ما هي أهمية الإصغاء في العلاقات؟

ما هو أكثر شيء تتذكره عن مدرِّسك المفضَّل أو عن مديرك الأكثر إلهاماً؟ هل تتذكر بماذا كانا يُلقَّبان؟ وهل تتذكر كيف جعلاك تشعر؟



يمكن للدماغ أن يركز على الأمور واحداً تلو الآخر فقط، فنحن نحاول القيام بمهام عدَّة، لكنَّنا لا ننجح في ذلك، ومن الهام معرفة ذلك؛ لأنَّ اللوزة - وهي جزء من الدماغ يُنشَّط كلما شعرنا بالتهديد - لها الأولوية على مناطق أخرى من الدماغ، فهي تستحوذ على جزء من الدماغ يسمى قشرة الفص الجبهي والذي يمثل الجزء التنفيذي من الدماغ، وعند الاستحواذ تولِّي نشاطات الدماغ الأولوية للتركيز على التعامل مع الحالة، على سبيل المثال: التهديدات والضغوطات المتصورة.

في إطار التعليم، هذا الأمر هام جداً لكي نفهمه؛ لذلك يجب التفكير فيه، وهذا يعني أنَّ الأطفال الذين يشعرون بعدم الأمان والتهديد والتوتر يكونون أقل قدرةً على التركيز؛ إذ يعطل هذا الخلل الذي يتجلى في الانكفاء الذي سببه سيطرة اللوزة الدماغية على أجزاء من الدماغ معروفة بإثارة الفضول، وملاحظة الفرص، والمشاركة في التجارب أو المخاطرة والإبداع والسعي إلى التغيير، وتُظهِر الأبحاث أنَّه لكي يتطور الأطفال جيداً ويستكشفون العالم ويتعلمون، يجب أن يشعروا بالأمان.

في مكان العمل، يعني هذا الأمر أنَّ الموظفين أقل قدرةً على أن يكونوا فضوليين؛ لأنَّهم سيركزون على التهديدات الخارجية، وسيرغبون في تحمُّل مخاطر أقل خوفاً من الفشل؛ ممَّا يقلل فرصهم في النمو المهني والشخصي ويقتل إبداعهم ويؤثر في كفاءتهم في العمل.

قال الدكتور "ريتشارد ديفيدسون" (Richard Davidson) ذات مرة خلال فعالية استمرت لخمسة أيام بعنوان "إعادة تصور ازدهار الإنسان" (Reimagining Human Flourishing)، والتي نظَّمَتها مؤسسة "مايند أند لايف إنستيتيوت" (Mind & Life Institute): "إنَّ أحد الأمور الرائعة التي تعلمناها في العلم هو أنَّنا عندما نواجه الشدائد، فإنَّ ذلك يقلل من مرونة الدماغ، ويخفض من تنظيم الجينات المسؤولة عن المرونة نفسها؛ ومن ثمَّ، فإنَّ آليات التعلم نفسها تضعف".

إنَّ البيئة التي تفتقر إلى الأمان تدفع الشخص إلى البقاء والاستمرار وهو يشعر بالخوف، ويبحث دائماً عن التهديدات المحتملة.

إذاً، يجب أن يكون المعلمون والقادة وأيُّ شخص آخر يرغب في قيادة فريق أو مجموعة من الأشخاص، قادرين على خلق شعور الأمان والثقة لدى الأطفال والموظفين، إذا كانوا يرغبون في التقليل من استخدام الدماغ من أجل الدفاع، والسماح لهم بالمخاطرة والتعلم وإنجاز أمور جديدة، وفي النهاية، إطلاق العنان لإمكاناتهم الكاملة.

شاهد بالفديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال

كيف نعزز الثقة؟

توجد طرائق متعددة لبناء الثقة داخل مجموعة من الأشخاص، ولكنَّ الطريقة الأكثر فاعليةً وطبيعيةً واستمراراً لخلق الثقة، هي طبيعة علاقتك مع الفرد الذي تحاول إلهامه أو تعليمه، والتي ستُحدَّد دائماً من خلال جودة الإصغاء الخاص بك، سواءً كنَّا نتحدث عن علاقة المعلم بالطالب، أم علاقة الرئيس بالموظف، أم أيَّة علاقة كانت، فإنَّ مفتاح إنشاء علاقة جيدة مهما كان نوعها هو ممارسة الإصغاء العميق والتعاطفي والبعيد عن إصدار الأحكام، وهذه الصفة هامة لدى الأشخاص الأذكياء عاطفياً.

عندما نقول تدرَّب على هذا النوع من الإصغاء، نعني أكثر بكثير من مجرد جمع المعلومات بآذاننا عندما يتحدث شخص آخر عن مشكلاته ويعبِّر عن مشاعره، ولا سيما السلبية منها؛ حيث يدرك المعلمون والقادة الأذكياء عاطفياً مشاعر الأشخاص البالغين أو الأطفال الآخرين، ويدركون كيف يمكنهم التفاعل معهم بِعَدِّ ذلك فرصةً لاستخدام أعينهم لمراقبة الأدلة المادية لعواطفهم، مثل لغة الجسد وتعبيرات الوجه والإيماءات، واستخدام قلوبهم ليشعروا بما يشعر به الشخص الآخر أو الطفل.

يعني الاستماع العميق والتعاطفي والبعيد عن إصدار الأحكام، استخدام الكلمات لتعكس بطريقة هادئة وغير نقدية ما يصغي إليه المعلم أو القائد، من أجل التعبير عن مشاعر المتحدث ومساعدته على تغييرها، فهذا النوع من الإصغاء لا يعني الاستماع للكلمات فحسب؛ وإنَّما الحرص على أن يركز المصغي على احتياجات المتحدث وأهدافه، وينسى آراءه حول الموقف واحتياجاته الخاصة، وبهذه الطريقة، سيشعر الطفل أو الموظف بأنَّك تصغي إليه، وتفهم أنَّ مشاعره واحتياجاته وآراءه صحيحة ومفهومة ومحترمة.

أليس هذا ما نريده جميعاً؟ ألا نرغب جميعنا في التعبير عن مخاوفنا واحتياجاتنا وأمورنا وعدم الحكم عليها؟ تذكَّر أنَّه لا يمكن التحكم بصورة كاملة في المشاعر أو الأفكار؛ لذلك، فإنَّ الهدف هو استكشاف وفهم واستخدام العواطف وليس محاولة كبتها.

من خلال ممارسة الإصغاء العميق والتعاطفي والبعيد عن إصدار الأحكام، سيشعر الأطفال والموظفون بأنَّك تصغي إليهم وتحترمهم، بالإضافة إلى الشعور بأنََّهم يمكن أن يثقوا في المعلم أو القائد في أثناء التحدث عن مشاعرهم وتحدياتهم ومشكلاتهم، وسيدركون أنَّ المعلم أو قائد الفريق لن ينتقدهم أو يستهزئ بمشاعرهم ويَعُدُّها مشاعر سلبيةً أو أنَّهم يمتلكون أفكاراً عصيبة.

عندما يواجه طالب أو موظف مشكلةً ما، فإنَّهم سيأتون إلى المعلم أو القائد؛ لأنَّهم يعرفون أنَّهم يقدِّمون لهم أكثر من مجرد خطابات ومحاضرات، ولأنَّهم يشعرون بأنَّهم يصغون إليهم؛ ومن ثمَّ، سيشعرون باحترام المصغي، الأمر الذي سيُترجَم إلى علاقة ثقة ورعاية بينهما.

إقرأ أيضاً: أنواع مهارات الإصغاء مع أمثلة عليها

يؤدي الإصغاء العميق والتعاطفي والبعيد عن إصدار الأحكام إلى الشعور بالثقة والاحترام؛ ومن ثمَّ، التعلم والإلهام:

يحتاج المعلمون إلى الإلهام حتى يتمكن الأطفال من التعلم منهم بطريقة فعَّالة ومستمرة، وفي عالم الأعمال، لا يمكننا تحقيق أهدافنا إلا من خلال الأشخاص ومعهم؛ لذلك إذا أردنا الازدهار، فنحن نحتاج إلى ازدهار الناس معنا.

وللقيام بذلك، في كلا الحالتين نحتاج إلى تحقيق تواصل جيد مع أقراننا، والأشخاص الذين نقودهم أو ندرِّسهم، والأشخاص الذين نعرفهم عموماً حتى نتمكن من خلق الثقة والحب والاحترام والقدرة على تحفيز الآخرين وتعليمهم وإلهامهم، فهؤلاء هم المدرسون والرؤساء الذين يستمر ذكرهم، وهؤلاء هم القادة الذين يغيِّرون الحياة.

المصدر




مقالات مرتبطة