مرض ذات الرئة عند الأطفال

هل يعاني الطفل من مُجردِ زُكامٍ عَرضيٍّ أو سُعَالٍ قوّي، أم أنَّ المرض أكبر من ذلك، كذاتِ الرِئة مثلاً؟ الاحتمال وارد، لكن ليس بدرجةٍ كبيرةٍ؛ لأنّ الإحصائيات تقول أنَّ 4% إلى 5% من الأطفالِ الذين لم يتجاوزوا السنواتِ الخمسِ من عمرهم، يُحتَمل أن يُصابوا بهذا المرض، لينتهي بهم الأمر إلى المستشفياتِ من أجلِ العلاج. لكن، ما هي ذات الرئة؟ وما هي أسبابُها وأعراضها؟



1. ما هي أسباب ذات الرئة؟

تبدو الأعراض الأولى لذاتِ الرئة على شكلِ رشحٍ قويٍّ أو حُمّى خفيفة توحي بأنَّها ستزول قريباً، لكن سُرعَانَ ما تتفاقم لتتحوّل إلى مرضِ ذاتِ الرئة (Pneumonia)، وذلكَ عندما يَعرِفُ المُسَبِّبُ -أي الميكروب أو الجرثوم- طريقهُ إلى الرئتين، وهُناك يُبَاشِر عَمَلهُ، فيَضرِبُ أنسجةَ الرئة ويُصِيبَها بالالتهاب، وتَمتلِئُ الأكياسُ الهوائيةُ (الأسناخ) بالسائلِ والقيحِ، ممَّا يُعيقُ وصولَ الأوكسجينِ إلى الدم بكمياتٍ كافية، كما يُصبِحُ التنفس قصيراً ومُتَقَطِّعَاً.

وتُعَّد الفيروسات السببَ الأساسي للإصابةِ بذاتِ الرئة، لكنَّها ليستِ الوحيدة، إذ أنَّ البكتيريا (الجراثيم) تُسَبِّبُ المرضَ أيضاً. وفي حالاتٍ نادرةٍ، تَلعب الفطورُ الدورَ ذاته.

2. ما هي أعراض ذات الرئة؟

تتقاطع أكثر أعراض المرضِ مع أعراضِ الرشحِ والإنفلونزا، وذلك من حيث الشعورِ بالبردِ والسعالِ الذي يُلازِم المريضَ فترةً طويلةً.

ثمةَ أعراضٌ أخرى أكثرُ خطورةً وأهميّة، تُسهِمُ في تَمييزِ المَرضِ عن غيرهِ، إذ يُصبحُ التنفسُ عمليةً صعبةً ومُجهِدة، وقد يُصبِحُ قصيراً ومُتَقَطِعاً؛ كما قد يُسمَعُ صوتُ صفيرٍ مع كلِّ شهيقٍ، ويَفقِدُ الطفلُ شهيَّتهُ للطعامِ، ويُصَابُ بصداعٍ دائم، بالإضافةِ إلى: التعبِ والإرهاق، والإحساس بالخمولِ، والوهن في العضلات، والإسهال المُترافق مع ألمٍ شديدٍ في البطن، والإحساسِ بنبضاتِ القلب المتسارعة.

ويُمكن أن تُلاحِظَ الأمُّ أنَّ فتحةَ منخري الطفل ترتفعُ كلَّما أخذَ نَفَساً، في حينِ أنَّ الجلدَ يغوصُ بين أضلاعهِ. ولكن إذا كان الطفلُ رَضيعاً، فمن الصعبِ على الأمِّ تمييز الأعراضِ، وتكونُ مُلاحظتها الأكثر وضوحاً هي قلَّة نشاطِ رضيعها.

فإذا كان السببُ جرثومياً (بكتيري)، فإنَّ المرضَ يبدأ بسرعةٍ، ويسوءُ بسرعةٍ، ويترافقُ مع حُمى ذاتِ درجة حرارةٍ عالية.

وإذا حامتِ الشكوكُ حولَ الإصابةِ بذاتِ الرئة، فمن الأفضلِ مُراجعة الطبيبِ فوراً، حيثُ يُجرِي صوراً شعاعيةً للصدرِ؛ لأنَّهُ من شبهِ المستحيلِ التأكُّد من المرضِ بدونِ القيامِ بالتصويرِ الشعاعي مهما كانت الأعراضُ واضحةً؛ وذلك لأنَّ مرض التهاب القصبات السفلية لهُ أعراضٌ مماثلةٌ تماماً. كما أنَّه سَيُطلبُ تحليلٌ للدم؛ وذلكَ من أجلِ قياس مستوى الغازاتِ في الدم، بالإضافة إلى الكشفِ عن نسبةِ الالتهاب الموجودة.

ومن المُمكنِ -في بعضِ الحالاتِ- أن يطلب الطبيبُ أخذَ عينةٍ من البلغمِ؛ وذلك من أجلِ تحديدِ نوعِ الجرثوم المُسَبِّبِ، ووصف العلاجِ المُناسبِ لهُ. أمّا إذا تحوَّل لونُ الأظافرِ أو الشفةِ إلى الرمادي، أو عانى الطفلُ من صعوبةٍ بالغةٍ في التنفس؛ فلا مناصَ عندها من اللجوءِ إلى غرفةِ الطوارئ في المستشفى.

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لوقاية الأطفال من الإصابة بأمراض الشتاء

3. هل يُصيب مرض ذاتِ الرئة الأطفال حديثي الولادة؟

نعم، إنَّ الأطفالَ حديثي الولادةِ هم الأكثر عُرضةً إلى الإصابةِ بذاتِ الرئةِ الجرثومي على وجهِ الخصوص. وهو المرضُ الأكثرُ شيوعاً بينهم، ومن الممكنِ أن يَصِلَ عدد الوفيات بهذا المرض إلى نسبةِ 10%، وتكون أعراضه البدائيةُ على شكلِ جزءٍ من تعفُّن الدم الذي يَظهرُ خلال الساعاتِ الأولى من الولادة على الأغلب. وبعدَ سبعةِ أيامٍ من الولادة، تظهر الأعراضُ جليَّةً، ولابدَّ حينها من وَضعِ الأطفال في غُرفِ العنايةِ المشددة. ولكنَّ السؤال الأهمَّ: ما هي أسباب حدوثِ ذاتِ الرئة عند الأطفال حديثي الولادة؟

من الممكن أن ينتقلَ هذا المرض إليهم في أثناء الولادةِ، ومن الممكن أن يكون البردُ أحد الأسبابِ لذات الرئة عندهم، كما أنَّ فيروس الإنفلونزا يمكن أن يكونَ سبباً آخراً.

4. هل مرض ذاتِ الرئة من أمراض الشتاء؟

لا، حيثُ أنَّ الفصول لا تعني شيئاً لهذا المرض، لكنَّ ارتباطهُ بفصلِ الشتاءِ يعودُ إلى حقيقةِ أنَّ الفيروسات المُسَبِّبةِ للرشحِ والإنفلونزا تنتشرُ في الشتاء بسببِ الزحمةِ في القاعاتِ المغلقةِ، الأمرُ الذي يُضعِف قُدرَةَ الطفلِ على مقاومةِ أمراضِ الجهاز التنفسي.

5. هل تتفاوت احتمالات الإصابةِ بالمرض بين طفلٍ وآخر؟

هذا صحيح، إذ يكون الأطفال الذينَّ وُلِدوا خُدَّجَاً ولم يتجاوزوا الرابعةَ من عُمرهم أكثر عُرضةً إلى المرضِ من غيرهم، على اعتبارِ أنَّ كلاً من الرئتين لم يَتَسنَّ لها الوقتُ الكافي لتنمو وتبلغ حجمها الطبيعي. كما أنَّ احتمالَ المرضِ يزيدُ عندَ الأطفالِ الذينَّ يعيشونَ في جوٍّ يَملؤه دخانُ السجائرِ.

6. ما معنى (ذاتِ الرئة العابرةِ أو المُتنقلة)؟

تتسبَّبُ بهذا المرض الجراثيم ذاتُها التي تُسبِّب النمط الحاد من ذاتِ الرئة، إلّا أنَّ الأعراض تكونُّ أخفَّ وطأة، وتكون الحُمى خفيفةً ولا تستدعي الرقودَ في السرير. والسببُ الذي يُفَسِر عدم حِدّةِ الأعراض: أنَّ قُدرة المُقاومة تكونُّ كبيرةً عند بعضِ الأطفال. ويمكن أن يَتَسبَّبَ بالمرضِ أحدُ أنواعِ المُتعضيّاتِ الفطرية المعدية التي تُعرف باسم "المفطورة" (Mycoplasma) والتي تنتشر عن طريقِ الهواء المُحمَّلِ برَذاذ أنفِ أو فمِ المُصاب.

7. هل يتوجَّب اللجوء إلى المستشفى في حال الإصابة بذاتِ الرئة؟

لا تستدعي كلُّ حالاتِ ذاتِ الرئة الانتقالَ إلى المستشفى، إلا إذا كانت الحالةُ شديدةً، أو إذا احتاجَ الطفلُ إلى التزوّد بالأوكسجين.

أما بالنسبةِ إلى العلاج: فإذا كانت الإصابةُ جرثوميةً، فيَصِفُ الطبيبُ عندها مضاداً حيوياً. بَيدَ أنَّ المُضَاداتِ الحيوية لن تُجدي نَفعاً إزاءَ الإصابةِ الفيروسية، وفي هذه الحالة، من الأفضل أن يُترَكَ المرضُ ليَخمُدَ لِوَحدِهِ. وتُعتَبر الراحة وشُرب الكثيرِ منَ السوائلِ من أحدِ عواملِ تسريعِ الشفاء.

8. ما هو شكل ذات الرئة في الصورة الشعاعية؟

شكلُ ذاتِ الرئة في الصورةِ الشعاعية

تكشف الأشعة السينية سلامةَ الطفلِ منَ المرضِ إذا ظَهرتِ الرئتانِ باللونِ الأسودِ، وهذا يَدُلُ على أنَّ الرئتين يَملؤهما الهواء؛ أمَّا إذا ظَهرتِ الرئة -أو قِسمٌ منها- باللونِ الأبيضِ، فهذا يدلُ على أنَّ شيئاً أكثرَ كثافةً موجودٌ في تجاويفها، مثلَ: وجودِ التهاباتٍ في الأكياسِ الهوائية. أما ذات الرئة الخلالي (Interstitial) ذات المُسَبِّبِ الفيروسي فَتظهرُ في التصويرِ على شكلِ شريطٍ يَعبُرُ الرئة. أمَّا النوع الثالث فهو ذات الرئة الشعبية (القصيبية) (Bronchiolar pneumonia) التي تظهر على شكلِ بُقَعٍ بيضاءٍ في الرئتين.

9. علاج مرضِ ذاتِ الرئة عند الأطفال:

إنَّ علاجَ ذاتِ الرئة عند الأطفالِ يختلف بحسبِ المُسَبِّبِ له:

9. 1. في حالة التهابِ الرئة ذي المُسَبِّبِ الفيروسي:

يكمن العِلاجَ في الراحةِ، وخَفضِ درجة حرارةِ الجسم، وذلكَ باستخدامِ الأدوية الخافضة للحرارة، كالباراسيتامول. وبما أنَّ السُعالَ ضروريٌّ للتخلصِ من البلغمِ الموجودِ في الرئتين، فإنَّه لا يمكن استخدام الأدوية المُهدئة للسُعالِ، إلا بعدَ استشارة الطبيب، كما أنَّ ترطيب غُرفةِ الطفل من الأمورِ الهامة للعلاج. ومن الممكنِ أن يتحسَّن الطفل ويُشفى في غضونِ عدةِ أيامٍ، وإذا كانت العدوى الفيروسية ناجِمةً عن فيروس الإنفلونزا فمن الممكنِ أن تُستَخدم المُضادات الفيروسية.

9. 2. في حالة التهابِ الرئة ذي المُسَبِّبِ الجرثومي:

يجب إعطاء الطفلِ المُضاداتِ الحيوية، ويجب إتمام الجُرعةِ التي وصفها الطبيب بالكاملِ وخلالَ الأوقاتِ المحددة، وتجنُّبِ إيقافِ إعطاءِ المُضادَ الحيوّي في حال تَحَسُّنه، بالإضافةِ إلى اتباعِ التعليمات السابقة نفسِها في حالة الإصابة الفيروسية.

9. 3. الحالات الحادة من التهابِ ذاتِ الرئة:

لابدَّ في هذهِ الحالةِ أن يُؤخَذ الطفل إلى المستشفى؛ من أجلِ الحصولِ على العِلاجِ المُنَاسبِ، والذي يتمثلُ بإعطاءِ الطفلِ الأوكسجين، والمحاليل الوريدية، والمُضاداتِ الحيوية الوريدية، ولابدَّ من الشفطِ المُتكررِ للمفرزات السميكة في رئةِ الطفل وأنفهِ. وإذا لم تُساهِم كُلُّ هذه الإجراءاتِ في تَحسُّنِ الطفلِ، فلا بدَّ من استخدامِ الأجهزةِ المُساعدة على التنفسِ، وذلك تِبعاً لإرشادات الطبيب المُعالِج.

إقرأ أيضاً: 8 أطعمة تحافظ على صحة الرئتين

10. هل ثمةَ وسيلةٌ لتجنُّب ذاتِ الرئة؟

هناكَ بعض النصائح التي تقي الطفل شرَّ هذا المرض:

  • تعزيز المناعةِ: إنَّ اللُقَاحاتِ المُضادة للسُعالِ الديكي والكُزَاز والديفتيريا (DTP)، واللُقاح ِالمُضَادِ للإنفلونزا المُحِبَةِ للدم (Haemophilus influenzae)، واللُقِاحِ المُضَادِ لِمُكَوراتِ ذاتِ الرئة؛ تُسَاعِدُ كُلُّها على الوقايةِ من مُسَبِّباتِ المرض.
  • ووجَدت دراسةٌ أجراها مركزٌ مُتَخَصِصٌ باللُقَاحاتِ: أنَّ اللُقَاحَ المُضَاد لمكورات ذات الرئة لا يُقلِّل عدد حالات ذاتِ الرئة فَحسب، بل يُقَلِّل احتمال إصابةِ المحيطين بالطفل، إذ أنَّ كميةَ البكتيريا المُحتَمل وجودها في الوسط المحيط تَقُل.
  • الحِرصُ على أن يتلقَّى الطفل اللُقَاح المُضَاد للإنفلونزا كُلَّ شتاء؛ لأنَّ ذات الرئة عادةً ما تبدأ من حيثُ تنتهي الحُمى.
  • ضرورة إبعادِ الطفلِ عن أقرانهِ المُصابين بالحُمى أو بالإنفلونزا، خاصةً إذا كانَ مريضاً أو في مرحلة النقاهة.
  • تبرز هنا أهميةَ تعليمِ الطفلِ العاداتِ الصحيةِ السليمةِ، مثل: غسلِ اليدين عدةَ مراتٍ في النهارِ، ومن العاداتِ الأُخرى التّي يجب أن يتعلَّمها الطفل: ضرورةَ ألَّا يُشَارِكَ الآخرينَ أدواتِهم؛ نَظراً لأنَّ العدوى تنتقل عن طريق الرذاذ. ومن الأفضل أن يتعلَّم الطفل ألَّا يضعَ يديه على عينيهِ أو في أنفهِ، حتَّى لا تَعرفَ الجراثيمُ طريقها إلى داخلِ جسمهِ.

وأخيراً، عزيزتي الأم: إنَّ أيَّ تغييرٍ سلوكيٍّ لدى طفلكِ من الممكنِ أن يكونَ مؤشراً لمرضٍ لا يُكشَف عنهُ إلَّا سريرياً، وبما أنَّ درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ علاج، فأهمُّ ما يمكنُ فعلهُ هو تعزيزُ مناعةِ طفلكِ ومُراقبته بشكلٍ دائم.




مقالات مرتبطة