ما هو الدافع الخارجي وكيف يعمل؟

صرخَ صديقي تومي: "ماء! أحتاج ماءً!"، والتفتَ كلُّ مَن في المطعم ليرى ما يجري، فجلسنا نحن الباقون نسخر منه وهو يختنق ويتلوَّى في كرسيه. ما كان علينا أن نسخر من مصيبة شخص آخر، فمِن الواضح أنَّه في ورطة، ونحن لم نتعامل مع الحادثة بلامبالاة، فالأمر ليس مثلما قد تظنُّون.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن تجربةٍ شخصية للكاتب "ريك أورنيلاس" (Rick Ornelas) والذي يحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في مسألة الدافع الخارجي.

كان تومي ضحية الدافع الخارجي، فجلبَ المصيبة إلى نفسه من خلال التباهي بقدرته على تناول صلصة الوسابي، وتباهى إلى درجة أنَّ تباهيه ذاك أدى إلى ظهور تحدي تناول الصلصة الشهير، الذي يَحدث عادةً في مثل هذه الحالات، وكان التَّحدي أنَّه لن يَقدر على أكل صلصة الوسابي من جميع أطباقنا دفعةً واحدة والتي كانت كمَّيتها تعادل مغرفةً كاملة. عبَّر تومي عن خلاف ذلك بتبجُّحٍ عظيم اضطرَّنا إلى تحدِّيه.

اتفقنا على شروط التحدي بصوت واضح وعال، ولم يتراجع تومي؛ بل انتظرَ منَّا أن نرفع سقف التحدي، مدركاً أنَّنا سنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ولم نكن على وشك الاستسلام أيضاً؛ لذا فعلنا الشيء المنطقي التالي الذي يَحدث في مثل هذه المواقف، فجمَعنا مالنا الذي كان قليلاً كمال أيِّ طالب في الجامعة وقدَّمنا له عرضاً لا يمكِنه رفضه.

قلتُ: "سنعطيك عشرين دولاراً إذا أكلتَ مغرفة الوسابي الكاملة ولم تتقيَّأ".

أجاب: "اتفقنا".

حددنا درجة المحفز الخارجي من خلال تحديد المبلغ الذي سيجنيه إن ربح التحدي، وكانت نتيجة تومي لا تزال غير معروفةٍ حينها، ومع ذلك، كانت حماسته للحصول على المال الشيء الوحيد المؤكد، سواء نجح أم فشل.

ما حدث في دماغ الشاب تومي البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً، يتعلَّق بالخلايا العصبية، ويكمن تفسيره من خلال تفسير عمل دائرة الدماغ المعروفة باسم "نظام المكافأة".

شاهد بالفيديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

نظام المكافآت في دماغنا:

تتواصل الخلايا العصبيَّة في مناطق الدَّماغ المختلفة باستخدام الدوبامين، وتشكِّل نظام المكافآت، وتُعالج الأحداث المرتبطة بالحصول عليها، وبالتالي تُحفِّز السُّلوك، حيث تُنشَّط هذه الخلايا العصبية المُطلِقة للدوبامين عندما نتوقع الحصول على مكافأةٍ، كما يعزز الدوبامين أيضاً الذكريات المتعلقة بهذه المكافآت.

إنَّ توقُّع الحصول على المكافآت هو ما يؤثِّر بقوة في ردود الفعل العاطفية والذكريات، ولا تفعل المكافآت بحد ذاتها ذلك، ويَحدث التعلم بهذا الشكل عندما نختبر شيئاً غير متوقعٍ؛ أي عندما تختلف المكافأة الفعليَّة عمَّا كُنَّا نتوقعه، وإذا كانت المكافأة أكبر من المتوقَّع، تزداد إفرازات الدوبامين، وإذا كانت المكافأة أقل من المتوقَّع، تقلُّ إفرازات الدوبامين.

كان الدوبامين في جسد تومي يُفرز بقوة؛ بسبب كلٍّ من التوقعات التي تدور في خِلده والغرور الذي يحتل عادةً فكر المراهقين. لا يتخذ المراهقون المغرورون وحدهم القرارات السخيفة دائماً؛ فعملية اتخاذ القرار التي تتأثر في العاطفة تتغير مع تقدُّم العمر، وقد يمارِس المراهقون سلوكات خطرة؛ لأنَّ أدمغتهم لا تزال في مرحلة النضج، ولأنَّهم يتوقون إلى نَيل القبول بين أقرانهم، كما ويمكِن للبالغين الأكبر سنٍّ أيضاً اتخاذ القرارات الخطرة، حيث تتضاءل وظيفة قشرة الفصِّ الجبهيِّ مع تقدُّم العمر.

ما هو الدافع الخارجي وكيف يعمل؟

الآن بعد أن أوضحنا الآلية التي يعمل وفقها دماغ تومي، دعونا نلقي نظرةً أكثر تعمقاً على الأمر لكي نساعدكم على فهم مصدره وكيف يؤثِّر في سير حياتكم.

تُعرِّف جمعية علم النفس الأمريكية (The American Psychological Association) الدافع الخارجي وطريقة عمله على النحو التالي:

الدافع الخارجي: هو حافز خارجي يدفعك إلى المشاركة في نشاطٍ معيَّنٍ، وخاصة ذاك الحافز الناشئ عن توقُّع العقوبة أو المكافأة، كأن تقول: "أريد حقاً أن أحصل على هذه الترقية لأجني مزيداً من المال"، أو كما حدثَ في حالة تومي: "أريد عشرين دولاراً؛ لذلك سآكل صلصة الوسابي هذه".

من ناحيةٍ أخرى، يُعدُّ الدافع الداخلي حافزاً للمشاركة في نشاط معيَّن، وهو نابعٌ عن الاستمتاع بالنشاط نفسه، لا عن فوائد خارجية يمكِن الحصول عليها، كأن تقول: "سأعمل بجدٍّ للحصول على هذه الترقية لأكون أسعد في عملي"، أو كما حدثَ في حالة تومي: "سآكل صلصة الوسابي هذه، لأنَّني أستمتع بالنَّكهة".

كان المثال أعلاه حالة واضحة عن الدوافع الخارجية؛ فقد حُفِّز تومي بفعل المكافأة المالية التي دفعَته إلى المشاركة في نشاطٍ لا يشارك فيه عادةً.

الدافع الخارجي: هو سلوك تُحرِّكه المكافأة، وإنَّه نوع من الإشراط الاستثابي أو ما يُعرَف أيضاً بالإشراط الإجرائي، (وهو طريقةٌ للتعلم تستخدم مبدأ المكافأة أو العقوبة لتربط بين سلوك ما ونتيجته، وبالتالي تؤدي إلى تعزيزه أو منع استمراره وفقاً لنتيجته).

عرَّف عالم النفس "بورهوس فريدريك سكينر" (B.F. Skinner) طريقة التَّعلُّم التي تقول أنَّ عواقب الاستجابة هي ما يُحدد احتمالية تكرار الفعل، وهذا يعني أنَّ السُّلوك الذي يُكافَأ المرء ويُشجَّع على فعله؛ من المرجَّح أن يتكرر، وأنَّ السلوك الذي يُعاقَب المرء على فعله؛ سيتكرر بشكلٍ أقل، وفي حالة الرِّهان الذي حصل مع تومي، فإنَّ توقُّعه أن يُدفع له المال هو المكافأة التي عززَت سلوكه.

إقرأ أيضاً: 15 خطوة لتعزيز دوافعك اليومية

تطوير الدافع الخارجي:

من أين نشأ سلوك تومي إذاً؟ منذ أن كُنَّا صغاراً، كُنَّا نتعلَّم من كلِّ موقف، ومن آبائنا، وأصدقائنا، ومعلِّمينا، ومجتمعنا. يَحدث هذا عادةً عن طريق محاكاة السُّلوك كما تفعل جميع الأجناس الاجتماعية من الكائنات، فنتأثَّر باستمرار، سواء أدركنا ذلك أم لا.

عَلِم تومي أنَّه يُمكِن أن يُكافَأ على سلوكه في مرحلة ما من ماضيه، ربما كان السَّبب في ذلك هو الدولار الذي حصل عليه في كل مرَّة أحضر فيها مقالةً نال العلامة الكاملة عليها، أو ربما كان السبب مخصَّصاته الشهرية التي شكَّلت البذرة لنشوء الدافع، فكان لهذه الأمور أيَّاً كانت طبيعتها تأثير طويل الأمد.

سنورِد فيما يلي بعض الأمثلة المستوحاة من مرحلة الشباب والتي تساعدكم في رسم صورة واضحة تختلف عن صورة تومي.

المكافآت الخارجية الملموسة:

  • المشاركة في الألعاب الرياضيّة من أجل الجوائز أو المكافآت.
  • تنظيف غرفتك لتجنُّب صراخ والديك.
  • التنافس في مسابقة للفوز بمنحة أو جائزة.
  • الدراسة لأنَّك تريد درجة جيدة في الفصل.

المكافآت الخارجية النفسية:

  • القيام بأعمال خيرية للفت الانتباه.
  • مساعدة زميل في الفصل للحصول على مدح من المعلِّم.
  • فعل شيء لتجنُّب إصدار الآخرين أحكام بحقك.

لا تنفكُّ المحفزات الخارجية تلعب دوراً في حياتنا، بينما نتطور وننمو، فالعمل هو أحد أكثر المجالات التي نرى هذا التأثير فيها. يتذكَّر كثيرٌ منكم ممَّن يقرؤون هذا المقال أول عمل مارسوه عندما كانوا مراهقين، ولا يختلف الأمر إذا كنتَ تعمل في مطعم للوجبات السريعة أو في مركزٍ تجاري، ويعني كونك جزءٌ من مجال العمل شيئاً واحداً هو حصولك على المرتَّب الشَّهري، وإذا كنتَ لا تتذكر عقد العمل الأول الذي أبرمتَه، فلا بُدَّ من أنَّك تتذكر تلقِّي أول مُرتَّب لك.

الحصول على المرتَّب ووجود أموال في جيبك لتنفقها على نفسك ورغباتك كان يعني الاستقلال، ويُعدُّ كسبُ هذا الاستقلال مرحلةً حاسمةً من التَّطور في هذه السَّنوات التأسيسيَّة، فهو عنصرٌ له تأثيرٌ يستمر لسنوات قادمة.

يبقى التأثير المالي واضحاً عند انتقال الشباب إلى مرحلة اختيار مِهَنهم، فعديدٌ من الأفراد يفضِّلون مهنةً براتبٍ عالٍ على مهنةٍ سيستمتعون بها أكثر أو حتى سيحبونها، فالمحفزات الخارجية تقود هؤلاء الأفراد. لم يكن تومي في مرحلة اختيار مِهنته بعد، لذلك سعى للحصول على المال بأيَّة طريقة.

تُعدُّ المكافآت المالية من أكبر مصادر الدوافع الخارجية في المجتمع هذه الأيام، إلا أنَّها ليست النوع الوحيد من الدوافع، وغالباً ما تُوفِّر المكافآت أو الحوافز الأخرى دافعاً كبيراً وتأتي في أشكال مختلفة، ويمكِن عَدُّ التشجيع أو الثناء أو الشهرة دوافع في ظروف معيَّنة، وإنَّها دوافع مأخوذة من سنوات شبابنا، حيث نتذكر جميعاً الإثارة التي أحسسنا بها جرَّاء تلقِّي نجمة ذهبية بعد أن أتقنَّا إنجاز واجباتنا المدرسية أو الإثارة التي شعرنا بها في أثناء تشجيع الجمهور بعد أدائنا الحَسَن في الملعب أو على المسرح.

يمكِن للدافع الخارجي -سواء كان مالياً أو غير ذلك- أن يلعب دوراً هاماً في عملنا وحياتنا.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتحفيز الموظفين من دون اللجوء إلى المال

قوة الدافع الخارجي:

عندما نقارن الدافع الخارجي بالداخلي، يبدو لنا أنَّ الأول أكثر فاعلية في مجتمعاتنا القائمة على المكافأة. هل سمعتَ من قبل بمصطلح "مبدأ العصا والجزرة"؟ (أو مبدأ ثواب - عقاب هو تعبير مجازي لاستخدام خليط من الثواب والعقاب للحث على السلوك المرغوب).

في عام 1964، طوَّر عالم النفس "فكتور فروم" (Victor Vroom) ما أسماه نظرية التوقُّع (expectancy theory) ليشرح كيف يَعمل الدافع الخارجي، واستناداً إلى بحثه، خَلُص إلى أنَّ الحافز الخارجي يحتاج إلى ثلاثة عناصر هامَّة ليحفِّز فعلاً:

  • التوقُّع: أي الايمان بالقدرة على تحقيق المكافأة، فلدى الناس توقعات ومستويات مختلفة من الثقة حول ما هم قادرون على القيام به.
  • الوسيلة: أي الإدراك الحسي الذي يمكِن التعبير عنه باحتمالية أن يكون هناك مكافأة في الواقع.
  • التكافؤ: أي عمق الرغبة بالمكافآت.

من الهام ملاحظة أنَّ بحث "فيكتور فروم" أُجري مع موظفين في شركة، لذلك فإنَّه ليس نظريةً موحدةً تناسب الجميع. ومع ذلك، لا تزال الحقائق تقول أنَّ الكثيرين منَّا سوف ينخرطون في فعل أيِّ نشاطٍ بناءً على المكافأة التي يقدِّمها، كما كان الحال مع صديقي البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً.

قد تتساءل كيف أبلى تومي في رهان تناول صلصة الوسابي، لنقل فقط أنَّه تعب تعباً شديداً ولم يطالب بمبلغ العشرين دولاراً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة