مفهوم الذكاء الاجتماعي وعلاماته وطرق تنميته

يعيش الإنسان في حياته الكثير من المواقف التي يصعب التعامل معها في بعض الأحيان، ويقابل الكثيرين من الناس؛ يستطيع بناء علاقة ناجحة مع بعضهم ببساطة وسلاسة، ويبتعد عن بعضهم الآخر بسبب صعوبة التعامل معهم، ولكنَّ الإنسان وبحكم عمله أو دراسته أو حتى الروابط الأسريَّة يكون مضطراً إلى التعامل مع أشخاص لا يوجد بينه وبينهم أي نوع من التفاهُم، فما العمل عندها؟



يجب أن يكون الإنسان قادراً على التعامل مع الآخرين حتى عند وجود الكثير من الاختلافات بينه وبينهم، وحتى الأشخاص ممَّن يتَّفق معهم قد يخسر العلاقة التي تربطه بهم نتيجة عدم القدرة على التصرُّف بشكل صحيح؛ لذلك لا بدَّ من تحلِّي الإنسان بالذكاء الاجتماعي كي يستطيع النجاح في مختلف مجالات الحياة، فمن الصعب تحقيق النجاح على كافة الأصعدة إن لم يستطع النجاح في تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، فما هو الذكاء الاجتماعي؟ وهل يمكن تنميته عند الجميع؟ وكيف يمكن ذلك؟

سنجيب عن جميع هذه الأسئلة في مقالنا هذا.

مفهوم الذكاء الاجتماعي:

هو قدرة الإنسان على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية تتَّسم بالاحترام والانسجام والتعاون والتعاطُف أيضاً؛ وذلك من خلال القدرة على فهم المشاعر والأحاسيس الداخلية وقراءة الحالات النفسية والعقلية والدوافع للأشخاص الآخرين؛ لذلك يتمكَّن مَن يتمتع بالذكاء الاجتماعي من التصرُّف الجيد في المواقف الاجتماعية على اختلافها.

ذلك نتيجة معرفته كيفية إدارة مشاعر الآخرين وفهم نواياهم والتنبؤ بردود الأفعال التي ستصدر عنهم؛ من خلال تعبيرات الوجه ونبرات الصوت وغيرها من التفاصيل والمظاهر البسيطة التي لا ينجح الكثيرون في ملاحظتها، بسبب تمتُّع الفرد بقدرٍ عالٍ من الذكاء العاطفي؛ إذ يمكنه فهم نفسه جيداً وإدارة عواطفه بشكل دائم؛ أي الذكاء الاجتماعي متعلق بالذكاء العاطفي بشكل كبير؛ وذلك لأنَّ الإنسان لن يتمكن من فهم الآخرين إن لم يتمكَّن أولاً من فهم نفسه جيداً.

شاهد بالفيديو: 7 مهارات للذكاء الاجتماعي

علامات الذكاء الاجتماعي:

هي الصفات أو السلوكات التي يتميز بها مَن يتمتع بالذكاء الاجتماعي، ونذكر منها ما يأتي:

1. التحدث بمهارة:

إنَّ الذكي اجتماعياً هو شخص قادر على إدارة الحوار بطريقة مميزة ولائقة ومهذبة أيضاً باختلاف الطرف الآخر؛ إذ نجد هذا النوع من الأشخاص قادراً على التحدُّث إلى كل شخص بطريقة تناسبه؛ فمثلاً طريقة التحدُّث إلى المدير في العمل تختلف عن طريقة التحدُّث إلى زميل العمل وتختلف أيضاً عن طريقة التحدُّث إلى صديق؛ وذلك ما يجعل الشخص الذكي اجتماعياً لافتاً للانتباه إن تحدَّث في الجلسات الاجتماعية أو الاجتماعات العمليَّة.

2. المعرفة الجيدة بالعادات والمعايير الاجتماعية:

إنَّ طريقة التعامل مع الآخرين تختلف باختلاف الموقف الذي نكون فيه، والذكي اجتماعياً هو مَن يستطيع تحديد الطريقة التي يجب أن يتحدَّث بها ويتصرف بها تبعاً للموقف أو المكان؛ فمثلاً تختلف طريقة التعامل مع الأشخاص نفسهم عند رؤيتهم في حفل زفاف وعند رؤيتهم في عزاء.

3. حسن الاستماع:

يرتاح الإنسان عادةً إلى الشخص الذي يستمع إليه جيداً ويُظهر الاهتمام بحديثه حتى إن لم يكُن ضمن اهتمامات المستمِع؛ وهذا ما يجعل الناس يرتاحون للحديث إلى الذكي اجتماعياً؛ وذلك لأنَّه يمتلك مهارة الاستماع الجيد فيتسبب للطرف المتحدث بالإحساس بنوع من السعادة نتيجة الراحة في الحديث.

4. فهم الآخرين:

يكون الشخص الذكي اجتماعياً قادراً على الإحساس بالآخرين وفهم مشاعرهم؛ وهذا يعني أنَّه شخص قادر على الوقوف إلى جانب الأشخاص في ظروفهم السيئة وقادر على مساعدتهم على تخطي الأزمات والمشكلات وخاصةً النفسية منها.

5. الكفاءَة الاجتماعية:

من الذكاء الاجتماعي أن يكون الشخص قادراً على التعامُل مع شخص آخر تبعاً لعمره؛ إذ نجد الذكي اجتماعياً قادراً على ملاطفة الطفل الصغير واللعب معه وفي نفس الوقت يكون قادراً على الجلوس مع شخص مسن والتحدُّث إليه والاستماع إلى حديثه؛ أي الذكي اجتماعياً يعطي لكل إنسان حقه في الحديث وهذا ما يعطيه ثقة عالية بالنفس.

6. ترك أثر جيد في الآخرين:

يبذل الإنسان أحياناً الجهد في سبيل ترك انطباعٍ جيد لدى الآخرين، ولكنَّ الذكي اجتماعياً يمكنه بسهولة ترك أثر جيد في نفس كل من يراه ويتحدث إليه، وهذه الصفة مفيدة جداً في الحياة الاجتماعية والعملية.

7. رحابة الصدر:

يكون الشخص الذكي اجتماعياً قادراً على الاستماع إلى مختلف وجهات النظر حتى المخالفة لوجهة نظره، ويكون قادراً على تقبُّلها أيضاً دون مجادلة الآخرين في سبيل إقناعهم بصحة وجهة نظره، ودون أن يطلب من أحد أن يغير آراءَه في أي موضوع، وهذا ما يجعله يبدو إنساناً مسالماً نوعاً ما وبعيداً عن المشاحنات والعصبية.

عوامل تؤثر في الذكاء الاجتماعي:

يتأثر الذكاء الاجتماعي في عدَّة عوامل هامة، ومنها ما يأتي:

1. المعلومات التي نمتلكها:

كلَّما زادت معلوماتك عن شخص معيَّن، زاد فهمك له، ومن ثم تصبح قدرتك على التفاعل معه وإنشاء علاقة متينة أكبر بكثير.

2. دقة المعلومات التي نمتلكها:

كلَّما كانت المعلومات التي تمتلكها على مقدار عالٍ من الدقة، كانت ثقتك بالحديث والنقاش أكبر، ومن ثم تأثيرك وقدرتك على إدارة الحوار أيضاً أكبر.

3. الذكاء اللفظي:

أي قدرتك على انتقاء الكلمات المناسبة؛ وذلك لأنَّ اللغة لها دور كبير في إيصال الفكرة المناسبة للشخص الموجود أمامك، ومن ثم لها دور هام في بناء علاقة جيدة مع الآخرين.

4. المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للإنسان:

كثيراً ما يفرض مستواك الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي عليك فرصاً للتعامل مع أناس مختلفين، ويفرض عليك زيارة أماكن مختلفة وحضور نشاطات مختلفة؛ فمثلاً إنسان يعيش في الريف يقابل عدداً محدداً من الأشخاص يومياً، وغالباً يكون أهل الريف على معرفة جيدة ببعضهم، لكن ستكون نسبة الذكاء الاجتماعي له مختلفة عن فرد يعيش في المدينة، وفي نفس الوقت يوجد اختلاف بين شخص يعمل في التجارة وشخص يعمل مدرِّساً.

كيفية تنمية الذكاء الاجتماعي:

على الرغم من تمتُّع الكثيرين بالذكاء الاجتماعي بشكل تلقائي، إلَّا أنَّه يمكن تنميته لدى الجميع، وتوجد عدَّة طرائق لذلك منها ما يأتي:

1. تطوير الذكاء العاطفي:

من الضروري أن يفهم الإنسان نفسه في البداية قبل سعيه إلى فهم مشاعر وأفكار الآخرين؛ وذلك لأنَّ إدراك المشاعر الذاتية يساعد على التحكُّم بها والسيطرة عليها في لحظات الانفعال والغضب، وهذا يعني القدرة على السيطرة على التصرفات، وخاصةً رد الفعل العصبي.

2. احترام الطرف الآخر:

من الضروري احترام جميع الناس على اختلاف الانتماءات السياسية أو الدينية أو العرقيَّة أو غيرها من الأمور التي تدفع بعض الأشخاص إلى إصدار أحكام مسبقة على الآخرين وهذا أمر خاطِئ، أمَّا الذكاء الاجتماعي فيفرض على الإنسان التعامُل مع الآخرين بناءً على شخصيَّة كل إنسان بما تحمله من أفكار، كما يفرض تقبُّل الطرف الآخر مهما كانت الاختلافات كبيرة.

3. تقدير وضع كل إنسان:

من الضروري أن يضع الفرد نفسه في مكان الطرف الآخر كي يستطيع فهم طبيعته؛ وذلك لأنَّ طبيعة كل إنسان تتعلَّق بالصعوبات والضغوطات والأزمات التي تعرَّض لها في حياته، إضافة إلى الخلفية الاجتماعية التي يعود إليها، فعند فهم الإنسان، تصبح طريقة التعامل معه واضحة وسهلة.

4. الدبلوماسية:

التي تعني أن يكون الإنسان قادراً على التصرُّف بطريقة صحيحة في مختلف المواقف دون التسبُّب بجرح مشاعر الآخرين على الرغم من قول الحقيقة، وهذا يعني أن يكون قادراً على بناء علاقات ناجحة والحفاظ عليها وحل النزاعات وكسب ود الجميع من خلال التعامل اللطيف والمؤدَّب، فلا يمكن أن يكون الإنسان ذكياً اجتماعياً إن لم يكُن دبلوماسياً في التعامل مع جميع مَن حوله.

5. القدرة على تحليل لغة جسد الإنسان:

أي معرفة ما تعني السلوكات غير اللفظية التي يقوم بها الإنسان؛ مثل الإيماءات التلقائية التي تصدر عن الفرد عند التحدث إليه، وتعابير الوجه وحتى ردود الأفعال، ومن الضروري أيضاً أن تعي لغة جسدك جيداً كي يكون التناسق كبيراً بينها وبين ما تقول.

شاهد بالفيديو: 10 استراتيجيات للوعي الاجتماعي (الذكاء الاجتماعي)

6. الصدق:

إنَّ الابتعاد عن الكذب والتصنُّع يجعل الإنسان موضع ثقة الآخرين؛ لذلك من الضروري أن يتصرَّف الإنسان بعفوية كي يكسب قلوب مَن حوله، ويتحدث بكلام ذي معنى وفائدة بعيداً عن الحشو الزائد غير الضروري، ومن الضروري أن يحقق الإنسان التوازن بين أفعاله وأقواله؛ وذلك لأنَّ التناقض بينهما هو نوع من أنواع الكذب، ومن ثم يتسبب بقلَّة ثقة الآخرين به، وقد يتسبب بالكثير من المشكلات أيضاً.

7. اختيار الوقت المناسب:

إنَّ بعض الكلمات قد تتسبب بحدوث مشكلة في حال كان الطرف الآخر متوتراً، على الرغم من قدرته على تحمُّلها في الوضع الطبيعي؛ لذلك يضمن اختيار الوقت المناسب للتحدُّث تفاعل الآخرين بصورة إيجابية، بالإضافة إلى الابتعاد عن الأحاديث التي تثير الخلافات.

8. مشاركة الآخرين:

يُعَدُّ الوقوف إلى جانب الآخرين في المناسبات المُفرِحة أو الحزينة وأوقات الشدة ضرورياً لتوطيد العلاقات وتطويرها وضمان استمرارها طوال الحياة.

9. حسن الاستماع:

يُعَدُّ حسن الاستماع من الميزات الهامَّة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان الذكي اجتماعياً، ويمكن ذلك من خلال تجنُّب الانشغال بشيء ما كالهاتف المحمول في أثناء تحدُّث شخص إليك، إضافة إلى النظر إليه مباشرةً كنوع من الاهتمام.

إقرأ أيضاً: 8 طرق بسيطة لتطوير مهارة الإصغاء

10. الوجه البشوش:

يصبح التقرُّب إلى الآخرين وترك أثر إيجابي فيهم أكثر سهولةً إن كنتَ شخصاً ذا وجه بشوش ومبتسم؛ لأنَّ ذلك يعطي الآخرين شعوراً بالراحة، حتى إنَّه يساعد على التخفيف من حدَّة المشكلات والمواقف السيِّئة.

11. المشاركة في النشاطات الاجتماعية:

إنَّ ذلك يساعد على التعامل مع عدد كبير من الناس والتعرُّف إلى أنماط مختلفة وطرائق تفكير جديدة ووجهات نظر مغايرة لوجهات نظرك في الحياة، ومن ثم يرفع المستوى الاجتماعي والثقافي أيضاً لدى الإنسان، ويمكن ذلك من خلال الانتساب إلى جمعيات خيرية أو التسجيل في نوادٍ رياضيَّة أو المشاركة في مسابقات أو حضور الحفلات والمعارض الفنيَّة.

12. التعلُّم:

لا يجب أن يتوقَّف الإنسان عن التعلُّم طوال الحياة، فكل يوم هو فرصة لاكتساب خبرة جديدة والتعرُّف إلى ثقافات أخرى وعادات وتقاليد مختلفة.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مثبتة علمياً لتعلم طريقة التعلم

في الختام:

الذكاء الاجتماعي ضروري من أجل النجاح في الحياة الاجتماعية أو العمليَّة أو الدراسية، وحتى النجاح في تأسيس عائلة مثالية قدر الإمكان، ونظراً لأهميته في كل مواقف الحياة الاجتماعية، فلا بدَّ من العمل على تنميته دائماً.

لا تُعَدُّ تنمية الذكاء الاجتماعي أمراً بالغ الصعوبة؛ وإنَّما يمكن أن يصبح كل إنسان على قدرٍ عالٍ من الذكاء الاجتماعي؛ وذلك من خلال العمل على تطوير ذكائه العاطفي أولاً، ووضع نفسه مكان الآخرين قدر الإمكان، والاستماع إليهم، والوقوف إلى جانبهم في الأفراح والأحزان برحابة صدر ووجه بشوش وصدق دائم واحترام مطلق.

كل ذلك يعني أن تكون شخصية دبلوماسية في التعامل مع مختلف الناس، ومن الضروري أيضاً أن تحاول المشاركة في جميع النشاطات الاجتماعية، فذلك يضمن لك تطوير الذات نوعاً ما.




مقالات مرتبطة