ما هو الوطن الحقيقي؟

ليس هناك أجمل من كلمة وطن وليس هناك أجمل من كلمة حضن الملازمة لكلمة أم، وفي الحقيقة، يتقاطع مفهوم الوطن مع مفهوم الأم؛ فكلاهما يمثلان الرحم الدموي ومكان ولادة الإنسان ونموه وتطوره، ولا شك أنَّ هذا الرحم الأبدي دائم الخصب والعطاء والتجدد، وهناك إضافة إلى ذلك حبل سري دموي يربط بين الوطن وأبنائه فلا يستطيعون البعد عن وطنهم تماماً مثل السمكة تموت حين تفارق الماء، ولا يمكننا نحن البشر أن نعيش بلا وطن وهوية وعنوان وتاريخ وأصل.



ما هو الوطن؟

كلمة الوطن كلمة واسعة ومتشعبة تمتد لتشمل معانٍ عدة عظيمة في مضمونها؛ إذ تشير إلى المكان أو البقعة الجغرافية التي يقطنها الإنسان القديم ويقيم فيها، كما تشير كلمة في الأصل إلى مكان ولادة الإنسان وأصوله العرقية والتاريخية وإلى المكان الذي ترعرع فيه الإنسان، فصار جزءاً لا يتجرأ منه وتلوَّن بملامح هذا الوطن وانطبعت جغرافيته وطبيعته الساحرة في روح وقلب وعقل الإنسان الأصلي، فيتشرب هذا الحب ويسري في دمه ويعيش مدى الحياة مخلصاً لوطنه وشعبه وجذوره الأولى ومسقط رأسه ومكان دفنه.

إنَّ للوطن قدسية خاصة وفريدة وعميقة، فهو من أقرب الأشياء إلى النفس البشرية، ويتصف الوطن بأنَّه غير ملموس ولكنَّه محسوس، كما أنَّه يشكل أغلى ما يملك الإنسان، فهو سر انتمائه وسعادته ونشأته ونجاحه وحلاوة عيشه وسر طباعه الجميلة التي ارتبطت بتاريخ هذا الوطن ونشأته وملامحه وانتصاراته وخيباته وعدد مرات سقوطه وفشله وآلامه وعدد مرات انهياره وهزائمه وإنجازاته وحروبه على مر الزمان.

لعلَّ أبرز وأهم ما يربط الإنسان بوطنه الأصلي والحقيقي هو الذكريات الجميلة أحياناً والمؤلمة أحياناً أخرى، وتتعلق هذه الذكريات بالأهل والأصدقاء والأولاد والأحبة وأهل القرية وحكايات الأجداد إلى جانب موقد الحطب والنزهات والحفلات والمبادرات والأحزان والمآتم، وغيرها من المناسبات الثقافية والاجتماعية والدينية والفكرية والوطنية التي ترتبط بتاريخ ونشأة وتفاصيل هذا الوطن.

يتجلى حب الأبناء لوطنهم الغالي من خلال اندفاعهم لمناصرة وطنهم والدفاع عنه وصون كرامته وأرضه وعرضه ومحاربة أي عدو يريد أن ينال من صمود وعظمة وكرامة هذا الوطن، كما يظهر هذا الحب من الأفراد تجاه وطنهم من خلال سعيهم الدائم في سبيل الحفاظ على ممتلكاته، وحماية كل ما يتعلق به من أراضٍ ومعامل ومتاجر، والخوف عليها من الاندثار والخراب بفعل أيادٍ خبيثة تعمل على تخريب كوكب الأرض وإفساده وإيذاء البشر الطيبين الذين يعشقون وطنهم ويسعون إلى أن يبقى الوطن عزيزاً وصامداً وشامخاً كما عهدوه.

ما هي أهمية الوطن بالنسبة إلى الإنسان؟

لو أردنا أن نتطرق إلى الحديث عن أهمية الوطن ومكانته في قلب كل إنسان ارتبطت نشأته بتاريخ هذا الوطن، فلا يكفينا بضعة سطور أو بضع كلمات نكتبها فوق بعضها، وبِوصف الوطن رحماً وأماً وحضناً فمن الطبيعي أن يمثل بمعانيه المتفردة والجميلة بالنسبة إلى الإنسان الهوية والعنوان والوجود والتاريخ، ففي ظل الوطن يحيا الإنسان بكرامته مفتخراً بانتمائه وهويته ووجوده واستمراره فيه.

يمنح الوطن الإنسان صفة المواطنة مثلما يمنحه الكرامة وأشياء أخرى معنوية قد لا يجدها في أي مكان آخر، فالوطن هو شجرة العائلة وصلة القرابة، وهو أوكسجين الإنسان والعصب الرئيس المحرك للحياة والوقود الكامل الذي يستمد منه الإنسان الطاقة فيباشر بالإنجاز والفعل ويتحلى بالقوة والشغف والتحدي.

هناك مشاعر معنوية ونمط حياة كريمة وحقوق إنسانية قد لا يحصل عليها الإنسان إلا في وطنه الأم والأول، مثل حق الإنسان في ممارسة الانتخاب، وحقه في ممارسة شعائره الدينية ومراسمه الخاصة بكل حرية ودون أن يتعرض للإيذاء من قِبل أي شخص، وحقه في الاحتفال بالأعياد والأفراح على طريقته الخاصة كما ورثها عن آبائه وأجداده، وحقه في ممارسة طقوس العزاء والتشييع والأحزان، وحقه في الحصول على الأمن والأمان والاستقرار والعيش بسلام وسكينة وراحة بال، والحصول على فرص متكافئة وعادلة ومضمونة من التعليم والمساواة بين الجنسين، وتأمين الغذاء والمأكل والملبس والشراب والدواء والضمان الصحي وغيرها من الحقوق المشروعة.

شاهد بالفديو: 6 فوائد عظيمة للتطوع

ما هي واجبات الفرد أو المواطن تجاه وطنه الأم؟

  1. من واجب الإنسان تجاه وطنه أن يدافع عن هذا الوطن ضد أي عدو غاشم وأن يهبَّ للدفاع عن أرضه وعرضه وماله ضد أي مستعمر سواء من داخل البلاد أم من خارجها.
  2. من واجب الإنسان تجاه وطنه أن يحافظ على ممتلكات بلاده الثمينة ويحرس أراضيه وخيراته ورزقه الوفير وأشجاره المثمرة، وأن يسهر على راحة وأمن وأمان واستقرار حدوده، كما ينبغي على الإنسان أن يصون عرض وطنه وكرامته، وأن يجعل هذا الوطن جنة خضراء وصورة من صور إبداع الخالق عز وجل. من خلال هذه الخطوات البسيطة والضرورية يكون الإنسان قد أدى أمانته ونصر بلاده وعمل بأوامر الله سبحانه وتعالى ونفذ وصية رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذي أوصانا بالحفاظ على خيرات بلادنا وصون عرضها وإبقائها دائماً نظيفة ومشرقة.
  3. يجب أن يقدم هذا الإنسان من نفسه مثالاً واضحاً وجميلاً يُحتذى ويُقتدى به في التضحية من أجل الوطن والإخلاص له والموت في سبيل أن يبقى الوطن وأهله ينعمون بالعزة والكرامة والعيش الرغيد والسعادة الأبدية والسكينة الدائمة.
  4. يجب على المواطن ألا يدخر أي جهد في سبيل بناء الوطن وازدهاره ورقيه.
  5. من واجب الفرد تجاه وطنه أن يسخر علمه في سبيل خدمة الوطن ورفع سمائه عالياً وأن يوجه كل قواه وطاقته الجسدية والروحية والعقلية والنفسية نحو مساعدة الناس الفقراء والمساكين، وأن ينصر الضعفاء والمظلومين والمستضعفين والمضطهدين، كما ينبغي على المواطن أن يساهم في مبادرات إيجابية ومشاريع تطوعية غير ربحية وغير هادفة إلى تخزين رصيد مالي في البنك؛ بل تكون هادفة لخدمة المجتمع وتحسين ظروفه وتأمين احتياجاته ورفع مستوى حياته ونقله إلى مكان أفضل بكثير.
  6. التزام المواطن بقوانين بلاده وأحكامه وأنظمته، وعدم التعدي على شرائعه أو الخروج عن القانون، واحترام صاحب السلطة والسيادة.
  7. محاربة الفساد وتجريمه بأنَّه مخالف للقانون والأخلاق والدين والقيم الإنسانية، وتبليغ الجهات المتخصصة عن أيَّة محاولة سرقة أو اغتصاب أو اعتداء.

في الختام:

إنَّ الوطن هو كل شيء؛ فهو الأمان والحضن والاستقرار والسعادة الدائمة التي لا تنطفئ والسكينة الأبدية التي لا تغيب، فما أحوجنا اليوم وأكثر من أي يوم مضى إلى وطن حقيقي دافئ يوزع الحب مجاناً على الفقراء والأطفال ويمنحهم الضحكات.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة