مفهوم قوة العقل الباطن

يشبه عقلك الباطن بنك ذاكرة ضخم يخزِّن كل ما يحدث لك دائماً، ويمكن القول إنَّ سعته غير محدودة تقريباً، مع بلوغك سن الـ 21 تكون قد خزنت بالفعل أكثر من 100 ضعف محتويات الموسوعة البريطانية بريتانيكا (Britannica) بأكملها، وغالباً ما يتذكر الناس تحت تأثير التنويم المغناطيسي وبوضوح تام الأحداث الماضية التي حدثت معهم قبل سنوات عديدة.

في حين أنَّ ذاكرتك اللاواعية مثالية تقريباً، إلا أنَّ التذكر الواعي ليس كذلك؛ إذ لا تتذكر بوضوح كل ما يحتفظ به عقلك الباطن، الجانب المبشر هو أنَّنا نستطيع استخدام عقولنا الواعية لإعادة برمجة عقولنا الباطنة، وتسخير قوة التفكير الإيجابي للتغلب على الأفكار السلبية والعادات السيئة لتحقيق أحلام حياتنا، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.



ما هو عقلك الواعي؟ وما هو عقلك الباطن؟

يمكن وصف العقل الواعي بأنَّه كل ما تدركه حالياً، فكل ما تشعر به أو تفعله أو تراه أو تلمسه أو تختبره، أنت على وعي به أو مدرك له، الوعي لا يشمل المعلومات المخزنة؛ بل يشمل ما يحدث الآن، ويتضمن التفكير واتخاذ القرارات، ومن السهل التحكم بعقلك الواعي لأنَّك قادر على استخدامه لاتخاذ الخيارات.

في المقابل يعمل عقلك الباطن دائماً في الكواليس؛ لكنَّك لست مدركاً له بالضرورة؛ إذ يحتوي عقلك الباطن - الذي يُسمى أحياناً بالعقل اللاواعي - المعلومات المخزنة جميعها لكل ما جربته على الإطلاق، ولهذا السبب فإنَّه يؤثر في كيفية تفاعلك مع الأشياء مثل سبب شعورك بالخجل أو الكسل أو تناول كثير من الطعام أو الإدمان، ومن الناحية الإيجابية يؤثر عقلك الباطن أيضاً في أشياء مثل سبب شعورك بالتحفيز والثقة والنجاح والبهجة والأمل وما إلى ذلك.

السر هو استخدام وعيك للتأثير إيجاباً في أفكارك اللاواعية، وتُعدُّ معرفة كيفية استخدام الاثنين معاً أداة قوية وفعالة.

كيف يعمل عقلك الباطن؟

تستقبل حواسك الخمسة تدفقاً مستمراً من المعلومات في كل لحظة تكون فيها مستيقظاً، وتخزن هذه التجارب بوصفها ذكريات مثل الكمبيوتر الذي يخزن البيانات؛ لكنَّنا لا نحتاج إلى تذكر معظم هذه المعلومات حقاً، وفي الواقع ربما ننسى 95-99% من نشاطاتنا اليومية، ومع ذلك، فإنَّنا نعلم أنَّ هذه الأفكار والصور ما تزال في دماغك؛ لأنَّ التنويم المغناطيسي يمكن أن يعيد الذكريات العميقة.

تشير الدراسات في مجال علم النفس عن كيفية عمل الدماغ إلى أنَّ التجارب التي نخوضها تشكِّل طريقة تفكيرنا وتصرُّفنا خاصة التجارب في طفولتنا المبكرة، ومع أنَّك لا تتذكر معظم بيانات حياتك، فإنَّ البيانات اللاواعية في رأسك تؤثِّر في 90 إلى 95% من سلوكك.

يمكن مقارنة عقلك الباطن بطائرة يُتحكَّم بها عن بُعد؛ إذ يعمل باستمرار على تشغيل برامج للتحكم بكيفية المشي والجلوس والتنفس والتحدُّث وما إلى ذلك، وفي الحقيقة لا يتعين علينا التفكير في هذه الأشياء، فهي تحدث فقط لأنَّ المعلومات اللازمة للقيام بها مخزنة في عقلك.

يمتلك عقلك الباطن ما يسمى بدافع الاستتباب، الذي يحافظ على درجة حرارة جسمك عند 37 درجة، كما يحافظ على تنفسك بانتظام ويحافظ على نبضات قلبك بمعدل معين، ومن خلال جهازك العصبي التلقائي، فإنَّه يحافظ على التوازن بين مئات المواد الكيميائية في بلايين الخلايا لديك؛ إذ يعمل جسمك بأكمله في وئام وتناغم تام معظم الوقت.

يحقق عقلك الباطن التوازن في عالمك العقلي أيضاً، من خلال دفعك إلى التفكير والتصرف بطريقة تتفق مع ما فعلته وقلته في الماضي.

يجعلك عقلك الباطن تشعر بعدم الارتياح عاطفياً وجسدياً عندما تحاول القيام بأي شيء جديد أو مختلف أو عندما تحاول تغيير أيٍّ من أنماط السلوك الراسخة لديك؛ فالشعور بالخوف وعدم الراحة هي علامات نفسية على تنشيط عقلك الباطن؛ لكنَّه عمل على إنشاء أنماط السلوك هذه في الكواليس قبل وقت طويل من أن تلاحظ مثل هذه المشاعر.

أحد أسباب صعوبة الإقلاع عن العادات هو الميل إلى الالتزام بهذه الأنماط، ومع ذلك فعندما تتعلم إنشاء مثل هذه الأنماط عن قصد يمكنك تسخير قوة العادة وتأسيس مناطق راحة جديدة؛ إذ يتكيف معها عقلك الباطن.

قد تشعر بأنَّ عقلك الباطن يسحبك نحو منطقة الراحة الخاصة بك في كل مرة تحاول فيها شيئاً جديداً، وحتى التفكير في القيام بشيء مختلف عما اعتدت عليه سيجعلك تشعر بالتوتر وعدم الارتياح.

هذا هو السبب في أنَّ تكوين عادات جديدة يساعدك على الوصول إلى أهدافك، مثل اتباع نصائح إدارة الوقت، التي قد يكون من الصعب تنفيذها في البداية، لكن بمجرد أن تصبح عادة أو روتيناً فإنَّها ستصبح ضمن حدود منطقة الراحة الخاصة بك؛ وبذلك تكون قد أعدت برمجة عقلك الباطن ليعمل لمصلحتك.

شاهد بالفيديو: كيف تحتال على عقلك لتكوّن عادات جيدة

تغيير العادات: استخدام عقلك الواعي لبرمجة عقلك الباطن برمجة صحيحة

لأنَّ عقلك الباطن يتحكم تحكماً كبيراً بسلوكاتك الإيجابية والسلبية، فإنَّ السر يكمن في تدريب عقلك على إنتاج سلوكات أكثر إيجابية، وهنا يأتي دور عقلك الواعي؛ إذ يمكنك استخدام وعيك لإعادة برمجة أو إعادة تدريب عقلك الباطن للقيام بأشياء أكثر فائدة لعالمك الآن ومستقبلك.

يمكن أن يؤدي استخدام أفكارك الواعية لبرمجة عقلك الباطن إلى تحقيق النجاح في مجالات حياتك جميعها التي تبحث عنها، سواء كنت تصبو إلى أهداف معينة، أم لديك عادات يبدو من المستحيل التغلب عليها، أم تأمل في وظيفة أحلامك، التي من شأنها تغيير حياتك، أم لديك رؤية للمستقبل تبدو مختلفة تماماً عن اليوم.

تبدأ هذه البرمجة باتباع النصائح الأربع الآتية:

1. حدِّد ما يعوقك:

عليك أولاً تحديد العائق الذي يمنعك من تحقيق ما تريده، حدد أفكارك أو مخاوفك المقيدة، على سبيل المثال إذا كانت رغبتك تتمثل في تأليف كتاب، لكن يبدو لك أنَّك لا تستطيع البدء أو الانتهاء، فكر بما يمنعك من القيام بذلك، ربما تعتقد أنَّ لا أحد سيقرأ كتابك، أو أنَّك لا تملك الوقت الكافي، أو أنَّك لست كاتباً مدرَّباً، كل هذه الأفكار هي ما تتخيل أنَّها صحيحة؛ لكنَّها ليست صحيحة بالضرورة؛ إذ بُرمِج عقلك اللاواعي للاستجابة بهذه الطريقة؛ ومن ثم تتَّبع اختياراتك الواعية هذه الأفكار.

يمكن أن تكون العوائق أيضاً مادية، فربما تريد إنقاص وزنك؛ لكنَّك تسمح لعادتك بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 30 دقيقة يومياً بأن تحل محل الوقت الذي يمكن أن تقضيه في ممارسة الرياضة.

فكِّر في أهدافك وأحلامك واكتشف الأفكار أو العادات أو المعتقدات أو العوائق، التي تمنعك من تحقيقها.

2. تخلَّ عن الأفكار المقيدة:

بمجرد أن تعرف ما هي أفكارك المقيدة، تقبَّلها بسرور ثم تخلَّ عنها، وفي بعض الأحيان يتطلب هذا منك تذكُّر آلامك ومخاوفك واستحضارها إلى عقلك الواعي حتى تتمكن من مواجهتها، ثم تجاوزها.

ربما تعاني عدم قدرتك على تطوير علاقة مبنية على الثقة مثلاً؛ لكنَّك تدرك أنَّه لم يكن لديك نموذج لعلاقة مثل هذه في طفولتك، فعندما تفهم سبب مشاعرك يمكنك معالجتها وإيجاد طريقة أفضل للتصرف.

3. حدِّد نواياك بعقلك الواعي:

حان الوقت الآن لإطلاق العنان لقوة التفكير الإيجابي وإعادة برمجة عقلك الباطن، يمكن لأفكارك وأفعالك الواعية إعادة برمجة عقلك الباطن في غمضة عين؛ إذ يمكن للرسالة الإيجابية إعادة برمجة ما تشعر به، ومعالجة الصدمات وتغيير العادات التي تجعل حياتنا راكدة والانتقال إلى حياة مُرضية تركز على الأشياء الأكثر أهمية.

استخدم عقلك الواعي لتوقع ما سيحدث في حياتك، فمثلاً عندما تواجه عقبة أمامك قل لنفسك: "مع أنَّني فعلت هذا في الماضي، إلا أنَّني لم أعد أفعله الآن"، سوف يستمع عقلك الباطن لهذا تماماً، كما استمع إلى المدخلات الأخرى كلها التي تلقاها سابقاً، وبمرور الوقت لا خيار أمام عقلك الباطن، سوى أن ينصاع؛ إذ لم يعد يهتم بالعادات القديمة؛ لأنَّه اكتشف عادة جديدة.

السر تصور ما تريد حدوثه ووضع خطة لكيفية رد فعلك على العوائق طوال الطريق واستخدام عقلك الواعي للبقاء على دراية، ومعرفة ما يجري، واختيار متابعة خطتك في الوقت الحالي.

4. دع عقلك الباطن يتولى زمام الأمور:

الهدف هو في النهاية السماح لوعيك بالاسترخاء والسماح لعقلك الباطن بالسيطرة، وبمجرد أن تمنح اللاوعي طريقة أخرى للتصرف، فسوف يفترض أنَّ هذه هي الطريقة التي يجب أن يستجيب بها، سواء بالكلمة أم بالفعل أم بالفكرة الصحيحة، ستكون قد أنشأت طريقة جديدة لعقلك الباطن للبحث في بنوك البيانات الخاصة به، وإيجاد طريقة إيجابية ورائعة وقوية للاستجابة.

أدوات إيجابية لمساعدتك على الاستفادة من عقلك الباطن:

توجد أشياء عديدة يمكنك القيام بها لإعادة برمجة عقلك الباطن يوماً تلو الآخر، فكن مبادراً من خلال دمجها في نظامك اليومي، وفيما يأتي نذكر بعض أكثر الطرائق نجاحاً لتسخير قوة عقلك الباطن بجهودك الواعية:

1. عبارات التحفيز الإيجابية:

يجعل عقلك الباطن كل ما تقوله وتفعله يتناسب مع نمط يتماشى مع مفهومك الذاتي "نظامك الرئيسي"، هذا هو السبب في أنَّ تكرار عبارات التحفيز الإيجابية فعال للغاية؛ إذ يمكنك في الواقع إعادة برمجة أنماط تفكيرك عن طريق الاستماع إلى مقاطع صوتية إيجابية وموجَّهة نحو النجاح، ابدأ كل يوم بعبارة تحفيز إيجابية، وقل واحدة في كل مرة تواجه فيها عقبة أو تحدِّياً.

2. الاقتباسات الملهِمة:

قراءة الاقتباسات الملهمة لها تأثير كبير في الأشخاص الملتزمين بالتفكير الإيجابي، فمن خلال تركيز تفكيرك على الكلمات والأفكار المُلهمة، سيبدأ عقلك الباطن في ترسيخ نمط إيجابي في طريقة تفكيرك ونظرتك إلى الحياة.

طبِّق المبدأ نفسه من خلال قراءة مقال ملهِم كل يوم، أو قراءة كتب مفيدة ذات صلة بأهداف حياتك، أو الاستماع إلى المدونات الصوتية التعليمية أو الملهمة، أو ومشاهدة فيديو أو فيلم تحفيزي.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

3. مبدأ باريتو (Pareto):

ينص مبدأ باريتو (Pareto) على أنَّ 80% من النتيجة في أي شيء تفعله في الحياة عادة ما تكون بسبب 20% من مجهودك الإجمالي، وهو مبدأ قوي جداً بمجرد فهمه.

اتبع هذا المبدأ من خلال التأكد من أنَّ الأشياء التي تفعلها كل يوم هي تلك التي سيكون لها أكبر تأثير في تحقيق أهداف حياتك، وعندما تجعل هذه الإجراءات أولوية، فإنَّك لن تتجاهلها أو تنساها أو تماطل فيها أو تقوم بنشاطات أخرى بدلاً منها.

4. الأهداف الذكية (SMART):

تُخزن كل عاداتك في التفكير والتصرف في عقلك الباطن، فهو يعرف مناطق الراحة الخاصة بك جميعها، ويعمل على إبقائك فيها، هذا هو السبب في أنَّه من المهم جداً جعل كتابة أهداف ذكية (SMART)عادة منتظمة، فبمرور الوقت سيصبح البقاء منتِجاً والتركيز على أهدافك جميعها جزءاً من منطقة راحتك.

قوة التفكير الإيجابي:

عقلك الباطن غير موضوعي فهو لا يفكر أو يحلل منطقياً تحليلاً مستقلاً؛ بل إنَّه فقط يطيع الأوامر التي يتلقاها من عقلك الواعي، يمكن تشبيه عقلك الواعي بالبستاني الذي يزرع البذور، وعقلك الباطن بمنزلة حديقة أو تربة خصبة تنبت فيها البذور وتنمو، هذا هو السبب في أنَّ تسخير قوة التفكير الإيجابي هام لتأسيس عملية التفكير بأكملها؛ إذ إنَّ عقلك الواعي يأمر وعقلك الباطن يطيع؛ لذلك اختر بوعي تغذية عقلك الباطن بأفكار إيجابية تزيد من قوَّتك.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر قوة عقلك الباطن في تحقيق الثروات؟

عادات الأشخاص الناجحين للغاية:

بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتطلعون إلى توسيع نطاق مناطق الراحة الخاصة بهم، فمن الهام التفكير في عادات الأشخاص الناجحين؛ لأنَّها أنماط تبنيها أذهان القادة والمفكرين العظماء، وإنَّ إطلاق العنان لقوة هذه السلوكات سيقربك خطوة إضافية من تحقيق الأشياء نفسها في حياتك.

تتضمن هذه العادات التخطيط ليومك في الليلة السابقة، وترتيب أولوياتك في قائمة مهامك وإكمال مهمتك الأكثر أهمية أولاً.

إقرأ أيضاً: 6 نقاط هامة يتناولها كتاب قوة عقلك الباطن

في الختام:

سيساعدك تعلُّم تقنيات إعادة برمجة عقلك الباطن على الإيمان بنفسك لأنَّ ثقتك لن تُهدَّد بعد الآن بسبب الخوف من المجهول؛ لكنَّ الأهم هو أنَّ القيام بذلك سوف يدرِّب عقلك على أن يتماشى مع رغباتك وأحلامك وأهداف حياتك الحقيقية.




مقالات مرتبطة