ما هو التعليم المبرمج؟ وما هي مجالات استخدامه؟

هل سبق أن سمعت بتقنية التعليم المبرمج؟ وهل سبق وتساءلت عن اختلاف هذا النوع في التعليم عن بقية أنواع التعليم؟ فما هو التعليم المبرمج؟ وما هي مجالات استخدامه؟ من خلال هذا المقال سنتعرف أكثر إلى معنى هذا المفهوم ودور هذا النوع من التعليم في تعزيز فاعلية التعلم الذاتي، وكيف يساعد التعليم المبرمج على ضبط سلوك المتعلم؟ وما هي الأدوات المستخدمة لتحقيق ذلك؟ وما هي مجالات استخدام هذا النوع من التعليم؟



ما هو التعليم المبرمج؟

يمكن تعريف التعليم المبرمج على أنَّه تقنية من تقنيات التدريس المتعددة يهدف استخدامه إلى تحسين طرائق التدريس وتطوير أدواته؛ إذ يعمل التلميذ بنفسه وبناءً على سرعته الخاصة، وهو بذلك استراتيجية تضم معظم التقنيات التعليمية الحديثة، ويتم فيه استخدام سلسلة من العمليات المُعدَّة مسبقاً لتشكل معاً مجموعة واحدة تقدَّم للمتعلم ليصل في النهاية إلى أغراض سلوكية محددة في التعليم.

يُرجع بعض الباحثين فكرة التعليم المبرمج إلى عهد "سقراط"؛ إذ كان يتفاعل مع محدِّثه ويجذبه في أثناء الحوار حتى يصل معه إلى الهدف المنشود، في حين يُرجعه آخرون إلى "كوانتليان" أو "كومينوس" وغيرهما من المربين الذين استخدموا في عملية تعليمهم أساليب مشوقة وجذابة.

يمكننا القول بدقة إنَّ التعليم المبرمج مدين بشكل أساسي إلى علماء النفس وخاصةً "سكنر" أستاذ علم النفس في جامعة "هارفارد"؛ إذ بدأ رسالته من هناك ليبدأ عهداً جديداً من التعليم مستفيداً من الإشراط الإجرائي في علم النفس؛ أي تهيئة البيئة والظروف التي تعنى بنشاط المتعلم حتى يعمل بشكل أفضل ويحقق نتائج أكثر، لتستمر بعدها عملية التعلم على شكل سلسلة يُكافأ فيها المتعلم وتعزز إجاباته حتى يصل في النهاية إلى تحقيق أغراض التعلم.

بعد مجموعة كبيرة من التجارب توصَّل "سكنر" إلى أنَّ أي متعلم سواء أكان حيواناً أم إنساناً فإنَّه يعمل بفاعلية أكبر إذا عززته وقدمت له تشجيعاً ومكافآت على عمله، فيميل إلى التكرار بسبب هذا التعزيز، فالتكرار وحده لا يسبب تثبيتاً للعمل أو الفعل أو الاستجابة المتوقعة؛ بل ما يفعل هذا هو المكافأة، وبهذا وصل "سكنر" إلى القانون الآتي في عملية التعلم: "تتكرر الاستجابة عندما يعقبها الثواب، وتترسخ الاستجابة عن طريق المكافأة الممنوحة".

أهداف التعليم المبرمج:

الهدف الأساسي للتعليم المبرمج هو التأكيد على فكرة التعليم والتعلم الذاتي وتقليل الرسوب بشكل كبير، ويمكن تحديد أهدافه الأخرى بالنقاط الآتية:

  1. التعليم بأسلوب الممارسة.
  2. التعليم وفقاً لسرعة التلميذ.
  3. الوصول إلى مرحلة يستطيع فيها المتعلم التعلم دون معلم.
  4. عرض المعلومات وفقاً لتسلسل منطقي.
  5. قدرة التلميذ على تقييم أدائه بنفسه.

الأساس السيكولوجي في التعليم المبرمج:

كما ذكرنا منذ قليل يدين التعليم المبرمج بالدرجة الأولى إلى علماء النفس؛ إذ اشتُقت مبادئ هذا التعليم من سيكولوجية التعلم تبعاً للمدخل السلوكي لعملية التعلم، هذا المدخل المؤلف من العناصر الآتية:

  1. المثير: وهو حدث ما يؤثر في واحدة أو أكثر من حواس الإنسان.
  2. الاستجابة: من خلال مجموعة من السلوكات التي يبديها الإنسان، وقد تكون في عملية التعلم على شكل قراءة نص أو حل مسألة.
  3. التعزيز: أو ما يسمى التغذية الراجعة في الميدان التربوي والتعليمي، ويعطى بعد حدوث الاستجابة.

على غرار هذا وضع "سكنر" مخططه لعملية التعليم؛ إذ يتألف كل إطار من:

  1. المعلومات التي تُعطى للمتعلم وهي المثير.
  2. إجابة المتعلم وهي الاستجابة.
  3. تعزيز الإجابات الصحيحة لتترسخ وهو التعزيز.
إقرأ أيضاً: الأساليب التدريبية الأكثر فاعلية

لماذا نحتاج إلى التعليم المبرمج؟

قد يخطر في بالك أن تسأل لماذا نحتاج إلى التعليم المبرمج؟ في الواقع يعتقد بعض علماء النفس أنَّ الممارسات التربوية المعاصرة ليست فعالة، حتى إنَّها ضارة أيضاً ومنفِّرة للتلاميذ، فالجهود المنصبَّة لتطوير عملية التعلم تهمل إلى درجة كبيرة طريقة التعلم، فأغلب علماء النفس التربويين كما يقول "سكنر" قد أمضوا نصف قرن يقيسون نتائج التدريس متجاهلين التدريس نفسه.

على المتعلم أن يقدم تقريراً صحيحاً عن كل ما تعلمه، وفي حال أخطأ أو لم ينجح وصل إلى نتيجة مخزية بالنسبة إليه، وهذا ينفره من التعليم، وبهذا يكتسب التعليم هذه الصفة المنفِّرة لعدد كبير من التلاميذ، ويمكن ذكر الامتحانات بوصفها مثالاً عن هذا فأغلب المتعلمين يخافون الامتحان ويقلقون منه ويعملون على تجنبه، فهو قد صُمم من الأساس لامتحان التلميذ بما لا يعرفه.

يقوم التلميذ بسلوك التعلم في أنظمة التعليم التقليدية كي يهرب من حدوث بعض النتائج مثل صراخ المعلم عليه أو الشكوى لولي أمره أو نقد زملائه له وسخريتهم منه، وبهذا لا يكون سلوكه نحو التعليم نابعاً من رغبة حقيقية بالتعلم،

وفي هذا الصدد يضع "سكنر" ثلاثة عيوب لطرائق التدريس التقليدية وهي:

  1. الفرق الكبير زمنياً بين الاستجابة والتعزيز، فمثلاً قد يقدم التلميذ اختباراً أول الأسبوع ويحصل على نتيجته آخر الأسبوع، وقد لا تعاد إليه ورقته على الإطلاق.
  2. التعليم الجيد يقوم من الأساس على سلسلة يتقدم فيها التلميذ خطوة بخطوة نحو السلوك النهائي، ولأنَّ المعلم يقوم بتعليم مجموعة كبيرة من التلاميذ؛ فلن يَقدِر على متابعة استجابة كل تلميذ على حدة، فمثلاً لا يمكن إتقان مادة الرياضيات دفعة واحدة؛ بل يحتاج الأمر إلى سلسلة كبيرة من الخطوات.
  3. لا يحصل التلميذ عن طريق طرائق التعليم التقليدية على التعزيز الذي يحتاجه ليستمر بعملية التعلم.

شاهد بالفديو: 6 عادات يمارسها الأشخاص الذين يتقنون التعلُّم

مبادئ التعليم المبرمج:

يقوم هذا النوع من التعليم على مبادئ عدة، وسنقوم فيما يأتي بعرض مبادئ التعليم المبرمج:

1. الصياغة السلوكية للأهداف:

يعتمد التعليم المبرمج على صياغة الأغراض التعليمية صياغة دقيقة وقابلة للملاحظة والقياس والتقويم؛ وهذا يعني اعتماد المعايير الآتية؛ أن تذكر الغرض التعليمي بعبارة سلوكية تُظهر سلوك المتعلم النهائي، وأن يكون الأداء الموصوف قابلاً للقياس؛ إذ يتعلق هذان المعياران بالاستجابة، والمعيار الثالث هو بيان شرط الأداء وهذا يتعلق بالمثير، أما المعيار الرابع فهو تحديد معيار للأداء لتتمكن من تقييمه وهذا يتعلق بالتغذية الراجعة، ومثال عن غرض سلوكي معتمد في عملية التعليم المبرمج هو أن يحل التلميذ مسألة رياضية.

2. الاختبارات التجريبية لتطوير البرامج:

يوجد نوعان من الاختبارات في التعليم المبرمج؛ الأول يقيس الأداء النهائي، أما النوع الثاني فيُستخدم لتحسين وتطوير برنامج التعليم المبرمج، ويتم العمل على تطوير البرنامج بعد كل نتيجة اختبار.

3. النشاط الظاهر والفعال:

لا يقتصر عمل التلميذ على تلقي المعلومات؛ بل يجب أن يكون عمله ظاهراً مثل أن يكتب أو يرسم أو غير ذلك.

4. التعزيز الفوري:

بعد كل خطوة يقوم بها المتعلم يجب أن يعززها مباشرة، كما يتم في التعليم المبرمج إطلاع التلاميذ على نتائج أعمالهم بعد انتهائهم مباشرة من العمل.

5. خطوة بخطوة:

يعتمد هذا المبدأ في التعليم المبرمج على ضرورة تجزئة المادة الدراسية إلى أجزاء دراسية متسلسلة ينتقل فيها التلميذ من خطة إلى أخرى تدريجياً، وبشرط إتقان الخطوة الأولى.

6. السرعة الفردية:

يعمل كل تلميذ وفقاً لسرعته الخاصة بدلاً من أن يُرغم على لعبة لا تناسبه.

شاهد بالفديو: ماهو التعلم السريع؟

7. النجاح:

يتم وضع برنامج التعليم المبرمج بحيث يلغي إلى حد كبير فكرة الإخفاق أو الوقوع في الخطأ اعتماداً على مبدأ لا شيء يقود إلى النجاح أكثر من النجاح نفسه.

8. التسلسل المنطقي لخطوات برامج التعليم المبرمج:

كما ذكرنا يجب أن تُجزَّأ المادة التعليمية إلى أجزاء صغيرة، ويجب أن يخضع هذا لمعالجة تؤدي إلى إيجاد علاقة منطقية بين هذه الأجزاء، ويجب مراعاة هذه العلاقات وتسلسلها، فمثلاً لا يمكن تعليم التلاميذ أهمية عملية التركيب الضوئي قبل تعليمهم ما هي عملية التركيب الضوئي.

9. مبدأ التلميح:

يعتمد هذا المبدأ في التعليم المبرمج على وجود مجموعة من التعليمات التي تسهل اجتياز صعوبات البرنامج، وهذا يوفر سرعة في التحرك، وهذا بدوره يسبب شعوراً بالرضى بسبب النجاح والإنجاز.

ما هي مجالات استخدام التعليم المبرمج؟

مجالات استخدام التعليم المبرمج واسعة جداً، ويمكن القول إنَّه قابل للاستخدام في كل مواقف التعليم والتدريب والتأهيل، وإضافة إلى المدارس ومؤسسات التعليم يمكن استخدامه في المجالات الآتية:

  1. تدريب العاملين والموظفين في أثناء الخدمة: الأساس في هذا النوع من التعليم يعتمد على التعلم الذاتي، وبذلك فإنَّ التعليم المبرمج من أنجح الوسائل للإسهام ببرامج التدريب المستمر.
  2. الإسهام في برنامج المعلم الوحيد: عند تطبيق هذه الطريقة يستطيع المعلم أن يقوم بعمليات التوجيه والإرشاد والإشراف والانتقال من صف إلى آخر في أثناء الحصة الدراسية.
  3. التدرب على المقررات الجديدة.
  4. برمجة الموضوعات الصعبة: يمكن برمجة الموضوعات الصعبة ضمن كتيبات أو كراسات مبرمجة.
  5. استخدام التعليم المبرمج في تأهيل وتدريب المعلمين: حتى يستفيد المعلمون أيضاً من مزاياه، ومن الأمثلة عن ذلك دخول الحاسوب في مختلف مراحل التعليم.
  6. استخدام التعليم المبرمج في التعليم التقني.
  7. تطوير طرائق التدريس: الأساس في التعليم المبرمج ليس الأجهزة والأدوات المستخدَمة في التعليم؛ بل كيفية استخدامها بطريقة صحيحة وبنَّاءة.
  8. معالجة مشكلة النقص في عدد المعلمين المؤهلين أمام العدد المتزايد للتلاميذ.

إقرأ أيضاً: التعليم المدمج: أهميته، أنماطه، ميزاته، وأهم مشكلاته

الانتقادات التي وُجِّهَت ضد التعليم المبرمج:

وُجِّهَت العديد من الانتقادات للتعليم المبرمج، وسنذكر أهمها فيما يأتي:

  1. استندت نظرية "سكنر" في التعليم المبرمج إلى تجارب أُجريت على الحيوانات، وبذلك فإنَّ الإنسان الذي يدرس برنامجاً تعليمياً عن طريق التعليم المبرمج يُعامل برأيي بعضهم معاملة الحيوان.
  2. إعاقة الابتكار بسبب اتباع برنامج معين لا يسمح بقدر كافٍ من الحرية.
  3. صُممت برامج التعليم المبرمج تصميماً يسمح لكل طالب بإعطاء الإجابة الصحيحة، وهذا ما يجعل المادة سهلة، وهذا بدوره يضعف دافعية التلميذ للتعلم، كما أنَّها تُنسى بسرعة، فالمعروف أنَّ المادة أو المعلومة التي لا تُعَدُّ مشكلة ولا تحتاج إلى تفكير مطوَّل لحلها تُنسى بسرعة.
  4. تشجيع التعليم المبرمج الاعتماد على الآلة فيخفف درجة المبادرة عن التلاميذ.

في الختام:

التعليم المبرمج هو أحد مصادر التجديد في التربية، وهذه حقيقة لا مجال للشك بها، لكن يبقى التعليم المبرمج مثله مثل أيَّة آلية أو استراتيجية أخرى لا يتوقف نجاحه وأهميته عليه فقط؛ بل يرجع إلى حسن استخدامنا له وتوظيفه في المكان المناسب والاستفادة من تقنياته بالشكل الصحيح لتجنُّب أي أثر سلبي محتمل له.




مقالات مرتبطة