مص الأصابع عند الأطفال: الأسباب والعلاج

مرحلة الطفولة هي من أهم المراحل المميزة في عمر الإنسان؛ إذ يحتاج بناء الشخصية السليمة للطفل إلى عناية خاصة كي ينشأ طفلاً سوياً؛ لذا تُعَدُّ المراحل الأولى من عمر الطفل مراحل حاسمة في تشكيل سمات شخصيته، فتؤثر الطريقة التي يعامله بها الوالدان في المنزل والمعلمون في المدرسة في تكوينه النفسي والاجتماعي، فالطفولة هي مرحلة النظام؛ إذ يتعلم الطفل شيئاً فشيئاً السلوكات الصحيحة وكيف يجب أن يتصرف، وهناك مجموعة من السلوكات الشائعة خلال مرحلة الطفولة المبكرة التي تُعَدُّ في جزء كبير منها سلوكات لا إرادية تصبح نتيجة تكرارها عادةً؛ بمعنى أنَّها نتيجة التكرار المستمر للعمل الإرادي يتحول إلى ممارسة لا إرادية.



من ضمن تلك السلوكات هناك بعض العادات الفموية التي يدأب الطفل إلى تكرارها عادة ومنها مص الإصبع أو الإبهام، ومعظم هذه السلوكات تبدأ وتنتهي بشكل عفوي، لكن تؤثر هذه العادة في شكل فكه وعضته وأسنانه، كما يمكن أن تؤثر في طريقة نطقه؛ لذا يجب أن يتخلص الطفل من هذه العادة بوصفها إحدى العادات السيئة.

أولاً: مص الأصابع

تُعَدُّ استجابة المص أول نشاط عضلي يصدر عن الطفل منذ الولادة، وتنشأ نتيجة اندماج عمل آليات عصبية عضلية فموية وحول فموية مع بعضها بشكل جيد، وبشكل مبسط أكثر مص الأصابع يعني إدخال الإبهام أو أحد الأصابع أو أكثر من إصبع في أعماق مختلفة في التجويف الفموي، وتُعَدُّ هذه الحالة من العادات الشائعة جداً لدرجة أنَّها لوحظت عند الجنين في مرحلة ما قبل الولادة؛ إذ لاحظ الأطباء وجودها باستخدام جهاز التخطيط بالصدى (Echography) خلال الشهر الثامن من حياة الجنين.

عملية مص الإصبع يمارسها الرضيع ليشغل بها نفسه بين أوقات الرضعات؛ إذ تمنحه الشعور بالهدوء وتخلصه من مشاعر الملل أو الإحساس بالضيق، لكن ما يمكن قبوله في سلوكات الطفولة المبكرة؛ أي ما قبل الثلاث سنوات، لا يمكن قبوله بعد ذلك السن، فاستمرار الطفل بتلك العادة يُعَدُّ أمراً سيئاً، وغالباً ما يتلقى التوبيخ للتخلص منه من قِبل الأهل دون أن يدركوا أنَّ للضغوطات النفسية دوراً في استمرارها، فالفم يمثل الموقع الأساسي للتعبير عن الانفعالات والعواطف لدى كل من الأطفال والبالغين أيضاً؛ لذا فإنَّ تحفيز الفم يمثل عاملاً مهدئاً وطريقة يتخذها الطفل للشعور بالراحة.

يوجد نمطان هامان من المص، الأول المص المغذي المرتبط بالتغذية مثل الرضاعة من ثدي الأم أو من زجاجة الرضاعة، والنمط الثاني النمط غير المغذي وهو النمط الذي يسلكه الطفل ليعبِّر عن حاجته إلى الاتصال بالآخرين وتلبية رغباته فيلجأ إلى مص أصابعه أو أشياء أخرى مشابهة تشعره بالسعادة مثل اللهاية، وهذه العادة تصيب نسبة تصل إلى أكثر من 90% من الأطفال، كما تشير الأبحاث إلى أنَّ هناك ما يقارب 6% من الأطفال الذين يحافظون على هذه العادة حتى عمر 11 عاماً.

شاهد: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

ثانياً: متى تصبح عادة مص الأصابع عادة سيئة يجب التخلص منها؟

يرى علماء النفس أنَّ مص الأصابع عند الأطفال يندرج ضمن التطور الطبيعي للنضج الخاص به، لكن ربما تتحول إلى واحدة من العادات السيئة إذا ما استمرت هذه العادة لوقت طويل من الزمن؛ أي أطول من المعتاد وبالدرجة التي تؤدي إلى حدوث الضرر بالنمو الطبيعي ويتطور لدرجة دخوله ضمن التطور الاجتماعي لديه، كما يمكن أن يشير استمرار هذه العادة إلى مشكلات نفسية تختفي وراءها يجب البحث عنها وعلاجها قبل أن تتفاقم وتمنع نمو شخصيته بالشكل السوي.

عموماً أجمع العلماء على أنَّ عادة المص تعدُّ ضمن الحدود الطبيعية خلال العامين أو العامين والنصف من عمر الطفل وتصبح غير طبيعية من عمر الثالثة والنصف وتسبب الأضرار للهيكل الوجهي السني إذا ما استمرت لعمر الخمس أو الست سنوات؛ لذا فإنَّ أفضل عمر يجب أن يبدأ به علاج الطفل من هذه العادة هو سن الثالثة.

ثالثاً: ما هي أسباب مص الأصابع لدى الطفل؟

1. أسباب نفسية:

يشير الأطباء إلى أنَّ مص الطفل لأصابعه في لحظة العزلة أو عند النوم أو في لحظة معينة لا يستدعي القلق، لكن يصبح الأمر مقلقاً إذا قام بذلك عند مواجهته لأي موقف جديد، فهذه دلالة على وجود مشكلة نفسية أو حالة عصبية غير معلنة يواجهها الطفل وغالباً ما تكون مشكلة عاطفية؛ إذ تشير إلى عدم توافق سنه العاطفي مع المحيط الذي يعيش فيه جراء عدم تلقِّيه الاهتمام الكافي أو عندما يدخل الطفل في موقف محبط أو عندما يستغرب وجود شخص جديد أو الخوف ولا سيما عندما تتركه أمه وحيداً.

2. الرضاعة الصناعية:

قد يعتاد الطفل على الرضاعة الصناعية ويعتاد على مص الأشياء، وحرمانه من زجاجة الحليب يُعَدُّ أحد أسباب وجود عادة مص الأصبع بوصفها بديلاً مناسباً لمص الزجاجة.

3. الغيرة:

غالباً ما يشعر الطفل الصغير بالغيرة عند رؤية طفل آخر لا سيما إن كان ذلك الطفل محط اهتمام الآخرين ولا سيما الوالدين، فالغيرة أسلوب تعويضي يحاول الطفل عن طريقه تفسير مشاعره بعدم الراحة، ومثال عن ذلك ولادة طفل جديد للأسرة ورؤية الطفل اهتمام الأهل الزائد به وإهمالهم له أو عدم الاهتمام به بنفس درجة الاهتمام بذلك الطفل الجديد، وبسبب عجزه عن تغيير أي شيء في الواقع يلجأ إلى سلوكات تعويضية تُعَدُّ عادة مص الأصابع إحداها.

4. الجوع:

عدم كفاية حليب الأم وعدم الاستعانة بالحليب الصناعي يبقي شعور الجوع موجوداً لدى الطفل.

5. ضعف الإدراك من قبل الأهل:

فعدم معرفة الأهل بمعنى هذه العادة ودلالاتها وعَدِّها عادة سيئة لا أكثر واستخدام العنف في أغلب الأحيان؛ يولِّد مشكلات أخرى لدى الطفل بدلاً من حل مشكلته الأساسية التي تسببت باحتفاظه بهذه العادة.

6. تدليك اللثة:

كثيراً ما تكون رغبة الطفل في تدليك اللثة والتخفيف من أوجاعها أو أوجاع الأسنان التي تنمو سبباً رئيساً في وجود هذه العادة.

شاهد أيضاً: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

رابعاً: ما الذي يجب فعله لتخليص الطفل من عادة مص الأصابع؟

يجب أن يبدأ علاج الطفل من عادة مص الأصابع الشائعة من خلال الوالدين، فيجب عليهما معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك وسبب استمراره في حياة طفلهما؛ إذ يساعد ذلك على تلبية الحاجة التي يفتقر إليها الطفل ويعوضها عن طريق مص أصابعه سواء كانت تلك الحاجة جسمية أم نفسية، كما يجب عليهما توفير الجو الأسري الملائم وإحاطة الطفل بالعطف والرعاية والحنان وتجنب وضعه في أي موقف قد يتسبب له بالحزن والأذى النفسي خلال فترة علاجه ولا سيما القيام بالتوبيخ والضرب.

أيضاً لا يجب جعله يتخذ عادة المص سلوكاً يعاند به عندما يريد ذلك أو عندما يمتنع الكبار عن تلبية رغبة ما من رغباته، وتدخل الغيرة ضمن الأسباب النفسية أيضاً، فيجب اتخاذ كافة الإجراءات التي تحد منها فيما إذا وُجدت لدى الطفل عبر إشراكه في تحمل المسؤولية.

أيضاً يجب في سبيل القضاء على هذه العادة العمل على إشغال الطفل بالأشياء المفيدة سواء الألعاب الجسمية المختلفة أم ممارسة الألعاب العادية مثل ألعاب التركيب أو تلوين الرسومات البسيطة وغيرها من الأشياء التي تجعله يمضي الوقت دون أن يشعر بالملل، ومن الحيل الأخرى التي يمكن أن تستخدمها أيضاً الرسم على أصابعه لتذكيره دائماً بضرورة عدم وضع أصابعه في فمه.

كما يجب أن يتم الانتباه إلى الطفل في أثناء نومه، فغالباً ما تكثر عادة وضع الإصبع في الفم خلال تلك الحالة؛ لذا يجب نزعها بهدوء وإمساكها بحنان كي لا ينزعج الطفل من إخراجها من فهمه ويبدأ بالبكاء، وإذا كان عمر الطفل يتجاوز أن يسمح له بوضع لعبة بين يديه فيمكن فعل ذلك لجعله ينسى عادة المص.

يمكن إضافة إلى ما سبق القيام باستخدام أسلوب التعزيز بمنح الطفل أشياء محببة له أو مكافأته كنتيجة لابتعاده عن هذه العادة، فيمكن البدء بمكافأته بأوقات متقاربة خلال النهار ومن ثم كل يوم مرة لإحرازه التقدم المطلوب، ومن ثم مدة أطول وهكذا حتى يصل إلى انقطاع هذه العادة نهائياً، وإذا تمت تجربة كل تلك الطرائق ولم تُجدِ نفعاً، فمن الأفضل عندئذ مراجعة الطبيب الاختصاصي لطلب الاستشارة والنصح منه.

إقرأ أيضاً: 7 أخطاء تجعل الطفل يستمر في سلوكه السيء

في الختام:

ترى العديد من الأمهات أنَّ لا مشكلة في قيام الطفل بمص أصابعه إذا كان ذلك يبقيه هادئاً أطول فترة ممكنة وبأنَّها ليست بالمشكلة التي تستدعي القلق والخوف بشأنها؛ لكنَّ مشكلة مص الأصابع مشكلة قد تكون في الشكل بسيطة ولكنَّها تخفي وراءها مشكلات أكبر يجب تداركها في وقت مبكر قبل أن تتفاقم وتصبح صعبة العلاج، وعلى الرغم من أنَّ هذه العادة تجعل الطفل يشعر بالسعادة والهدوء لكن يجب عدم الاستسلام لها والسماح ببقائها لمجرد أن يبقى الطفل هادئاً.

إقرأ أيضاً: كيف تساعد طفلك على التخلّص من عاداته السيئة؟

يجب على الوالدين التعاون في سبيل تخليص طفلهما منها ومن الأسباب الكامنة وراءها مهما كانت، عبر اتباع مجموعة من الخطوات تبدأ من إشغال الطفل بالألعاب وتنتهي بإشراكه في النشاطات الاجتماعية المختلفة التي تبعده عن الملل تماماً وتلبي حاجاته النفسية والاجتماعية والجسدية كذلك، كما يجب الاستمرار في مراقبة الطفل حتى بعد ترك هذه العادة للحذر من العودة إليها مجدداً وللتأكد من نمو الطفل ونمو شخصيته بالشكل الذي يجعل منه إنساناً سوياً وصالحاً.

المصادر:

  • 1،2
  • محمد جميل نحلة، العادات الفموية السيئة لدى الاطفال، قسم طب الأسنان، جامعة الشام الخاصة، سورية.



مقالات مرتبطة