مفهوم المنهج التجريبي أهميته وأنواعه

عندما تشرب كوب قهوتك الصباحي قد تلاحظ أنَّه اليوم ألذ من أيِّ وقت مضى، وهنا سوف تقوم باسترجاع خطوات تحضيره لتكتشف ما هي الخطوة التي قمت بها بصدفة معينة، وكانت السبب في اكتسابه هذه النكهة الفريدة، فإذا ما وصلت لاحتمال معين سوف تقوم بتجريبه في اليوم التالي لترى إذا ما كان حقاً هو السبب، وإذا ما كان فعلاً السبب في النتيجة التي وصلت إليها، فإنَّك ستعممه.



أترى هذا المنهج الفطري الذي اتبعته للوصول إلى نتيجة معينة (الملاحظة، والتجربة، ثم التعميم)؟ إنَّه نوع من أنواع المناهج المستخدمة في الأبحاث العلمية يدعى المنهج التجريبي، وهو منهج من أفضل المناهج المتبعة وأكثرها فائدة؛ لذا فإنَّ موضوع مقالنا لهذا اليوم سيكون عن مفهوم المنهج التجريبي وأنواعه وأهميته، فتفضلوا بالقراءة.

مفهوم المنهج التجريبي:

يمكن تعريف مفهوم المنهج التجريبي على أنَّه واحد من أهم مناهج البحث العلمي وأفضلها وأكثرها شيوعاً وانتشاراً، وهو منهج بحثي قائم في أساسه على تحديد المنهج المتبع في ظهور نتيجة ما، من خلال دراسة الضوابط والمتغيرات والشروط المؤثرة في ظاهرة معينة يقوم الباحث بالاستقصاء عنها ودراسة نتائجها.

يعتمد المنهج التجريبي على التجربة اعتماداً أساسياً، والتي تكون أداة الباحث في إثبات نتيجة ما أو ظاهرة معينة، مع الأخذ بالحسبان الشروط التي ساهمت في نجاح هذه التجربة، ويكون ذلك عبر تفنيد جميع التغيرات ودراستها، والتي يُرجَّح أن تكون سبباً في حدوث هذه الظاهرة، لتأكيد الصحيح منها ونفي الخاطئ.

في تعريف آخر لمفهوم البحث التجريبي يمكن القول إنَّه واحد من مناهج البحث العلمي التي توفر للباحث الطريق للوصول إلى معلومات وبيانات يبحث عنها، عن طريق أسلوبَي الملاحظة والرصد (المباشر وغير المباشر) للتغيرات التي تربط بين السبب والنتيجة، ويُعدُّ هذان الأسلوبان أساس منهج البحث التجريبي وجوهره.

لا يمكن للباحث تطبيق المنهج التجريبي اعتباطياً؛ بل يجب عليه أولاً الاطلاع على كافة التفاصيل المتعلقة بالبحث، وإدراك محيطه إدراكاً فعلياً ودقيقاً؛ إذ تكون المتغيرات التي يُحدِثها معزولة تماماً عن أيِّ تأثير خارجي من الممكن أن يتسبب في انحراف نتائج البحث عن الصحة والدقة.

أهمية المنهج التجريبي:

إنَّ أهمية المنهج التجريبي تتجلى في الإضافات القيمة التي يقدمها لعمليات البحث العلمي، وتكون هذه الإضافات موثوقة كونها مبنية على أساس الملاحظات المضبوطة والتجارب الملموسة، وبعيدة عن القوانين العامة التي لا تأخذ بالحسبان الحالات الخاصة والفردية الموجودة في التجربة العلمية.

تتبدَّى أهمية المنهج التجريبي في إتاحته للباحث فرصة الحصول على نتائج صحيحة ودقيقة، واستنباط القوانين اللازمة للوصول إلى النتائج السليمة للتجربة، والتي تساعد بدورها الباحث على المضي قدماً في التعامل مع الظاهرة وسبر أبعادها.

إنَّ أهمية البحث التجريبي تظهر في صورتها الأوضح في مجال العلوم التطبيقية، ففيها تُكتشف الروابط الخفية بين الظواهر المتباينة، ومن خلالها يتمكَّن الباحث من التأكد من صحة الفرضيات التي قام بوضعها؛ إذ تؤيد التجربة صحة الفرضية أو تدحضها؛ ومن ثَمَّ يتمكَّن الباحث من إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهه في أثناء إجراء التجربة.

كما أنَّ المنهج التجريبي يمنح الباحث المرونة اللازمة للتحكم بالمتغيرات والعوامل الرئيسة في التأثير في التجربة، فيقيدها جميعاً ويضبط تأثيرها، تاركاً الحرية لمتغير واحد يسبر بالاختبار والتجريب أبعاد تأثيره.

أهداف المنهج التجريبي:

فيما يأتي أهداف المنهج التجريبي، وهي الغايات التي يتبع من أجلها هذا النوع في مجال البحث العلمي:

1. تفسير الأبحاث النفسية والتربوية:

وفي مثل هذه الحالات يحصل الباحث على تفسير للفرضيات التي يستخدمها في المنهج التجريبي، والتي حصل عليها عن طريق المعطيات والبيانات الموجودة بين يديه.

2. التنبؤ بالدراسات التجريبية:

إذ إنَّ الباحث في هذه الحالة يستطيع التحكم بالمتغيرات الموجودة في الدراسات التجريبية والموجودة في مستويات مختلفة ومتعددة، وهذا يفتح الأفق أمام مراحل متقدمة من التفسير.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

مراحل المنهج التجريبي:

فيما يأتي الخطوات التي يمر بها المنهج التجريبي، والتي تميز هذا المنهج البحثي عن غيره من مناهج البحث العلمي المتوافقة غالباً في خطوطها العريضة، وعليه فإنَّ مراحل المنهج التجريبي هي:

1. مرحلة تحديد المشكلة:

هي أول مراحل المنهج التجريبي، وفيها يقوم الباحث بتحديد مشكلة البحث وتوصيفها وتصنيفها بطريقة تمكِّنه من معالجتها بواسطة المنهج التجريبي.

2. مرحلة صياغة العروض:

هي ثاني مراحل المنهج التجريبي، وفيها يضع الباحث الفروض مبيناً أثر المتحول المستقل في المتحول التابع؛ وذلك من أجل توضيح العوامل المؤثرة في الظاهرة التي يقوم بدراستها.

3. تحديد مجتمع البحث:

في ثالث مراحل المنهج التجريبي يقوم الباحث باختيار المجتمع الذي سيقوم بالدراسة فيه، ويراعي في العينة التي يأخذها أن تكون ممثلة للمجتمع الأصلي للبحث؛ إذ يجوز أن تكون العينة المختارة غير شاملة لجميع مكونات المجتمع الأصلي.

إقرأ أيضاً: خطوات البحث العلمي وأهميته وأهدافه

4. اختيار التصميم التجريبي الأفضل:

في المرحلة الرابعة من مراحل المنهج التجريبي يعتمد الباحث على إثبات العلاقة بين متغيرات الدراسة أو دحض هذه العلاقة.

5. القياس القبلي:

هي خامس مراحل المنهج التجريبي، وفيها يقوم الباحث بتحديد المستوى لأعضاء الجماعات بحسب المتغير التابع.

6. تنفيذ التجربة:

هي المرحلة السادسة من مراحل المنهج التجريبي، وفيها يقوم الباحث بإدخال المتغير المستقل على المجموعة التجريبية من أجل تحديد تأثيره فيها ومحاولة التوصل إلى مسبب الظاهرة المدروسة.

7. المقياس البعدي:

في سابع مراحل المنهج التجريبي يقوم الباحث باستخلاص القياسات الجديدة لمستوى أعضاء الجماعات من أجل مقارنتها بالمقياس القبلي، الأمر الذي يوضح مدى تأثير المتغير المستقل في الظاهرة التي تُدرَس.

8. تنظيم البيانات ومعالجتها إحصائياً:

في ثامن مراحل المنهج التجريبي يستخدم الباحث القوانين الإحصائية من أجل تحديد الدلالات الإحصائية بين المتغيرات، وعليه تُقبل فروض الدراسة أو تُدحض.

9. تفسير البيانات:

في هذه المرحلة تُحلَّل البيانات وتُفسَّر، وتُحوَّل إلى معلومات ومنها إلى حقائق مرتبطة بالظاهرة المدروسة، وتقوم عملية التفسير على إظهار العلاقة بين الحقائق التي تم التوصل إليها.

10. التوصيات:

في المرحلة الأخيرة من مراحل المنهج التجريبي تُظهَر نتائج التجربة ونتائج البحث العلمي التي توصَّل إليها الباحث من أجل تحقيق الاستفادة العلمية.

شاهد بالفديو: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة

أنواع المنهج التجريبي:

أنواع المنهج التجريبي تنقسم إلى ما يأتي:

1. تصميم المنهج قبل التجريبي:

يُعدُّ هذا النوع من أبسط أنواع المنهج التجريبي، فهو يعتمد على التصاميم البسيطة لمنهج البحث، والتي توفر التكاليف على الباحث، وفي هذا النوع يقوم الباحث بإحضار مجموعة أو أكثر من المتغيرات ويضعها تحت ملاحظته ليقوم بسبر تأثيرها وتحديده مرفقاً بالعوامل التي تسببت به.

ينقسم هذا النوع بدوره إلى ثلاثة أنواع هي:

  • تصميم بحث لحالة واحدة.
  • تصميم بحث لمجموعة واحدة قبل الاختبار وبعده.
  • تصميم مقارنة لمجموعة محددة.

2. تصميم المنهج شبه التجريبي:

هو النوع الثاني من أنواع المنهج التجريبي، وهو التصميم الذي يلجأ إليه الباحثون لاستخدامه في المجالات النفسية والتربوية؛ وذلك بسبب سهولة تنفيذه وسرعته، كما أنَّه يوفر الجهد والوقت على الباحثين، وهو بدوره ينقسم إلى الأنواع الآتية:

تصميم المجموعة الواحدة والاختبار البعدي:

في هذا التصميم يقوم الباحث باختيار مجموعة واحدة؛ ومن ثَمَّ إدخال المتغير المدروس، وبعد ذلك يقوم بإجراء اختبار بعدي، وعلى هذا الأساس يقوم الباحث بتفسير النتائج التي حصل عليها بأنَّ التغيير الذي طرأ على المجموعة هو بسبب المتغير المستقل الذي أدخله على الدراسة.

تصميم المجموعة الواحدة والاختبار القبلي والبعدي:

في هذا النوع وبعد أن يختار الباحث مجموعة محددة يقوم بتطبيق اختبار قبلي عليها؛ ومن ثَمَّ يقوم بإدخال المتغير المراد دراسة تأثيره وبعدها يطبِّق الاختبار البعدي، ليقوم لاحقاً بتفسير النتائج.

تصميم المجموعتين والاختبار البعدي:

في هذا النوع يختار الباحث مجموعتين بدل المجموعة الواحدة، ويقوم بإدخال المتغير على مجموعة واحدة منها؛ ومن ثَمَّ يقوم باختيار بعدي منفصل لكل من المجموعتين، ويقوم بمقارنة النتائج التي حصل عليها، ويعلِّل سبب الفرق بين نتيجتي الاختبارين البعديين بدخول المتغير التجريبي على مجموعة منهما دون الأخرى.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لجعل التعلم الذاتي فعالاً بالنسبة إليك

3. تصميم المنهج التجريبي الحقيقي:

في هذا النوع من أنواع المنهج التجريبي تتطلب التصاميم اختيار أفراد المجموعة عشوائياً دون أن يشرف الباحث على عملية الاختيار، وهو التصميم الأكثر دقة بين أنواع تصاميم البحث التجريبية، ويمتلك هذا النوع من التصاميم القدرة على إيجاد الرابط بين السبب والنتيجة، سواء داخل مجموعة واحدة أم مجموعات عدة.

يمكن استخدامه في مجال العلوم الطبيعية؛ إذ يمكِّن الباحث عند استخدامه من استنباط العلاقات بين المتغيرات، وسبر صحة الفرضيات والتوقعات التي وضعها، كما يساعده على إيجاد الإجابة عن أسئلته البحثية.

ينقسم هذا النوع بدوره إلى الأنواع الآتية:

  • تصميم البحث لمجموعتين بالاختبار القبلي والبعدي.
  • تصميم البحث لمجموعة تجريبية ومجموعة ضابطة.
  • تصميم البحث لمجموعة تجريبية ومجموعتين ضابطتين.
  • تصميم البحث لمجموعة تجريبية وثلاث مجموعات ضابطة.
  • تصميم المجموعات الأربع.

في الختام:

إنَّ المنهج التجريبي هو واحد من مناهج البحث العلمي، والذي يتميز عن غيره من المناهج باعتماده على التجربة، والتي تبدأ بملاحظة ظهور نتائج مختلفة، ثم بوضع الفرضيات التي يرجح تسببها في حدوث هذا التغيير والشروع بتجربة المتغيرات؛ ومن ثَمَّ التوصل إلى نتيجة نهائية تدعم الفرضية وتثبت صحتها أو تنفيها، وتدحض ادعائها.

إنَّ استخدام المنهج التجريبي في البحث العلمي يدعم الحصول على نتائج صحيحة، كونها مبنية على تجارب قام بها الباحث، وليست نتيجة تطبيق قوانين عمومية.




مقالات مرتبطة