ما هي متلازمة المحتال، وكيف نتغلب عليها؟

متلازمة المحتال هي الشعور بأنَّ إنجازاتك غير هامة، وأنَّك لم تصل إلى ما أنت عليه إلا بسبب الحظ أو خداع الآخرين؛ إذ تشعر بانعدام الثقة حيال عملك وإنجازاتك، وتشعر بالقلق دائماً من اكتشاف الآخرين أنَّك محتال.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويُحدِّثنا فيه عن متلازمة المحتال وتجربته معها.

إنَّ الغطرسة ليست صفةً جيدةً، ومتلازمة المحتال أكثر انتشاراً ممَّا نعتقد؛ وذلك لأنَّ الخوف من اكتشافها يجعل أولئك الذين يعانون منها يشعرون بالضعف، فهم لا يرغبون في الاعتراف بانعدام الثقة لديهم خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى الكشف عن انعدام قيمتهم أمام الجميع.

تصيب متلازمة المحتال أصحاب الإنجازات العالية، والأشخاص الذين يحققون نجاحاً متواضعاً كما يبدو أنَّها تؤثِّر في النساء بمعدلات أعلى من الرجال، وهي أمر منطقي إذا كنت لا ترى نفسك مناسباً للصورة النمطية التي تميز الشخص الناجح في مجال عملك.

صراعي مع حالة انعدام الأمان:

أنا في الواقع محرج من كتابة ذلك كما لو أنَّ الاعتراف بانعدام الأمان قد يعزز فكرة عدم كفاءتي في نظر الآخرين، مع ذلك يمكنني إذا فكرت في الماضي أن ألاحظ وجود نمط في حياتي الخاصة، وعندما أبدأ بالنظر إلى شخص آخر حقق شيئاً ما أوازن نفسي به، وأتخيل أنَّه ناجح، أمَّا أنا فلست كذلك.

إذا حدث في وقت لاحق ووصلت إلى مستوى نجاح ذلك الشخص نفسه، فإنَّني أرى أنَّ ما فعلته الآن يبدو بسيطاً، ويوجد معيار جديد يجب الوصول إليه حتى أكون مؤهلاً لإنجاز أمر ما، ولقد تعلمت قمع هذا الحدس أمام الناس إلى حدٍّ ما، لكنَّني أجد أنَّه يهيمن على كثير من أفكاري ومشاعري الخاصة.

من الأمثلة على ذلك تعلم اللغة، عندما بدأت في تعلم اللغة الفرنسية لأول مرة، كنت منبهراً بـ بيني لويس (Benny Lewis)، وقدرته على التحدث بلغات عديدة، وفيما بعد عندما فعلت ذلك بنفسي لم يعد الإنجاز مميزاً؛ وإنَّما سهلاً.

أنا الآن أشعر بالقلق من أنَّ مستواي قد لا يكون جيداً بما فيه الكفاية، وبينما كنت أفكر سابقاً أنَّ فكرة إجراء مناقشات طويلة باللغة الفرنسية جيدة بما فيه الكفاية، الآن أنا أشعر أنَّها غير كافية موازنةً بحالة الطلاقة الكاملة؛ إذ يجب أن أكون قادراً على فهم كلِّ شيء بصورة مثالية، والتحدث دون ارتكاب أغلاط.

يسيطر هذا النمط على حياتي الخاصة؛ أي السعي إلى تحقيق شيء ما، وبعد تحقيقه، الاستخفاف به وعدَّه إنجازاً سطحياً، وربما تلاحظ هذا النمط في نفسك أيضاً.

لا مشكلة في تحديد أهداف أكثر صعوبةً؛ بل تكمن مشكلة متلازمة المحتال في أنَّك تمحو أثر تقدُّمك في الماضي بتغيير معايير نجاحك.

لماذا قد يشعر الأشخاص الناجحون بالفشل؟

نحن نحتاج إلى فهم متلازمة المحتال لمعرفة أسبابها، وفيما يأتي عاملان هامان يؤثران سلباً في طريقة تفكيرك بنفسك:

1. الإنجازات موضوعية، وإن كانت نسبية:

لنبدأ بالعامل الأول: الحالة النسبية

من السهل بديهياً إلقاء نظرة على أيِّ مجال من المجالات التي يمكنك تحقيق إنجاز فيها، ومن هنا يمكنك تصنيف الأشخاص على مستوى نجاحهم العام، أمَّا داخل الشركة، فيوجد مستوى المبتدئين والمدير ونائب المدير التنفيذي، أمَّا الأكاديميات، فلديها درجات الماجستير والدكتوراه والأساتذة والباحثون الحائزون على جوائز، وفي الألعاب الرياضية، يوجد لاعبين إقليميين ووطنيين وأولمبين وعالميين.

على الرَّغم من ذلك، إنَّ حساسيتنا تجاه هذا المقياس المطلق للتميز أقل من حساسيتنا تجاه وضعنا النسبي ضمن هذا النطاق، وعلى هذا النحو نرى درجات الإنجاز القريبة من مستوانا بتفاصيل أكبر، وإدراك واعٍ أكثر من تلك التي تفوق مستوانا بكثير.

بالنسبة إليَّ، كلُّ درجات الإنجاز التي تفوقني كثيراً كانت بعيدةً بما يكفي بحيث يمكنني تجاهلها أساساً، مثل المؤلفين المشهورين عالمياً، واللغويين الذين يتقنون 40 لغةً، والمثقفين الذين اشتهروا بتألقهم في عدة موضوعات، وهذه الإنجازات تفوق مستواي بكثير لدرجة أنَّها لا تسبب لي أيَّ قلق على الإطلاق.

شاهد: 7 حيل عقلية تعزز ثقتك بنفسك

سبب الشعور بعدم الثقة هو تعظيم المستويات القريبة من مستواك أو الأعلى منه مباشرة:

أنا أكثر وعياً بالأشخاص الذين هم أعلى بقليل مني في المرتبة، وعندما يتعلق الأمر بالخبرة الموضوعية، فأنا أوازن نفسي بصورة غير ملائمة مع الأشخاص الذين درسوا المواد بعمق في الجامعات، وأوازن نفسي بالأشخاص الذين يديرون أعمالاً حقيقيةً مع عشرات الموظفين، والأشخاص الذين يتحدثون لغةً بطلاقة، بدلاً من موازنة نفسي مع أولئك من مستواي المتوسط نفسه.

تكمن المشكلة في أنَّك بعد صعودك مرتبةً واحدةً، فإنَّ المرتبة التي فوقها تظهر فجأةً، وعندما انتقلت من العمل بصورة فردية إلى العمل ضمن فريق، سرعان ما أصبح هذا الإنجاز الجديد هو الأساس، وارتفع مستوى موازنتي، فإذا كنت سأحصل على درجة الدكتوراه في أمر ما سأدرك على الفور اختلافي عن الأساتذة الجامعيين أو الخبراء المعترف بهم.

باختصار، إنَّ إدراكنا للوضع النسبي يعني وجود دائماً مستوى أعلى ومستوى أدنى من مستوانا؛ لذلك يمكن أن يأتي عدم الأمان من التركيز المفرط على المستوى الأعلى بدلاً من تقدير المستويات التي وصلت إليها، والنجاحات التي حققتها.

لكن على الرَّغم من أنَّ متلازمة المحتال تختلف عن هذا الأمر، فهي تميل إلى جعل المستوى الحالي يبدو غير مقبول بالنسبة إليك، وإنَّ الموقع الذي وصلت إليه كان بواسطة الحظ أو الظروف أو لأنَّ الآخرين فهموا بطريقة غير صحيحة أنَّك فعلت أمراً مثيراً للإعجاب؛ لذلك يوجد خوف دائم من أنَّك ستعود إلى المستويات السابقة.

2. عدم رؤية انعدام ثقة الآخرين في أنفسهم:

يوجد عامل آخر يساهم في متلازمة المحتال؛ وهو أنَّك لا تدرك أنَّ الآخرين يعانون منها، فحقيقة أنَّ الآخرين يبدون واثقين جداً وآمنين ويقدِّرون ذاتهم كثيراً، قد يعزز اعتقادك بعدم أهميتك.

إنَّ المبالغة في التقدير ناتجة عن عقلية تسمى بـ عقلية بحسب الظروف؛ فالأشخاص الذين يبدو أنَّهم ممتعون ومرحون في الحياة هم مرئيون جداً، في حين أنَّ أولئك الذين يبقون في المنزل ليسوا كذلك.

قد يؤدي هذا الأمر إلى الشعور ببعض الاكتئاب أيضاً، ولا سيما إذا كنت تعتقد أنَّ الاستمتاع والخروج من المنزل يعد هدفاً هاماً، وإذا كان بإمكانك رؤية الواقع، فمن المحتمل أنَّك ستشعر بمزيد من الأمان.

بالمثل، إذا تمكنت من الدخول إلى الحياة الخاصة لمعظم الأشخاص الناجحين، ورأيت كيف يعانون من مخاوفهم أو من أنَّهم قد وصلوا إلى مستويات من النجاح تتجاوز كفاءتهم، فمن المحتمل أن تطمئن لأنَّ مشاعرك تلك طبيعية، ومع ذلك فإنَّ الأشخاص الواثقين من أنفسهم مرئيون للغاية، وأولئك الذين يعانون من الشكوك لا يتحدثون أبداً ولا يظهرون.

التغلب على متلازمة المحتال:

أعتقد أنَّ الخطوة الأولى للتغلب على مخاوفك:

هي إدراك مدى طبيعتها في الواقع؛ وذلك لأنَّ كثيراً من الثقة الواضحة والشجاعة التي يُظهِرها الناس، تخفي شكوكهم المتعلقة بأنفسهم.

بمجرد أن ترى أنَّ الشك الذاتي وانعدام الأمان ليسا حالتي اضطراب فريدتين تتعرض لهما؛ وإنَّما أمر يؤثِّر في أشخاص عديدين، يصبح من السهل كثيراً أن تشعر بالراحة مع هذه المشاعر.

سأنصحك نصيحة مفيدة، يمكنك قراءة السير الذاتية للأشخاص الناجحين؛ إذ ستتفاجأ بعدد الأشخاص الناجحين الذين أمضوا حياتهم كلَّها في مواجهة حالة الشك الذاتي الشديد وانعدام الأمان؛ فقد كتبت الشاعرة الشهيرة مايا أنجيلو (Maya Angelou) ذات مرة: "لقد كتبت 11 كتاباً، ولكنَّني في كلِّ مرة كنت أفكر أنَّهم سيكتشفون ذلك الآن، لقد حاولت خداع الجميع وسيكشفونني".

إقرأ أيضاً: متلازمة المحتال ومعاناة الأشخاص المصابين بها

الخطوة التالية:

يجب ضبط تركيزك بوعي بعيداً عن تلك الدرجة من سلم الإنجاز أمامك مباشرةً، فقد لا يكون الأمر اعتيادياً، لكن ركز على الدرجات التي صعدتها بالفعل والصعوبات التي ترافقت معها، ويمكن أن يساعد ذلك على تجنب عدِّ إنجازاتك السابقة على أنَّها سهلة والتي هي أمامك هامة حقاً.

إقرأ أيضاً: متلازمة المحتال: أعراضها، وأسبابها، وكيفية التعامل معها

في الختام:

أوصيك باتخاذ رأي أكثر مرونة عند تقييم أعمال وإنجازات الآخرين، فإذا هاجمت وانتقدت الآخرين باستمرار، سينتهي بك الأمر بمهاجمة نفسك، وعندما تبدأ في المبالغة في عيوب الآخرين، ستبدأ عيوبك بالتفاقم أيضاً.

لا أعرف أيَّ علاج من شأنه أن يمنحك ثقةً دائمةً في نفسك، ولست متأكداً ممَّا إذا كان يوجد علاج لذلك، لكنَّ تعديل ميلك إلى التقليل من شأن إنجازاتك، والشعور بمزيد من الراحة في الموقع الذي وصلت إليه، هو أمر يمكننا جميعاً أن نسعى إليه.

شاهد بالفيديو: ما هي متلازمة المحتال، وكيف نتغلب عليها؟

المصدر




مقالات مرتبطة