ما هو عسر القراءة؟ وكيف يمكن علاجه؟

لا شك في أنَّ التعلم يسير بحياة الإنسان نحو الأفضل؛ لذا يتم الاهتمام بتعليم الفرد منذ مراحل نموه الأولى ومحاولة مساعدته على تجاوز أيَّة صعوبة يمكن أن تتخلل طريقه في أثناء ذلك؛ إذ تتعدد المشكلات التي يمكن أن تعترض تعلُّم الفرد منذ الصغر والتي تسمى في ميدان التربية والتعليم "صعوبات التعلم" والتي تشير إلى مجموعة من المعوقات التي تظهر في صورة صعوبة اضطراب في العمليات العقلية أو النفسية؛ إذ تشمل تركيز الانتباه والإدراك وتكوين المفهوم وحل المشكلات والتذكر، فالأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم يواجهون صعوبة بالتمييز والتفرقة وفهم وتحليل المعلومات على الرغم من تمتعهم بقدرات ذهنية طبيعية، وأكثر ما تكون هذه الاضطرابات واضحة في عجز الفرد عن تعلُّم القراءة بالشكل الصحيح.



ولأنَّ تعلم الفرد للقراءة يمثل نقطة التحول في حياته، فهي المصدر الأول والأهم الذي يساعده على تكوين معارفه وخبراته وتهذيب عواطفه وانفعالاته وبناء شخصيته، كما يشكل الأداة الرئيسة التي يستخدمها في نقل أفكاره، فالقراءة هي مفتاح عالم المعرفة والتراث العلمي والثقافي ووسيلة الشعوب الأولى للتواصل.

القراءة هي وسيلة التعلم في الحياة المدرسية، ولا يستطيع المتعلم المضي قدماً في أيَّة ناحية من نواحي التعليم إذا لم يتمكن من القراءة بالشكل الصحيح فهي القاسم المشترك بين جميع العلوم، فاكتساب القراءة ومهاراتها ضروري جداً للفرد، والضعف فيها يؤدي إلى ظهور فئة من التلاميذ يعانون من صعوبات في تعلم القراءة أو ما يُعرَف بالعسر القرائي "ديسليكسيا" وهو الاضطراب الأشهر في الحياة المدرسية؛ إذ برز الاهتمام بهذه الفئة مؤخراً بشكل كبير في الدراسات التربوية والنفسية في محاولة للتدخل السريع في هذه الحالات وإيجاد الحلول لها لرفع كفاءة الأطفال ومساعدتهم على زيادة تحصيلهم الدراسي.

أولاً: ما هو عسر القراءة؟

يُعَدُّ عسر القراءة من صعوبات التعلم الأكاديمية التي تشمل بالإضافة إلى عسر القراءة عسر التهجئة والكتابة والعمليات الحسابية، ويُذكر في الدراسات التربوية والتعليمية أنَّ أول من أطلق مصطلح "ديسليكسيا" الذي تمت ترجمته إلى اللغة العربية بـ "عسر القراءة" كان "رودولف برلين" في عام 1887، أما عن أصل كلمة "ديسليكسيا" فأصلها إغريقي مكونة من مقطعين الأول "ديس" وتعني "مرض" أو قصور، والثاني "ليكسيا" وتعني "الكلمات" أو المفردات، وهكذا فإنَّ كلمة "ديسليكسيا" تعني صعوبة قراءة الكلمات المكتوبة.

القراءة على الرغم من أنَّها تبدو عملية تلقائية بالنسبة إلى الأكثرية، إلا أنَّها عملية عقلية معقدة تحتاج إلى الإدراك والربط والاستنتاج والتذكر، ويواجه العديد من الأطفال فيها المشكلات عند تعلمها، ووجودها يمهد لظهور مشكلات دراسية أخرى كالتأخر الدراسي وضعف التحصيل، بالإضافة إلى العديد من المشكلات النفسية مثل سوء التوافق النفسي.

يشير مصطلح عسر القراءة "ديسليكسيا" إلى الاضطرابات الخاصة بتعلم القراءة التي تظهر عند الأطفال في سنواتهم الدراسية الأولى في صورة عدم القدرة على قراءة الحروف أو الكلمات في شكلها الصحيح أو القراءة البطيئة أو الخلط بين الحروف والكلمات وحذف العديد من الحروف وعدم الالتزام بعلامات الترقيم.

مما يجب الانتباه إليه أيضاً أنَّ هؤلاء الأطفال هم من ذوي الذكاء العادي الذين لا يعانون من أيَّة مشكلات في الحواس سواء البصرية أم السمعية أم الحسية، كما يشير اضطراب عسر القراءة إلى عدم قدرة الطفل على الفهم الصحيح للكلمات التي يقرؤها، وهذا ينتج عنه صعوبة في فهم الأسئلة التي تُطرح عليه بشكل مباشر.

تعرِّف الجمعية البريطانية الـ "ديسليكسيا": هي خليط من القدرات والصعوبات الموجودة عند الأفراد التي تؤثر في عملية التعلم في واحدة أو أكثر من مهارات القراءة والكتابة والهجاء، وربما تكون هناك صعوبات أخرى مصاحبة ولا سيما فيما يتعلق بعمليات التعامل مع المعلومات والذاكرة قصيرة الأمد والتتابع والإدراك البصري والسمعي للمعلومات واللغة المنطوقة والمهارات الحركية.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتشجيع الأطفال على القراءة

ثانياً: أخطاء القراءة التي توجد عند المصابين باضطراب عسر القراءة "ديسليكسيا"

1. أخطاء في أثناء القراءة:

  • الحذف، هنا يعمد الطفل إلى حذف كلمة من جملة، مثل القول بدلاً من "ركبت على الدراجة إلى المدرسة" "ركبت على الدراجة"، أو حذف حرف أو أكثر من الجملة، مثل القول بدلاً من "ركبت الدراجة" "ركب الدراجة".
  • الإضافة وتعني قيام الطفل بإضافة حرف أو أكثر إلى الكلمة أو كلمات إلى النص لا تنتمي إليه في الأصل، كالقول "ذهبت" بدلاً من "ذهب".
  • الإبدال ويعني قيام الطفل بإبدال كلمة مكان كلمة في النص، وأحياناً تكون هذه الكلمة تحمل بعضاً من معنى الكلمة الأساسية، كقوله "ذهب الطلاب في رحلة" بدلاً من "ذهب التلاميذ في رحلة".
  • التكرار حيث يقوم الطالب هنا بتكرار الكلمة عند الوقوف عليها في النص أكثر من مرة، فيقول مثلاً "ذهب التلاميذ.. ذهب التلاميذ في رحلة".
  • عكس الكلمات والتبديل بين أماكن الحروف في الكلمة الواحدة: إذ يقوم الطالب بقراءة الكلمة بشكل معكوس، فبدلاً من قراءة كلمة "رز" يقول "زر"، ويُعَدُّ هذا النوع هو الأكثر شيوعاً من بين أخطاء القراءة.
  • القراءة السريعة وغير الصحيحة إذ يعمد الطفل إلى القراءة بشكل سريع وحذف الكلمات التي لا يستطيع قراءتها.
  • القراءة البطيئة إذ يقوم الطالب بقراءة بطيئة للنص حتى يتمكن من التعرف إلى الكلمات، وهذا يضعف قدرته على الربط بين الكلمات، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف الفهم أو فقد المعنى المراد من النص.
  • القراءة بصوت جهوري مرتفع مبالغ به.
  • عدم القدرة على قراءة علامات الترقيم بشكل صحيح إذ يتوقف الطالب في الأماكن غير الصحيحة ويستخدم إشارات الاستفهام أو التعجب بغير مكانها المناسب.

2. أخطاء القراءة المتعلقة بالاستيعاب:

  • عدم تمكُّن الطالب من اتباع التسلسل الصحيح في سرد الكلمات أو الأرقام.
  • عدم تذكُّر العنوان الأساسي أو الموضوع للنص.

3. أخطاء تتعلق بأسلوب القراءة:

  • فقدان مكان القراءة الذي وصل إليه باستمرار؛ إذ يفقد مكان الكلمة في أثناء تنقله بين الأسطر.
  • التحرك في أثناء القراءة بشكل يشتت انتباهه ويفقده تركيزه.
إقرأ أيضاً: أهم النصائح لعلاج التأخر اللغوي لدى الأطفال

ثالثاً: أسباب عسر القراءة "ديسليكسيا"

في الواقع يعود سبب عسر القراءة الذي يصاب به التلميذ إلى مجموعة من الأسباب، فمنها ما يرجع إلى تلميذ بذاته، ومنها ما يتعلق بالبيئة التي تحيط به، وهناك ما يتصل بالمعلم الذي يقوم بتدريس الطفل.

1. الأسباب الذاتية:

  • الحالة الصحية للتلميذ، وتشير إلى مجموعة الاختلالات العصبية للأعضاء المسؤولة عن التعلم، فأي خلل يصيب أحد أعضاء الجسم المسؤولة عن التعلم يؤدي إلى انحرافها عن أداء مهمتها بالشكل الصحيح، فمثلاً القراءة تعتمد على السمع الجيد، وعجز التلميذ عن سماع طريقة نطق المعلم للنص يشكل صعوبة لديه.
  • العوامل الوراثية؛ إذ بينت الدراسات أنَّ هناك احتمال وجود عسر القراءة لدى أكثر من فرد في العائلة الواحدة.

2. العوامل المرتبطة بالبيئة المحيطة بالتلميذ:

تشمل كافة العوامل والظروف المحيطة بالتلميذ من أسرته وأصدقائه أو البيئة المدرسية مثل طرائق التدريس وتغيير المدرسة والمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الطفل وأسلوب المعلم، مثل عدم تنويع أساليبه، وعدم تدريب التلاميذ على التجريد والتركيب، وعدم تصحيح الأخطاء القرائية، وعدم قيامه بقياس قدراتهم اللغوية وغير ذلك.

شاهد بالفيديو: 7 طرق للقراءة السريعة

رابعاً: علاج حالات عسر القراءة "ديسليكسيا"

لا يوجد تفسير واحد يمكن تعميمه على جميع حالات عسر القراءة، ومن ثمَّ لا يوجد حل واحد لها كذلك، والأمر الذي يجب التركيز عليه هو أنَّ كل تلميذ هو حالة منفردة يجب الاهتمام بها بشكل منفصل عن غيره، كما أنَّ الطرائق التي يجب على المعلم استخدامها تختلف عن الطرائق التي يستخدمها ضمن الصف العادي، وتعتمد هذه الطرائق على الوسائل البصرية والسمعية والحسية، وأيضاً يجب أن تكون هذه الطرائق متنوعة بحيث تجذب انتباه التلميذ وتبعده عن الشعور بالملل.

يجب تقسيم طريقة العلاج إلى خطوات؛ إذ يُعَدُّ إتقان الخطوة الأولى شرطاً للانتقال إلى الخطوة الثانية مع ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ في التعلم، فهناك من يستغرق وقتاً أطول من غيره، ومن الطرائق المستخدمة في العلاج هناك:

  • الطريقة القائمة على تعدد الحواس في تعلم القراءة؛ أي يدفع المعلم التلميذ باتجاه استخدام كافة حواسه في القراءة، فيعمد إلى جعل الطفل يرى الكلمة ويشير إليها بأصابعه، ومن ثم يقوم بتجميع حروفها فيسمعها من المعلم ويعيد هو لفظها.
  • الطريقة الترابطية وتقوم على ربط الرمز البصري مع اسم الحرف وصوته، بالإضافة إلى أعضاء التلميذ في أثناء النطق.
  • طريقة سلنجر لاند وتقوم على التدريب على الكتابة والتدريب على السمع والتدريب البصري.
  • طريقة القراءة العلاجية وتقوم على تقديم تعليم خاص بالفرد الذي يُظهر مستوى متدنياً عن زملائه في التعليم لدفعه باتجاه مواكبة زملائه.

وبالإضافة إلى تلك الاستراتيجيات توجد مجموعة من الأساليب التي يجب أن يعمل عليها المعلم في علاج عسر القراءة، مثل توفير البيئة الصفية المساعدة والخالية من عناصر التشويش، وتحفيز التلاميذ على المشاركة في الدروس وحثهم على الكتابة بخط واضح في كراسات مُعَدَّة خاصةً لهم تتضمن نماذج حل المشكلات التي تواجههم.

إقرأ أيضاً: 10 وصايا للوالدين للتعامل مع صعوبات التعلم عند الأطفال

في الختام:

يُعَدُّ موضوع عسر القراءة من أعقد موضوعات صعوبات التعلم التي تواجه التلاميذ خلال دراستهم عموماً، وهذه المشكلة تؤثر سلباً في الفرد وكذلك في المجتمع الذي يعيش فيه، وعسر القراءة هو عبارة عن خلل خاص باللغة والقدرة على قراءة الكلمات واستيعاب معناها والتمييز بينها كذلك، فهو يعرقل عملية التعلم ويضعف الحماسة والدافعية للتعلم ويتسبب بضعف التحصيل والعديد من المشكلات النفسية للفرد، مثل سوء التكيف وقلة الثقة والرغبة في العزلة.

تتلخص أسبابه بالأسباب الذاتية المتعلقة بالتلميذ، كالأسباب الانفعالية والحالة الصحية له، وأسباب خارجية تتعلق بمحيطه الاجتماعي وبيئته المدرسية، وهو اضطراب يمكن علاجه ولكنَّه بحاجة إلى استخدام الاستراتيجية المناسبة والكثير من الصبر من قِبل المعلم وأسرة التلميذ.

المصادر:

  • نغراوي الضاوية و باقادي مباركة، عسر القراءة وعلاقته بالتوافق النفسي لدى تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، جامعة أحمد دراية، الجزائر، 2020
  • أوعيش سهام، علاقة الوعي الفونولوجي والحلقة الفونولوجي بعسر القراءة، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2015
  • عشير مروة و قيداوم وسيلة، عسر القراءة لدى تلاميذ الطور الثاني أسبابه وعلاجه، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2020



مقالات مرتبطة