من هو النرجسي العقلاني؟ وكيف تعجُّ الجامعات بمن هم على شاكلته؟

يعدُّ اضطراب الشخصية النرجسية من الأمراض النفسية شديدة الانتشار في القرن الواحد والعشرين، خاصةً مع انتشار قنوات التواصل الاجتماعي، فيُمكن للنرجسي أن يُسوِّق نفسه بالصورة المُزيَّفة التي يريد أن يراه عليها الناس، حتى يحصل على الإمداد النرجسي الذي يتمثَّل في الحصول على المديح والإعجاب من طرف شبكته العلائقية.

حسب الخبيرة في الاضطراب النرجسي الدكتورة "رماني دورفاسولا" توجد عدَّة أنواع وأشكال من النرجسيين، مثل النرجسي الظاهر والنرجسي الخفي والنرجسي الجسماني والنرجسي العقلاني والنرجسي الشعبي والقائمة تطول، ومن أولى الأولويات عند هذه الأنواع من النرجسيين هي تقديم مصلحتهم الشخصية على كل الأشخاص، أما مصلحة شركائهم فتأتي بدرجة ثانوية.

يهتم هذا المقال أساساً بالنرجسي العقلاني أو النخبوي، ويكون هذا النوع من النرجسيين من الأنواع النادرة؛ لكنَّهم يكثرون في البيئة الأكاديمية مثل الجامعات ومراكز البحث.



من هو النرجسي العقلاني Cerebral Narcissist؟

تحوم حياة النرجسي العقلاني حول الورقة والقلم، فهو يعد المعرفة والثقافة من القيم الثابتة للإنسان، لدرجة أنَّه يصل إلى درجة التشدُّق بما يعرفه أمام الآخرين، ويعمل دائماً على تحقير وتقزيم وإهانة غيره، ومن أهم صفات النرجسي العقلاني هي كرهه للعلاقة الحميمية؛ إذ يعدُّها علاقة حيوانية مقرفة، ويرى نفسه أسمى وأرقى من أن يُمارسها، ويرفض فكرة الزواج، ولكن إن سقط فيه لا تتجاوز علاقته الجنسية مع زوجته أكثر من خمس دقائق، ويكون هذا لأجل الإنجاب فقط.

تُصرِّح الدكتورة "رماني" بأنَّ الإمداد النرجسي للنرجسي العقلاني يكون بالأساس عن طريق مساعيهم الأدبية وثقافتهم الواسعة وقدرتهم على تحليل المواقف، فتجدهم يحتكرون الحوارات ويستخدمون المصطلحات الأكاديمية والفلسفية المعقدة لإبهار غيره أو لجعلهم يشعرون بالجهل والدونية أمامهم، فالنرجسي العقلاني له غريزة الشعور بأنَّه أذكى وأفقه الناس.

من صفات النرجسي أنَّه شديد التكبر والغرور، وتجده يتبجَّح بإنجازاته ونجاحاته، كما أنَّه شديد الغيرة والحسد عندما تُذكَر محاسن شخص آخر غيره، وتؤكد الأستاذة "كوثر سند" بأنَّ أغلب النرجسيين العقلانيين يكونون شديدي الاهتمام بالتاريخ وشديدي الاقتناع بأنَّهم متفوقون على غيرهم فكرياً بسبب معلوماتهم الواسعة، ويكونون شديد التفاخر بذكائهم.

النرجسي العقلاني يتميز بالذاكرة القوية والقدرة على تعقيد الأفكار وغسل الأدمغة، ومن أكثر ضحايا النرجسي العقلاني هم الذين لديهم نهم شديد للعلم لأنَّهم ينجذبون إلى محادثاته الممتعة.

النرجسي العقلاني يحمل في مكنونه العديد من الصفات المذمومة الأخرى، مثل الأنانية وكره الحيوانات والافتقار إلى الذكاء العاطفي والحساسية المفرطة من النقد والشعور بالاستحقاق، فالنرجسي يرى بأنَّه يستحق كل ما تفعله لأجله، ولا يرضى أبداً عما تقدِّمه له؛ ولهذا يكون دائماً شخصاً اعتمادياً خالياً من حسِّ المسؤولية، ويعتمد على غيره ويمتص منه موارده المادية والمعنوية، وعند اكتمال دورة الاستغلال النرجسي يتخلَّى عنه أو يتركه على الرف؛ أي إنَّه يترك دائماً باباً للمصالحة حتى يعود إليه عند الحاجة.

إضافة إلى هذا يريد أن يُشعِر غيره بأنَّه شديد الثقة بنفسه وأنَّ لديه كاريزما عالية، ولكنَّ النرجسي العقلاني لا يهتم كثيراً بمظهره؛ لأنَّ الأمور الجسدية بالنسبة إليه غير هامة، فالعلاقة عند النرجسيين بصفة عامة تكون قائمة على السيطرة وليس على التفاهم والعطاء المتبادل، فهو يأخذ ولا يُعطي وإن أعطى يتفاخر بعطائه.

كما أنَّه لا يُساعد أحداً إلا إذا طُلبت منه المساعدة، ولأنَّ نرجسي النخبة مثقف؛ فهو يعلم أنَّه يشتكي من مرض نفسي، ولكنَّه لا يعترف بهذا أمام غيره، والنرجسي العقلاني يكون عبقرياً في دراسة الشخصيات، ولهذا لا يرتبط إلا بالأشخاص المضحِّين، ويكون ماهراً في التلاعب العقلي بالضحية؛ إذ يستغل نقاط ضعفها لكي يؤكد دائماً أنَّه على صواب وأنَّ الجانب الآخر على خطأ، وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى عدم الاعتذار أبداً.

لكي يقدر على السيطرة على الصديق أو الزوجة، تجده في أول العلاقة يجمع الداتا أو المعلومات عن الطرف الآخر؛ لكي يتمكَّن من السيطرة عليه وفي نفس الوقت لا يفصح عن أسراره أبداً؛ بل يسعى لكي لا يكون في مكانة أقل من غيره؛ وذلك حتى لا يكون في حالة ضعف، فالسيطرة مفتاحٌ عند النرجسي.

من طرائق السيطرة التي ينتهجها النرجسي هي الصمت العقابي؛ إذ يتَّبع هذه الاستراتيجية عند الخلافات؛ وذلك حتى يجعل الضحية تشعر بعدم التقدير والإهمال، ومن ثم يجعلها تستسلم لرغباته، وتوجد عدة طرائق أخرى للسيطرة وتثبيت دائرة الاستغلال النرجسي، مثل إفراغ دائرة العلاقات، أو صناعة التوتر والفوضى، أو الاستفراد، أو التهديد بالرحيل والطلاق، أو الإلقاء والتخلِّي، أو نزع ما كان يقدِّمه لغيره.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها

كيف ينحرف النرجسي العقلاني؟

من أهم صفات النرجسي العقلاني هي انحرافه السلوكي من النرجسية العقلانية إلى النرجسية الشعبية، وبهذا يعتنق ثوب البطل المخلِّص، ويصف هذا النوع من النرجسيين أنفسهم بأنَّهم متعاطفون مع الفقراء والمستضعفين، وبأنَّهم كرماء ويتعارضون مع ما يرونه ظلماً، وبهذا تكون السمعة الطيِّبة بين الناس هامة جداً بالنسبة إليهم، ومن الأمور المرعبة للنرجسي الشعبي هي الفضيحة وأن يتم اكتشاف عيوبه من طرف غيره، خاصةً من طرف العائلة.

النرجسية الشعبية هي مصطلحٌ أتى به العالِم الألماني "يوشن غيباور"؛ إذ وصف أصحاب هذا الاضطراب بأنَّهم أشخاصٌ شديدي الكِبر، ويعيشون وهمَ العظمةِ ويشعرون بالاستحقاق، إلا أنَّهم يتحصلون على إمدادهم النرجسي عن طريق المدح بعد خدمة ومساعدة الآخرين؛ ولهذا نجد هذا الصنف موجوداً بكثرة في المنظمات الإنسانية.

كما أنَّهم يؤمنون بإيديولوجيات معينة ترفع شعارات العدالة الاجتماعية، فالتقارب في الإيديولوجيا هو ما يجعل النرجسي العقلاني ينحرف ويستعير بعض الصفات من النرجسية الشعبية، فالنرجسي العقلاني هنا يُصبح عالِماً مثقفاً ذا قيم ومبادئ إنسانية، وتجده يعمل جاهداً لإقناع غيره بأنَّه أكثر إنسان يستحق الثقة والأمانة، وهؤلاء الأنماط تعجُّ بهم الجامعات.

ما هي أسباب النرجسية العقلانية؟ وكيف نتعامَل مع النرجسي العقلاني؟

تؤكِّد الاختصاصية النفسية "بروك شوارتز" أنَّ من أهم أسباب تحوُّل الإنسان إلى النرجسية العقلانية هي إما الصدمة التي يتعرَّض لها في الطفولة أو طريقة التربية؛ فعندما يُقدِّم الوالدان درجة غير محدودة من المحبة أو التوبيخ، فهذا يدفع الإنسان إلى البحث عن طرائق بديلة لاستبدال فراغه العاطفي، عن طريق البحث عن التقدير أو المحبة من الآخرين.

على نفس هذا المنوال يُذكَر أنَّ الحب المشروط الذي يعيشه الطفل يجعل منه نرجسياً، والنرجسية تتولَّد كذلك عند الشعور بالدُّونية أمام الأب، وتنصح الأستاذة "شوارتز" بعدم الدخول في مواجهة كلامية مع النرجسيين العقلانيين؛ لأنَّ هذا سيؤدي إلى خسارتك من كلا الجانبين، فالنرجسي لن يعترف بخطئه بأيِّ طريقة.

بدلاً من المواجهة، على الإنسان ألا يرد الإساءة بالإساءة، وأن يرتدي معطف الصبر أمام التعنيف اللغوي الذي يقوم به النرجسي لكي يحطَّ من غيره حتى يرفع من قدر نفسه.

تضيف الأستاذة "شوارتز" أنَّ أفضل طريقة لكي لا تكون ضحية لنرجسي عقلاني هي أن تستزيد من علمك ومن معرفتك، أما الدكتورة "راماني" تشير إلى أنَّ السبب الأساسي وراء النرجسية العقلانية هو انعدام الأمن والاستقرار النفسي الذي يمر به النرجسي؛ أي إنَّ هذا الكِبر النرجسي نابعٌ من شعوره بالنقص الذي يحاول تعويضه بالتكبر والتعالي والغرور، ويقول آخرون إنَّ أفضل طريقة للتغلب على المتكبر هي أن تتكبَّر عليه، فربما هذا ما سيجعله يُدرك قدر نفسه.

إقرأ أيضاً: 9 صفات تدل على الشخصية النرجسية

في الختام:

أجمَعَ معظم علماء النفس على أنَّ النرجسي بصفة عامة من الصعب أن يتغيَّر ويتحسَّن سلوكه، ويقترحون عدم الاقتران بالنرجسيين وعدم المحاولة لتغييرهم؛ لأنَّ كل المحاولات ستبوء بالفشل.

إقرأ أيضاً: كيف يُنمّي العالم المعاصر النرجسية؟

من الطرق لإخراج النرجسي من أزمته هي أن يتمَّ إذلاله وكسره من طرف نرجسي أقوى منه، فذلك سيجعله يُفكِّر في كل المعاناة التي سبَّبها لغيره.

ذهبت "شوارتز" إلى أنَّ الذي يتعامل مع النرجسي لا يجب عليه التفكير بأن يأخذه إلى متخصص نفسي؛ بل يجب على هذا الشخص نفسه أن يقوم بزيارة المتخصص النفسي بسبب المعاناة النفسية التي قاساها مع النرجسي.

بقلم: أحمد قسّامة




مقالات مرتبطة