مهارات التفكير العليا

ميَّز اللهُ الإنسانَ عن سائر المخلوقات على وجه الأرض بأمور كثيرة، فقد خلقه بأحسن تقويم وأكرمه بنعمة العقل، والذي قسَّمه الباحثون إلى قسمين، وهما: العقل الواعي الذي يفكر ويحلِّل المشكلات، ويجد الحلول المناسبة، ويعطي رد الفعل الملائم لكل موقف، والعقل الباطني الذي يمتلك القدرة على تخزين ملايين المعلومات خلال ثانية واحدة، ثم ربطها مع بعضها بعضاً ليؤثِّر ذلك في تصرفات الإنسان لاحقاً.



إذ يكتسب الإنسان استجابات إيجابية أو سلبية للأفكار التي خزنها عقله الباطني مسبقاً خلال مراحل حياته وتجاربه اليومية المتنوعة، لكن يبقى أبرز ما يميز العقل البشري هو التفكير ومهارات التفكير التي تتفاوت درجاتها من إنسان إلى آخر، والتي يكتسبها الإنسان ويطورها لتصبح مهارات التفكير لديه عليا، فتساعده على التميُّز على الصعيد الشخصي أو المهني أو مختلف الأصعدة معاً.

فما هي مهارات التفكير؟ وما هو الفرق بينها وبين التفكير؟ وكيف يمكن تطوير مهارات التفكير العليا عند الطالب؟ وغيرها من الأسئلة سنجيب عنها في هذا المقال.

مفهوم مهارات التفكير:

تفكير الإنسان هو عبارة عن عملية لا إرادية كما أنَّها غير مفهومة فهماً دقيقاً؛ إذ يقوم المخ بغير قصد وتعمُّد باسترجاع معلومات ومواقف مخزنة في الذاكرة مرَّ بها الإنسان سابقاً، ويستنتج منها أفكاراً ليفهم الواقع، ويكتسب الخبرة من التجارب الحياتية التي يعيشها؛ لذلك علينا التفريق بين تفكير الإنسان وبين مهارات التفكير، والتي تُعدُّ عملية مقصودة ومعتمدة من قبل الإنسان، وهي عبارة عن أنشطة عقلية تهدف إلى معالجة المعلومات وإقامة الصلات بينها، ثم اتخاذ القرار وحل المشكلات بشأن الموضوع الذي يُفكَّر فيه، وتختلف من شخص إلى آخر باختلاف القدرة على تحليل المواقف واستنتاج الأفكار ووضع الافتراضيات.

ما هي مهارات التفكير الأساسية؟

تُسمى أيضاً مهارات التفكير الدنيا، فهي تحتاج فقط إلى تطبيق روتيني للمعلومات التي نكتسبها من قبل، ونذكر من مهارات التفكير الأساسية ما يأتي:

1. مهارة المعرفة:

إذ يقوم الإنسان باسترجاع المعلومات المخزنة في ذاكرته كالمواقف أو ما تعلمه من نظريات وقوانين.

2. مهارة التخطيط:

إذ توضع نقاط عدة معينة على شكل خطة لتُنفذ بهدف الوصول إلى أمر معين.

3. مهارة التصنيف:

والتي توزَّع من خلالها الأشياء ضمن فئات محددة بالاعتماد على الخواص المشتركة بينها.

4. مهارة المقارنة:

والتي تعتمد على البحث وإيجاد أوجه الشبه والاختلاف بين الأشياء.

5. مهارة التنبؤ:

والتي يُتوقع من خلالها ما سيحدث مستقبلاً بناءً على تحليل الواقع بدقة.

6. مهارة تحمُّل المسؤوليات:

والتي تعني مدى قدرة الشخص واندفاعه إلى القيام بشيء ما بناءً على إدراكه لأهمية القيام بالأمر وضرورته.

7. مهارة ترتيب الأولويات:

والتي تُنسَّق من خلالها الأشياء التي على المرء القيام بها وفقاً لأهميتها في حياته.

8. مهارة التعميم:

وهي القدرة على ابتكار مصطلحات جديدة يمكن استخدامها في مواقف وظروف كثيرة، وليست حكراً على وقت معين.

9. مهارة المرونة:

وهي عدم الاعتماد على طريقة معينة واتجاه واحد في التفكير؛ إنَّما يمكن التفكير تبعاً للمعطيات والحقائق والمتغيرات التي تحصل.

شاهد بالفديو: 6 نصائح تساعد على تنمية التفكير الإبداعي

ما هي مهارات التفكير العليا؟

بعد تحدُّثنا عن مهارات التفكير الأساسية (الدنيا) حتماً ستسأل نفسك "إذاً ما هي مهارات التفكير العليا؟ وماذا يتطلب اكتسابها؟".

مهارات التفكير العليا لا تحتاج إلى ذكاء خارق، كما يعتقد بعضهم؛ إنَّما هي سلسلة من الخطوات والعمليات والتقنيات التي تجعل الإنسان يستثمر وقته وفكره ومهاراته الأساسية، وكل ما يمتلك من معلومات وبيانات بالشكل الأمثل؛ لذلك تُعدُّ مهارات التفكير العليا من ضروريات نجاح الإنسان في الحياة على اختلاف عمله ومكانه.

من مهارات التفكير العليا الفهم والتذكير والابتكار؟

بعد التعرف إلى مفهوم مهارات التفكير العليا أول ما يتوارد إلى الذهن أنَّها تضم فهم المعلومات والحقائق، ثم تذكرها جيداً لابتكار طرائق جديدة في العمل، فتلك هي صفات الأشخاص المبدعين والمتميزين، وبالفعل مهارات التفكير العليا تضم ما سبق، وبدقة، فإنَّها تضم ما يأتي:

1. مهارة التفكير النقدي:

وهي المهارة التي تساعد على تحليل المعلومات ومعرفة تفسير كل منها، ثم استخلاص النتائج بعد تقييم الأدلة ووجهات النظر المختلفة؛ أي إنَّ مهارة التفكير النقدي تشمل المهارات التحليلية والتفسيرية والتقييمية والإبداعية، وهذا ما يحتاج إليه الناس عموماً في مختلف مجالات العمل والطالب خصوصاً، كما أنَّ الإنسان على المستوى الشخصي بحاجة إلى مهارة التفكير النقدي ليُحسِن التصرف في مختلف المواقف التي يتعرض لها.

إقرأ أيضاً: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي

2. مهارة ما وراء المعرفة:

وهي القدرة على التفكير في عملية التفكير الخاصة بنا، والتي تشمل المعلومات والفرضيات والمعتقدات التي يؤمن بها كل إنسان، والتي تؤثِّر في طريقة تحليله للمواقف، وفي الأفكار التي يستنتجها والقرارات التي يتخذها؛ وذلك من أجل معرفة أهداف التعلُّم، ومراقبة التقدم المرتبط بكل تجربة من تجارب الحياة.

3. مهارة الفهم:

ولا يعني ذلك فهم ما يقرأ الإنسان من كلمات أمامه فقط؛ إنَّما يعني القدرة على الربط بين المعلومات التي يقرؤها، وما هو معروف في الواقع حتى يتمكن من استنتاج معنى للنص واستخدام ما استنتجه بطرائق جديدة.

4. مهارة الاستدلال:

وهذه المهارة التي تؤدي الدور المسهَّل لتنفيذ أو لممارسة عملية معالجة المعلومات؛ إذ تضم التفسير والتحليل والتركيب والتقييم أيضاً، ويعتمد التفكير الاستدلالي على مهارتي الاستقراء والاستنباط في الوصول إلى نتائج جديدة لم تكن معروفة للفرد من قبل.

5. مهارة التركيز:

والتي تُعدُّ عملية هامة من أجل اكتشاف الحقيقة؛ إذ يقوم الفرد بجمع حواسه المختلفة وخاصة النظر والسمع وتصويبها إلى أمر واحد فقط بهدف معرفة كل ما يتعلَّق به والابتعاد عن التفكير بأيِّ شيء آخر مهما كان الظرف المحيط.

6. مهارة التذكير:

وهي المهارة التي كثيراً ما يحتاج إليها الطلاب، فلا يمكنهم النجاح دونها، والمسؤول عن هذه المهارة هي الذاكرة؛ إذ تقوم باسترجاع المعلومات كافة التي تتعلق بموضوع معين عند الحاجة إليه، فمثلاً خلال الامتحان عند قراءة سؤال معين من المفترض أن تتوارد إلى ذهنك كل المعلومات التي قرأتها سابقاً عن هذا الموضوع كي تستطيع الإجابة عن السؤال.

7. مهارة الابتكار:

والتي تُعدُّ مزيجاً من مهارات عدة كالمهارات المعرفية والمهارات السلوكية والمهارات التقنية والوظيفية، والتي تجعل الفرد يجد حلولاً جديدة للتحديات التي تواجهه، كما تجعله قادراً على تطوير أسلوب العمل لتصبح الفائدة أكبر.

إقرأ أيضاً: 9 استراتيجيات لتدريب نفسك على الابتكار

كيف تطوِّر مهارات التفكير العليا لدى الطلاب؟

نظراً لأهمية مهارات التفكير العليا في النجاح الدراسي؛ فلا بدَّ من العمل على تطويرها؛ وذلك من خلال ما يأتي:

دور المعلم في تطوير مهارات التفكير العليا لدى الطلاب:

1. توكيل الطلاب بوظائف:

إذ تكون الوظائف على شكل حلقات بحث ومشاريع متنوعة تتطلب البحث وجمع المعلومات المتنوعة لتنمية المهارات المعرفية لديهم.

2. طرح الأسئلة المفتوحة:

والتي ليس لها إجابة محددة؛ إنَّما تتطلب التفكير والإجابة بناءً على وجهة نظر الطالب، كأن يسأل المعلم طلابه عن أحلامهم أو المهن التي يرغبون في العمل فيها مستقبلاً أو الأهداف التي يرغبون في تحقيقها في مختلف جوانب حياتهم.

3. طرح الأسئلة الممتدة:

والتي يجب ألا يُكتفى بتقديم الإجابة عنها؛ إنَّما سيتبع الإجابة سؤال عن سبب الإجابة؛ كي يحفز ذلك التفكير المنطقي لدى الطالب، ويتعلم كيفية الاعتماد على الحجج والبراهين في قراراته.

4. منح الطالب الوقت الكافي للإجابة:

باختلاف السؤال المطروح فمن المفترض أن يجيب الطالب بعد التفكير الدقيق لحمايته من التسرُّع في الإجابة واتخاذ القرار، فيفضل ألَّا تقل المدة عن 30 ثانية.

5. السماح للطلاب بالنقاش والحوار:

فهذه الطريقة تسمح بتبادل المعلومات والخبرات ووجهات النظر بين الطلاب، لكن بإشراف المدرِّس، ويفضَّل أن يقتصر دوره على الإشراف دون التدخل بالنقاش حتى انتهاء وقت الحوار، فيقوم بعدها بتصحيح ما هو خاطئ.

شاهد بالفديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين

دور الطلاب في تنمية مهارات التفكير العليا لديه:

1. تعزيز جو مناسب للتفكير:

ولا يوجد جو محدد للتفكير؛ إنَّما يعتمد ذلك على رغبة الطالب، فبعضهم يُفضِّل التفكير في الحديقة، وبعضهم في غرفته، فالهام هو الاستمرار بالتدرب على التفكير لتنمية هذه المهارة قدر الإمكان.

2. محاولة جمع أكبر قدر من المعلومات:

من الضروري أن يحفِّز الطالب التفكير لديه من خلال المطالعة وحضور الندوات والجلوس مع أشخاص قاموا بإنجازات في حياتهم للتعرُّف إلى وجهات نظرهم، إضافة إلى محاولة قضاء أطول وقت ممكن مع المفكرين لأخذ رأيهم في مختلف الموضوعات التي تشغل تفكير الطالب، فذلك يساعد على تطوير شخصيته باستمرار.

في الختام:

مهارات التفكير لدى الإنسان هي عبارة عن عمليات عقلية مقصودة تختلف من شخص إلى آخر، وتهدف إلى تحليل مشكلة وحلِّها أو اتخاذ قرار بناءً على معطيات، وتنقسم مهارات التفكير إلى نوعين؛ الأولى تُسمى مهارات التفكير الأساسية الموجودة لدى الجميع؛ إذ نتعلمها منذ الصغر، ثم تنمو بمرور الوقت، والتي تشمل المعرفة وترتيب الأولويات والتصنيف والتخطيط والمقارنة والتنبؤ وتحمل المسؤوليات والتعميم والمرونة.

أمَّا النوع الثاني فهو مهارات التفكير العليا، والتي تجعل الإنسان متميزاً في مجال دراسته أو عمله، وتشمل مهارة التفكير النقدي والفهم والاستدلال والتركيز والتذكر والابتكار أيضاً، ومهمة تنمية هذه المهارات عند الطالب تقع على عاتق المعلم من جهة؛ إذ عليه توكيل الطلاب بالمشاريع المتنوعة وطرح الأسئلة المفتوحة والممتدة عليهم باستمرار والسماح لهم بالحوار لتحفيز التفكير لديهم، ومن جهة أخرى، فهي مسؤولية الطالب؛ لذلك عليه إيجاد البيئة المناسبة للتفكير ومحاولة جمع مزيد من المعلومات باستمرار.




مقالات مرتبطة