مفهوم السلوك الإجرامي وأسبابه

لا يمر يوم أو أسبوع أو حتى شهر على أبعد تقدير دون أن نسمع بأنَّ أحدهم قام بقتل فلان أو سرقته أو قام بسطو مسلح على مكان ما أو اختطف فتاة أو أُلقي القبض على شخص يتاجر بالمخدرات أو غيرها من الجرائم التي تترك خوفاً في نفوسنا، ولا يمكننا إنكار اعتقادنا يوماً أنَّ الجرائم التي نشاهدها في المسلسلات والأفلام هي أحداث متخيلة وغير واقعية، ثم نُصدم عند حدوث جريمة في الواقع مشابهة كثيراً لما رأيناه في الأفلام، فنفكر ونسأل أنفسنا "هل توجد في حياتنا تلك النماذج من البشر أم ما سمعناه مجرد حديث مبالغ به؟".



ينتابنا الخوف على حياتنا وحياة من نحب؛ إذ نقابل الكثير من الناس يومياً ولا يمكننا معرفة كل شخص على الرغم من أنَّنا نحن البشر نولد بفطرة سوية وسليمة، فما الذي يصل بالإنسان إلى ارتكاب جريمة؟ وهل السلوك الإجرامي هو سلوك فطري أم مكتسب؟ وقبل ذلك كله ما هو السلوك الإجرامي؟

مفهوم السلوك الإجرامي:

يعني السلوك الإجرامي في الشريعة الإسلامية قيام الإنسان بالأفعال المحظورة التي نهى الله تعالى عن الإقدام عليها أو الامتناع عن القيام بما أمرنا به، ومن الناحية القانونية فإنَّ السلوك الإجرامي هو قيام الإنسان بالأعمال التي نهى القانون عنها، فيجب تلقِّي العقاب نتيجة ذلك، أما من الناحية الأخلاقية فهو أي عمل غير إنساني بعيد عن الأخلاق الحميدة والأعراف التي وضعها المجتمع.

يختلف السلوك الإجرامي باختلاف المجتمع، فلكل مجتمع معاييره وأحكامه وقيمه وعاداته السائدة، أما من الناحية النفسية فالسلوك الإجرامي هو القيام بأفعال تتنافى مع الغرائز الإنسانية السوية والقيام بأفعال لإشباع الغرائز الشاذة للإنسان.

قامت بعض التعاريف في علم النفس بالمزج بين المفهوم القانوني والاجتماعي والنفسي للسلوك الإجرامي في تعريف يوضح السلوك الإجرامي على أنَّه قيام الإنسان بالأفعال التي يُسأل عنها ويُعاقب عليها إن توفرت لديه الحرية والإرادة والاختيار؛ أي يجب التركيز على حالة الشخص النفسية والعقلية والصحية أيضاً قبل تصنيف سلوكه بأنَّه إجرامي، ويظهر السلوك الإجرامي بشكلين كما يأتي:

  • النشاط الإيجابي: ويشمل قيام الفرد بأفعال إجرامية مستخدماً جسده في ذلك مثل القتل أو السرقة أو الاغتصاب.
  • النشاط السلبي: وهو امتناع الفرد عن القيام بعمل إنساني أو واجب قانوني بإمكانه القيام به والسماح بالقيام بالأفعال الإجرامية كامتناع شرطي المرور عن تنظيم السير أو امتناع رجال الشرطة عن إيقاف عملية سرقة تتم أمامهم.

أسباب السلوك الإجرامي:

بعد معرفة مفهوم السلوك الإجرامي من نواحٍ عدة يجب أن نعرف الأسباب وراء ذلك، وإليك أبرز الأسباب وراء السلوك الإجرامي:

1. النظرية البيولوجية:

"المجرم وُلد ليكون مجرماً" تلك نظرية العالم الإيطالي "تشيزري لومبروزو" الذي توصل إلى أنَّ المجرمين متشابهون في صفاتهم الخارجية كالآذان الكبيرة والجبهة الصغيرة والشعر المجعد والأذرع الطويلة والذقن الصغيرة والطول أو القصر غير العادي؛ أي باعتقاده فإنَّ بعض البشر يولدون وهم يحملون صفات إجرامية وعدوانية.

لكن اختلف الكثير من علماء الاجتماع والنفس مع هذه النظرية، فالسلوك الإجرامي لا يمكن أن يكون موروثاً كما نرث الطول ولون العينين ولون البشرة؛ وذلك بسبب عدم وجود غدد تحفز السلوك الإجرامي أو تحدد سلوك الإنسان.

إقرأ أيضاً: السلوك العدواني: الخصائص، والدوافع، وكيفية الوقاية

2. الدفاع عن النفس:

يقع الإنسان أحياناً في مشكلات خطيرة تدفع أحداً ما لتهديده بالقتل مثلاً أو حتى محاولة قتله، فتدفعه غريزة البقاء إلى اتباع السلوك الإجرامي فيقوم بأفعال غير قانونية بهدف الدفاع عن نفسه، ويختلف نوع هذه الأفعال ودرجة خطورتها باختلاف التهديد المعرض له والضغط النفسي الذي يعيشه.

3. العوامل المادية:

كثيراً ما يدفع الفقر الإنسان إلى القيام بأفعال منافية للأخلاق التي تربى عليها ومخالفة للقوانين العامة بهدف تأمين احتياجاته واحتياجات عائلته؛ إذ يزداد اندفاع الإنسان للسلوك الإجرامي عند تحمُّله لمسؤوليات كبيرة، ومن هذه السلوكات الإجرامية نذكر الرشوة والتزوير والاحتيال.

مثلاً سيذكر الناس دائماً أنَّه في عام 2022 قامت فتاة لبنانية تدعى "سالي حافظ" باقتحام مصرف في "بيروت" وكانت تحمل مسدساً وهددت بإحراق نفسها بعدما قامت بسكب البنزين على الموظفين وعلى نفسها أيضاً بهدف الحصول على أموالها التي امتنع المصرف عن إعطائها إياها، فعند سماع ذلك الخبر نُصدم من كم الإجرام الموجود لديها، ولكنَّ الدافع لذلك كان الحصول على أموالها لعلاج شقيقتها المصابة بمرض السرطان، وبالطبع قد يكون السبب وراء السلوك الإجرامي أيضاً الجشع والطمع أو تحقيق مصالح اقتصادية وليس الحاجة المادية.

شاهد بالفديو: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها

4. إثبات الذات:

تختلف الطرائق التي يتبعها البشر في إثبات قدراتهم في الحياة، فبعضهم يختار العلم أو المال وسيلة لذلك، وبعضهم الآخر يقوم بسلوكات عدوانية بهدف إثبات نفسه من خلال إخافة المحيطين به، لكن قد يتطور الأمر ويصل إلى السرقة والسلب أو الاختطاف والاغتصاب، وغالباً ما يقوم بتطبيق هذه الجرائم على أشخاص تحدوه سابقاً وكسبوا التحدي فيريد الانتقام منهم.

5. التربية:

قد يكون السبب وراء السلوك الإجرامي قسوة الوالدين، فتعرُّض الإنسان للضرب والشتم والصراخ والعقاب في طفولته باستمرار يجعله يعتاد على الاعتداء ويقوم بتطبيقه على الآخرين كلما سمحت له الفرصة بذلك، فمثلاً نجد طفلاً يقوم بضرب القطط ومحاولة قتلهم أو تشويههم فنشعر بغرابة تصرفاته على الرغم من سنه الصغير، إلا أنَّه يطبق على من هم أضعف منه ما يتم تطبيقه عليه من قِبل أهله ليكبر لاحقاً ويصبح سلوكه إجرامياً في الحياة.

6. البيئة الفاسدة:

فالإنسان وليد البيئة المحيطة به، لذلك إن كبر في بيئة تنظر إلى السرقة أو الضرب أو القتل على أنَّهم أمر طبيعي الحدوث فليس من الغريب قيامه بهذه الأفعال، فكما يتأثر الإنسان بصلاح من حوله يتأثر بفسادهم أيضاً، وينطبق الأمر نفسه عندما تكثر مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تعرض مشاهد العنف وتتحدث عن الجرائم.

الشخص الناضج يمكنه استيعاب ذلك، ولكنَّ مشاهدة الطفل لتلك المشاهد قد تدفعه إلى تقليدهم ليصبح السلوك الإجرامي هو سلوكه الطبيعي، وبحسب ما ذكره الباحث "ألبرت باندروا" فإنَّ الطفل يتعلم السلوك الإجرامي من خلال نماذج أساسية ثلاثة هي الأسرة والمحيط الاجتماعي ووسائل الإعلام.

7. الحالة النفسية:

لا يمكن الفصل بين بعض الأمراض النفسية والسلوك الإجرامي مثل الفصام أو الاكتئاب ثنائي القطب أو حالات الهوس التي تدفع الإنسان إلى ارتكاب الجرائم بدم بارد وكأنَّ عقله مغيَّب تماماً، فلا يستطيع معرفة مدى خطورة تصرفاته نتيجة غياب الوعي اللازم لتقدير نتائج أفعاله، فقد سمعنا أنَّ شخصاً قام بقتل زوجته وطفليه ثم انتحر بسبب ضغط نفسي كان يمر به لسنوات على الرغم من كونه شخصاً متعلماً ويعمل بمكان جيد ولم يبدِ مسبقاً أيَّة تصرفات مسيئة أو إجرامية، إلا أنَّه في الواقع كان يعاني من اضطراب نفسي أدى إلى سلوكه الإجرامي.

شاهد بالفديو: 10 طرق فعّالة لتعزيز قوّة إرادتك

علاج السلوك الإجرامي:

لا يختلف السلوك الإجرامي عن أي مرض يصيب الجسد فيضعفه شيئاً فشيئاً ويودي به إلى الموت إن لم يتم تلقيه للعلاج المناسب، ومن إجراءات علاج السلوك الإجرامي نذكر ما يأتي:

1. معرفة الحالة النفسية للشخص:

التي يمكن من خلالها معرفة الأسباب التي جعلت سلوكه إجرامياً، فإن كان السبب هو مرض نفسي أو عقلي فهنا يجب الانتقال إلى مرحلة العلاج النفسي لهذا الاضطراب.

2. طريقة التعامل معه:

لا يجب فقط وضع مرتكب الأفعال الإجرامية في السجن وحكمه بعدد معين من الأشهر أو السنوات بحسب جرمه وتركه حتى يتلقى عقابه؛ إنَّما يجب إعادة تأهيله على المستوى النفسي والاجتماعي والتعليمي أيضاً خلال فترة معاقبته، ليستطيع العودة إلى الحياة خارج السجن بصفته إنساناً سويَّاً وليس بصفته مجرماً، إضافة إلى أنَّ هذه الطريقة تساعده على تجاوز فترة العقوبة بشكل أسهل فلا تسوء حالته النفسية أو العقلية.

إقرأ أيضاً: كيف تتفادى التحول إلى شخصية سامة؟

3. علاج المشكلات الاجتماعية:

فكل منا قادر على أن يساهم ولو بجزء صغير في علاج المشكلات التي تدفع بالناس إلى الأفعال الإجرامية، مثل القيام بحملات التوعية ضد المخدرات والكحول، والتبرع قدر الإمكان للفقراء والجمعيات الخيرية، والمساعدة على تأمين العمل لمن يريد، وتربية الأطفال تربية صالحة، والانتباه إلى ما يشاهدونه عبر وسائل الإعلام وإلى البيئة المحيطة بهم في المدرسة وفي كل مكان يترددون إليه.

في الختام:

السلوك الإجرامي هو القيام بالأفعال المنافية للأخلاق والعادات السائدة في المجتمع وكل ما نهى القانون عنه وفرض العقوبات عند القيام به، وقد لقي السلوك الإجرامي اهتماماً كبيراً لدى الباحثين في علم النفس والاجتماع لمعرفة الأسباب وراء ظهوره، فقد اعتقد بعض الباحثين أنَّ السلوك الإجرامي يرتبط بجينات معينة يحملها الشخص، واعتقد آخرون أنَّ السلوك الإجرامي مكتسب نتيجة الظروف التي نشأ بها الإنسان.

تعرُّض الإنسان للعنف من عائلته والتنمر والقسوة يجعل منه مجرماً أحياناً، أو نشأته في بيئة كثرت فيها الجرائم أو مشاهدته لمشاهد العنف والقسوة بكثرة سواء في الواقع أم عبر وسائل الإعلام، ولا يمكن إنكار تأثير الوضع المادي الصعب في الإنسان الذي كثيراً ما يدفعه إلى أفعال إجرامية، كما يدفعه إلى ذلك الاضطراب النفسي أو العقلي الذي يعاني منه؛ إذ ارتبطت الكثير من الجرائم بالأمراض النفسية، ولمعالجة السلوك الإجرامي يجب تحديد الأسباب التي نتج عنها وعلاجها وإعادة تأهيل وتهيئة الإنسان للحياة بعيداً عن الاعتداء أو الإجرام أو حتى القسوة في التعامل.




مقالات مرتبطة