ما هي تقنية البلوك تشين؟ وما هي علاقتها بالعملات الرقمية؟
أحدثَت تقنية البلوك تشين نقلةً نوعيةً خلال السنوات القليلة الماضية في عالم الاقتصاد الرقمي، فالعالم اليوم يمر بمرحلة فريدة من نوعها؛ مرحلة يتم فيها الانتقال من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الرقمي؛ ونتيجةً لذلك لاقت هذه التقنية رواجاً كبيراً واهتماماً واسعاً، وقد عرفت هذه التقنية بأنَّها التقنية التي أعادت تعريف الثقة والشفافية في العالم، ويرجع هذا إلى الأمان الذي توفره عند تخزين المعلومات؛ إذ تهدف إلى حلِّ مشكلات شائعة جداً كالتزوير والاحتيال، كما تسهل عمليات التحويل وتوفر كثيراً من الوقت، فما هي تقنية البلوك تشين؟ وما هي علاقتها بالعملات الرقمية؟ هذا موضوع مقالنا لهذا اليوم.
ما هي تقنية البلوك تشين؟
سلاسل الكتل أو البلوك تشين هي عبارة عن تكنولوجيا يمكن من خلالها تبادل وتخزين المعلومات بطريقة لا مركزية، وهي تقنية مفتوحة المصدر تقبل البرمجة لكن لا تقبل السيطرة عليها أو التحكم بها، وكأنَّها دفتر تسجل عليه المعاملات بشكل رقمي.
يعتمد المبدأ الأساسي لهذه التقنية على تخزين البيانات والتغييرات اللحظية عليها على شكل كتل أو نسخ من الصعب تغييرها أو إتلافها أو حتى حذفها، مع مراعاة عدم تخزينها على مخدِّم مركزي، وتعد هذه التقنية إحدى التقنيات التي أنتجها التوزيع العالمي لقدرة الحوسبة.
تحافظ تقنية البلوك تشين على المعلومات وتمنع قرصنتها وتزييفها والتلاعب بها، والفكرة في ذلك أنَّ هذه التقنية يتم إنشاؤها عن طريق أجزاء كبيرة جداً من الجمهور الذي أُتيح له المشاركة في الشبكة، وهذا يجعل عملية تغيير المعاملات المعالجة أو القرصنة أو الإدخالات الشائنة أمراً شبه مستحيل.
لتوضيح آلية عمل هذه التقنية أكثر سنقدم المثال الآتي: أحمد ومحمد وأكثم وزيد أربعة أشخاص يملك كل منهم عدداً من العملات الرقمية، وقد أراد "أكثم" شراء سلعة من "زيد" مقابل 0.15 بيتكوين، فـ "أكثم" سيقوم بالدخول إلى حافظة البيتكوين الإلكترونية ويرسل إلى "زيد" المبلغ مقابل السلعة وهذه هي المعاملة.
تسجَّل هذه المعاملة في سجل التعاملات الموجود لدى الأشخاص الأربعة، ويتم تقسيم بيان التحويل إلى أربع نسخ مشفرة وترسل إلى الأشخاص الأربعة، وكل شخص سيكون بعدها قادراً على قراءة السجل ومعرفة أنَّ عملية التحويل تمت دون معرفة من المحوِّل ومن المستلم؛ أي يمكن الاطلاع على كافة العمليات المسجلة في نفس الوقت، لكن دون القدرة على فك شيفرتها.
ينتشر اليوم استخدام هذه التقنية التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي انتشاراً واسعاً وفي العديد من المواقف، وقد ارتبط مصطلح البلوك تشين مع مصطلح العملات الرقمية ارتباطاً لافتاً في عام 2008م، وقد حدثت في عام 2014م طفرة تكنولوجية كبيرة في هذه التقنية وتم فصلها عن العملة الرقمية واستغلال إمكاناتها لخدمة المعاملات المالية عموماً.
الجدير بالذكر أنَّه أصبح بإمكان أي شخص في العالم اليوم تنزيل الكود ليبدأ عملية الحصول على عملة البيتكوين، فقد حدثت ضجة كبيرة اليوم بشأن هذه التقنية، ولا يرجع هذا فقط لكونها تقنية جديدة؛ بل أيضاً لأنَّ الناس اكتشفوا أنَّ ثمة طريقة جديدة تمكِّنهم من كسب المال.
على الرغم من ذلك لا يمكن القول إنَّ هذه التقنية ناضجة بشكل كامل؛ بل من الممكن أن تسبب العديد من المشكلات، وقد يصل حجم هذه المشكلات ليكافئ حجم الحلول التي وفرتها، وهذا يعني أنَّ تقنية البلوك تشين ما زالت في طور التطور ولن يتم دمجها في المجتمع بشكل كامل بعد، وهذا حقيقة حال أيَّة تقنية جديدة كالإنترنت مثلاً الذي طرأ عليه كثير من التطورات قبل دمجه في المجتمع بشكل كامل.
حتى نفهم أكثر تقنية البلوك تشين سنتعرف فيما يأتي إلى العناصر التي تتكون منها وهي:
1. الكتل (Blocks):
كما ذكرنا آنفاً فإنَّ آلية عمل تقنية البلوك تشين تعتمد على تخزين البيانات وكل التغييرات اللحظية التي تجري عليها على شكل كتل، فمثلاً في حالة العملات الرقمية تحتوي كل كتلة على آخر التحويلات على أرصدة المستخدمين وكافة التغييرات التي طرأت عليها، مع معلومات أخرى تضمن صلاحية هذه الكتل.
2. الهاش (Hash):
تحتوي كل كتلة على الهاش الخاص بها والهاش الخاص بالكتلة السابقة، والهدف من هذا هو الحفاظ على تسلسل الكتل؛ إذ يعد الهاش أحد أساليب التشفير في اتجاه واحد، وتعتمد البلوك تشين في إنشاء الهاش على آلية تسمى آلية الإجماع.
لهذه الآلية نوعان هما آلية إثبات العمل، وتعتمد هذه الآلية على بذل الطاقة الحاسوبية الكافية لإنشاء الهاش، ويتم إرفاق عدد المحاولات التي قام بها الحاسوب ضمن معلومات الكتلة الأساسية لتأكيد وإثبات ما تم بذله من الطاقة لإنشاء هذا الهاش، وتعد هذه الطريقة الطريقة المعتمدة في عمل العديد من العملات الرقمية الشهيرة كما في بيتكوين.
أما الآلية الثانية فهي آلية إثبات الحصة، وتعتمد هذه الآلية على تصديق الكتل الجديدة من خلال مشاركة من يملكون حداً أدنى من الحصص من العملة أو الأصول الافتراضية، وتعني هذه العملية تجميد المستخدمين لقسم من عملاتهم الرقمية بهدف استخدامها لإنشاء كتل جديدة والحصول على فوائد منها، وهذا ما يسمى عملية التحصيص.
ما هي استخدامات البلوك تشين؟
لتقنية البلوك تشين العديد من الاستخدامات، وفيما يأتي سنعدد أهم هذه الاستخدامات:
1. العملات الرقمية:
تم الاعتماد على تقنية البلوك تشين منذ إنشاء أول عملة رقمية وهي البيتكوين، ومن ثم تعد هذه التقنية العامل الرئيس الذي شجع نمو العملات الرقمية وظهورها، وتوفر هذه التقنية العديد من الفوائد في مجال العملات الرقمية، ومن أهم هذه الفوائد عدم الحاجة إلى وسيط أو جهة مركزية عند التحويل، إضافةً إلى الأمان الكبير الذي تتسم به هذه التكنولوجيا.
2. العقود الذكية:
هي العقود ذاتية التطبيق وتتم بين طرفين دون الحاجة إلى جهة وسيطة تلزمهما بالتطبيق، وقد ساهمت العقود الذكية بظهور كثير من التطبيقات الجديدة للبلوك تشين مثل التطبيقات اللامركزية.
3. الرموز غير القابلة للاستبدال:
هي إحدى الوسائل الهامة التي تسمح بتسجيل ملكية الملفات والأعمال الرقمية أيضاً دون الحاجة إلى وجود جهة مركزية تقر بملكية هذه الأصول.
شاهد بالفيديو: كيف تفهم العملات الرقمية؟
ما هي إيجابيات وسلبيات البلوك تشين؟
تتمتع تقنية البوك تشين بالعديد من الميزات التي تجعلها جذابة ومنها:
1. الثقة والأمان:
تُظهر هذه التقنية إحدى أهم حاجات الإنسان التي يسعى إليها على مر العصور، وهي الحاجة إلى الوثوق بأشخاص آخرين، وتجسد هذه التقنية مفهوم الثقة وما يمكن أن يصل إليه الإنسان عندما يثق بغيره ويتم الوثوق به، وتناقش هذه التقنية مسألة إزالة الوسطاء بين الأطراف، وبسبب عدم وجود مخدِّم مركزي فمن المستحيل تعرض هذه التقنية لهجوم يشل حركتها، حتى إنَّ محاولة القرصنة مستحيلة؛ وذلك لأنَّ أيَّة محاولة قرصنة ستكون بلا جدوى إن لم تتفوق بطاقتها على الطاقة الحاسوبية للشبكة ككل، وهذا أشبه بالمستحيل بسبب عمليات التعدين التي تجعل كميات الطاقة الحاسوبية عالية جداً ومن الصعب التغلب عليها.
2. انخفاض التكاليف والوقت:
تخفض تقنية البلوك تشين من النفقات المتعلقة بموضوع حماية البيانات وتخزينها ومعالجتها، كما توفر كثيراً من الوقت، في حين تستغرق المعاملات الورقية وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً إضافة إلى احتمال وقوع كثير من الأخطاء، نجد أنَّ تقنية البلوك تشين تمكِّنك من إنجاز المعاملات بوقت أسرع وبشكل أكثر كفاءة، ودون الحاجة إلى تبادُل الأوراق والوثائق.
3. الشفافية:
يستطيع جميع المشاركين في الشبكة رؤية المعلومات في نفس الوقت، وهذا ما يمنح الشفافية الكاملة للعملاء والمساهمين، كما أنَّ المعاملات المسجلة لا يمكن إجراء أي تغيير عليها وتُختم بطابع التاريخ والوقت، وهذا ما يمنح الأعضاء إمكانية عرض السجل الكامل للمعاملة بالترتيب الزمني.
4. عدم الحاجة إلى الوسطاء:
كون هذه التقنية تتيح أسلوباً جديداً لا يتطلب وسطاء ولا يحتاج إلى الاعتماد على الشركات الكبرى، ويصبح تحقيق الشفافية في كافة المعاملات أمراً أكثر سهولة.
سلبيات البلوك تشين:
إضافة إلى تلك الإيجابيات الكثيرة التي تحدثنا عنها توجد بعض السلبيات لتقنية البوك تشين ولا بد من ذكرها:
- تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة وخاصة في أثناء عملية التعدين، وهذا ما يجعل شركات التعدين تتوجه نحو الدول التي تكون فيها أسعار الطاقة منخفضة؛ أي الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري المعروف أنَّها شديدة الانبعاثات الكربونية، وهذا يؤثر سلباً في البيئة.
- صعوبة إصلاح الثغرات في التصميم بسبب عدم القدرة على تعديل المعاملات أو إلغائها بعد إصدار قواعد البلوك تشين.
ما هي علاقة البلوك تشين بالعملات الرقمية؟
تقنية البلوك تشين هي التقنية الأساسية للعملات الرقمية، وتعدُّ السجل الرئيس لمعاملات البيتكوين، ويلخص دورها في التأكد من حالة السجلات وتحديثها والتأكد من مطابقة كل النسخ في جميع النسخ، وتضيف هذه التقنية اللامركزية للعملة الرقمية، وهذا ما يلغي الحاجة إلى الوسيط للتحقق من صحة المعاملات كالبنك مثلاً الذي يؤدي دور الوسيط في كثيرٍ من المعاملات، كما يجب إضافة كل معاملة بيتكوين إلى سجلات البلوك تشين؛ لتعد صالحة.
تسجَّل عملات البيتكوين إلى عناوين خاصة يتم إنشاؤها عن طريق تشفير مفتاح خاص بالبيتكوين، ويتم حوسبته خلال جزء من الثانية، وبالطبع هناك عدد كبير من المفاتيح التي لا يمكن كسر شفرتها، وكل شخص لديه عملات نقدية يريد إنفاقها أو تحويلها لا بد أن يكون لديه المفتاح الخاص؛ أي مفتاح التشفير، ويقوم بالتوقيع على المعاملة إلكترونياً لتتحقق الشبكة بعدها من المعاملة باستخدام المفتاح العام.
في الختام:
يبدو واضحاً من خلال هذا المقال أنَّنا نمر في لحظة فريدة من نوعها في التاريخ البشري، فعالمنا اليوم يشهد الانتقال إلى الرقمنة في كل شيء، وليس انتشار تقنية البلوك تشين بهذا الشكل الواضح إلا دليلاً على ذلك فالاقتصاد اليوم يتوجه نحو التحول إلى الاقتصاد الرقمي والعملة الرقمية، ويمكننا القول إنَّ هذه التقنية ليست إلا استجابة للتغيرات الكبيرة التي يشهدها عصرنا اليوم.