسيقى الجاز في 30 أبريل من كل عام، وتم إعلان هذا اليوم من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 2011، وذلك اعترافاً بقوة موسيقى الجاز من أجل السلام والحوار والتفاهم المتبادل.

في الختام يمكن أن نقول عن موسيقى الجاز أنه منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر، تطورت موسيقى الجاز بشكل كبير، وأصبحت لغة موسيقية عالمية تُعبّر عن مشاعر وأفكار متنوعة.

فمن خلال رحلتها عبر الزمن، واجهت موسيقى الجاز تحدياتٍ وثوراتٍ فنية، لكنها حافظت على جوهرها كشكل فني فريد يُشجع على الارتجال والإبداع.

وتُمثّل موسيقى الجاز اليوم رمزاً للحرية والتعبير عن الذات، وتُلهم الأجيال الجديدة من الفنانين والموسيقيين.

ولذلك، يمكننا القول أن موسيقى الجاز ليست مجرد موسيقى، بل هي ثقافةٌ وحضارةٌ تُعبّر عن روح الإنسان وتُلهم الأمل والإبداع.

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا المقال عن ماهية موسيقى الجاز الكلاسيكية العريقة، وتعرفنا إلى نشأتها وتاريخها وتسلسل مسيرتها طوال القرن العشرين، بالإضافة إلى ذكرنا لبعض أفضل المقولات عنها.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة