ما هي النرجسية وكيف يتم التعامل مع الشخص النرجسي؟

تفرض علينا ظروفنا الاجتماعية والمهنية التعاملَ مع العديد من الأشخاص يومياً، وغالباً ما يتَّصف كل شخص منهم بصفات مختلفة عن الآخر، قد تكون صفات جيِّدة تُسهِّل التعامل والتواصل معه، وقد تكون صفات سيئة تجعل من عملية التواصل هذه مهمَّة شاقَّة ومعقَّدة؛ لذلك كان من الضروري جدَّاً فهْم طبيعة الشخص الذي نتعامل معه، ومعرفة صفاته.



تعدُّ الشخصية النرجسية من أكثر الشخصيات صعوبة، حتى أنَّ بعض الباحثين ذهبوا أبعد من ذلك ووصفوا أصحاب هذه الشخصية بمصاصي الدماء، وبناءً على ذلك كان من الضروري أن نعرف كيف نتعامل مع الشخصية النرجسية تعاملاً صحيحاً، ونحمي أنفسنا من الوقوع ضحيَة سلوكاتهم وتصرُّفاتهم.

ما هي النرجسية؟ وما هي العوامل التي تؤدي إلى تشكُّلها عند الفرد؟

ارتبط مفهوم النرجسية بالأسطورة الإغريقية التي تحكي قصَّة الشاب نرسيس أو نرجس، الشاب الذي وقعت جميع الفتيات في حبِّه، لكنَّه لم يتمكَّن من حبِّ إلَّا نفسه بعد أن رأى انعكاس صورته على وجه البحيرة، فمات منتحراً بسبب هذا الحب، ونبتت في المكان ذاته زهرة جميلة سُميت باسمه زهرة النرجس.

النرجسية كما عرَّفها قاموس كامبردج لعلم النفس هي تقييم الفرد المتضخِّم لذاته، والانشغال بخيالات المجد والقوَّة، والإحساس بالصدارة والميل إلى استغلال الآخرين وبسط النفوذ عليهم.

يجدر بنا الإشارة هنا إلى أنَّه يتمُّ أحياناً الخلط بين النرجسية وبين عدد من المفاهيم الأخرى، ومن هذه المفاهيم: الأنانية، الغرور، حب الذات، التسلط؛ حيث يوجد خيط رفيع بينها وبين النرجسية.

تتشكل الشخصية النرجسية كما يؤكد العديد من المختصين والباحثين في مراحل الطفولة المبكِّرة، وما يحدث في مرحلة المراهقة ليس إلَّا تثبيتاً وتعزيزاً للسوك النرجسي الذي تكوَّن في الطفولة.

العديد من الأسباب تساهم في تكوين الشخصية النرجسية، ومن هذه الأسباب:

  • الانتقادات الشديدة التي يوجهها الآباء لأبنائهم، أو التقدير المبالغ فيه الذي يحصل عليه الطفل، ويكون موجَّهاً في الغالب إلى شخص الطفل أو ذاته، وليس إلى عمله، كأن يستخدم الأهل عبارات من نوع أنت عظيم، استثنائي، بدلاً من القول مثلاً: أداؤك عظيم، عملك كان رائعاً، وبناءً على ذلك نلاحظ أنَّ أغلب النرجسيين يكونون أول أطفال الأسرة أو الوحيدين لأهاليهم.
  • تثبيت السلوك النرجسي من قِبل الطفل عن طريق تكراره الدائم له، حتى يصبح في النهاية سمة من سمات شخصيته.
  • تقليد الطفل لأحد أبويه النرجسي يؤدي إلى استقرار السلوك النرجسي لديه، إذا كان أحدهم طبعاً شخصاً نرجسياً.
  • قد يكون أيضاً أحد أسباب النرجسية، وإظهار هذا التضخم المبالغ فيه للذات ناتج عن شعور عميق بالدونية في نفس الشخص النرجسي، فتكون تصرفاته وسلوكه وسيلة للدفاع عن هذه المشاعر.
  • يُرجِع بعض الباحثين أسباب النرجسية إلى عوامل عضوية أيضاً إضافةً إلى العوامل النفسية والتربوية التي ذكرناها آنفاً، وتتمثَّل هذه العوامل في اختلال النواقل العصبية بين خلايا الدماغ.

تشير الإحصاءات إلى أنَّ الذكور معرَّضون لأن يكونوا نرجسيين أكثر من الإناث.

شاهد بالفيديو: 8 صفات يتفرَّد بها الشخص النرجسي

صفات الشخص النرجسي:

يَظهَر على الشخص النرجسي العديد من السمات التي تميزه عن غيره، ومن هذه السمات:

  • التكبُّر والغرور، كما أنَّه يُظهِر حساسية مبالغ فيها تجاه أي نقد.
  • يقلل الشخص النرجسي من شأن الآخرين، ويميل إلى الاستخفاف بهم وبمشاعرهم، ويتعالى تعالياً واضحاً عليهم.
  • الحسد، الشخص النرجسي شخص حسود يغيظه جداً رؤية شخص ناجح غيره.
  • الشخص النرجسي كثير العلاقات، فهو غير قادر على الاستمرار بالحب، وموضوع الحب بالأساس عنده ليس إلَّا تغذيةً لنرجسيته، فهو يستمد القوة والطاقة من مشاعر الحب وعبارات الثناء والمديح التي يسمعها من الآخرين.
  • الشخص النرجسي أيضاً شخص طموح وقيادي، ويُظهر عدم الرضا دائماً من قيادة الآخرين له، ومن الهام هنا أن نذكر أنَّكثيراً من القادة والرؤساء والمشاهير في العالم كانوا أشخاص نرجسيين، مثل: ستالين وهتلر والقذافي وبابلو بيكاسو وغيرهم.
  • الشخص النرجسي هو أيضاً شخص ثرثار، متفاخر، مستبد، عنيد، ويميل دائماً إلى تقليد الأشخاص الناجحين.
  • الإفراط بالأناقة، فتجد أنَّهم أشخاص يبالغون باستخدام العطور والمكياج وارتداء الملابس الغالية، ويحاولون الإشارة إلى ذلك في حديثهم دائماً.
  • أخيراً يبالغ الشخص النرجسي أيضاً، ويفرط بالاهتمام بالنظافة.

إذا ما ظهر على الأقل خمسة من هذه السمات كان الشخص نرجسياً، وإذا ما تكثَّف ظهورها تكثُّفاً مضراً للشخص نفسه ولمَن حوله أصبحت النرجسية مرضاً، فالنرجسية في أكثر حالاتها تطرفاً تصبح مرضاً، ويُعرَف باسم اضطراب الشخصية النرجسية.

يرى كثير من الباحثين وعلماء النفس أيضاً أنَّ النرجسية ظاهرة طبيعية ناتجة عن ظروف الحياة العصرية الجديدة، التي يزداد فيها التمركز حول الذات، وتعظيم الأنا وتقديسها.

وفي نهاية الحديث عن الصفات التي يتمتع بها النرجسيون، لابدَّ من ذِكر نقطتين أساسيتين:

  • يقوم الأشخاص النرجسيون بتضخيم صفاتهم الشخصية من ذكاء وجمال وقوة وسيطرة، وهذا بالتحديد ما يجعلهم غير محبوبين من قِبل المقرَّبين منهم، في حين يكونون محبوبين من قِبل الأشخاص الذين يتعاملون معهم عن بُعد، فهُم أشخاص جذابون في بداية العلاقة.
  • يميل النرجسيون أكثر من غيرهم إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع تتيح لهم تقديم ذاتهم المتضخِّمة وصورتهم المنمَّقة على طبق من فضة.
إقرأ أيضاً: صفات الزوج النرجسي وكيفية التعامل معه

كيفية التعامل مع الشخص النرجسي:

يقول بعض الأشخاص إنَّ أفضل طريقة للتعامل مع الأشخاص النرجسيين، الابتعاد عنهم كلياً، ولكنَّ هذا الحل لا يمكن تطبيقه في حال كان الأشخاص النرجسيون من المقرَّبين أو العائلة، أو الرئيس في العمل مثلاً، فالابتعاد هنا سيكون سبباً لإضعاف علاقاتنا أو خسارة أعمالنا؛ لذلك الابتعاد ليس الحل الأفضل؛ بل يمكن اتباع بعض الطرائق للتعامل معهم تعاملاً صحيحاً وغير مؤذٍ للطرفين.

فإذا كنت تتعامل مع شخص نرجسي انتبه للنقاط التالية:

  • قبل أي شيء وبعد أن تتأكد أنَّ الشخص الذي تتعامل معه هو شخص نرجسي، عليك أن تعرف إلى أي نوع من الأشخاص النرجسيين ينتمي هذا الشخص؛ فهناك النرجسيون العظيمون والنرجسيون الضعيفون، ويعدُّ هذا الأخير النوع الأصعب والأكثر تعقيداً؛ وذلك لأنَّهم لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم، ويستخدمونك أنت لسدِّ هذه الثغرة في مشاعرهم، فيتَّكلون عليك ويستنزفون طاقتك حتى دون أن تدري؛ لذلك افهم جيِّداً مع مَن تتعامل.
  • وضع حدود لعلاقتك معه ومنذ البداية، وخاصةً إذا كانت العلاقة علاقة عمل، كأن توضِّح له أنَّك لست متوفراً في كل لحظة، ولن تكون على استعداد تام وكامل لتنفيذ رغباته وأوامره.
  • كن صبوراً ومتفهِّماً إلى أبعد الحدود، وإذا كان رئيسك في العمل نرجسيَّاً انتبه إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص لا يتحمَّلون النقد، وستكون مضطراً دائماً إلى تكرار عبارات المديح والإعجاب.
  • تكلَّم عن نفسك لتُخرِج الشخص الذي أمامك من دائرة ذاته، ونجاحاته المنقطعة النظير والتي يتحدَّث عنها كل الوقت، ولا تأخذ دور المستمع أو المتفرِّج فأنت تمتلك أيضاً إنجازات تستحق أن تتكلم عنها.
  • التجاهل: حاول الابتعاد عن دائرة الضوء الخاصة بالشخص النرجسي، فلا تركز علىحاجاته وأهدافه ورغباته؛ بل ركز على حياتك الخاصة ونفسك، وتجاهل كلَّ ما يقوله ولا تسمح له بالدخول إلى عالمك الخاص، ولا تغيِّر أولوياتك من أجله، ولا تدعه يؤثر سلباً في نفسيتك. إذا كانت العلاقة التي تربطك به علاقة عمل، تذكَّر أنَّها علاقة محددة بأوقات العمل، وخارج هذه الأوقات تجاهله وابتعد عنه قدر المستطاع، ولا تنسَ أيضاً أنَّ عليك أن تسمعه صوتك بين الحين والآخر؛ حتى لا يعتقد أنَّه تمكَّن من إضعافك أو كسرك.
  • كن واثقاً من نفسك ومن قراراتك، فهُم أشخاص لا يعترفون بأخطائهم ولا يتحمَّلون مسؤولية أفعالهم أو أذيتهم لمشاعر غيرهم، ويبحثون دائماً عن شماعة لتعليق أخطائهم وقد تكون أنت أو أي شخص آخر هذه الشماعة؛ لذا لا تسمح لهم أن يتلاعبوا بك ويقنعوك بأنَّك الشخص المخطئ والمسبِّب للشجار ومصدر النكد الدائم، فأنت على حق لذلك قف بثبات، ولا تسمح لسيل العواطف الذي سيدفعونه باتجاهك أن يؤثر في ثباتك.
  • لا تخجل من طلب المساعدة إذا احتجتها، قد يؤثر تعاملك الدائم والمستمر مع الشخص النرجسي سلباً في صحتك الجسدية والنفسية، فإذا ظهرت عليك أعراض قلق أو أرق أو اكتئاب اطلب الدعم من أصدقائك، وإذا تفاقم الأمر لا تتردد واستشر طبيباً مختصَّاً.

متى يجب علينا قطع العلاقة نهائياً بالشخص النرجسي؟

قد تقوم بكل الخطوات التي ذكرناها آنفاً، ولكنَّك مازلت تتعرض للأذى من هذه العلاقة، وهذا إن دلَّ على شيء يدلُّ على أنَّ هذه العلاقة خرجت عن الحدود المقبولة، وأصبحت علاقة مؤذية وعليك قطعها نهائياً.

ماهي إذاً العلامات التي تدلُّك على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة؟

  1. تعرُّضك للإهانة والإذلال أمام الناس.
  2. الشخص الذي تتعامل معه يلقي اللوم إلقاءً دائماً عليك، ويحمِّلك مسؤولية أي خطأ يحدث، ويلبسك صفات واتهامات لا صلة لك بها، وكل هذا سيضعف تقديرك لذاتك، ويوصلك إلى مرحلة متقدِّمة من فقدان الثقة بالذات.
  3. يتكلَّم بالسوء دائماً عن أصدقائك الآخرين وأهلك، ويحاول إبعادك عن الجميع، ليجعل من نفسه عالمك الوحيد، ويجعل كل شيء متمحور حوله فيصبح التفكير بالانفصال عنه كمَن يخاطر بعالمه كله.
إقرأ أيضاً: 10 شخصيات سامة يجب عليك تجنبها

الخلاصة "هناك أشخاص لا يمكن إنقاذهم من الغرق":

أثبتت الكثير من الدراسات أنَّ الأشخاص النرجسيون يعانون في الحقيقة من قلة الثقة بالنفس، ومن قلة تقدير للذات، فهُم شخصيات تحاول الظهور بمظهر القوة والعظمة؛ وذلك لأنَّهم مسحوقون من الداخل، ووصولهم إلى هذه الحالة لم يكن إلا نتيجةً لكثير من الإحباطات والعوائق والظروف السيئة التي عانوا منها، وهم بالتالي أكثر عرضةً من غيرهم للتوتر والانهيارات وعدم الاستقرار العاطفي.

وهذا كله يدفعنا للقول إنَّ أي محاولة لتغييرهم محاولةٌ فاشلة، وأنَّ ردة الفعل الصحيحة تجاههم هي التعاطف معهم، ومحاولة فهْمهم لنصبح أكثر صبراً في أثناء التعامل معهم، لكن تذكَّر جيداً أنَّ كل هذا عليه أن يتوقف عندما تخرج الأمور عن السيطرة، فيصبح الانسحاب من العلاقة هو الحل الأمثل.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة