ما هي آلية عمل الانتباه؟

لا يقتصر الانتباه على التركيز على الأشياء فحسب، بل يتعلق أيضاً بجميع الأشياء التي نتمكن من ضبطها والتعامل معها بسلاسة.



نعلم أنَّ الانتباه انتقائي ومحدود من حيث المقدرة؛ لكن كيف نفلتر المعلومات غير الضرورية، ونركز انتباهنا على الأشياء الهامة بالفعل؟

تميل العديد من الفرضيات المتعلقة بموضوع الانتباه إلى التأكيد على كيفية تركيز انتباهنا بدقة، بينما تفشل في تحديد الطريقة التي نتجاهل بها كل المؤثرات من حولنا، والتي تتنافس سعياً إلى الحصول على موارد الانتباه والاهتمام.

لقد ركزت بعض الدراسات الحديثة في الواقع على علم الأعصاب الكامن وراء هذه العملية، مسلطة الضوء على العمليات المحتملة التي تؤثر في كيفية ضبط المشتتات.

الانتباه على المستوى العصبي:

اقترحت دراسة أجراها باحثون في جامعة نيوكاسل (Newcastle) عام 2013 أنَّ الطريقة التي تستجيب بها الخلايا العصبية للمنبهات الخارجية تؤثر في القدرات الإدراكية لدينا، ووضح الباحث الرئيس في الدراسة أليكس تايلي (Alex Thiele) قائلاً: "عندما تتواصل مع الآخرين، يمكنك جعلهم يصغون إليك بشكل أفضل من خلال التحدث بصوت أعلى أو بشكل أكثر وضوحاً.

يبدو أنَّ الخلايا العصبية تقوم بأشياء مماثلة عندما تتلقى تنبيهاً بأمر ما، حيث ترسل رسالتها بكثافة أكثر إلى الخلايا العصبية الأخرى، وهو ما يشبه التحدث بصوت أعلى؛ لكنَّ الأمر الأكثر أهمية هو أنَّها تعمل على زيادة دقة رسالتها، والذي يشبه التحدث بشكل أكثر وضوحاً".

مزامنة مناطق الدماغ:

توصَّل باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس إلى أنَّ الدماغ يبدو قادراً على مزامنة النشاط في مناطق مختلفة منه، ممَّا يسمح للشخص بالتركيز على مَهمَّة معينة.

لقد شبَّه الباحثون هذه العملية باستخدام جهاز اللاسلكي؛ أي بمعنى آخر: ترتبط مناطق مختلفة من الدماغ بـ "التردد" نفسه من أجل إنشاء خط اتصال واضح.

كما وضحت الباحثة آيمي دايتش (Amy Daitch) قائلة: "نعتقد أنَّ الدماغ لا يضع المناطق التي تُسهِّل الانتباه في حالة تأهب فحسب، بل يتأكد أيضاً من أنَّ تلك المناطق لديها خطوط مفتوحة للاتصال ببعضها بعضاً".

تضمنت الدراسة إجراء مسح مباشر لمناطق معينة من الدماغ عند مرضى الصرع في أثناء مشاهدتهم لأهداف بصرية، حيث طُلِب من المشاركين اكتشاف الأهداف على الشاشة دون تحريك أعينهم، ثمَّ الضغط على زر للإشارة إلى أنَّهم رأوا الهدف فعلاً.

ما وجده الباحثون أنَّه عندما ركز المشاركون انتباههم على هدف ما، عدلت مناطق معينة من الدماغ مسؤولة عن الانتباه دورات الاستثارة خاصتها، بحيث تتطابق دورات هذه المناطق فيما بينها؛ في حين لم تُظهِر المناطق الأخرى غير المسؤولة عن الانتباه مثل هذه التغييرات من حيث الاستثارة.

اقترح الباحثون أنَّه عندما تكون مناطق الدماغ المتعلقة بكشف التحفيز عند مستويات مرتفعة من الاستثارة، فمن المرجح أن يلاحظ الناس هذا التحفيز؛ وعلى النقيض من ذلك، عندما تكون مستويات الاستثارة منخفضة في هذه المناطق، فإنَّ احتمال كشف إشارة التحفيز يصبح أقل بكثير.

شاهد بالفيديو: 11 وسيلة لتعزيز القدرات العقلية والذاكرة والتحفيز.

نظام مكافحة تشتت التركيز في الدماغ:

تشير دراسة حديثة أخرى إلى أنَّ الدماغ يعمل فعلياً على منع إشارات معينة من أجل تجنب التشتت، ويعتقد الباحثون أنَّ قدرتنا على التركيز في موضوع ما هي جزء واحد فقط من معادلة الانتباه.

حيث يوضح الباحث الرئيس جون غاسبار (John Gaspar) ما يأتي: " تبين نتائجنا بوضوح أنَّ هذا ليس سوى جزء واحد من المعادلة، وأنَّ الكبح الفعال لإشارات الأشياء غير المرتبطة بالموضوع محل الانتباه هو أيضاً جزء آخر بالغ الأهمية".

كما يقترح الباحثون أنَّه يمكن لاكتشاف نظام مكافحة التشتت هذا أن يمنح أملاً واعداً بالنسبة إلى الاضطرابات النفسية المتعلقة بالانتباه، بما في ذلك: اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)؛ إذ قد يستفيد هؤلاء الذين يعانون من مشكلات الانتباه من منع مصادر التشتت بدلاً عن محاولة التركيز بشكل أكبر.

إقرأ أيضاً: معلومات هامة عن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط

ما سبب أهمية هذه العمليات؟

يُعدُّ فهم العمليات التي تكمن وراء الانتباه هاماً جداً؛ ذلك لأنَّنا نعيش في عالم مليء بالتشتت والإلهاءات، وقد تتنافس في أي لحظة الآلاف من الأشياء لكسب انتباهنا؛ إلَّا أنَّ قدرتنا على توجيه تركيزنا على ما يهمنا حقاً هو أمر بالغ الأهمية، لدرجة أنَّه قد يعني الفارق بين الحياة والموت في بعض الأحيان.

فمثلاً: عندما تقود سيارتك في حركة مرور مزدحمة، يمكن لقدرتك على التركيز على الطريق والسائقين الآخرين وتجاهلك لعوامل التشتت المتعددة أن يعني الفارق بين الوصول إلى وجهتك بأمان أو وقوع حادث مروري.

يوضح الباحث جون ماكدونالد (John McDonald) ذلك قائلاً: "يعدُّ تشتت الانتباه سبباً رئيساً للإصابة والموت في أثناء القيادة وفي البيئات الأخرى المحفوفة بالمخاطر، حيث إنَّ هناك اختلافات فردية في القدرة على التعامل مع التشتت، وقد جرى تصميم المنتجات الإلكترونية الجديدة لجذب الانتباه، حيث يتطلب منع مثل هذه الإشارات جهوداً كبيرة، وقد لا يبدو في بعض الأحيان أنَّ جميع الناس قادرون على ذلك".

تقدِّم لنا الأبحاث الجديدة التي تتناول كيفية معالجة الدماغ للمشكلات التي تشتت الانتباه وطريقته في تركيز الانتباه رؤى حول آلية عمل هذه العملية، كما تمنح الباحثين والأطباء طرائق جديدة للتعامل مع مشكلات تشتت الانتباه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة