مفهوم دراسة الجدوى للمشاريع وأنواعها وأهميتها
لا شك أنَّك تساءلت يوماً كيف خاطر رجال الأعمال أمثال "بيل غيتس" و"جيف بيزوس" بالمبالغ الضخمة من أموالهم في مشاريع جديدة؟ وما الذي جعلهم واثقين من نجاح مشروعهم؟ وهل هو حدس أم إلهام نزل عليهم أن يذهبوا إلى تنفيذ هذا المشروع الذي حقَّق نجاحاً باهراً وأرباحاً خيالية؟ لا يا صديقي، الأمر ليس كذلك؛ بل السر وراء قرارهم هذا يكمن في دراسة الجدوى الاقتصادية.
أولاً: ما هي دراسة الجدوى الاقتصادية؟
توجد تعريفات عدة لدراسة الجدوى:
- دراسة الجدوى هي عملية جمع ودراسة لكافة المعلومات المتعلقة بتكاليف وإيرادات مشروع ما، والهدف منها تقييم المشروع، وتحديد مدى جدوى إنشائه من عدمها، وهي خطوة أساسية من خطوات تأسيس أي مشروع، لاتخاذ القرار الاستثماري.
- هي مجموعة من الدراسات التي تتناول الفرصة الاستثمارية من كافة جوانبها التسويقية والفنية والمالية، بهدف الوصول إلى قبولها وعَدُّها مُبررة اقتصادياً، أو رفضها وعَدُّها غير مُبررة اقتصادياً.
- هي مجموعة من الدراسات التي تدرس المشروع من كافة جوانبه، بهدف التأكد من أنَّ مخرجاته أي إيراداته، منافعه، أكبر من مدخلاته أي تكاليفه، أو على الأقل متساوية معها.
- هي عملية تهدف إلى ترشيد القرار الاستثماري، بتنفيذ الاستثمار أو التراجع عنه، بناءً على مدى جدوى هذا الاستثمار.
- هي مجموعة دراسات للبت في مدى ربحية المشروع وقابليته للتنفيذ على أرض الواقع.
ثانياً: خصائص دراسة الجدوى الاقتصادية
تتمتع دراسة الجدوى بالخصائص الآتية:
1. عمومية دراسة الجدوى:
بمعنى أنَّ دراسة الجدوى ضرورية لكل المشاريع على اختلاف أحجامها وأنواعها.
2. ارتفاع تكلفة دراسة الجدوى:
ترتفع تكلفة دراسة الجدوى للمشاريع الكبيرة، كونها تحتاج إلى إجراء دراسات دقيقة وعميقة.
3. أهمية الوقت بالنسبة إلى دراسة الجدوى:
يُعَدُّ الوقت عاملاً هاماً في دراسة الجدوى؛ فمثلاً نتائج دراسة جدوى مشروع ما أُجريت عام 2020، تختلف عن نتائج دراسة جدوى نفس المشروع تُجرى في عام 2025؛ وذلك بسبب تغيُّر البيئة والظروف الاقتصادية.
4. ترابط وتكامل مراحل دراسة الجدوى:
لا بد أن يكون ثمة ترابط وتكامل بين مراحل دراسة الجدوى، بحيث لا يمكن البدء بمرحلة معينة منها دون الانتهاء من المرحلة السابقة لها؛ إذ تكون مخرجات كل مرحلة هي مدخلات للمرحلة اللاحقة، ويتم في نهاية كل مرحلة من مراحل دراسة الجدوى، اتخاذ القرار إما باستكمال الدراسة أو التوقف وإنهائها.
5. خطأ يُولد أخطاء متتالية:
أي خطأ في أيَّة مرحلة من مراحل دراسة الجدوى، يؤدي إلى أخطاء في المراحل اللاحقة.
شاهد بالفيديو: كيف تبدأ مشروعاً تجارياً ناجحاً؟
ثالثاً: عناصر دراسة الجدوى
تقوم دراسة الجدوى على العناصر الآتية:
1. الكفاءة:
هي جوهر دراسة الجدوى، فهي تهدف إلى الحكم على كفاءة المشروع في تحقيق الربحية والإنتاجية.
2. التخطيط:
دراسة الجدوى هي بمنزلة تخطيط أو وضع خطة للمشروع.
3. التقييم:
تقوم دراسة الجدوى على تقييم المشروع اعتماداً على مجموعة من المؤشرات والبيانات التي تتوصل إليها الدراسة.
5. بدائل متاحة:
غالباً ما تتم دراسة الجدوى ضمن وجود مجموعة بدائل متاحة، وتساعد الدراسة على اختيار البديل الأفضل.
6. القرار الأفضل:
تساعد دراسة الجدوى على التوصل إلى القرار الأفضل إما بتنفيذ المشروع أو التخلي عنه.
7. المعايير المالية:
تعتمد دراسة الجدوى على معايير ومؤشرات مالية كمية، مثل: الإيرادات والتكاليف والأسعار.
8. الزمن:
تأخذ دراسة الجدوى عنصر الزمن بالحسبان، وتتوقع التغيرات في البيئة الخارجية، والتضخم، والابتكارات التكنولوجية، واهتلاك موجودات المشروع.
رابعاً: طريقة عمل دراسة الجدوى الاقتصادية
تتم دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع ما، من خلال المراحل الآتية:
1. تحديد أهداف المشروع:
من أهم خطوات دراسة الجدوى الاقتصادية تحديد أهداف المشروع، وأن تكون جديدة ومبتكرة وقابلة للتنفيذ.
2. الدراسة الأولية التمهيدية:
هي مجرد دراسة تمهيدية سطحية وعامة للمشروع، تهدف إلى الاسترشاد بها، والوصول إلى قبول فكرة المشروع أو رفضها، وفي حال قبولها يتم الانتقال إلى الدراسة التفصيلية.
3. الدراسة التفصيلية:
هي النتائج التي يتم استخلاصها من الدراسة الأولية، وهي دراسة عميقة لكل جوانب المشروع التسويقية والفنية والمالية والاجتماعية، وهي أهم مراحل دراسات الجدوى، وتكون نتيجتها إما البدء بتنفيذ المشروع أو التخلي عنه، وتُقسم الدراسة التفصيلية إلى خمسة أقسام تُكمِّل بعضها بعضاً ولا يمكن إهمال أي منها، وهي:
1. دراسة الجدوى التسويقية:
تهدف هذه الدراسة إلى دراسة السوق، وسلوك المستهلكين ودوافعهم، والشركات والمنتجات المنافسة، وإمكانية تصريف منتجات المشروع، وتوقعات معدل الطلب المحلي أو العالمي عليها، ويجب أن تكون الدراسة التسويقية دقيقة وصحيحة لأنَّ أي خطأ فيها سيؤدي إلى أخطاء في كامل الدراسة.
2. دراسة الجدوى الفنية:
تتناول الدراسة الفنية العناصر الآتية: دراسة موقع المشروع واختياره، ومدى قربه أو بعده من السوق وكلفة النقل منه وإليه، ومدى توفر البنية التحتية في المنطقة، ودرجة توطن أو تمركز الصناعة فيها، وتشابك المشروع مع غيره من المشروعات القائمة، وتخطيط عملية الإنتاج وتحديد الطاقة الإنتاجية وأساليب الإنتاج، والتكنولوجيا الملائمة، وتحديد احتياجات المشروع من اليد العاملة، والمواد الخام، والآلات، والأصول الثابتة، وتقدير التكاليف الإجمالية للمشروع.
3. الدراسة المالية:
هي أحد أساسيات اتخاذ القرار بالمضي قدماً بالمشروع أو التراجع عنه، وأهم أقسام الدراسة التفصيلية، فهي:
تتضمن قياس مدى ربحية المشروع، وتقدير التدفقات النقدية الداخلة والخارجة - التكاليف المتوقعة: كتكلفة إنشاء المشروع وتكاليف المواد والآلات ورواتب والضرائب وغيرها، وتقدير الإيرادات المتوقع - وهل صافي هذه التدفقات هو جيد أم لا؟ وتحديد مصادر تمويله، والبحث في الهيكل التمويلي الأمثل له بحيث تتوفر مصادر التمويل، سواء تمويل ذاتي أم خارجي من خلال القروض والبنوك، في الوقت المناسب، وقياس مدى قدرة المشروع على الوفاء بالتزاماته خلال عمره الافتراضي، ومدى قدرته على استرداد التكاليف خلال فترة استرداد معين.
ويتم وضع قوائم مالية تقديرية للمشروع أي خطة مالية، وتساهم هذه القوائم لاحقاً في الرقابة على تنفيذ المشروع من خلال مقارنة التدفقات الفعلية بالمُقدرة في القوائم، كما تساهم الدراسة المالية في المفاضلة بين المشاريع والبدائل الاستثمارية، من خلال حساب صافي القيمة الحالية للمشروع، ومعدل العائد الداخلي.
4. الدراسة التنظيمية والإدارية والقانونية:
تتناول دراسة القوانين التي تنظم عمل المشروع، والهيكل التنظيمي وأساليب إدارة المشروع، وتقسيم العمل وتوزيع المسؤوليات.
5. الدراسة الاجتماعية والاقتصادية:
تتناول تحليل الربحية التجارية للمشروع بالنسبة إلى المستثمر، والربحية الاقتصادية بالنسبة إلى الاقتصاد القومي والتنمية الاقتصادية، وتتناول دراسة الأثر الاجتماعي للمشروع.
4. اتخاذ القرار "Go , No Go":
تكون نتيجة دراسة الجدوى إرشاد صاحب المشروع إلى قرار "Go,No Go"، إما الذهاب إلى المشروع أو عدم الذهاب.
شاهد بالفيديو: 8 طرق لتعزيز مهارة إدارة المشاريع
خامساً: أهمية دراسة الجدوى
تكمن أهمية دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع ما، بأنَّها:
- طريقة علمية لتحديد مدى جدوى إنشاء المشروع من عدمه، من خلال مقارنة العوائد المتوقعة من المشروع بالتكاليف المتوقعة؛ وذلك بناءً على منظومة من البيانات التي تحللها دراسة الجدوى.
- تساعد المستثمر على الاختيار بين البدائل الاستثمارية المتاحة.
- تحدد دراسة الجدوى مصادر التمويل التي يحتاج إليها المشروع، مع اقتراح المصادر المناسبة.
- تساعد المستثمر على اكتشاف الفرص المتاحة للمشروع، والعمل على استغلالها، والمخاطر والتحديات المتوقعة ووضع الخطط لتجاوزها.
- تساعد المستثمر على وضع خطة لتنفيذ المشروع، وتحديد أسلوب إدارته وهيكله التنظيمي.
- تساعد دراسة الجدوى على اختيار الخيار الأمثل من حيث طاقة الإنتاج، وعدد ونوعية العمال، ووسائل وتقنيات الإنتاج المستخدمة.
- تساعد دراسة الجدوى المستثمر على رؤية فرص بديلة للاستثمار.
- تحدد دراسة الجدوى احتياجات المشروع من عمال وتجهيزات، ومواد خام بشكل دقيق من حيث الكمية والنوعية.
- تقضي دراسة الجدوى على المصالح الشخصية؛ كونها غالباً ما تتم عن طريق فريق عمل متخصص بإعداد دراسات الجدوى للمشاريع، مكوَّن من خبراء اقتصاديين ومُحللين ماليين؛ إذ توجد مكاتب وشركات استشارية خاصة بعمل دراسات الجدوى.
- تتناول دراسة الجدوى جميع جوانب المشروع، دون أن تتجاهل أي منها.
- تساعد دراسة الجدوى على تجنُّب المشاريع الفاشلة، أو تحمل المخاطر والخسائر، ومن ثمَّ تجنُّب هدر المال.
- تساعد دراسة الجدوى على تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
- تساعد المستثمر على إقناع البنوك وهيئات التمويل في جدوى فكرة مشروعه وتمويلها.
تجيب دراسة الجدوى عن الأسئلة الآتية:
- هل المشروع مُجدٍ اقتصادياً؟ أي هل سيحقق المشروع أرباحاً أم لا؟
- هل المشروع هو الخيار الأفضل بين مجموعة مشاريع بديلة؟
- ما هو الحجم ورأس المال المناسب للمشروع؟
- ما هي الميزة التنافسية التي يتمتع بها المشروع؟
- ما هو المكان الأفضل لإقامة المشروع؟
- ما هو الوقت المناسب لإقامة المشروع وطرح منتجاته؟
- ما هي فئات المستهلكين التي يستهدفها المشروع؟
- ما هي الطريقة التي سيقام بها المشروع؟
- ما هي احتياجات المشروع من عمال وآلات ومواد؟
- ما هي تكلفة المشروع؟
- كيف سيتم تمويل المشروع؟
- هل يتوافق المشروع مع القوانين وسياسة الدولة أم لا؟
في الختام: دراسة الجدوى هي صمام أمان لأموالك
يقول "ديفيد إي غومبرت": "على الرغم من أنَّ دراسة جدوى غير ناجحة قد تبدو كأنَّها فشل، إلا أنَّها ليست كذلك، فالفشل يتحقق لو أنَّك استثمرت أموالك وأموال الآخرين، ثم خسرتها بسبب العوائق التي فشلت في البحث عنها مسبقاً".
يحتاج أي مشروع مهما كبر أو صغر حجمه، ومهما كان نوعه، لو كان أضخم مشروع في العالم، أو أصغر مشروع، إلى دراسة الجدوى، ومن ثم اتخاذ القرار بإنشائه أم لا، وأثبتت الكثير من الحالات التي لم تتم فيها دراسة الجدوى سواء عن جهل أم عن عمد، فشل هذه المشاريع، وخسارة أضعاف الأموال التي كانت ستُنفق على دراسة الجدوى لو تمت؛ لذا إن كان لديك فكرة ما وتريد تحويلها إلى مشروع، حتى تضمن نجاح مشروعك، وتحقيق الأرباح، وعدم تعرُّضك للخسارة غير المحسوبة، فلا تتردد في دراسة الجدوى.