مفهوم الاقتصاد الموجه: مزاياه وعيوبه

يحتل النظام الاقتصادي في أي بلد أهمية بالغة ومكانة حساسة سواء في حياة الدولة أم في حياة المجتمع أم حتى في حياة كل فرد من أفراده؛ وذلك لأنَّ هذا النظام هو الذي يحدد الكيفية التي سوف يتم بموجبها القيام بالنشاطات الاقتصادية وإنجازها عامة، ولا سيما النشاطات الإنتاجية منها، وكذلك من خلال النظام الاقتصادي تتحدد الأهداف ذات الصلة بمعيشة المواطنين وقوة المجتمع وتطوره وتقدمه، أو كما يسميها علماء الاقتصاد تحقيق التنمية المستدامة.



يتخذ المجتمع من هذا النظام أساساً لإشباع حاجاته والوصول إلى الرفاهية، وهذا النظام هو المسؤول عن الاستجابة للتطورات الحاصلة والتغيرات في الواقع الاقتصادي المحيط بالمجتمع، لا سيما أنَّ هذه التغيرات الاقتصادية غالباً ما تكون سريعة، وتحدث تحولات كبيرة تؤثر تأثيراً عميقاً في المجتمع.

بالنظر إلى أنَّ لكل مجتمع ظروفه وخصائصه وحاجاته الخاصة به نجد أنَّه من الصعب تقرير أي نظام اقتصادي ينبغي للمجتمع التقيد به وتعميمه على مجموعة متنوعة من المجتمعات التي تختلف وتتباين في خصائصها.

تجدر الإشارة إلى أنَّه لا يوجد نظام خاص يحمل صفات معينة وسمات خاصة به قد نجح تطبيقه بنسبة 100%، فمن الصعب أن نجد نظاماً اقتصادياً يُطبَّق تطبيقاً تاماً وفقاً للمنطلقات الفكرية والنظرية التي وُضع لتحقيقها، وأمام هذه الحقيقة سوف نتحدث في هذا المقال عن واحد من أنواع الأنظمة الاقتصادية الهامة في العالم؛ وهو النظام الاقتصادي الموجه لنحدد مفهومه وأهم مزاياه والعيوب التي تتخلله.

مفهوم الاقتصاد الموجه:

ضمن ما يسمى النظام الاشتراكي يوجد نظامان أساسيان:

النظام الأول: اشتراكية السوق؛ وهو نظام اقتصادي يتميز بمركزية الملكية؛ أي بالملكية العامة للدولة ولعناصر الإنتاج، بينما تكون ملكية القرار أو صناعته غير مركزية حسب آلية السوق؛ إذ تُستخدم فيه الحوافز بنوعيها المادية والمعنوية من أجل تحقيق أهدافه.

النظام الثاني: هو النظام الاقتصادي الموجه أو المخطط الذي يتميز بالمركزية؛ أي بملكية عناصر الإنتاج وكذلك ملكية صناعة القرار؛ إذ تقوم الدولة التي تتبنى هذا النظام بإصدار الخطة المركزية التي تتضمن أوامر ملزمة للمشتركين في هذا النظام، وتستخدم كذلك كلاً من الحوافز المادية والمعنوية في سبيل تحقيق أهدافها.

الاقتصاد الموجه الذي يرجع في تاريخه هذا إلى الاتحاد السوفييتي عام 1920 والذي وُصف بالعصر الذهبي السوفييتي يختلف عن كل من اقتصاد السوق والاقتصاد الرأسمالي، في حين تكون عملية اتخاذ القرار في كل من الاقتصاد الرأسمالي واقتصاد السوق لا مركزية، وهي بخلاف ذلك في الاقتصاد الموجه؛ أي مركزية، كما يختلف عن الأنظمة الأخرى في حقوق الملكية، في حين تكون الملكية فيه للدولة ملكية تامة، فهي جماعية في اقتصاد السوق وملكية خاصة في الاقتصاد الرأسمالي.

بالنسبة إلى نوع الحوافز التي يتبعها كل نظام أيضاً يوجد اختلاف، فالحوافز في الاقتصاد الرأسمالي مادية فقط، بينما تكون مادية ومعنوية في كل من الاقتصاد الموجه واقتصاد السوق.

في ظل هذا الاقتصاد يتوقع من كل فرد أن يسهم في النظام على قدر ما يستطيع، وبالنسبة إلى الناتج فسوف يوزع بحسب الإسهام، فمن أهم الصفات التي يتسم بها هذا النوع هو العدالة والمساواة، كما لديه قدرة كبيرة على توجيه الموارد توجيهاً جيداً نحو أهداف تنموية محددة.

يتسم هذا النوع بالاستقرار، لكن على الرغم من ذلك يحتوي على تضخم مكبوت وعدم توظيف كامل للموارد، أما بالنسبة إلى الدخل فكما ذكرنا آنفاً يتصف بالعدالة نوعاً ما؛ وذلك نتيجة لملكية الدولة لعناصر الإنتاج؛ لذا فمن غير المنطق أو الممكن أن تقوم بتوزيع الدخل بطريقة يمكن لها أن تعمق التفاوت الطبقي بين فئات المجتمع، وينتشر هذا النوع من الاقتصاد في الدول ذات النظام الشيوعي مثل كوريا الشمالية الحديثة.

إقرأ أيضاً: النظام الاقتصادي: مفهومه وأنواعه مع الأمثلة

مزايا الاقتصاد الموجَّه:

  1. محاربة هذا النوع من الاقتصاد الصراع الطبقي الأزلي، فعند تبني الدولة لهذا النظام ستحول المجتمع إلى طبقة واحدة وتخفف من حدة الانقسام الطبقي الموجود؛ بل ويمكن أن تزيله أيضاً.
  2. تأميم وسائل الإنتاج والانتهاء من الملكية الخاصة لهذه الوسائل.
  3. تحقيق النمو الاقتصادي، فمن المفروض عندما تقوم الدولة بتولي زمام الأمور بشكل كامل؛ أي قيادة الاستثمار وتسيير دواليب التنمية فسوف تحقق معدلات نمو مرتفعة.
  4. السيطرة على أهداف التنمية وتولي مهمة التخطيط بشكل كامل.
  5. تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع بدلاً من تعظيم الأرباح وتراكم الثروات في أيدي القلة، وهذا يؤدي إلى إنشاء مجتمع تسود فيه العدالة ويتمتع بالرفاهية، فالدولة هي التي تحدد من هم العاملون، وكم يجب أن يتقاضى كل منهم من هذا العمل، وتتناقص هذه الميزة كلما سرنا باتجاه تبني اقتصاد السوق الذي تتحكم به الشركات الخاصة التي تملك وسائل الإنتاج، وتتحكم من خلاله بمسألة توظيف العاملين التي تتم وفق حاجات العمل الفعلي وبصرف النظر عن أي عامل آخر.
  6. محاربة البطالة وامتلاك القدرة على إتاحة فرص التوظيف للمواطنين وفق مبدأ تكافؤ الفرص لأنَّ الدولة هي المسيطرة على جميع النشاطات الإنتاجية، حتى في حالة عدم وجود أيَّة حاجة مشروعة إلى مثل هذا العمل.
  7. امتلاك الدولة لجميع عناصر الإنتاج من أراضٍ وموارد بشرية ورأس المال والتنظيم، وهذا يتيح لها فرصة وضع أهداف تنموية والمضي في توظيف هذه الإمكانات المتاحة أمامها توظيفاً صحيحاً لتحقيق تلك الأهداف.
  8. زيادة الاستثمارات بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاتجاه نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
  9. منح الدولة القدرة على البدء بالصناعات الخفيفة والانتقال تدريجياً نحو امتلاك الصناعات الثقيلة.
  10. السعي إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية للجميع بخلاف اقتصاد السوق الذي يهدف في أساسه إلى تحقيق الربح الخاص، فالاقتصاد الموجَّه يهدف إلى تأمين المنتجات والخدمات ولا سيما الأساسية منها، وذلك بما يعود بالنفع على المجتمع عامة دون أدنى اعتبار للربح الخاص.
  11. تميُّز هذا الاقتصاد بوجود القرار الواحد المنسق والحاسم الذي يلزم الجميع بتطبيقه، كما أنَّ أهمية هذا القرار تظهر ظهوراً واضحاً في مواجهة الحالات الطارئة والأزمات الوطنية والكوارث الطبيعية، إضافة إلى ذلك فهي تقف في وجه الأساليب الاحتكارية والقوى التي تسيطر عليها.
  12. امتلاك هذا الاقتصاد القدرة على تحديد السلع الأهم التي تتناسب مع حاجات المجتمع الرئيسة وتوجه الإنتاج باتجاهها، لا سيما الحاجات ذات العلاقة بالصحة العامة والتعليم في المجتمع.
  13. حصول هذا النظام على تأييد كبير في معظم الدول؛ إذ يجدون أنَّ الدولة تستطيع من خلاله تخصيص الموارد بطريقة تحقق فيها الرفاهية لمواطنيها وللمجتمع عامة.

شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

عيوب الاقتصاد الموجه وسلبياته:

  1. إنَّ أكبر عيوب الاقتصاد الموجه هو افتقاره إلى المنافسة، فالحكومة هي التي تقوم بتحديد الإنتاج والأسعار، وتقضي بذلك على إمكانية المنافسة سواء بينها وبين القطاع الخاص أم بين مؤسسات القطاع الخاص نفسه، وهذا يؤثر في طريقة عمل تلك المؤسسات وجودة ما تنتجه.
  2. عدم تقدير أهمية الكفاءة، فالدولة هي المسؤولة عن التوظيف بهدف تخفيض معدلات البطالة في المجتمع؛ لذا فقد تقوم بتوظيف أفراد لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة لأداء مهام العمل، ولكنَّها تشعر بضرورة توظيفهم لمحاربة البطالة والقيام بمسؤوليتها تجاه مواطنيها.
  3. العيش في ظل مبدأ الاحتكار؛ أي إنَّ الدولة تقوم باحتكار الصناعات الثقيلة إن وُجدت ابتداء من الموارد النفطية وصولاً إلى صناعة السيارات وغيرها، فالحكومة هنا تملك رأس مال الأمة وجميع مواردها وتديرها بالوسائل التي تراها مناسبة.
  4. عجز الدولة في بعض الأحيان عن تحديد السلع الأكثر أهمية في حياة مواطنيها، فقد يوجد في مركز القرار شخص غير مطلع على حاجات المجتمع جيداً أو لديه نقص في المعلومات التي تصله، وهذا يجعله يتخذ قراراً خاطئاً في أوقات كثيرة.
  5. خسارة رؤوس الأموال الهامة لإحياء الاقتصاد في الدولة بسبب سيطرة الحكومة المطلقة على الموارد الموجودة داخلها.
  6. انعدام الأساليب الحكومية الرادعة وعدم استطاعتها تطبيق الضوابط التي تضعها تطبيقاً فعالاً يضمن السيطرة على ارتفاع الأسعار وانخفاضها.
  7. الاهتمام بالصيانة على حساب الاستثمارات الجديدة، وهذا يضعف ويؤخر عمليات التنمية الاقتصادية المطلوبة لتحقيق رفاهية المجتمع.
  8. انعدام في الاستقرار الاقتصادي بسبب قلة المرونة في اتخاذ القرارات والاستجابة السريعة للتقلبات الحاصلة في الناتج المحلي، وذلك بالمقارنة مع اقتصاد السوق الذي يتميز بمرونة كبيرة في اتخاذ القرارات.
  9. سيطرة الحكومة المطلقة ومحدودية قدرة الأفراد على اتخاذ القرارات تهدد مبادئ الديمقراطية التي تنشدها الشعوب وتدافع عنها وتحاول تحقيقها باتباع كافة السبل الممكنة.
  10. الاقتصاد الموجه هو سمة الدول ذات النظام الاشتراكي.
إقرأ أيضاً: قصص نجاح رجال الاقتصاد الأكثر تأثيراً في الفكر الإقتصادي الحديث

في الختام:

يتميز الاقتصاد الموجه بسيطرة الدولة سيطرة كلية عليه؛ أي الحكومة هي التي تقوم باتخاذ كافة القرارات المتعلقة بالاقتصاد، فهي التي تملك وسائل الإنتاج وتحدد آلياته وكيف ينتج وماذا يجب أن ينتج وكيفية توزيعه، ويتميز هذا الاقتصاد بعدم وجود أيَّة مؤسسة خاصة؛ إذ تتولى الدولة توظيف العمال وتوزيعهم حسب معايير تقوم هي بتحديدها، كما أنَّها تحدد أجورهم والحوافز التي سوف تقدَّم لهم؛ لذا يمكن أن نقول إنَّ أهم ما يميز هذا النوع من الاقتصاد هو انتشار مستويات مقبولة من العدالة والمساواة؛ إذ يسير وفق مبدأ تحقيق المصلحة العامة.




مقالات مرتبطة