مراقبة الآخرين: مخاطرها وكيفية التخلص منها وحكمها في الإسلام

تنتشر الكثير من العادات الاجتماعية السيئة بكثرة في مجتمعاتنا العربية، ويمكننا القول إنَّ مراقبة الآخرين واحدة من تلك العادات المتجذِّرة في نسيج مجتمعاتنا، فهذه العادة - وخاصةً في المجتمعات الضيقة - قد أصبحت طقساً يشترك الجميع من كبار وصغار في أدائه.



فكم مرَّة سمعنا أُمَّاً تطلب من طفلها أن يراقب موعد عودة جارتها إلى المنزل، وكم مرَّة سمعنا أخبارنا تتناقلها الألسن دون أن يكون لنا علم بكيفية انتشارها بين الناس.

مما سبق ونتيجة أسباب كثيرة أخرى سنتعرَّف إليها بالتفصيل في هذا المقال يبدو بوضوح أنَّ مراقبة الآخرين نوع من أنواع المرض النفسي الذي يخلِّف مخاطر وآثار سلبية كثيرة على الفرد والمجتمع، وإذا أردتَ معرفة المزيد عن الموضوع، فتابع القراءة.

أولاً: ما هي مخاطر مراقبة الآخرين؟

"مَن راقب الناس مات همَّاً" مقولة منتشر بكثرة في مجتمعنا، وانتشار هذه المقولة واستخدامها بكثافة إن دلَّ على شيء، فهو يدل على المخاطر الكثيرة التي تحملها عادة مراقبة الآخرين، والتي سنحاول الإلمام بها فيما يأتي:

1. ماذا يأكل؟ أين كان في هذا الوقت المتأخر؟ ماذا يحمل بيده؟ من يزوره؟:

وغيرها الكثير من الأسئلة التي تثقل كاهل الشخص الذي يراقب الآخرين، ورغم ذلك لا يستطيع التوقُّف عن طرحها؛ وذلك لأنَّ هذه المراقبة أصبحت بمنزلة إدمان بالنسبة إليه، وهي بمنزلة فخ قد وقع فيه والخروج ليس سهلاً.

إنَّ هذا الإدمان لن يكون ألطف من غيره ولن يمرَّ مرور الكرام في نفسه؛ بل على العكس سيخلِّف عُقداً نفسية وأمراضاً كثيرة، ناهيك عن حالة الإحباط وعدم الرضى التي سيشعر بها بسبب استمراره في مراقبة تحركات غيره وتصرفاتهم ومقارنتها مع حياته ونمط معيشته؛ الأمر الذي قد يوصله في النهاية إلى الانعزال وقد يصل به الأمر إلى أبعد من ذلك؛ فيكره ذاته وينبذ الواقع الذي يعيشه ويُصاب بالاكتئاب.

2. ارتباط شعورنا بالرضى عن أنفسنا بالإنجازات التي نقوم بها والأعمال التي نؤديها:

فلنتخيَّل معاً أيَّ شعور سيجلبه لنا قضاء وقتنا بمراقبة غيرنا ونقد تصرفاتهم، فعلى الرغم من محاولة الشخص الاختباء وراء أصابعه ونكران مشاعره الحقيقية تجاه نفسه، إلَّا أنَّه أمام مرآته سيرى بوضوح سطحيته وقصر نظره وتهوُّره، ولنتذكَّر دائماً أنَّ مراقبة الآخرين وقبل أن يطال أذاها الآخرين ستطال الشخص نفسه.

3. الإحباط:

وخاصةً عندما تكون مراقبتنا لأشخاص لديهم خبرة أكثر منَّا؛ ففي هذه الحالة لن تكون المقارنة عادلة بيننا، وهذا سينعكس سلباً على مزاجنا ورغبتنا في العمل وإنجازنا.

4. هدر الوقت في مراقبة الناس.

5. عدم الشعور بالسعادة:

بسبب انشغال من يراقب الآخرين بإيجاد تفسيرات لنجاح غيره، وصب جهده كله ليكون التفسير غير منطقي في محاولة لنسف جهود غيره وإسقاط أسباب نجاحه على أشياء غير حقيقة كالواسطة مثلاً أو الحظ الجيد؛ وهو بذلك يبرر فشله أيضاً.

الشخص الذي يراقب غيره ليس سعيداً؛ وذلك لأنَّه لا يقدِّر الآخرين ولا يحترمهم ولو كان لما سمح لنفسه أن يقضي وقتاً طويلاً في مراقبتهم ونقدهم؛ وهذا ما يجعله شخصاً وحيداً، وفي محاولة دفاعية أخيرة منه سيُسقط كل مشاعر الغضب من نفسه على غيره؛ فهو يحاسب نفسه في الحقيقة عندما يحاسب غيره.

6. نشر الشائعات بين الناس:

ونشرها في المجتمع لأنَّه حتى وإن لاحظ شيئاً أو توصَّل إلى معلومة، فلن ينقلها كما هي؛ بل سيبالغ في شرحه وحديثه ليكسب انتباه الآخرين وليأخذ الكلام اهتماماً أكثر من المحيطين به.

في الحقيقة إنَّ مثل هذه الأفعال التي ترتبط بسطحية الشخص وتهوُّره قد تكون شرارة انهيار صورة الشخص المراقب أمام الآخرين وفقدان المصداقية وابتعاد الجميع عنه وتجنُّب الاختلاط به أو الحديث معه، ولن ننسى ما قد ينتج من مشكلات قد تصل إلى حدِّ الجرائم جرَّاء انتشار خبر يجب كتمانه.

7. تسبب مراقبة الآخرين التوتر والاكتئاب:

كما ذكرنا آنفاً، والحقيقة أنَّ هذه المشكلات والأمراض النفسية ستكون سبباً في أمراض عضوية قد تصيب المعدة والكولون؛ لذلك فإنَّ تعديل السلوك للتخلُّص من هذه العادة السيِّئة هو أمر لا بدَّ منه.

شاهد: هذه الممارسات تجعلك مكروهاً من الآخرين

ثانياً: كيفية التخلص من عادة مراقبة الآخرين

بعد الحديث عن مخاطر مراقبة الآخرين أصبح واضحاً أنَّه من واجب الإنسان العمل بجديَّة لتغيير هذه العادة إذا وُجِدَت لديه؛ وذلك لأنَّ الأذى الذي يسببه للآخرين مهما كان كبيراً لن يكون بقدر الأذى الذي يسببه لنفسه.

وللتخلُّص من هذه العادة يمكن اتِّباع الاستراتيجيات الآتية:

1. كما ذكرنا فإنَّ مراقبة الآخرين ليست إلَّا نتاج عدم الرضى والشعور بالدونيَّة والنقص:

ولذلك اعمَل على رفع ثقتك بنفسك واملأ وقتك بالنشاطات والأعمال المفيدة التي تُشعرك بالإنجاز ومن ثم الرضى، ومارِس النشاطات التي تجعلك شخصاً مشغولاً لا وقت فراغ لديه يدفعه إلى مراقبة غيره، فمعظم الناس يدفعهم الملل في البداية إلى مراقبة غيرهم وبعدها يصبح الأمر عادةً وإدماناً، إذاً يمكن القول إنَّ المفتاح السحري لباب الخلاص من هذه العادة هو استغلال الوقت بأفعال جيدة.

2. لكلِّ شخص منَّا ميزات ونقاط قوَّة خاصَّة به:

وما تجده لدى غيرك ليس بالضرورة أن تجده لديك، لكن حتماً لديك أنت ما لا يمتلكه هو؛ فابحث عن نقاط قوَّتك أنت بدلاً من الانشغال بنقاط القوَّة عند غيرك، وأُؤكِّد لك أنَّك سترى الحياة بذلك من زاوية أخرى تماماً.

3. القناعة كنز لا يُفنى:

فدرِّب نفسك بشكل دائم على هذا القول ليكون أسلوباً تتبعه في حياتك؛ إذ لا يهم ماذا يأكل الآخرون أو ماذا يفعلون أو أين ينامون؛ وإنَّما الهام فقط ما نفعله نحن وكيف يمكن أن نطوِّره لنصل بحياتنا إلى أفضل حال.

4. عدم الانشغال بما يملكه غيرك عمَّا تملكه أنت:

وعدم الانشغال بما يحققه الآخرون على حساب ما عليك العمل لتحقيقه، والثِقة بأنَّك تمتلك الكثير من الإيجابيات ولكنَّك بالطبع لن تتمكن من رؤيتها إن لم تعدِّل اتِّجاه نظرك.

5. معرفة أنَّنا جميعاً بصفتنا بشراً خُلِقنا من تراب وإليه نعود:

لذلك مهما اختلفت طريقة حياتنا وأساليبها ومهما تعددت وجهات نظرنا واختلفت، فإنَّ النهاية ذاتها؛ وبذلك لا جدوى من قضاء الحياة بمراقبة الآخرين ونقدهم ومقارنتهم بنا.

6. الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وسيرة نبيه العظيم:

الذي يجب أن نقتدي به ونتشبَّه بأفعاله ونمتثل إلى أقواله، فقد حذَّر الرسول من سلوك مراقبة الآخرين ونهى عن القيام به، وفي الفقرة التالية سنتعرَّف بالتفصيل إلى حكم هذا التصرُّف حسب الشرع الإسلامي.

ثالثاً: ما هو حكم مراقبة الآخرين في الإسلام؟

لم يكُن الإسلام متهاوناً بشأن مراقبة الناس وتتبُّع تحركاتهم والتجسُّس على أفعالهم؛ بل كان صارماً ووصفَ هذا السلوك بالعمل الوضيع الذي يستحق العقاب والخزي في الآخرة والفضيحة في الدنيا.

تذكَّر دائماً أنَّ "مَن تتبَّع عورة مسلم فضحه الله ولو في جوف بيته"، وكما عوَّدنا دين الإسلام؛ فتوجد لكل تحريم حكمة وسبب، فالتجسس على الناس ومراقبتهم ينشر الحقد بين أفراد المجتمع ويهدم بنيانه ويساهم في نشر الفاحشة والمعاصي داخله.

تأكيداً على ما ورد آنفاً يأتي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)، [سورة الحجرات: الآية:12] ومن الجدير بالذكر أنَّ الإسلام حرَّم مراقبة الآخرين والتجسس عليهم واغتيابهم حتى ولو كان ذلك بدافع الخوف أو بهدف تحقيق مصلحة ما.

إقرأ أيضاً: 10 حقائق تؤكد أضرار مقارنة نفسك مع الآخرين

رابعاً: أحاديث نبوية عن التجسس ومراقبة الآخرين

الكثير من الأحاديث النبوية ذَكرت خطر مراقبة الآخرين والتجسس عليهم ونهت عن هذه الأفعال، ومنها:

  1. "لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا".
  2. "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا".
  3. "إنَّك إن اتَّبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم".
إقرأ أيضاً: تجنَّب هذه العادات السلبية لتكون أكثر سعادة

في الختام:

إنَّ عادة مراقبة الآخرين قد تبدأ لديك بدافع الفضول فقط، وبعدها لن تجد نفسك إلَّا قد وقعت في الفخ، وتحوَّل هذا الفضول لديك إلى إدمان لا يُحمد عقباه؛ لذلك حصِّن نفسك بالأخلاق الحميدة التي تجعلك بعيداً كل البعد عن أي تصرُّف فيه انتهاك لحرمة الآخرين واعتداء على خصوصياتهم، وتذكَّر دائماً أنَّك لن تكون أبداً بمعزلٍ عن الضرر وما يلحق بالآخرين من أذى يصيبك أولاً.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة