متى فرض الصيام؟ وما علاقة الصيام بالجهاد؟

متى فرض الصيام؟ ومتى فرض صيام رمضان؟ وكيف على رسولنا الحبيب عرُض؟ وما علاقة الصيام بالجهاد؟ وما الحكمة من أن نجوع ونعطش بهذا الشكل الملزم الجاد؟



رمضان فرض في السنة الثانية من هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أي أنّ النبى صام شهر رمضان 9 أعوام، ورمضان فرض في نفس السنة التي فرض فيها الجهاد حوالي شهر، الأمر بصيام رمضان نزل في شهر شعبان، والجهاد فرض في رمضان في غزوة بدر.

1. ما العلاقة بين الصيام والجهاد بحيث يتلازمان في نفس السنة، في نفس الشهر؟

هناك علاقة وثيقة بينهما، لأن الصيام يعلّم جهاد النفس، فإذا أجدت جهاد النفس، كنت مؤهلاً لجهاد الأعداء، لهذا لم يكن صدفة أن أعظم الفتوحات الإسلامية، والمعارك الفاصلة في تاريخ الامة، كانت في شهر رمضان: "غزوة بدر، وفتح مكة، ومعركة القادسية ومعركة عين جالوت ونزول المسلمين ساحل الأندلس وفتح جزيرة رودس ومعركة نهاوند كلّها وقعت في رمضان، من كثرة ما يعلو جهاد النفس، تتضاعف القدرة على جهاد الأعداء فواقع الأمة الإسلامية لن يتغيّر إلّا بأناس صائمين إذا أردت أن تنصر الإسلام وتعزه فعليك بصوم رمضان، صوماً حقيقياً.

إقرأ أيضاً: فوائد صيام شهر رمضان الصحيّة والنفسيّة والأخلاقية

2. هل فرض الصيام مرة واحدة؟

لا بل فرض الصيام بمرحلتين هم:

مرحلة اختيارية عندما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم للمدينة، فكان يوم عاشوراء، يومها قال النبي: "قَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عن ذلكَ؟ فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللَّهُ فيه مُوسَى، وَبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فأمَرَ بصَوْمِهِ" فأوصي بصيام هذا اليوم، لكنّه لم يفرضه على المسلمين: ثم تحوّل الأمر بعد ذلك إلى مرحلة الفرض: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة - 183، والصيام في مرحلة الفرض مر بمرحلتين، المرحلة الأولى منه كانت صعبة جداً ثم خفّف.

في بداية فرض الصيام لو نام المسلم أو المسلمة بعد المغرب أو صلى العشاء يتوقّف عن الطعام والشراب حتى مغرب اليوم التالي، ولو آذن المغرب وغفلت عينك قبل أن تفطر، لا تستطيع الإفطار إلّا بعد مغرب اليوم التالي، وبالتالي لا يستطيع الإنسان أن يقرب زوجته أو يتناول الطعام والشراب إلّا بعد مغرب اليوم التالي وقد وقعت بسبب ذلك عدة حوادث أولها: أن عمر بن الخطاب عاد إلى زوجته بعد المغرب فوجدها قد نامت فأيقظها وطلبها لحاجته فقالت أنها كانت نائمة وحرام أن يقربها، فقال لها: لا لم تنامي، وفي الصباح قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل لي من عذر عند الله؟

إقرأ أيضاً: أدعية أيام شهر رمضان المبارك

وحدث أن مرّ بنفس الحكاية أحد الصحابة هو "أبو قيس" الذي عاد من حقله عند المغرب جائعاً متعباً شديد الإعياء فقال لزوجته: عجلي بالطعام فدخلت لتجهزه ثم عادت لتجد زوجها نائماً فصام إلى اليوم التالي أرهق بالنهار حتى سقط مغشياً عليه فنزل قول الله عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) سورة البقرة - 187.

3. لماذا بدأ فرض الصيام شديداً ثم خفّف؟

ثابت في علم الله أنّ الصيام سيكون على ما نحن عليه الآن، لكنّه أراد أن يعلّم الأمة أن يستشعروا رحمته سبحانه، تماماً مثل الصلاة التي كانت 50 صلاة وخفّفت إلى خمس صلوات، تخيّل المرء يصلّي الساعة الثامنة مساء مثلاً الفرض رقم 44؟ رحمة الله بنا واسعة فله الحمد والشكر.

إقرأ أيضاً: أحاديث عن فضل شهر رمضان المبارك

4. هل فرض الله علينا الصيام لنجوع ونعطش؟ وما الذي ينبغي أن يتحقّق عندما نصوم؟

الآية توضح كل شيء: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة - 183، بمعنى أنّك لو صمت تكون تقياً ولو صمت وخرجت من رمضان غير تقي، إذن فأنت لم تصم رمضان صوماً حقيقياً، التقوى معناها أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك.

والله أعلم.

 

المصدر: مقال للأستاذ عمرو خالد لجريدة الأهرام العربي بتاريخ 28/10/2003




مقالات مرتبطة