منحنى غرينيير: فهم الأزمات التي ترافق النمو

يمكن للشركات ذات النمو السريع أن تكون غالباً أماكن عملٍ تتّسم بالفوضى، فبينما يزداد عبء العمل ازدياداً كبيراً تبدأ المناهج التي كانت تعمل بشكلٍ جيدٍ بالماضي في الإخفاق، ويصيب العمل الفرقَ والموظفين بالإرباك، ويبدأ المديرون الذين كانوا فعالين في السابق بارتكاب الأخطاء عندما يزداد حجم السلطة التي يتمتّعون بها، وتبدأ الأنظمة تنوء تحت ثقل العبء المُلقى عليها. فبينما تُعَدُّ عملية النمو عمليةً ممتعة عندما تسير الأمور بشكلٍ جيد، إلَّا أنَّه عندما تسير الأمور بشكلٍ خاطئ فإنَّ الفوضى التي تنجم عن ذلك يمكن أن تشكل ضغطاً مُكثَّفاً. والأدهى من ذلك أنَّه يمكن لهذه المشاكل أن تكون مؤذيةً (وقاتلةً حتى) بالنسبة إلى المنظمة.



إنَّ "منحنى جرينيير" هو طريقةٌ فعالة للتفكير في الأزمات التي تعترض طريق المنظمات في أثناء نموها، ومن خلال فهم هذه الطريقة تستطيع أن تفهم بسرعةٍ السبب الجذري للعديد من المشاكل التي من المحتمل أن تتعرض لها في الشركات ذات النمو السريع. بالإضافة إلى ذلك تستطيع التنبؤ بالمشاكل قبل حدوثها ومن ثمَّ تستطيع التصدي لها من خلال حلولٍ مُجهَّزةٍ مُسبقاً.

فهم النظرية:

يصف نموذج نمو "جرينيير" المراحل التي تمر بها المنظمات في أثناء نموها، فجميع أنواع المنظمات من متاجر التصميم إلى المُصنِّعين ومن شركات البناء إلى شركات الخدمة المهنية تمرّ بهذه المراحل. وتتكوّن كل مرحلة من مراحل النمو من فترةٍ من النمو المستقر نسبياً يليها فترة "أزمة" وذلك عندما يكون ثمَّة حاجة إلى تغييرٍ رئيس إذا ما أرادت المنظمة الاستمرار في النمو.

تُعرِّف القواميس كلمة "أزمة" بأنَّها "نقطة تحول"، ولكن بالنسبة إلى العديد منا فإنَّها تحمل معنىً سلبيَّاً يرتبط بالهلع، وعلى الرغم من أنَّه يجب على المنظمات أن تتغير بكل تأكيد خلال كل نقطة من نقاط التحول هذه إلَّا أنَّها إذا خططت لها بالشكل المناسب فلا حاجة بها إلى الهلع ومن ثمَّ فإنَّنا سنطلق على هذه النقاط اسم "التحولات".

 

اقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعدك على التخطيط لمستقبلك بنجاح

 

اقترح "لاري إي. غرينيير" (Larry E. Greiner) هذا النموذج في البداية في العام 1972 حيث كان يتضمن خمس مراحل للنمو. وفي العام 1998 أضاف مرحلةً سادسة في نسخةٍ مُحدَّثة لمقالته الأصلية. فيما يأتي وصف لمراحل النمو الست هذه:

المرحلة الأولى: النمو من خلال الإبداع

هنا في هذه المرحلة ينشغل رواد الأعمال الذين أسَّسوا الشركة بابتكار المنتجات وافتتاح أسواق جديدة. ليس ثمَّة في هذه المرحلة العديد من الموظفين لذا فإنَّ التواصل غير الرسمي يعمل بشكلٍ جيد ومكافأة الموظفين مقابل ساعات العمل الطويلة ستكون إمَّا على الأرجح من خلال مشاركة الربح وإمَّا من خلال خيارات الاكتتاب في الأسهم. بيد أنَّه نتيجةً لانضمام المزيد من الموظفين يتوسع الإنتاج ويتم ضخ مزيد من الأموال ويصبح ثمَّة حاجة إلى التواصل بطريقةٍ رسميةٍ بشكلٍ أكبر. وتنتهي هذه المرحلة بأزمة قيادة حيث يكون ثمَّة حاجةٌ إلى إدارةٍ محترفة. قد يغيِّر المؤسِّسون أسلوبهم ويضطلعون هم بهذا الدور، ولكن سيتم غالباً إحضار شخصٍ جديد.

 

اقرأ أيضاً: 5 طرائق لبثّ روح الإبداع لدى الموظفين

 

المرحلة الثانية: النمو من خلال التوجيه

يستمر النمو في بيئةٍ تتضمن عمليات تواصلٍ رسميةً بشكلٍ أكبر، وميزانيةً أضخم، ومزيداً من تركيز الاهتمام على الأنشطة كالتسويق والإنتاج بشكلٍ منفصل. ويتم ببرامج التحفيز استبدال الأسهم  بوصفها مكافآتٍ مالية. ولكنَّنا نصل هنا إلى مرحلةٍ يزداد فيها عدد المنتجات والعمليات بحيث لا يكون ثمَّة ما يكفي من الوقت خلال اليوم لأن يديرها جميعاً شخصٌ واحد كما أنَّ هذا الشخص لا يستطيع على الأرجح معرفة الكثير عن جميع هذه المنتجات أو الخدمات مثل أولئك الذي يحتلون المراتب الدنيا من هرم المنظمة. وتنتهي هذه المرحلة بأزمة استقلالية وهنا يتطلب الأمر وجود تراكيب جديدة مبنية على التفويض.

المرحلة الثالثة: النمو من خلال التفويض

مع إفساح المجال أمام المديرين من المستوى المتوسط للتعامل بشكلٍ سريع مع فرص الوصول إلى منتجات جديدة أو الدخول إلى أسواق جديدة تستمر المنظمة في النمو حيث تكتفي الإدارة العليا بالمراقبة والتعامل مع القضايا الكبيرة (ربما تبدأ بالبحث عن فرص اندماج أو استحواذ). وتعاني العديد من الشركات في هذه المرحلة التخبُّط، حيث يجد المدير الذي ساهم نهجُه التوجيهي في حل المشاكل في نهاية المرحلة الأولى صعوبةً في الابتعاد بالإضافة إلى أنَّ المديرين من المستوى المتوسط يجدون صعوبةً في التعامل مع أدوارهم الجديدة بصفتهم قادة. وتنتهي هذه المرحلة بأزمة تحكُّم: حيث يكون ثمَّة حاجة إلى وظيفة مكتبٍ رئيس أكثر تقدُّماً، كما أنَّ ثمَّة حاجةً إلى أن تعمل الأجزاء المنفصلة من الشركة بعضها مع بعضها الآخر.

 

اقرأ أيضاً: 7 خطوات ضروريّة لتفويض ناجح

 

المرحلة الرابعة: النمو من خلال التنسيق والمراقبة

يستمر النمو مع إعادة تنظيم وحدات العمل التي كانت معزولة سابقاً وجعلها مجموعاتٍ متخصصة بالمنتجات أو تحوُّلها إلى الأعمال المرتبطة بالخدمات. أمَّا الأموال المرتبطة بالاستثمار فيتم تخصيصها بشكلٍ مركزي ويتم التعامل معها وفقاً للعائد على الاستثمار وليس وفقاً للأرباح فقط. ويتم التحفيز من خلال جداول مشاركة الربح المرتبطة بأهداف المنظمة. وعلى الرغم من ذلك يغرق العمل في النهاية تحت المستويات المُتزايدة للبيروقراطية وقد يؤدي ذلك إلى عرقلة النمو. وتنتهي هذه المرحلة بأزمة روتين: حيث يجب إيجاد ثقافة وتركيبةٍ جديدتَيْن.

المرحلة الخامسة: النمو من خلال التعاون

يُستبدل بالضوابط الرسمية التي كانت قائمةً في المرحلتَيْن 2 و4 التفكير الاحترافي، حيث يتم تجميع الموظفين وإعادة تجميعهم بشكلٍ مرن ضمن فرق هدفها تقديم المشاريع وذلك من خلال استخدام التركيبة المصفوفية المدعومة بأنظمة معلومات متطورة وجوائز مالية على مستوى الفرق. وتنتهي هذه المرحلة بأزمة نموٍّ داخلي: حيث لا يمكن الوصول إلى مزيدٍ من النمو إلَّا من خلال تطوير شراكات مع شركات مُكمِّلة.

 

اقرأ أيضاً: 5 نصائح لتعزيز التعاون في بيئة العمل

 

المرحلة السادسة: الحلول المُقدَّمة من خارج إطار المنظمة

أضاف "غرينيير" مؤخَّراً مرحلةً سادسةً تشير إلى أنَّ النمو قد يستمر من خلال الاندماج، والاستعانة بمصادر خارجية، وبناء الشبكات، وغير ذلك من الحلول التي تتضمن شركاتٍ أخرى.

تتنوع معدلات النمو بين مرحلةٍ وأخرى وحتى ضمن المرحلة الواحدة. وتعتمد مدة كل مرحلة بشكلٍ كليٍّ تقريباً على معدل نمو السوق التي تعمل فيها المنظمة. وعلى الرغم من ذلك فكلما امتدت المرحلة وقتاً أطول أصبح إجراء الانتقال أمراً أصعب.

نصيحة:

يُعَدُّ هذا النموذج نموذجاً مفيداً بيد أنَّه لن تتعرض جميع الشركات لهذه الأزمات بالترتيب نفسه. فاستخدم هذا النموذج بوصفه نقطة انطلاقٍ للتفكير في إنماء العمل وجعله متكيِّفاً والظروف المحيطة بك.

استخدام الأداة:

يساعدك نموذج "غرينيير" للنمو على التفكير في إنماء منظمتك ومن ثمَّ التخطيط بشكلٍ أفضل للتحول الآتي من تحولات النمو والتعامل معه. ولتطبيق هذا النموذج اتبع الخطوات الآتية:

  1. فكر في وضع منظمتك الآن بالاعتماد على التفاصيل المذكورة أعلاه.
  2. فكر فيما إذا كانت المنظمة في طور الوصول إلى نهاية مرحلة مستقرة من مراحل النمو والاقتراب من "أزمةٍ" أو تحول. من بين بعض الإشارات التي تدل على وجود "أزمة":
  • شعور الموظفين بأنَّ المديرين والعمليات يقفون في طريق قيامهم بعملهم.
  • شعور الموظفين بأنَّهم لا يتلقون مكافآتٍ عادلة مقابل الجهد الذي يبذلونه.
  • شعور الموظفين بأنَّهم تعيسون وارتفاع نسبة تسرب الموظفين موازنةً بما هو معتاد.
  1. اسأل نفسك ما الذي سيعنيه الانتقال بالنسبة إليك على الصعيد الشخصي وبالنسبة إلى الفريق. هل يتوجب عليك:
  • القيام بمزيدٍ من التفويض؟
  • تحمُّل المزيد من المسؤوليات؟
  • التخصص بشكلٍ أكبر في منتجٍ مُعيَّن أو سوقٍ مُعيَّنة؟
  • تغيير الطريقة التي تتواصل من خلالها مع الآخرين؟
  • تحفيز فريقك وتقديم الجوائز له بطريقةٍ مختلفة؟

من خلال التفكير في ذلك تستطيع التخطيط وتهيئة نفسك للتغيير الحتمي وربما مساعدة الآخرين على القيام بالأمر نفسه.

  1. التخطيط والقيام بإجراءات تحضيرية تجعل من الانتقال أمراً سلساً قدر الإمكان بالنسبة إليك وإلى فريقك.
  2. مراجعة نموذج "غرينيير" للنمو مرةً أخرى في مدةٍ تتراوح بين 6-12 شهراً والتفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها للمرحلة الحالية التأثير فيك وفي الأشخاص المحيطين بك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة